وقف الحاج نجف وسط المحتفين بعودته، وقد دعاهم لوليمة أعدّها لوجه الله؛ وقف ليقول: إخوتي لقد عرفتني المدينة رجلاً فقيراً، أعملُ حمّالاً، أكسب قوت يومي من جهدي وتعبي، وقد أقعدني المرض يوماً في البيت، جئتُ ولم يبقَ لي سوى الدعاء ، قصدتُ المولى أمير المؤمنين(ع) أدعو ربي ببركة موالاته أن يمنحني العافيةَ والغنى، ويبعد عني شبح الفقر والمرض، يا ألله بحق أمير المؤمنين ألتفت إليّ فما عدتُ أطيق الاحتمال، وأسأل المولى الدعاء، رجعتُ إلى داري في تلك الليلة، فزارني المولى أمير المؤمنين(ع) في عالم الرؤيا، قال لي: إحفظ ما سأقوله لك (إلاّ وتصعد إلى السماء تعمل عمل الشمس)، إعرض السكن الذي ورثته من أبيك للبيع، وسافر إلى الهند، خذ هذا العنوان وأذهب إلى صاحب المنزل، فإذا سألك من أنت، وماذا تريد؟ إقرأ له ما حفظت، فاستيقظتُ من نومي وأنا في حيرةٍ، ماذا أفعل في الهند، كيف لي أن أذهب إلى هناك ؟ هل يمكن أن أبيع الخربة الوحيدة التي ورثتها من أبي؟ في اليوم الثاني كررت الزيارة، وطلبتُ الفرج، وفي المنام زارني المولى(ع) في عالم الرؤيا، وقال لي: إسمعني لا رزق لك هنا، إذهب إلى الهند، وأتّبع العنوان وقدّم نفسك إلى صاحب الدار بما علمتك إياه .
وهكذا فعلت؛ بعت البيت، وسافرت إلى الهند، وسألت كي أصل إلى العنوان؛ سألني صاحب الدار من أنت، ليس لدي إلاّ أن أقرأ ما علمني إياه مولاي أبو الحسن(ع)، وإذا بالشيخ صاحب الدار يضمني إلى صدره، وكأنه كان ينتظرني منذ زمن، أدخلني إلى منزله الفخم، وأخبر الخدم بالاعتناء بي، وخصص لي غرفةً كبيرة، وأقام في اليوم الثاني وليمةً كبيرة حظرها الكثير من الناس، وكبار التجار، وأهل السيادة والمشايخ من علماء الدين الموجودين، وأنا في حيرةٍ من أمري لماذا يهتم بي هذا الرجل كلَّ هذا الاهتمام، وقف التاجر بين المدعوين وقال أقدم لكم ضيفي؛ وهو لا يعرف إسمي أصلاً قدمت نفسي: نجف محمد رمضان. فقال: قررت أن أمنحه نصف ثروتي، وأرجو أن يقبل أبنتي كزوجة له، فوافقت طبعاً. كادت تقتلني الحيرة بعدما إنفضَّ الناس، وقفت أمام صاحب الدار أسأله، وقبل أن أنطق بكلمة، قال: أنا أدري أنك مندهش لوضعي ووضعك، ولمسألة احتفائي بك بهذا الشكل، فقد أعطيتك نصف ثروتي، وزوجتك إبنتي، وأنا لا أعرف من تكون، وما هو عملك، ومن أنت ! فاسمع حكايتي يا بُني: كنتُ يوماً أفكر بحالي وبحال إبنتي من بعدي، فلا شك أن ترك فتاة وحيدة غنية وجميلة أمرٌ مُقلق، فالتفتُ إلى مقام المولى أبى الحسن (عليه السلام) أخاطبه سيدي، أنظر لي وابنتي الوحيدة من بعدي، فقلت ( ما من ذرة هباء ينظر لها أبو تراب؛ إلاّ وتصعد إلى السماء تعمل عمل الشمس)؛ في اليوم الثاني نسيت تكملة الشطر الأول، فالتفتُّ إلى الإمام علي (عليه السلام) قلت: يا مولاي له نصف ثروتي وابنتي من يذكّرني الشطر الثاني، فلا يعرف هذا الشطر سواي ومولاي أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأعطيتك بكفالة المولى ما أعطيت، فلمَ الاستغراب يا ولدي ؟ فالتفتَ الحاج نجف إلى الناس وقال: وبعد هذا أصبحتُ غنياً كما ترون وأنا مُذ كنت فقيراً ما يئستُ من رحمة ربي، وكنت أؤمن تماماً إذا ضاقت الدنيا، ستفرج بعد حين.