توجد ظاهرة لا بد من الإشارة إليها، ألا وهي الأبتعاد والخجل من إظهار وإعلام الاحتواء الديني الإسلامي عند الفرد أو المجموعة أو الأسرة أمام الآخرين، وكيفيته في ذلك : إن البعض من الناس مع كونهم ملتزمين في أغلب شؤونهم الحياتية من التصرفات والأعراف والمعاملات فيما بينهم وبين غيرهم ، إلا إنهم عندما يلتقون مع الآخرين من الأصدقاء أو الأرحام أو الغرباء، ولا سيما في المناسبات المختلفة أو في الأسفار، لا يظهرون من خلال أحوالهم وتصرفاتهم علامات وهيئات تشير إلى التزامهم الإسلامي الديني المتكامل، كأفضل ما يمكن !! وذلك للخجل والحياء من مشاهدة المقابل إليهم، خوفا وخشيتا من ردود الكلام عليهم، بأن ينعتونهم مستهزئين بهم بالتخلف والمسخرة وعدم التحضر، وكأن الشريعة والدين الإسلامي يشكل عبئا عليهم وعلى المقابل .
.
متناسون مفهوم وأسس ومقومات الإسلام الذي يتدينون به وينتمون إليه، فيخجلون من إظهاره ويتجاهلون عظمته،مع كونه دين الله جل شأنه العظيم، الذي اصطفاه لنفسه وأقام دعائمه على محبته، حيث جسد هذا المعنى أمير المؤمنين (عليه السلام) مما روي عنه في نهج البلاغة إنه قال (( ... . ثم إن هذا الإسلام دين الله الذي اصطفاه لنفسه، وصطنعه على عينه، وأضفاه خيرة خلقه، وأقام دعائمه على محبته. أذل الأديان بعزته، ووضع الملل برفعه، وأهان أعداءه بكرامته، وخذل محاديه بنصره، وهدم اركان الضلاله بركنه )) .
ألا ننظر ونتابع ونتمعن إلى الآخرين الذين لا يعبدون الله تعالى، بل يقدسون ويعبدون ويسجدون للحجر وللحيوان وللإنسان في عصرنا الحالي، كيف يستعدون ويتهيئون ولا يهتمون ولا يكترثون بوجود الآخرين ممن هم حولهم من غير ملتهم عند ممارسة طقوسهم ومعاملاتهم وتصرفاتهم فيما بينهم مع بعضهم البعض، ويدافعون عن معتقداتهم ودياناتهم وعقائدهم، ولا يسمحون لأحد الاستهزاء بهم وبمعتقداتهم، مقارنة ببعض المسلمين ممن هم يخجلون ويتحرجون من إظهار تمسكهم بدينهم كأفضل ما يمكن !! ، حيث روي عن أمير المؤمنين (عليه السلام) في نهج البلاغة إنه قال (( أيتها النفوس المختلفة، والقلوب المتشتتة، الشاهدة أبدانهم، والغائبة عنهم عقولهم، أظأركم على الحق وأنتم تنفرون عنه نفور المعزى من وعوعة الأسد! هيهات أن أطلع بكم سرار العدل، أو أقيم اعوجاج الحق )) .
إظهار التقوى والطاعة وشدة الالتزام بأحكام السماء ليس فيه عيب وخجل وحياء أمام أنظار الآخرين، ليس هذا وحسب بل يتحتم علينا كمسلمين بيان وتعليم وإظهار تمسكنا بديننا الرصين أمام الآخرين من خلال تصرفاتنا ومعاملاتنا وكلامنا في الخارج بين الأوساط الاجتماعية العامة منها والخاصة، ليتنبه من كان غافلا أو ناسي، وليقتدي الجيل الناشئ بالأكبر منهم بما يحملونه من الثوابت لأركان وثوابت الإسلام . حيث ورد في محكم كتابه الكريم من سورة النساء بسم الله الرحمن الرحيم (( تِلۡكَ حُدُودُ ٱللَّهِۚ وَمَن يُطِعِ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ يُدۡخِلۡهُ جَنَّٰتٖ تَجۡرِي مِن تَحۡتِهَا ٱلۡأَنۡهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَاۚ وَذَٰلِكَ ٱلۡفَوۡزُ ٱلۡعَظِيمُ (١٣)) .
خجلنا وحياؤنا وسكوتنا هذا أدى إلى دخول المتهتكين والمتهتكات إلى المراقد والأماكن المقدسة !! وباتت مظاهر التجوال في الخارج تجسد الغرب وتحاكيه في كل شيء باعتباره التقدم والتحضر عندهم !! وأوشكت مساجدنا وحسينياتنا بالتكشف لقلة المتعبدين والمصلين فيها !! ومع نظرنا لما يحصل من حولنا، لا زلنا نخجل من إظهار الإسلام المحمدي الأصيل كأقل ما يمكن فعله، وهم بدورهم لا يخجلون من إظهار العصيان والانحلال والتفسخ الخلقي أمامنا، متحدين بذلك عدم امتثالهم لتعاليم وقيم الإسلام . حيث ورد في محكم كتابه الكريم من سورة النساء بسم الله الرحمن الرحيم (( مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ يُحَرِّفُونَ ٱلۡكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِۦ وَيَقُولُونَ سَمِعۡنَا وَعَصَيۡنَا وَٱسۡمَعۡ غَيۡرَ مُسۡمَعٖ وَرَٰعِنَا لَيَّۢا بِأَلۡسِنَتِهِمۡ وَطَعۡنٗا فِي ٱلدِّينِۚ وَلَوۡ أَنَّهُمۡ قَالُواْ سَمِعۡنَا وَأَطَعۡنَا وَٱسۡمَعۡ وَٱنظُرۡنَا لَكَانَ خَيۡرٗا لَّهُمۡ وَأَقۡوَمَ وَلَٰكِن لَّعَنَهُمُ ٱللَّهُ بِكُفۡرِهِمۡ فَلَا يُؤۡمِنُونَ إِلَّا قَلِيلٗا (٤٦)) .
بعد هذا البيان والإيضاح المتقدم، لمن هم في غفلة عن تأدية ما يؤمرون به اتجاه الشريعة الإسلامية كأفضل ما يمكن تقديمه، عليهم أن يستشعروا بمرور الأيام والأسابيع والأشهر والأعوام في حياتهم، فإن العمر بطبيعة الحال ينتهي لا محالة، هذا إذا بقي عمر الإنسان يتدرج نحو الشيخوخة على ما هو عليه المتعارف ، حيث من الممكن أن ينقضي العمر في أي لحظة في بداياته كما تعلمون وتشاهدون، وحينئذ لا يفيد الندم .
منقول