إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مَالِي والحسينَ بنَ فاطِمَةَ.. ؟!

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مَالِي والحسينَ بنَ فاطِمَةَ.. ؟!

    بسم الله الرحمن الرحيم
    الحمد لله ربّ العالمين والصلاة والسلام على محمّد وآله الطيبين الطاهرين واللعن الدائم على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين


    وحان الوقت
    تَنَفَسَ الصعْداءَ وَهُوَ يَجلِسُ عَلى كُرسيِّ الحُكْمِ بَعدَ مَوتِ أَبِيهِ ثُمَّ راحَ يُرَدِّدُ بِفَرحٍ شَدِيدٍ : لَقدْ أَصبَحتُ حاكِماً..
    لكِنَّ سِرعانَ مَا صَرَخَ هاتِفٌ في رَأسِهِ : لَقَدْ آنَ الاََوانُ لِيَنكَشِفَ ذلِكَ الغِطاءُ..
    اِنتَفَضَ صَارِخاً : أيَّ غطاءٍ.. ؟!
    ـ ذلِكَ الغِطاءُ الّذِي حَرَصَ والدُك عَلى اَنْ يَبقى مُسدِلاً عَلى جَميعِ تَصَرُفاتِهِ وَأَفعالِهِ.. فَاستَطاعَ بِذلِكَ أَنْ يُمرِّرَ سِياسَتَهُ عَلى عُقولِ الناسِ.. وَقَدْ بَذَلَ قُصارى جُهدِهِ لِيبقى الغِطاءُ بَرّاقاً ، فَحاوَلَ بِذلِكَ مَنَحَ سُلُوكَهُ الصفَةَ الشَرعيّةَ أَمامَ الرأي العامّ…
    أَخَذَ الخوفُ يَتَسَرَّبُ إِلى أعْماقِ يَزيدَ وَهُوَ يُحاوِلُ مُقاوِمَتَهُ بِتَحَدِّي ذلِكَ الصوتِ الصارِخِ فِي رَأسِهِ : وأَنا كَذلِكَ.. سَأُواصِلُ طَرِيقَ والِدي فِي الُمحافَظَةِ عَلى ذلِكَ الغِطاءِ مُسدِلاً عَلى سِياسَتي..
    تَتَعالى فِي رَأْسِهِ قَهقَهاتُ ضِحكٍ.. ثُمَّ يَصرُخُ ذلِكَ الهاتِفُ :
    أَنتَ.. ؟!! مَنْ لا يَعرفُ يَزيدَ بنَ معاويةَ هذا الّذِي يَشْرَبُ الخَمْرَ والمُولِعَ بِتَربِيَّةِ القُرودِ والطُيورِ ،

    وَفِي إِقامَةِ مَجالِسِ اللّهوِ والغِناءِ.. أَيُّ مّجتَمَعٍ إِسلاميٍّ يَرضى أَنْ يَعِيشَ عَصْرَ الجاهِليَّةِ تَحتَ رايةِ الاِِسلامِ.. ثُمَّ إنَّ أَباكَ فَضَحَ نَفْسَهُ حِينَ أَوْصى بالخِلافَةِ إِليكَ وَهْيَ بِحقٍ للاِِمامِ الحُسينِ عليه السلام .
    وَضَعَ يَزِيدُ رَأْسَهَ بَينَ يَدَيهِ .. وَاستَغْرَقَ فِي تفكيرٍ عَمِيقٍ.. ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُردِّدَاً: سَأَكْتُبُ إِلى والِي المدِينَةِ طالِباً مِنْهُ إرغامَ الحُسَيْنِ عَلى أَخْذِ البَيعةِ مِنْهُ.. نَعَمْ يَجِبُ إِرغامُ الحُسينِ عَلى البَيعةِ لِي..
    * * *
    ـ مَالِي والحسينَ بنَ فاطِمَةَ.. ؟!
    قَالَها الوَليدُ بنُ عُتْبَةَ بِغَضَبٍ شَديدٍ بَعْدَ اَنْ تَسَلَّمَ كِتابَ يَزيدَ بنِ مُعاويةَ.. وَفِي هذِهِ الاََثناءِ تَعالَتْ قَهْقَهاتُ ضِحْكٍ صَدَرَتْ مِنْ خَبِيثٍ كانَ يَجلِسُ قُرْبَ الوَلِيدِ فِي مَجلِسِهِ وَهُوَ مَروانُ بنُ الحَكَمِ.. فَراحَ الوَليدُ يُحَدِّقُ فِي وَجْهِهِ قائِلاً : لا أَظنُّ أنَّ الحُسينَ سَيوافِقُ عَلى بيعةِ يَزيدَ .

    فَردَّ عَليهِ مَروانُ : أَنا أَعلَمُ أَنّهُ لا يُجِيبُكَ عَلى بَيعةِ يَزِيدَ أَبداً.. ولاَ يَرى لَهُ طاعةً عَليهِ..
    صَمَتَ مَروانُ بُرهةً.. ثُمَّ راحَ يُواصِلُ كَلامَهُ ، وَقَدْ ارتَسَمَ حِقْدَهُ وخُبْثَهُ عَلى مَلامِحِ وَجْهِهِ ، لَو كنتُ مَكانَكَ لَمْ أُراجِعَ الحُسينَ بِكَلِمَةٍ واحِدةٍ حَتّى أَضْرِبَ عُنُقَهُ قَبْلَ أَنْ يَعلَمَ بموتِ مُعاوِيةَ..
    عَظُمَ كَلامُ مَروانَ عَلى قلبِ الوَليدِ.. فَأَطْرَقَ بِرَأْسِهِ إِلى الاََرضِ وَراحَ يَبْكِي بِصَمْتٍ وَهُوَ يُرَدِّدُ بِحرْقَةٍ وَأَلَمٍ : لَيتَ الوَليدُ لَمْ يُولَدْ.. وَلَمْ يَكُنْ شَيئاً مَذكوراً..
    تَأَمَّلَ مَروانُ دُموعَ الوَليدِ وَهُوَ يَسْتَمِعُ إِلى كَلامِهِ.. فَراحَ يُكَلِّمَهُ بِهُدُوءٍ :
    ـ أَيُّها الاََميرُ.. لا تَجزَعْ مِمّا ذَكَرتُ لَكَ.. إنَّ آلَ عليٍّ بنِ أَبي طالبٍ أَعداؤُنا مُنذُ القِدَمِ وَما يَزالونَ.. وإنْ لَمْ تُعالجْ أَمْرَ الحُسينِ.. فَسَوْفَ تَسقُطُ مَنْزِلَتُكَ مِنْ أَميرِ المؤمِنِينَ يَزيدَ..
    فَصَرَخَ الوَليدُ بِوَجْهِ مَروانَ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ : ـ وَيْحَكَ دَعْنِي مِنْ كَلامِكَ هذا.. وأَحسِنْ القولَ فِي الحُسينِ بنِ فاطمةَ.. فَإِنَّهُ بَقِيةُ وُلْدِ النّبيّينَ..
    * * *
    بَعَثَ الوليدُ بنُ عُتْبةٍ فِي اسْتِأدعيةِ الاِِمامِ الحُسينِ عليه السلام وَقَدْ كَانَ الاِِمامُ يَعْلَمُ الاََمرَ الّذي مِنْ أَجلِهِ أَرسَلَ الوَليدُ فِي طَلَبِهِ.. وَهذا لاََِنَّهُ رأَى في رُؤياهُ كَأنَّ معاويةَ مَنكوسٌ على رأسِهِ.. وَالنّارُ تَشْتَعِلُ فِي بَيتِهِ.. فَعَلِمَ مِنْ ذلِكَ بِهَلاكِهِ.. والوليدُ الآنَ يُريدُ أَنْ يَأْخُذَ البَيعةَ مِنْهُ لِيزِيدَ..
    اِغْتَسَلَ الاِمامُ عليه السلام وَصَلّى رَكعتَينِ ثُمَّ دَعا ربَّهُ بِما أَحَبَّ.. وأَرسَلَ فِي طَلَبِ فِتْيانِهِ وَمَوالِيهِ وأَهلِ بَيْتِهِ.. فَأَعلَمَهُمْ بِشَأْنِهِ قائِلاً : لِيأْخُذْ كُلُّ مِنْكُمْ سَيفَهُ مَسلولاً تَحْتَ ثِيابِهِ.. وَكُونوا بِبابِ هذا الرجُلِ فَإِني ماضٍ إِليه ومُكَلِّمُه.. فَإِنْ سَمِعْتُمْ صَوتِي قَدْ عَلا مَعَ القَومِ..

    وَصِحْتُ بِكُمْ يا آلَ الرَسُولِ.. إِقْتَحِمُوا البابَ بِغيرِ إِذْنٍ.. وَاشْهَرُوا السيُوفَ وَلا تَعْجِلُوا.. فَإِنْ رَأَيْتُمْ مَا تَخْشَونَ ضَعُوا سِيوفَكُمْ فِيهِمْ.. وَاقْتَلُوا مَنْ أَرادَ قَتلِي..
    * * *
    خَرَجَ الحُسينُ عليه السلام مِنْ مَنْزِلِهِ.. وَمَعَهُ ثَلاثُونَ رَجُلاً مِنْ أَهلِ بَيْتِهِ وَمُوالِيهِ وَشِيعَتِهِ.. فَأَوقَفَهُمْ عَلى بابِ الوَليدِ قائِلاً لَهُمْ : ـ أُنْظُروا مَا أَوصَيْتُكُمْ بِهِ فَلا تَعِدُوه.. وأَنا أَرْجُو أَنْ أَخْرُجَ إَليكُمْ سالِماً إِن شاءَ اللهُ.. وَدَخَلَ عَلى الوَليدِ.. فَسَلَّمَ عَلَيهِ ثُمَّ قَالَ : ـ كَيفَ أَصبَحَ الاََميرُ اليَومَ..؟ وَكَيفَ حَالُهُ..؟
    فَرَدَّ عَليهِ الوَليدُ بنُ عُتبةَ رَدّاً حَسَناً.. وأَدناهُ منه فَأَجْلَسَهُ قُربَهُ.. وَمروانُ بنُ الحَكَمِ ـ ذلِكَ الخَبيثُ ـ كانَ جالِساً يَنْظُرُ إِليهِما.. فَسَأَلَ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام الوَليدَ عَنْ أَمر مُعاويةَ ، وَكَأَنَّهُ لَمْ يَعلَمْ مِنْ أَمرِهِ شَيئاً ،

    هَلْ وَرَدَ عَلَيكُمْ خَبرٌ من مُعاويةَ.. ؟ إِنَّهُ كانَ عَليلاً وَقَدْ طالتْ عِلَّتُهُ.. فَكَيفَ حالُهُ الآنَ.. ؟
    تَأَوَّهَ الوَليدُ.. وَتَنفَّسَ الصَّعداءَ.. ثُمَّ قَالَ للاِِمامِ الحسينِ عليه السلام : ـ يَا أَبا عبدِاللهِ.. لَقَدْ ذاقَ المَوتَ..
    فقالَ الاِِمامُ الحُسينُ عليه السلام لِلوَلِيدِ : ـ إِنّا للهِ وَإِنّا إِليه راجِعونَ.. ولكنْ لِماذا دَعَوْتَني.. ؟
    فَأَجابَ الوَليدُ : ـ دَعَوتُكَ للبَيعةِ الّتي اجْتَمَعَ الناسُ عَلَيْها..
    فَقالَ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام : ـ أَيُّها الاََميرُ.. إِنَّ مِثْلِي لاَ يَعطِي بَيعَتَهُ سِرّاً.. وَإِنَّما يَجِبُ أَنْ تَكونَ البيعةُ عَلانيةً بِحَضْرَةِ الْجَماعَةِ.. فَإِذا دَعوتَ النّاسَ غَداً إلى البَيعةِ.. دَعَوتَنا مَعَهُمْ..
    فَردَّ عليهِ الوليدُ : وَاللهِ لَقَدْ قُلتَ فَأَحْسَنْتَ.. وَهكَذا كانَ ظَنّي بِكَ .
    وَهُنا قامَ مَروانُ صارِخاً بالوليدِ : أَيُّها الاَميرُ إنْ فارقَكَ الساعةَ ولم يُبايعْ.. فَإنّك لا تَقْدِرْ مِنْهُ عَلى مِثْلِها أَبداً.. فَاحْبِسْهُ عِنْدَكَ وَلاَ تَدَعْهُ يَخرجُ حَتّى يّبايعَ.. وَإنْ لَمْ يَفعلْ فَاضْرِبْ عُنُقَهُ..
    فَقَالَ لَهُ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام : وَيْلِي عَليكَ يا ابن الزَرْقاءَ.. أَتأمُرُ بِضَربِ عُنُقِي..؟ كَذَبْتَ واللهِ ولَؤُمْتَ.. وَاللهِ لَوْ رامَ ذلِكَ أَحدٌ لَسقِيتُ الاََرضَ مِنْ دَمِهِ.. فَإِنْ شِئْتَ ذلِكَ فَرُمْ أَنتَ ضَربَ عُنُقِي إِنْ كُنتَ صادِقاً..
    ثُمَّ التفتَ إلى الوليدِ قائلاً : أيُّها الاَمير.. إنّا أهلُ بيتِ النُّبوةِ.. ومَعدَنِ الرسالَةِ.. ومُخْتَلَفِ المَلائِكَةِ.. وَمَهبطُ الرَّحمَةِ.. بِنا فَتَحَ اللهُ وبِنا خَتَمَ.. ويَزِيدُ رَجلٌ فاسقٌ.. شاربٌ للخَمْرِ.. قاتلٌ للنَّفسِ.. ومُعْلِنٌ للفِسقِ.. فَمِثْلِي لاَ يُبايِعُ مِثْلَهُ.. سنُصبحُ وتَصبَحُونَ.. وَنَنْظُرُ وَتَنْظُرونَ أَيُّنا أَحقُّ بِالخِلافَةِ والبَيعَةِ..
    وسَمَعَ الّذينَ عَلى البابِ صَوتَ الحُسينِ عليه السلام قَدْ عَلا.. فَهَمُّوا أَن يَقْتَحِمُوا عَلَيهِمْ المَكانَ بِسِيُوفِهم.. وَلكنَّهُمْ فُوجِئُوا بِالاِِمامِ الحُسينِ عليه السلام يَخْرُجُ إِليهِمْ.. فَأَمَرَهُمْ بِالاِِنْصِرافِ إِلى مَنازلِهِمْ..
    وَبَعْدها قَالَ مروانُ بنُ الحكمِ مُعاتِباً الوليدَ : ـ إِنَّكَ عَصَيْتَنِي أَيُّها الاَميرُ حَتّى أَفلَتَ الحسينُ مِنْ يَدِكَ.. سَيَخْرُجُ عَليكَ وعَلى يَزِيدَ.. فَاعْلَم ذلِكَ..
    فَقالَ لَهُ الوليدُ : وَيحَكَ إِنَّكَ قَدْ أَشَرْتَ عَليَّ بِقَتْلِ الحُسينِ.. وَفِي قَتْلِهِ ذَهابُ دِيني ودُنيايَ.. وَاللهِ لاَ أُحِبُّ أَنْ أَمْلِكَ الدُنيا بِأَسْرِها.. شَرْقَها وَغَرْبَها.. إِزاءَ قَتْلِ الحسينِ بنِ فاطِمةَ.. وَما أَظُنُ أَحداً يَلْقِى اللهَ يَومَ القِيامةِ بِدمِهِ إِلاّ وَهُوَ خَفِيف المِيزانِ عِنْدَ اللهِ . لاَ يَنْظُرُ إِليهِ.. وَلاَ يُزَكِّيهِ.. وَلَهُ عَذابٌ أَليمٌ..
    * * *
    أَصْبَحَ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام وإِذا بِمروانَ بنُ الحَكَمِ يَعتَرِضُهُ فِي طريقِهِ قائِلاً: أَبا عَبدِاللهِ.. إِنّي أُرشُدكَ إلى بَيعةِ يَزِيدَ فَإنّها خيرُ لَكَ فِي دِينِك ودُنياكَ..

    فَاستَرْجَعَ الاِمامُ الحُسَينُ عليه السلام : إنّا للهِ وَإنّا إِليهِ راجِعونَ.. وعَلى الاِسلامِ السلامُ إِذا ابتُليتْ الاُمّةُ بِراعٍ مِثْلِ يَزِيدَ.. يَا مَروانُ أَتَرشُدُنِي لِبيعةِ يَزيدَ.. وَيَزِيدُ رَجلٌ فاسِقٌ ؟ لَقَدْ قُلتَ شَطَطاً وَزلَلاً.. وَلاَ أَلُومُكَ فَإنَّكَ اللّعينُ الّذِي لَعَنَكَ رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم وَأَنْتَ في صُلْبِ أَبِيكَ الحَكَمِ بنِ العاصِ.. وَمَنْ لَعَنَهُ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم فَلا يُنْكَرُ مِنْهُ أَنْ يَدْعُو لِبيعةِ يَزيدَ.. إِليكَ عَنّي ياعَدوَّ اللهِ.. فَإِنّا أَهلُ بيتِ رَسولِ اللهِ.. اَلحقُّ فِينا يَنْطِقُ على أَلسِنَتِنا.. وَقَدْ سَمِعْتُ جَدّي رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يَقُولُ : «الخِلافَةُ مُحرَّمَةٌ على آلِ أَبي سُفيانَ الطُلَقاءِ وأبناءِ الطُلَقاءِ.. فَإذا رَأَيتُمْ مُعاويةَ عَلى مَنْبَري فَأَبْقِرُوا بَطْنَهُ» . وَلَقَدْ رَآهُ أَهلُ المَدينةِ عَلى مَنْبَرِ الرَّسُولِ فَلَمْ يَفْعَلُوا بِهِ مَا أُمِروا.. فَابتَلاهُمْ اللهُ تَعالى بِابنِهِ يَزِيدَ..
    فَقالَ مَروانُ بِغَضَبٍ شَدِيدٍ : وَاللهِ لا تُفارِقَنِي حَتّى تُبايعَ لِيزِيدَ صاغِراً.. فَإنّكُمْ آلُ عليٍّ بنِ أبي طالبٍ مَلَئْتُمْ شَحناءً.. وشَرِبْتُم بُغضَ آلَ أبي سفيانَ.. فحَقَّ لَهُمْ بُغْضَكُمْ..
    فَقالَ لَهُ الحسينُ عليه السلام : إليكَ عَنّي فَإنَّكَ رِجْسٌ.. وَإنّي من أَهلِ بيتِ الطهارَةِ.. قَدْ أَنزَلَ اللهُ فِينا : ـ ( إنّما يُريدُ اللهُ لِيُذهبَ عَنْكُمُ الرِجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطهِيرا..) (1).
    فَنَكّسَ مروانُ رَأسَهُ.. وَلَمْ يَنْطِقُ بِكلمةٍ واحدةٍ.. حَتّى قَالَ لَهُ الحسينُ عليه السلام : أَبْشِرْ يَا ابن الزَّرقاءَ بِكُلِّ ما تَكْرَهُ مِنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يومَ تَقْدِمُ علَى رَبِّكَ.. فَيسأَلَكَ جَدّي عَنْ حَقّي..
    فَمضى مروانُ إلى الوليدِ.. وأَخبَرَهُ بِما قَالَهُ الحُسينُ عليه السلام . فَبعثَ الوَليدُ بِثلاثِينَ رَجُلاً فِي طَلَبِهِ.. فَلَمْ يَقْدِروا عَليهِ.. فَكَتَبَ الوليدُ إلى يَزِيدَ.. يُخْبِرَهُ بِأَمرِ الحُسَينِ عليه السلام بِأَنَّهُ لاَ يَرى عَليْهِ طَاعةً وَلا بَيعةً..
    * * *
    بَعْدَ أَنْ وَصَلَ كِتابُ الوَلِيدُ إِلى يَزيدَ..

    غَضِبَ غَضَبَاً شَدِيدَاً.. فَكَتَبَ إِليهِ كِتاباً يَطْلِبُ فِيهِ رَأْسَ الحُسينِ بنِ عَليٍّ عليه السلام وَيُمنِّيهِ بِجائِزَةٍ عَظِيمَةٍ..
    فَأَعْظَمَ الوَلِيدُ ذلِكَ قائِلاً : ـ وَاللهِ.. لاَ يَراني اللهُ وأَنَا قاتِلُ الحُسَينِ ابنِ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم .. وَلَوْ جَعَلَ لِي يَزيدُ الدُنيا وَما فِيها..
    * * *
    خَرَجَ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام لَيلاً إلى قَبْرِ جَدِّهِ الرَّسُول صلى الله عليه وآله وسلم فَصلّى هُناكَ.. وَلمّا فَرَغَ مِنْ صَلاتِهِ جَعَلَ يَدعُو قائِلاً : اللّهُمَّ إِنَّ هذا قبرُ نبيُّك محمدٌ صلى الله عليه وآله وسلم وأَنَا ابنُ بِنتِ نَبيِكَ.. وَقَدْ حَضَرَني مِنَ الاََمرِ مَا قَدْ عَلِمْتَ.. اللّهُمَّ إِنّي أُحِبُّ المَعرُوفَ وأَكرَهُ المُنْكَرَ.. وَإِنّي أَسألُكَ يا ذا الجَلالِ والاِِكرامِ بِحَقِّ هذا القَبرِ وَمَنْ فِيهِ.. اِختَرْ لِي مِنْ أَمريَ مَا هُوَ لَكَ رِضىً.. ولِرَسُولِكَ رِضىً.. وَللمؤمنينَ رِضىً..
    ثُمَّ جَعَلَ يَبكي حَتّى صارَ قريباً مِنَ الفَجْرِ.. وَضَعَ رَأْسَهُ على القبرِ فَأَخَذَتْهُ إِغفاءةٌ.. وَإِذا بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم قد أقبلَ عَلَيه بَين كَتِيبةٍ مِنَ المَلائِكَةِ.. فَضَمَّهُ إلى صَدْرِهِ.. وَقَبَّلَه بِينِ عَيْنَيهِ.. ثُمَّ قالَ لَهُ : ـ حَبيبي ياحسينُ.. كَأَنِّي أَراكَ عَنْ قَرِيبٍ مُرَمَّلاً بِدِمائِكَ.. مَذبوحاً بأَرضِ كَربلاءِ.. بَينَ عِصابَةٍ مِنْ أُمَّتي.. وَاَنْتَ عَطْشانٌ لاَتُسْقى.. وظَمآن لا تُروى.. حَبيبي يا حسينُ.. إِنَّ اُمَّكَ وَأَباكَ وأَخاكَ قَدِمُوا عَليَّ.. وهُمْ إِليكَ مُشتاقُونَ.. وَإِنَّ لَكَ في الْجنَّةِ دَرجاتٍ لا تَنالُها إلاّ بالشهادةِ..
    إِذَنْ.. فَقَدْ حَانَ الوَقْتُ الّذي كانَ يَنْتَظِرُه مُنْذُ نُعومَةِ أَظفارِهِ.. حِينَ تَقَدَّمَ مِنْ اُمِّهِ الزهراءَ عليها السلام يسأَلُها بِحزْنٍ شَدِيدٍ : لِمَ يُقَبِّلُني جَدّي رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم مِنْ نَحْرِي دونَ فَمِي..؟! وراحتْ دُمُوعُهُ تَسيلُ عَلى وَجْنَتَيِه.. فَما كانَ مِنْ أُمِّهِ الزهراءِ عليها السلام إِلاّ أَنْ تَتَقَدَّمَ بِالسؤالِ إِلى أَبِيها رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم .. فَأَعلَمَها بِما سَيَجْري عَلى وَلَدِها الحُسين عليه السلام ..
    لَقَدْ نَزَلَ الاََمينُ جِبرَئِيلُ وَأَعْطَى لِرسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم زُجَاجَةَ تُرابٍ مِنْ أَرضِ كَربلاءَ.. وَقَدْ أَخْبَرَهُ بِأَنَّ الاِمامَ الحُسينَ عليه السلام سَيُقْتَلُ فِي هذِهِ الاََرضِ.. وَعِنْدَ شَهادَتِهِ سَيَصيرُ هذا التُرابُ دَماً.. فَما كَانَ مِنْ رَسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم إلاّ أنْ يَضَعَ هذِهِ الزُجَاجَةَ أَمانَةً بَينَ يَدَي زَوجَتِهِ أُمِّ المؤمنينَ أُمِّ سَلَمةَ وَهُوَ يُعلِمُهَا بِما سَيَحْصُلُ مِنْ أَمرِ الزُجاجَةِ وَأَمَرِ الاِمامِ الحسينِ عليه السلام ؛ لِذلِكَ أَوصَى الاِمامُ الحسينُ عليه السلام أَخاهُ محمدَ بنَ الحنفيةِ قَبْلَ رَحِيلِهِ قائِلاً : أَنا عازِمٌ عَلى الخروجِ إِلى مَكَةَ.. وَقَدْ تَهيّأتُ لِذلِكَ أَنا وإخوَتِي وَبَنُو أَخي وَشِيعَتِي مِمَّنْ أَمرُهُمْ أَمري.. ورَأَيُهم رَأْيي.. وَأَمّا أَنْتَ يا أَخي عَليكَ أَنْ تُقِيمَ في المدينةِ.. فَتَكونَ لِي عَيناً عَلَيْهِمْ.. وَلا تُخفِ عَليَّ شَيئاً مِنْ أُمورِهِمْ..
    * * *
    عَلِمَتْ اُمُّ المؤمنينَ اُمُّ سَلَمَةَ بِأَمْرِ الاِمامِ الحُسينِ عليه السلام فَتَذَكَّرَتْ شَيئاً مَضى عَلَيهِ سَنَواتٌ طَويلةٌ.. زُجاجةُ تُرابٍ وَضَعَهَا رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم أَمانَةً عِنْدَها.. فَبَعَثَتْ إِلى الاِمامِ الحُسينِ عليه السلام تُخْبِرُهُ : إِنّي أذكُرُكَ اللهَ يا وَلدِي أَنْ لا تَخْرُجْ.. فَقَدْ قَالَ لِي

    رَسولُ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم يُقتَلُ الحُسينُ ابني بالعراقِ.. وأَعطانِي مِنَ التُربَةِ قارُورَةً.. أَمَرَني بِحفْظِها.. ومُراعاةِ ما فِيها..
    فَبَعثَ إِليها : وَاللهِ يا اُمّاهُ إِنّي لَمقتُولٌ لاَ مَحالةَ.. فَأَينَ المَفَرُّ مِنْ قَدَرِ اللهِ المقْدُورِ..؟ مَا مِنْ الموتِ بُدٌّ.. وَإِنّي لاََعرفُ اليومَ وَالساعةَ والمَكانَ الّذي اُقْتَلُ فِيهِ.. أَعْرِفُ مَكانِي وَمصْرَعِي والبُقعَةَ الّتِي أُدْفَنُ فِيها كَما أَعرفُكِ.. فَإنْ أَحْبَبْتِ أَنْ أُريكِ مَضْجَعِي.. وَمَضْجَعَ مَنْ يُسْتَشْهَدُ مَعِي.. فَعلتُ ذلِكَ..
    فَحَضَرتْ اِليهِ قَائلةً : ـ قَدْ شِئْتُ ذلِكَ..
    فَتَكَلَّمَ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام بِاسْمِ اللهِ الاَعظمِ.. فَتَخَفَّضَتْ الاََرضُ حَتّى أَراهَا مَضْجَعَهُ.. وَمضْجَعَ مَنْ يُسْتَشْهَدُ مَعَهُ.. وأَعْطاها مِنَ التُربَةِ شَيْئاً فَخَلَطَتْهُ بِما كانَ مَعَها فِي تِلْكَ الزُجَاجَةِ.. ثُمَّ قالَ لَها : ـ إِنّي اُقْتَلُ فِي يومِ عاشوراءَ.. وَهُوَ اليومُ العاشِرُ مِنْ مُحرَّمِ بَعدَ صَلاةِ الزَوالِ.. فَعَلَيكِ السَّلامُ ياأُماهُ.. وَرَضِيَ اللهُ عَنْكِ بِرضانا عَنْكِ..
    * * *
    جَمَعَ الاِِمامُ الحُسينُ عليه السلام أصحابه الذِينَ عَزَمُوا عَلى الخُروجِ مَعَهُ إِلى العراقِ.. فَأَعطى كُلَّ واحدٍ مِنْهُمْ عَشْرَةَ دَنانيرَ وَجَمَلاً يَحمِلُ عَلَيهِ رَحْلَهُ وَزادَهُ.. ثُمَّ طَافَ بِالبيتِ.. وَسَعى بَينَ الصّفا والمَروَةِ.. وَبَعدَها تَهيّأَ لِلخروجِ فَحَمَلَ بَناتَهُ وأَخواتَهُ عَلى الَمحمَلِ.. وَخَرجَ مِنْ مَكةَ يَومَ الثُلاثاءِ.. يَومَ التَروِيَةِ لِثمانٍ مَضَيْنَ مِنْ ذِي الحَجّةِ.. وَمَعَهُ اثنانٍ وَثَمانُونَ رَجُلاً مِنْ شِيعَتِهِ ومَوالِيهِ وأَهلِ بَيْتِهِ مُتَوجِّهاً إلى العراقِ.. وَهُوَ يَعْلَمُ أَنَّهُ لاَ يَجْنِي مِنْ ثَورَتِهِ هذهِ نَصراً ماديّاً ظاهريّاً.. بَلْ سَوفَ يُسْتَشْهَدُ هُوَ وَأَولادُهُ وَأَصحابُهُ وإِخوَتُهُ.. وَسَتُسْبى نِساؤُهُ.. فَكَيْفَ سَيَسْتَطِيعُ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام بِهذا إِحياءَ الرسالةِ الُمحمّدِيةِ.. ؟! نَعَمْ إِنَّ وَضْعَ الُمجتَمعِ الاِِسلاميِّ فِي مِثْلِ هذِهِ الظُروفِ كانَ يَتَطَلَّبُ القيامَ بِعَمَلٍ استِشهادِيٍّ فَاجِعٍ يُلْهَبُ الروحَ الجِهادِيَّةَ فِي هذا المجتَمَعِ.. وَيَتَضَمَّنُ أَسْمى مَراتبِ التضْحِيَةِ فِي سَبيلِ هذا المبدأ.. كَي يَكونُ مَناراً لِجَمِيعِ الثائِرينَ حِينَ تَلُوحُ لَهُمْ وَعَورَةُ الطَريقِ.. وتَضَمَحِلّ أَمامَهُمْ احتِمالاتُ الفَوزِ.. لِذلِكَ شَيَّعَ الاِمامُ الحسينُ عليه السلام خُرُوجَهُ إلى مَعْركَةِ الطَفِ بِكَلِماتِهِ الخالِدةِ : « لَمْ أخرجْ أشِراً ولا بَطِراً.. وَلا مُفسِداً ولا ظالِماً.. وإنّما خَرَجْتُ لطلبِ الاصلاحِ فِي اُمَّةِ جَدّي رسولِ اللهِ صلى الله عليه وآله وسلم».
    * * *
    وَيَأْتِي يومُ العاشرِ مِنْ مُحَرَّمِ.. وَالاِِمامُ الحسينُ عليه السلام فِي ساحةِ المَعْرَكَةِ بِأَرضِ كَربلاءَ يُعاني آلاماً وَرَزايا لَمْ يَشْهَدُ لَهُما التاريخُ مَثِيلاً.. فَفِي الخيامِ نِساؤُهُ وأَطفالُهُ يَمُوتُونَ عَطَشاً وَهُمْ يَحلَمُونَ بِقَطرةِ ماءٍ.. وَفِي ساحَةِ المعْرَكَةِ سَقَطَ شَهِيداً أَخُوه أَبو الفضلِ العبّاسُ وَهُوَ مَقطوعُ الكَفَينِ عَلى شاطِىءِ الفُراتِ فِي مُحاولةٍ مِنْهُ لِجَلٌبِ الماءِ إِلى النِساءِ والاََطفالِ.. واستُشْهِدَ ابنُهُ عليٌّ الاَكبرَ.. والقاسمُ بنُ الحَسَنِ عليه السلام . وأَصحابُهُ الّذينَ آثَروا البَقاءَ مَعَهُ.. والاََفْجَعُ مِنْ هذا هُوَ اسْتِشهادُ وَلَدِهِ عَبدِاللهِ
    الرَضيعِ الّذي لَمْ يَتَجاوَزَ عُمْرُهُ بِضْعَةَ شُهورٍ.. كانَ قَد جَفَّ اللّبَنُ فِي صَدْرِ اُمِّهِ الرَّباب.. فَحَمَلَهُ الاِِمامُ الحُسَينُ عليه السلام بَينَ يَدَيْهِ.. وَوَقَفَ بِهِ أَمامَ الاََعداءِ مُخاطِباً إِياهُمْ: أَنْتُمْ تُقاتِلُونِي وأُقاتِلُكُمْ.. فَما ذَنْبُ هذا الطفلِ الرَّضِيعِ يُعانِي مِنْ شِدَةِ الظَمَأَ.. ؟ خُذُوهُ أَنْتُمْ مِنّي.. واسْقُوهُ جُرْعَةَ ماءٍ.. فَأَجابُوهُ بِسَهْمٍ أَطْلَقَهُ مُجْرِمٌ مِنْهُمْ يُدعى حَرْمَلَةَ بنَ كاهلٍ نَحوَ عُنُقِ الرَّضِيعِ.. فَذَبَحَهُ مِنَ الوَريدِ إِلى الوَرِيدِ..


    فَيا أَيُّها الناسُ أَيُّ قلبٍ وعقلٍ يَستطيعانِ أَن يَصْمُدا أمامَ مُصيبةٍ كَهذِهِ.. ؟!! وَرَغْمَ كلِّ مَا نَزَلَ بالامامِ الحُسَينِ عليه السلام مِنْ آلامِ المَصائِبِ المُفْجَعاتِ الّتي استَنْزَفَتْ جَمِيعَ قِواهُ إِلى جانِبِ ذلِكَ الظمأَ الشَدِيدِ الّذِي جَعَلَ لِسَانَهُ كَالخَشَبَةِ اليابِسَةِ.. إِلاّ أَنَّهُ شَهَرَ سَيْفَهُ وَنَزَلَ لِمواجَهَةِ الاََعداءِ وَحَمَلَ عَليهم حَملاتٍ مَشهودةً فَما لَبِثَ أنْ رَماهُ أَحدُهُمْ بِحَجَرٍ عَلى جَبْهَتِهِ فَجَعَلَ الدَّمَ يَسِيلُ عَلى عَيْنَيهِ وَوَجْهِهِ.. وبَينما هُوَ يُحاوِلُ مَسْحَ الدَّمَ رَماهُ آخَرُ بسَهْمٍ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ.. فَخَرَقَ السَّهْمُ قلبَ الاِمامِ الحُسينِ عليه السلام وَجَعَلَ الدَّمَ يَتَدَفَّقَ بِغَزارَةٍ.. وَعِنْدَها راحَ الاِمامُ يُلَطِّخُ وَجْهَهُ ولِحْيَتَهُ بالدِّماءِ الطاهِرَةِ قائِلاً : « هوّن عليّ ما نزل بي إنّه بِعينِ الله..

    هكذا أكونُ حَتَّى اَلقى جَدّي رَسولَ الله صلى الله عليه وآله وسلم واَنَا مُخَضَّبٌ بِدَمِي.. فَأَقولُ لَهُ : قَتَلَنِي فلانُ.. وفلانُ..»
    وَيومَها كانَتْ اُمُّ المؤمِنِينَ اُمُّ سَلَمَةَ تُحَدِّقُ بِكُلِّ لَوعةٍ وأَلَمٍ في زُجاجَةِ التُرابِ.. وَإِذا بِها فَجأَةً..!! تَتَحَوَّلُ إلى دَمٍ أَحْمَرٍ.. لَقَدْ اسْتُشْهِدَ الاِمامُ الحُسينُ عليه السلام مِنْ أَجْلِ إِحياءِ الرِّسالَةِ المحمَّدِيةِ.. وَبِهذِهِ الفاجِعَةِ الّتِي سَتَهِزُّ ضَمِيرَ الُمجْتَمعِ الاِِسلاميِّ وَتُشَكّلُ انفِعالاً عَمِيقاً يَغْمُرُ النَّفْسَ فَيَدْفَعَها إلى الثَّورَةِ مِنْ أَجْلِ كَرامَتِها… ويَبعَثُ فِي الروحِ الهامدةِ جُذْوَةً جَدِيدةً لا يَخْمِدُ أَوارُها عَلى مَرِّ الاََعوامِ والقُرونِ..
    * * *
    فَلَمْ تَكُنْ واقِعَةُ الطفِ قَضِيَّةً مَأْساوِيَةً عابِرَةً حَدَثَتْ في مَرحَلَةٍ مُعَيَّنَةٍ مِنْ التارِيخِ فَحَسْبُ.. وَإِنَّما هِيَ صُورةٌ متكاملةٌ لِتَجْسِيدِ الصّراعِ بَينَ الحَقِّ والباطِلِ..

    صورةٌ واقِعِيةٌ تَنْبُضُ بِالحَياةِ تُشَكِّلُ قَلْبَ التارِيخِ الاِِسلاميِّ . فَلَولاها لَماتَ ذلِكَ التارِيخُ.. هِيَ صَرْخَةٌ تَتَعالى فِي ضَمِيرِ الاِِنسانِيةِ كُلّما أَسْدَلَ التاريخُ سَتَائِرَهُ ، يَظْهَرُ أَمامَ العالَمِ جَسَدَ الاِمامِ الحُسَينِ عليه السلام مُضَرَّجاً بِدِمائِهِ يَجْثُمُ فَوْقَهُ اللّعينُ (شِمْرٌ بنُ ذِي الجَوشَن) وَهُوَ يَحِزُّ رَأسَهُ الشَّرِيفَ بالسّيفِ وَمِنْ حَولِهِ آخَرُونَ . مِنْهُمْ مَنْ يَسْلِبُهُ عِمَامَتَهُ ، ومِنْهُمْ مَن يَسْلبُهُ سَيْفَهُ.. ومِنْهُمْ مَنْ يَسْلُبُهُ ثَوْبَهُ.. وَمِنْهُمْ يُحاوِلُ سَلْبَ خَاتِمَهُ فَلَمْ يَستَطِعِ انْتِزاعَهُ فَيَقْطَعَ إِصْبَعَ الاِمامِ عليه السلام لِيَحْصُلَ عَلى ذلِكَ الخاتَمِ.. ويُحارُ المرءُ بَينَ أَنْ يُحَدِّقَ فِي هذا المَنْظَرِ أَو في المنظرِ الّذي خَلْفَه.. وَمَاذا خَلْفَ جَسَدِ
    ____________

    (1) الاحزاب 33 : 33 .

  • #2

    الأخت الكريمة
    ( عطر الولاية )
    ربي يجزاك خير الجزاء
    على الطرح المبارك
    الله يوفقكم لكل ويقضي حوائجكم للدنيا والأخرة



    ولولا أبو طالب وأبنه * لما مثل الدين شخصا وقاما
    فذاك بمكة آوى وحامى * وهذا بيثرب جس الحماما

    فلله ذا فاتحا للهدى * ولله ذا للمعالي ختاما
    وما ضر مجد أبي طالب * جهول لغا أو بصير تعامى
    كما لا يضر إياب الصبا * ح من ظن ضوء النهار الظلاما

    [/CENTER]

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X