لقد كان السم من أشهر وسائل الاغتيال عند السلاطين. وكانت خشيتهم من أمثال الإمام الحسن العسكري (عليه السلام) وهو من القيادات الدينية المحبوبة، تدفعهم إلى تصفيتهم بمثل هذه الطريقة.
ويزيدنا دلالة على ذلك، طريقة تعامل النظام مع الإمام في مرضه، حيث أوعز الخليفة إلى خمسة من ثقاته بملازمة الإمام في مرضه، وجمع له بعض الأطباء ليرافقوه ليل نهار.
لماذا..؟ للتنصل عن مسؤولية اغتيال الإمام، أمام الجماهير.
ولأن أئمة أهل البيت يحظون باحترام أوسع الجماهير، وأن الشيعة يعتقدون بأن الإمامة تنتقل فيهم كابراً عن كابر. وها هو الإمام الحادي عشر يكاد يرحل عنهم، إذن، لابد أن يكون هناك وصي له، فمن هو هذا الوصي؟ كان الخلفاء العباسيون يحاولون دائماً معرفة الوصي عند شهادة واحد من الأئمة. وكان الأئمة يخفون أوصيائهم عند الخوف عليهم حتى يزول الخطر.
ومن جهة أخرى، كانت أحاديث المهدي المنتظر (سلام الله عليه) قد ملأت الخافقين، والعلماء يعرفون انه الوصي الثاني عشر، ومن غير المعقول ألا يعرف سلاطين بني العباس شيئاً من تلك الأحاديث، لذلك تراهم يبحثون عن المنتظر بكل وسيلة لعلهم يقدرون على إطفاء نوره الإلهي.. ولكن هيهات.
من هنا، اتخذ المعتمد العباسي تدابير استثنائية، عندما ثقل حال الإمام، وأشرف على الرحيل.
أما بعد وفاته، فقد أمر بتفتيش داره، ومراقبة جواريه، ولم يكن يعرف أن الله بالغ أمره وان الإمام المنتظر قد ولد قبل أكثر من خمس سنوات، وأنه قد أخفي عن عيون النظام، وأن صفوة الشيعة قد بايعوه.
وهكذا رحل الإمام يحملني بين القلب لوعة وألماً، بعدما جهزني المعتمد، وبعد وفاته وغسله وتكفينه، صلى عليه من طرف السلطة أبو عيسى ابن المتوكل نيابة عن الخليفة، وبعد الفراغ كشف وجه الإمام، وعرض على الهاشميين والعلويين - بالذات - وكبار المسؤولين، والقضاة والأطباء.
وقال: هذا الحسن بن علي بن محمد بن الرضا، مات حتف أنفه على فراشه، وحضره من خدم أمير المؤمنين وثقاته فلان وفلان، ومن القضاة فلان وفلان، ومن المتطببين فلان وفلان، ثم غطى وجهه الشريف.
وهذا الاجراء جاء لنفي تورط السلطة في قتل الإمام. مما يدل على أنها كانت متهمة من قبل الناس بذلك.
هكذا رحل الإمام، وخلف وراءه مسيرة وضاءة ليهتدي بنورها الأجيال.. ودفن في مقامه الشريف في مدينة سامراء عند قبر والده، حيث لا يزال المسلمون يتوافدون للسلام عليه.
فسلام الله عليه يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حياً..
وسلام الله على شيعته وأتباعه إلى يوم القيامة.
كانت شمس الإمامة تميل إلى المغيب، حيث قدّر الله أن تشع هذه الشمس من وراء حجاب الغيبة الصغرى ثم الكبرى، لذلك قام الإمام الحسن العسكري (سلام الله عليه) بدورين هامين:
أولاً: التأكيد على بصيرة الغيبة وأخذ البيعة لولي الله الأعظم الإمام المنتظر (عجل الله فرجه).
ثانياً: ترسيخ قواعد المرجعية الدينية، والبيعة للمنتظر (عليه سلام الله)، راجياً من الله أن لا يؤاخذني، فأنا لا حول لي وإلا لكنت أبعدت نفسي عنهم، وهم الذين قتلوا بي أغلب الأئمة (عليهم السلام).