يحاول بعض المؤرخين أن يجدوا لي مخرجاً بين معلل ومستنكر ومدلس ومغلس، لكن تبقى للحقيقة سطوتها، ولهذا سأروي لكم ما حدث.. لا أحد فينا ينكر معروف أبي ذر الغفاري، لكنه كان صلباً جافاً في مواجهتي، يعتبرني احتكرت السلطة، ووزعت أموال المسلمين لعشيرتي، وابتعدت عن نهج الرسول (ص).
ويرى اني اول من خلق ظاهرة الطبقية، وله مواقف أخرى متشددة، لكنه لا يجلس امامي يحاورني كما يفعل العلماء مع العروش، بل يقف امامي غاضباً، ليقول لي أمام جمهرة من الحاضرين:ـ انت السبب في فقر الفقراء، تقرب أولاد الطلقاء..!
ثم يروي أحاديث لم تكن المصالح تقتضي روايتها، حاولت ان اقربه وأتقرب اليه، لكنه لا يقبل أن أعطيه شيئاً من المال، ولا يمني نفسه بمنصب، فماذا يريد؟
يقول حزن رسول الله (ص) لوجود أربعة دنانير فائضة في الخزينة، يخاف أن يدركه الموت، وهي عنده، وحين وزعها ارتاح، وحين أجاز لي ذلك عالم من العلماء.. ضربه بعصا على رأسه وقال له:ـ اين انت وقول الله سبحانه تعالى: "الذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله فبشرهم بعذاب أليم".
اغضبني الرجل كثيرا، ونكل بي وبسلطاني، فصحت به: "انت شيخ قد خرفت وذهب عقلك ولولا صحبتك لرسول الله لقتلتك" لم يخف تهديدي، ولا هاب قولي، بل قال لي وأمام مهابة عرشي: "كذبت.. أخبرني رسول الله (ص) لا يفتنونك ولا يقتلونك".
ماذا افعل مع رجل يصر على اهانتي وإهانة قومي، يقول عن لسان النبي (ًص ): "اذا بلغ آل ابن العاص ثلاثين رجلاً، صيّروا مال الله دولاً، وكتاب الله دغلاً، وعباد الله خولاً، والصالحين حرباً، والفاسقين حزباً"، ولم يشهد له أحد سوى علي بن ابي طالب(عليه السلام). قلت له مرة: ماذا ابقيت لي يا أبا ذر؟
فأجابني: وماذا ابقيت انت لك، وقد جعلت المال دولة بين افراد بني امية وأنصارهم ومن والاهم، وادعيت انها سنة رسول الله (ص) على أساس انه كان يؤثر بني هاشم على سائر قريش، وصرحت امام الناس: "لو ان مفاتيح الجنة بيدي لأعطيتها بني أمية حتى يدخلوا لأستعملهم رغما على انف من رغم". قلت: لاحتمله، فناشدته باسم رسول الله أن يجيب عن سؤالي:ـ أي البلاد أحب اليك أن تكون فيها؟
فقال لي: مكة لأن حرم الله فيها، اجبته لا كرامة لك فيها، فقال:ـ المدينة فيها حرم رسول الله، قلت له: لا كرامة لك فيها، سألته حينها:ـ أي البلاد ابغض اليك؟ أجابني:ـ الربذة، قلت له: سر بها، فقال لي:ـ هذا الحوار كله اخبرني به رسول الله (ص)..!
يا الهي.. ماذا اصنع مع هذا الرجل، ارسلته الى المدينة فشكى منه الناس وواليها، ارسلته الى الشام وإذا بمعاوية يستغيث بي لإبعاده، وأهل دمشق يودعونه مشيا الى دير المران، والناس يودعونه، وحين دخل على عرشي استل سيف جرأته وهو يقول: "لا قرب الله من عصاه، وخالف امره، وارتكب هواه).
أراد العالم كعب الاحبار ان ينصحه فضربه على رأسه مرة أخرى بعصاه، فقدت صبري وقلت له: لا جمعتني وإياك دار، لقد خرفت يا أبا ذر وذهب عقلك، امرت ان يخرجوه عنوة حتى يركبوه قتب ناقة بغير وطاء، حتى وصل موعده الربذة، وذهب الحسن بن علي وأخوه الحسين وعبد الله بن عباس والفضل ليشيعوه، هذا ما رويته على ذمة الحدث ولكم ما ترونوه وما تحكمون
علي حسين الخباز
أعجبني
تعليق
مشاركة