قلت للحاج تعقيبا على تفسيره للعصر والوقت: حسب معرفتي ان العصر اسم يعنون به السنين الكثيرة. صاح الحاج: جيد. فقلت: يا حاج لكن ايضا تسميه العرب (مدة).
قال: جيد والله جيد... لو انتبهنا إلى الأوقات المتوالية مختلفة او غير مختلفة، هذا يسمى (دهر) لكن المدة مثلا مدة الشتاء اي يعنون (ايام كلها باردة) الوقت من سمة البرد، الدهر مختلف، برد على حر، على جو معتدل، بينما المدة لأيام كلها حارة مدة، وايام كلها باردة مدة..
قلت: حاج احيانا يعبرون عن المدة بالأجل. قال: جيد بني والله ادهشتني اليوم.. هما متقاربان.. قلت: حاج اذا ادهشتك فأنت حيرتني والله... ضحك الحاج وسألني: وما الفارق بينهما؟ استفسرت من؟ قال: بين الدهشة والحيرة؟ عجيب يا حاج كل مفردة في قاموسك تحتاج الى نقاش ومحاورة وقضية كبيرة. فقال: يا بني لاتهرب ودعك معي في قلب المفردتين..
أدهشتني ويعني حيرة معلنة اعرف ويعرف من يسمعني لماذا انت مندهش. أما (الحيرة) خافية كحيرة الانسان بين أمرين لايدري ايهما يقدم، ولا يظهر حيرته لأحد.. حقيقة حاولت ان اجر انفاسي واعرض القضية برمتها لاستراحة.
فكرت ان اذهب لآتي بالماء؛ فالحاج قدم جهدا كبيرا، ولابد انه يشكو العطش لكن الذي فاجأني ان تجرأ أحد الركاب فسأل: حاج هل مفردة الرحمن ابلغ ام مفردة الرحيم؟ نظرت إليه باستغراب فعلا السؤال غير عادي والرجل الذي سأل اما ان يكون مدرسا او موظفا مختصا في هذه الامر او ان يكون الرجل مثلي اعلاميا، وله رغبة ان يقع بورطة فهو لاشك يحسدني على ورطتي الكبيرة، ولاشك انه تابعها منذ الوهلة الاولى.. لكني اكتشفت من خلال اشياء مظهرية خاصة انه يواظب على الدرس الديني في إحدى المدارس الحوزوية.
نظر إلي الحاج وكأنه يريد مني ان أجيب سؤاله، وكأن هذا الرجل شاء ان يضيف الى ورطتي ورطة اخرى، وكأن الحاج غير كاف.. استغفر الله.. قلت: الرحمن ارق من الرحيم وابلغ معنا والرحيم مفردة تعني من شأنه الرحمة، والرحمن في تقدير بزمان، والمفردتان (رحمن ـ رحيم) مشتقان من الرحمة رقة القلب وعطفه... سألني الطالب الحوزوي: ما معنى قولك الرحمن ابلغ من الرحيم؟ نظرت إليه ماذا اقول لهذا الرجل؟ اخوان رجاء دعونا نستفيد من حضور الحاج بيننا فهذا الرجل غير عادي التفكير... ومثل هذه الاسئلة التي تسألونها من الممكن ان تطرح في جلساتنا العادية المكررة، وهذا سؤال ظنه صاحبه صعبا هو من السهولة العالية بسبب شهرته وأنا متأكد من معرفة السائل لجوهر المعنى..
فقلت: لو نظرنا الى الآية القرآنية لوجدناه قدم الرحمن على الرحيم في البسملة. ابتسم الحاج وهو يصيح: جيد بني. وقلت: حاج هناك مسألة اخرى لو نظرنا الى استخدام المفردتين عند الناس لوجدنا ان الرحيم لها كمفردة امكانية التعامل العام، نعم من الممكن ان تقول ان هذا الرجل رحيم، وهذا المعلم رحيم، لكن لاتستطيع ان تقول هذا الطبيب رحمن، لكون مفردة الرحمن لاتستخدم ولاتطلق الا لله سبحانه تعالى. وانا اعرف ان التفسير العام للمفردتين كما هو مضمور في صدر السائل كجواب حاضر ان الرحمن لاتشمل الا المؤمن برحمته، والرحيم مشمولة الرحمة في الدنيا والآخرة...