في ذلك اليوم الذي سرق السيف آخر نفس من أنفاس سيد الشهداء (عليه السلام) ليتعالى الصوت بخسارة حفيد محمد بن عبد الله نبي الاسلام وسيد الكائنات اجمع على يد يزيد بن معاوية بن ابي سفيان من حناجر المسلمين الذين ادعوا الاسلام، كأنهم نسوا او تناسوا بأنهم يوم من الايام وقفوا نفس الوقفة ضد ابي سفيان وابنه معاوية في حروبهم مع الرسول (ص).
العرب بعد وقعة الطف المقدسة، لم يجرِ بهم إصلاح حقيقي يتناسب مع مقدار التضحيات التي قدمت على أرض الطف، وحين نضع هذه الصورة ونتدبر في معطياتها، نستنتج بأن الامام الحسين (عليه السلام) رسالته لم تكن موجهة الى اولئك الناس في ذلك الوقت الذي انطفأت كل شموع المعرفة والوعي فيه، بل هي رسالة موجهه إلى أزمنة أكثر وعياً وتحضراً.
معركة الطفوف اخذت من سنة 61 ه مجرد رقعة المكان الجغرافية (كربلاء) وإلا المرمى الان والنتائج الان والاهداف يعلو صداها الان ...كربلاء الحسين الان شعشع ضياؤها..
وإلا ماذا يمكننا أن نتوقع من الأمة في تلك العصور ان يستوعبوا من فيض كربلاء.. سيد الشهداء (عليهم السلام) نقل لنا عبر العصور رسالة مشفرة نقلت تحت طيات قصة ظاهرها ان هناك ثائراً ثار ضد شخص يدعى يزيد؛ لأنه كان حاكماً طاغية في زمن من غابر الزمان من ينظر لوهلة بها مع عقلية سطحية ارتشفت من الضفاف فقط وقع افهامها بذلك الزمن الذي يبني معطيات جافة جدا يقرأها هكذا.. حدث عابر لا اقل ولا اكثر .
بينما ما حدث في كربلاء الحسين اعمق وأعمق، ولأن السماء اعتادت ان تنقل الحقائق بطيات القصص نقلت لنا كربلاء بطيات قصة بيوم واحد ولعدة ساعات كشيء شيق يتطلع له الانسان ويرويه، ولأن القصص تنتقل بين الشعوب دون ان يدرك مغزاها الى ان تصل الى الزمن الذي سوف يفككها ويشرع في فهم المغزى.
فمغزى كربلاء الاصلاح ولكن ليس بمستوى واحد، فهي وهبت الاصلاح لكل الاشياء بمستوى قدرتها على التلقي، وشرعت بإصلاح الواقع المرير آنذاك بكيفية تلائم، لأن ذلك الزمن لم يكن ليتقبل اكثر من ذلك، فكانت كربلاء الاصلاح صعقة في جسد الامة الميت آنذاك ولتبني قاعدة قوية للموالين ينصرون بها الائمة ما بعد الامام الحسين (عليه السلام).
وايديولوجية كربلاء جرت بعدة مستويات، وقسمت الأهداف لعدة اهداف والأزمنة ايضا، فكان كل زمان قد فصل عليه هدف سيتجلى شيء من مكنونات كربلاء فيه وليمهد للخطوة التي تليه، وهذه الخطوات التي تبني اهدافاً يمكن ان تكون قريبة او متوسطة او بعيدة تجري تحت يد إلهية خفية تمكر وتكيد للطغاة وللشياطين، قال تعالى في محكم كتابه: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين " الذين يحاولون اخماد المنهج الالهي في الارض. وكذلك ما قالته السيدة زينب (عليها السلام) في مجلس يزيد بن معاوية في الشام: (فكد كيدك، واسع سعيك، وناصب جهدك، فوالله لا تمحوا ذكرنا، ولا تميت وحينا، ولا تدرك امدنا، ولا ترحص عنك عارها.. وما رأيك إلا فند، وأيامك إلا عدد، وجمعك إلا بدد، يوم ينادي المنادي ألا لعنة الله على القوم الظالمين).