بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
ميزان السيطرة هو الإرادة، قال تعالى: ﴿إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ وقال في آية أخرى: ﴿فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ﴾ البعض يقول لك: أن ضعيف الإرادة، لا أستطيع؟ لا، لا يوجد أحد ضعيف الإرادة، الله تبارك وتعالى خلق الإرادة في جميع البشر بدرجة متساوية تمامًا، درجة الإرادة الموجودة عندي هي درجة الإرادة الموجودة عند المعصوم، هي درجة الإرادة الموجودة عند الإنسان الآخر، الإرادة عنصر متساوي عند جميع البشر وما ربك بظلام للعبيد، إذا الإرادة عنصر متساوي كيف أنا ضعيف الإرادة وذاك قوي الإرادة؟
أنت لاحظ الأمور الكمالية وستجد أن الناس يتفاوتون فقط في إعمال الإرادة وعدم إعمالها، أضرب لك أمثلة ليتضح الأمر:
افترض مثلا جاء الليل وجاءت الساعة 12 وأنا لا أحتاج إلى النوم، ما زلت نشيطًا وأستطيع أن أبقى مستيقظًا ساعة إضافية، بعض الناس عندهم توقيت، الساعة 12 أنام يعني أنام، ويظن أن هذا الأمر حسن، لا، هذا الأمر ليس حسنًا، إذا جسمك قوي لماذا تنام؟ استغله في شيء آخر، لماذا «12 أنام يعني أنام» يعني هذا نظام عسكري استرح استعد يعني؟! هذه الليلة جسمي قوي أستطيع قراءة كتاب، أستطيع أن أتنفل، ما دام جسمي قوي ونشيط فلماذا لا أستغل الوقت بدل أن أسترخي وأنام؟ أنا في هذا الوقت وأنا أفكر: أنام أم أصلي صلاة الليل؟ أنام أم أقرأ كتاب ديني يفيدني؟ أليست الإرادة هنا متساوية؟ يعني أقدر أنام وأقدر أصلي، عنصر الإرادة متساوي النسبة في كلا الطرفين، إلا أن النفس والرغبة هي التي تتدخل في إعمال الإرادة «لا وش لك بصلاة الليل، أنت لست وليًا من الأولياء لتصلي صلاة الليل! الأفضل أن تنام» الرغبة هنا تتدخل وإلا الإرادة موجودة، فهناك من يخضع وهناك من يعمل إرادته ويقول: لا، أنا لا أخضع لنفسي ولا لرغبتي، العمر محدود، الوقت محدود، الدقائق محدودة، الفرص محدودة، دعني أستفد من وقتي وأصلي أو اقرأ، فيضغط على نفسه إلى أن يصلي صلاة الليل أو يقرأ الكتاب المفيد، هنا برزت الإرادة وأصبحت هي المقياس في تفضيل هذا على ذاك.
مثلا طبيبان، طبيب عنده القدرة على المواصلة، إذا واصل سيصبح بروفسور، لكنه لم يواصل، لماذا؟ يقول لك: مالي خلق الدراسة! هنا الإرادة هي الدخيلة، لماذا هذا أصبح بروفسور وذاك لا؟ مع أن كلاهما يمتلك نفس الإمكانية وكلاهما يمتلك نفس القدرة وكلاهما يمتلك نفس الفرصة، هذا أراد الكمال فبلغه، وذاك طغت عليه نفسه المادية فأعاقته عن الوصول إلا إلى الكمال، ليس المقياس إلا عنصر الإرادة، إعمال الإرادة هو مقياس التفضيل والتمييز.
أنت الآن يعرض عليك طعام شهي تحبه، هل عندك قدرة على ألا تأكل؟ تقول أنا اليوم لن أكل، سأتحدى نفسي ولن أكل، إذا عندك هذه القدرة فستلتذ بها، لأن اللذة في ترك اللذة، لذة الانتصار على النفس والهيمنة على النفس هذه إرادة.
النتيجة: أن مقياس التفضيل هو الإرادة، مقياس التمييز بين البشر هو الإرادة، من امتلك إرادة الكمال بلغه وطغى على نفسه وعقله، لا أن تطغى نفسه أو عقله عليه، إذا كان ذا إرادة بلغ درجة الكمال، هنا تتفاوت درجات الأنبياء والأولياء، في منطقة سيطرة الروح على النفس والعقل بالإرادة، فهناك من ليس لنفسه أي أثر عليه فلا يخالف حتى الأولى، إذا قيل له أن المستحب فعل كذا لم يخالفه، لا يخالف حتى المستحب، لا يخالف حتى المكروه، ليس لنفسه أي تأثير عليه، وهذا من بلغ أعلى درجات العصمة «محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم» قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا﴾ لماذا قال «ويطهركم تطهيرًا» ولم يكتفي ب «يذهب عنكم الرجس»؟ هذه الزيادة لأنهم بلغوا إلى درجة أن النفس لا تأثير لها عليهم، لا يخالفون مستحبًا ولا مكروهًا، ولا يتركون الأولى، آدم نبي معصوم خالف الأولى، الأولى ألا يأكل من الشجرة، لكنه خالف الأولى، وبعض الأنبياء حصلت لهم مخالفات للأولى.
إذًا بالنتيجة تفضيل الرسل بعضهم على بعض في هذه المنطقة، منطقة سيطرة الروح على النفس والعقل.
محمد وآل محمد صلوات الله وسلامه عليهم في حالة شهود، يعني هم دائمًا في عالم الروح لا في عالم النفس والعقل، في حالة شهود وانكشاف، لذا ورد عن أمير المؤمنين صلوات الله وسلامه عليه: ”ما رأيت شيئًا إلا ورأيت الله قبله وبعده وفوقه وتحته وفيه“ ”لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينًا“ أنا في حالة شهود وانكشاف، روحي تسيطر علي، أنا قبل أن نزلت إلى عالم المادة وبعد أن نزلت إلى عالم المادة في حالة واحدة، كما كنت قبل الدنيا ما زلت كذلك في حالة الشهود والانكشاف ”لو كشف لي الغطاء ما ازددت يقينًا“.