في تجربة الشاعر كريم العرداوي
تساهم تجربة المبدع الحقيقي في دفع القصيدة الى التعلق في ذاكرة القراءة، كي ينمو ويتنامى الفعل الشعري بمعادلات ايحائية تبتعد عن الدبلجة والاستنساخ والصيغ السهلة، سعيا لتأهيل النصوص لمناخ جمالي... وتجربة الشاعر الحسيني (سيد كريم العرداوي) تعتبر من التجارب الشعرية الناضجة التي سعت الى بلورة الشعر داخل البنية النصية، والاشتغال الحداثوي، للتراكيب الجملية من انزياحات تتنامى مع الواقع بشكل فني:
(يا أجمل لغات الآه... يا آية رسول الله)
ويذهب الى فضاوات التأثير عبر بنى ابتكارية تحمل رؤى متوهجة ومعادلات موضوعية تساهم في تصعيد الذروة:
(نحرك ملتقى الأديان... بيه الأنبياء تطوف
وبعيونك حضور الكون... من كل العصور نشوف
يا اقدس منارة نوح... سلطان الحزن معروف)
ومثل هذا الاشتغال يحتاج الى لغة مكثفة تسعى الى دعم هذه الابتكارية الساعية لخلق علامات تواصلية مع قيم الرمز:
(اريد أكتبلك بروحي... لغة المامرت بمفتون
ومن گلبي اخترعلك حب... ماشايف مثيله الكون)
ومثل هذه اللغة تكون دائما لغة تحفيزية، تكشف عن جاذبية تصعيدية، تظهر دلالات الالتزام من خلال بعض المفردات المعطاءة الزاخرة بالدلالات على نسغ رؤيوي لمفهوم الالتزام:
(أريد ـ اخترعلك ـ أرسم ـ اعبر ـ اصور...) لنكون امام فسحة تخيلية، ومتسع كبير لمحمولات شعورية ووجهات نظر مؤمنة تعطي الحركية الوثابة:
(أكتبلك قصايد شوك *** وانثرها على الأمطار
وكل حرف بهواك يصير *** مجرة اتولد الأقمار)
فالصور المتخيلة واللامعقولة كنثر القصائد على الامطار، وبعث كل حرف فيه مجرة، والمجرة لها طاقة توليد الأقمار... مبالغات مشروعة في الشعر لإعطاء اعتبارات المودة، ورسم مشهد واع يضفي الى شعرية الواقعة كد تصويري يافع، مع سعيه المثابر للايجاز في بنائية الجملة، من حيث تكامل البنى المعمارية عبر اشتغالات لها فرادتها، والتي هي قادرة على تأسيس هوية شعرية خاصة بالشاعر، والشاعر السيد (كريم العرداوي) عمل جادا للخروج من السرد الاعتيادي الى لون آخر مجهز بحوامل شعرية دلالية؛ مثل:
(برج الخشوع ـ منبر الدموع ـ حجم العاطفة ـ دم العهد ـ ميزان الدهر...). ويعتمد ايضا على انزياحات تكوينية تحرك بنية القصائد نحو الفعل الشعري لتحفز الشعور:
(رسمناك اعله جفن الليل... طيف بكل گلب مهيوب
وركبنة على ظهر الموت... من چان الجرح مغلوب
گابلنه جيوش يزيد ...وسيوف البدينه قلوب)
أجدني ارى البساطة التي احسها خدعة كبيرة يتكئ عليها (العرداوي) ليدخلَ بها عمق المعنى الذي يشكل الفعل النابض... ومثل هذه البساطة لم تكن سهلة او اعتباطية بل بساطة مقصودة... بساطة موشاة بموحيات دلالية لرجل خمسيني الملامح، كربلائي السمات، كتب الشعر بأنواعه التي ورثها من حضن عائلة دونت الولاء شعرا حسينيا، ومثل هذه السمات المعتبرة لابد ان تمتلك قدرة عالية على التوصيل لامتلاكها وضوح فني ثر تجريبي:
(ولگينه راهب اشواگك... ابساتين العشك عراف
يغازل نبضة الدلال... ويبني ويه الموده احلاف)
الابتعاد عن ضيق الافق او محدودية البعد لابد ان يدخله فضاء معمرا لانجاز 28جزءا من ديوان (ترجمان الدمع) يحتوي على اربعين قصيدة، ومنها ما احتوى على خمسين موشحا، وقدم (العرداوي) ايضا مجموعة شعرية (...) استندت تجربته الشعرية على انجاز انشادي تم أداء معظم قصائده على يد رواديد كبار...