إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الطبيب الحقيقيّ وصلاة جعفر الطيّار

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الطبيب الحقيقيّ وصلاة جعفر الطيّار

    إحدى المشاكل التي كنّا نعاني منها في المدن الصغيرة، كـ "إسلام آباد" و"دزفول" كانت عدم وجود الطبيب الماهر. وحتّى لو وُجد، لم نكن نعلم به.

    في بداية شتاء العام 63 هـ. ش، ابتلي داود بحساسيّة مزمنة، كان يسعل سعالًا حادًّا، مصحوبًا بارتفاع في الحرارة، وضيق في التنفّس. أحيانًا كان نفسه يضيق إلى حدّ، كنت أشعر فيه أنّه لن يستطيع التقاط أنفاسه ثانيةً. عرضناه على عدّة أطبّاء، كان كلّ واحد منهم يقول أشياء ويصف بعض الأدوية، ولكن دون فائدة. كان تشخيص الطبيب الأخير، الذي عاينه، أعجب من الجميع, كان يقول: "هناك غدّة في عنقه، ينبغي إجراء عمليّة لها".

    طوال المدّة التي كنّا فيها في الجبهة، لم أكن أخبر عبّاسًا بشيء عن أوجاعي. لكن عندما كنّا نذهب إلى كاشان أو إلى طهران، كنت أخبره, لأنّني كنت أعلم أنّه أفضى بالًا، وكذا هناك أطبّاء جيّدون. وهذا كان برنامجي بالنسبة إلى "داود" أيضًا. بالمحصّلة، في تلك الأيّام، قلما كان عبّاس يجد وقتًا لزيارتنا، فكيف يأخذنا إلى كاشان أو طهران.

    بعد تشخيص ذلك الطبيب، قرّرت أن لا أعرض "داود" على طبيبٍ آخر ما دمنا لم نذهب إلى طهران. كنت أرى أنّ ذلك أفضل من أن يأخذ كلّ هذه الأدوية، المختلفة والمضرّة بصحّته. أينما كنّا نذهب، كان السيّد "صالحي" وزوجته يأتيان معنا. فقد كان مكلَّفًا من قبل اللواء، بقضاء بعض حاجات وطلبات العوائل خارج المنزل، والتي من ضمنها أخذ المرضى إلى الأطباء. كان كلّ عدّة أيّام يأخذ موعدًا من أحد الأطبّاء، ويأخذ المرضى جميعًا إليه. في صباح أحد الأيّام، أصابت "داود" حمّى شديدة، وكان يغلي من الحرارة، وصدره يصدر صوت خرير وقد اشتدّ به السعال. جاءني السيّد صالحي وقال:
    "أخذت موعدًا من الطبيب، هيّئي نفسك لتذهبي معنا".

    قلت: "أخذته إلى الطبيب عدّة مرّات وما من فائدة".
    قال: "فماذا تريدين أن تفعلي؟".

    قلت: "الأمر واضح، حيث إنّي لم أستفد من الذهاب إلى هؤلاء الأطبّاء، فإنّي لن أذهب ثانيةًّ".
    لم أكن أتوقّع منه أن يقول شيئًا, لذا حيّيته وأغلقت الباب. وما هي إلّا لحظات حتّى أتت إحدى السيدات وكلّمتني عند الباب قائلةً: "حال طفلك مزرية، لِمَ لا تريدين الذهاب معنا؟".

    قلت: "لِمَ أذهب إن لم يكن هناك من فائدة؟".
    قالت: "إذًا، ماذا تريدين أن تفعلي؟".

    قلت: "إن شاء الله، عندما نذهب إلى طهران, آخذه هناك إلى طبيبٍ جيّد".

    اتّسعت حدقتاها في عينيها، وقالت بانزعاج: "كم أنت عديمة المسؤولية. هذا الطفل يحترق من الحرارة، وتريدين تركه إلى حين الذهاب إلى طهران؟".

    نظرت إليها ولم أقل شيئًا، دخلت، وأغلقت الباب. بعدها بدقائق، جاءت السيّدة "عباديان" أيضًا. لم أرضَ بالذهاب معهنّ، وحين ذهبوا، فرشت سجّادة الصلاة بقلب كسير، وضعت "داود" أمامي، صلّيت صلاة جعفر الطيّار، ثمّ حملته بين يديّ وتوسّلت بالإمام الحسين عليه السلام. خاطبته وأنا أبكي:
    "سيّدي ومولاي، أنت تعلم لِمَ أتينا إلى هنا. إنّي أودعتك ابني، فسل الله أن يشفيه لي بحقّ ابنك عليّ الأصغر".

    وضعت داود على الأرض، وهبطت إلى السجود، وبكيت ما شئت. عندما عادت النسوة من عند الطبيب، كنت قد هدأت ولم يبقَ أثر للهمّ والغم في قلبي. كنت أجمع سجّادة الصلاة، وإذا بالباب يطرق. كانت السيّدة "عباديان". دخلت وسألت عن "داود".

    لم يكن قد تسنّى لي الوقت لأتفقّده. قلت: "لا أعلم".
    نظرت إليّ نظرة مليئة بالتساؤل، وذهبت إلى "داود". تحسّست جبينه، وقالت بتعجّب: "زالت حرارته".

    كنت بحال جيّدة جدًّا لأصدّق بسهولة. قلت بشكل عاديّ: "جيّد".
    ظنّت أنّي لم أصدّق كلامها. قالت: "تعالَي وتحسّسيه بنفسك, حرارته ليست مرتفعة على الإطلاق".

    تقدّمت، تحسّسته، لأجد حرارته قد انخفضت. كان يحرّك يديه ورجليه بهدوء، ويناغي. وضعت السيّدة "عباديان" أذنها على صدره، فازداد تعجّبها, "لم يعد صدره يخرّ كما في السابق".

    ومرّة ثانية قلت: "جيّد".

    قالت: "ما تعنين بجيّد؟ ماذا فعلت ليتعافى هذا الطفل؟".
    قلت: "لا شيء".

    قالت: "قولي الحقيقة، لا بدّ أنّك أخذته إلى الطبيب".
    رأيت أنّها أصبحت فضوليّة، فأخبرتها بالأمر. قالت: "إذن، قولي: أنّك أخذته إلى الطبيب الحقيقيّ".

    لم يمرض "داود" بعدها ثانيةً، إلى أواخر شهر آذار، فقد كان شهر آذار شهرًا مليئًا بالحوادث.

    --------------------------------------
    🖊المصدر: كتاب هاجر تنتظر،٦٧،٦٦،٦٩،٦٨ .. / سلسلة سادة القافلة..{٦}
    🔅 قصص وخواطر من حياة الشهيد القائد عباس كريمي روتها زوجته..
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X