استوقفتني الحكاية كثيراً، فهي من حكايات الواقع التاريخي، واندمجت في سرديتها حتى أصبحت جزءاً من تلك الحكاية وراوياً لها، نظرت الى الوفد الكبير الذي نزل كاشان، وعرفت فيما بعد أن هذا الوفد من قم، وهذا الوفد القمي جاء قاصداً مضيف الشيخ احمد بن عبد العزيز بن دلف العجلي.
وما إن طاب لهم المقام، قال كبيرهم: لقد جئناك يا شيخ، ومعنا الشيخ ابو الصديم الحسين بن علي، ومجموعة من رؤساء العرب، نريدك وسيط خير للرضا والمحبة، أجابهم الشيخ العجلي: أنا بالخدمة، فما هي القضية؟ أجاب كبير الوفد:ـ نحن من أهل قم يا شيخ، حين جاءنا السيد موسى بن محمد الجواد بن علي الرضا (عليهم السلام) كان يسدل على وجهه برقعاً، وقيلت الأقاويل حول هذا الرجل المبرقع، وهو لم يعرفنا بنفسه..؟!
عقب الشيخ العجلي:ـ الذي نعرفه أن بعض علمائكم، حسدوا علمه وغرروا بالوالي ليعينهم على اخراجه من قم، وحين دخل عندنا كاشان استقبلناه؛ لأننا نعرف منزلته، وأكرمناه بما يليق بشأنه بآيات التكريم والحفاوة والتعظيم.
قال كبير القميين:ـ لم نكن نعرفه، ونعلم أنكم أكرمتم السيد، وألبستوه خلاعاً فاخرة، وأفراساً، ووظفتموه بألف مثقال ذهب لكل سنة، لكننا جئنا اليوم وفادة النادمين، ونريد السعي لإرضاء السيد موسى، ونتأمل منه العفو وقبول العذر.
ونحن بانتظار الموافقة مهما طال أمد مكوثنا في كاشان، وقررنا أن لا نعود إلا والسيد معنا، فذهب الشيخ العجلي بصحبة الشيخ أبي الصديم، ومن معه من رؤساء العرب الى محراب صلاته وقيامه، وجاء مسرعاً ليبشر الشيوخ القميين من أهل الوفادة، أن السيد قبل الشفاعة، وعفا عن أهل قم، وردوه الى قم، وأكرموه، واشتروا له ضياعاً، وأحاطوا به واستفادوا من علمه، وبما أنني انا الراوي سأحدثكم عن مسألتين:
الأولى: رفضه منصب الإمامة في حياة أخيه وبعد وفاته، حيث نجد ذلك في كتاب النحلة الواقفية للحاج حسين الشاكري نقلاً عن كتاب فرق الشيعة للنوبختي وكتاب المقالات والفرق قال: إن الذين قالوا بإمامة أبي جعفر محمد بن علي الرضا (عليه السلام) اختلفوا في كيفية علمه لحداثة سنه ضروباً من الاختلاف.
قال أصحاب الإمام محمد بن علي الرضا (عليه السلام) الذين ثبتوا على إمامته إلى القول بإمامة ابنه، ووصيه علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، فلم يزالوا على ذلك سوى نفر يسير عدلوا عنه إلى القول بإمامة أخيه موسى بن محمد، ثم لم يلبثوا على ذلك إلا قليلاً حتى رجعوا إلى إمامة علي بن محمد الهادي (عليه السلام)، ورفضوا إمامة موسى بن محمد المبرقع، فلم يزالوا على ذلك حتى توفي علي بن محمد الهادي (عليه السلام) وقال: لأن موسى المبرقع كذبهم وتبرأ منهم، ومن ادعى إمامته فلم يزل كذلك حتى توفي علي بن محمد الهادي (عليه السلام).
والمسألة الثانية: انه أقام في قم اربعين سنة، وقبره اليوم مزار مشهور، وعليه عمارة حديثة وضريح مذهب، يقع في محلة (دربهشت) باب الجنة، ودفن معه ابنه وبناته وحفيداته، رحم الله تعالى السيد موسى المبرقع سلاماً دائماً ودعاء.