قال تعالى: ((إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ وَتِلْكَ الأيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَاء وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الظَّالِمِينَ)) {آل عمران/140} قَرْحٌ: بفتح القاف: الجراح، و(قُرْحٌ) بالضم: ألم الجراح على قول اكثر المفسرين.
والقرح هو ما أصاب المسلمين يوم أحد، وأصحاب المشركين يوم بدر، وقالوا: إن هذه الآية نزلت تسلية للمسلمين لما نالهم يوم احد من القتل والجراح، نهاهم عن الوهن والحزن ووعدهم بأنهم هم الأعلون إن تمسكوا بالإيمان؛ لأن المشركين كانوا قد هموا بالعودة الى المدينة، فلما بلغتهم عزيمة المسلمين على تتبعهم خافوهم، اعانهم احلافهم من بني القريضة والنضير، فدسوا نعيم بن مسعود الاشجعي، وبذلوا له جائزة كبيرة على أن يثبط المسلمين عن تتبعهم، ويقول: انهم تجمعوا وانضم اليهم حلفاؤهم وهم يريدونكم ولا طاقة لكم بهم، فأوحى الله بذلك الى النبي (ص) واعلمه ما قالوا لنعيم، فقال له المسلمون: حسبنا الله ونعم الوكيل.
(حُوبًا):
قال تعالى: ((وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)) {النساء/2} (حوباً كبيراً): يعني أن أكلكم أموال اليتامى مع اموالكم حوب كثير، أي اثم كبير، والحوب الاثم، وقيل: إن الحائب يعني القاتل.
ويرى الفيض الكاشاني في كتابه التفسير الاصفى انه ذنب عظيم، ويرى السيد مكارم الشيرازي أن هذه الآية نزلت في رجل من بني غطفان كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم، فلما بلغ اليتيم طلب ماله فمنعه عنه، خاصمه الى النبي (ص) فنزلت: ((وَآتُواْ الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلاَ تَتَبَدَّلُواْ الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ وَلاَ تَأْكُلُواْ أَمْوَالَهُمْ إِلَى أَمْوَالِكُمْ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا)) {النساء/2} فلما سمع الغطفاني ارتدع، وقال: أعوذ بالله من الحوب الكبير، والحوبة حقيقتها الحاجة التي تحمل صاحبها على ارتكاب الاثم.
(جَنَحُوا):
قال تعالى: ((وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلمِ فَاجْنَحْ لَهَا وَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ العَلِيمُ)) {الأنفال/61} الجناح هو الميل عن الحق، وأصله من جنح اليه جنوحا اذا مال اليه، والجناح الميل اجتنح أي املته فمال، وقوله: ((وَإِن جَنَحُوا لِلسَّلمِ فَاجْنَحْ لَهَا..))، أي مالوا اليك فمل اليهم، وجناحا الطائر يداه، ويدا الانسان جناحاه، وجناحا العسكر جانباه، وجناحا الوادي مجريان عن يمينه وشماله، وجنحت الابل في السير اذا اسرعت، وجنحت السفينة اذا مالت في احد شقيها، وكل مائل الى شيء جنح اليه، ((ولا جناح عليكم)) أي ميل الى مأثم، وكل ناحية جناح أي قطعة نحو نصفه.
(أَصْحَاب السَّبْت):
قال تعالى: ((نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ وَكَانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً)) {النساء/47} جماعة من اليهود كانوا قد كلفوا بتعطيل العمل والكسب يوم السبت، ولكنهم اشتغلوا بالصيد في ذلك اليوم، بالرغم من نهيهم عن ذلك، فتجاوزوا في الطغيان الحد فابتلاهم الله بأشد العقوبات، والتهديد ينطوي على جانب ظاهري ومسخ جسدي وذلك بقرينة ان الله تعالى قال في هذه الآية: (كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ) ونحن نعلم أن أصحاب السبت قد مسخوا مسخاً ظاهرياً وجسدياً.