إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

شرح دعاء ( المحراب )

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • شرح دعاء ( المحراب )



    هذا النص الذي يقرأ في محراب امير المؤمنين علي(ع) في مسجد الكوفة، وهو:
    الهي: قدمه الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنهه بك.
    الهي: قد جلس المسيء بين يديك مقراً لك بسوء عمله، راجياً منك الصفح عن زلـله.
    الهي: قد رفع الظالم كفيه اليك، راجياً لما بين يديك، فلا تخيبه من فضلك.
    الهي: قد جثا المعاند الى المعاصي بين يديك، خائفاً من يوم تجثونية ا لخلائق بين يديك.
    الهي: جاءك العبد الخاطيء فزعاً مشفقاً ورفع اليك طرفه حذراً راجياً، وفاضت عبرته مستغفراً نادماً.
    الهي: صل على محمد وآل محمد، واغفر لي برحمتك يا خير الغافرين.

    ان هذا الدعاء ـ على قصره ـ حيث يتضمن ستة مقاطع، يبدأ كل منها بعبارة "الهي"، وكل واحدة منها يتوسل بالله على ان يعفو عنه: بعد ان يقدم في كل مقطع احد اشكال الوقوف بين يدي الله تعالى وتقديم المعذرة من الذنب...
    ولكن مما يجدر ذكره هنا هو: ان هذه المقاطع من الدعاء تتضمن طرائف المعنى من حيث ا لمضمون، ومن حيث المضمون ومن حيث المظهر الخارجي الذي يطبع سلوك المذنب ... واليك اولاً: عرضاً اجمالياً لطرائف الدعاء المذكور او بعضها..
    لنتحدث اولاً عن المظهر الخارجي لمضمون الدعاء، أي: الهيئة الجسمية لشخصية المذنب.
    لو دققت النظر الى الملامح الخارجية للشخصية المذكورة، امكنك ان تلاحظ انماطاً من المظهر لها .. منها: ما يتصل باليد، ومنها: ما يتصل بالعين، ومنها ما يتصل بالهيئة الجسمية العامة من حيث وقوفها او جلوسها...
    طبيعياً، ينبغي ان تضع في نظرك، بان الهيئة الخارجية لشخصية المتوصل بالله تعالى، لا تنفصل عن الوضع الداخلي لها، أي: ان المظهر الخارجي هو انعكاس لمظهر الشخصية داخلياً، وهذا جانب له اهميته الكبيرة، ولعلك تعرف تماماً ان النصوص القصصية والروائية الناجحة تحاول دائماً عند رسمها لابطال القصة او الرواية: ان ترسم ملامحهم الخارجية معبرة عن ملامحهم الداخلية، والا فان الرسم المجرد لملامح الشخصية: لا قيمة له ما لم يرتبط بالرسم الداخلي لها... والمهم هو: ان نذكر لك اولاً: ملامح هذه الشصخية التي رسمها الدعاء: خارجياً، واردفها بالرسم الداخلي في آن واحد....
    بالنسبة الى الرسم الخارجي لاحظ ما يلي:
    1- ان الدعاء رسم هيئة اكبر للمتوسل وهي: (مد اليدين).
    2- ان الدعاء رسم هيئة اكبر للمتوسل ولكن من خلال (الكفين).
    3- ان الدعاء رسم هيئة الجلوس بشكل عام.
    4- ان الدعاء رسم هيئة اكبر للمتوسل ولكن بشكل خاص (وهو الحبو).
    5- ان السماء رسم هيئة البصر وهو رفعه مقترناً: بنزول الدمع وافاضته.
    6- ان الدعاء رسم اخيراً: الملمح اللفظي متمثلاً في طلب المغفرة.

    اذن: نحن الان امام ستة انماط من الرسم الخارجي لشخصية المتوسل بالله تعالى غفران الذنب.
    والطرافة هنا هي: ان كل ملمح ـ كما سنلاحظ لاحقاً له نكاته الخاصة... فمثلاً بالنسبة الى (اليد) نجد مرة ان المتوسل (ماداً) يديه باكملها (أي الاجزاء المتصلة باعلى اليد الى ادناها) بينما نجد حالة ثانية هي (رفع الكفين)...
    ومن جانب اخر: نجد عملية (مدٍ) وتقابلها عملية رفعها، ,لابد ان يكون كل من المد والرفع دلالتهما، والامر نفسه بالنسبة الى هيئة "المثول" بين يد الله تعالى، فتارة نلحظ عملية (جلوس) للمتوسل، وهي هيئة عامة لكل جالس، بينما نجد تارةً اخرى عملية وجثو للمتوسل والجثور هو نمط خاص من الجلوس ... ولابد ايضاً: ان يكون لكل من الجلوس العام والخاص: نكاته الخاصة.
    واما النمطان الاخران او الاخيران من الملامح الخارجية للمتوسل، فهما: رفع الطرف الي العين واستفاضة عبراتها، ثم: الكلام المنطوق المتمثل في عبارة (صلِ على محمد وآل محمد، واغفرلي برحمتك يا خير الغافرين). ايضاً بالنسبة الى رفع الطرف، واستفاضة عبراته، لابد وان تكون له نكاته.. واخيراً: نمط العبارة المسغفرة، وصلها بما تقدم هذه الملامح سنتحدث عنها في لقاءات لاحقة انشاء الله اما الان فنكتفي او نختم حديثنا بالتوسل الى الله تعالى بان يغفر لنا ذنوبنا، وان نحاسب انفسنا، وندربها على ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النمو المطلوب.
    مؤسسة السبطين العالمية
    يتبع تكملة الدعاء المبارك لاحقا ان شا الله


  • #2
    شرح دعاء المحراب الحلقة 2

    نواصل حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من النكات ودقائق المعاني،
    ومنها: ما تحدثنا عنه في لقاء سابق وهو احد الادعية القصار الذي يتلى في محراب أمير المؤمنين علي(ع) في مسجد الكوفة وقد جاء فيه (الهي قد مدَّ الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنه بك .. الهي قد جلس المسيء بين يديك مقراً بسوء عمله ...) وقد قلنا في لقائنا السابق ان هذا الدعاء يتضمن رسماً لملامح الشخصية جسمياً ونفسياً، وان ما هو جسمي يعكس ما هو داخل الشخصية من اجل احاسيس تتصل بما يستر الذنب والتوبة منه والتوسل بالله تعالى بان يغفر ذلك.. وذكرنا ايضاً: ان هذا الدعاء يتضمن رسوماً مختلفة لوضع الشخصية وهي متوسلة بالله تعالى: غفران ذنوبها.. وقلنا: ان جملة نكات وطرائف يتضمنها الدعاء المذكور، حيث المحنا اجمالاً اليها، ونبدأ بتفصيله الان.
    ونستهل ذلك بالعبارة الاولى من الدعاء وهي:
    (الهي قد مدَّ الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنه بك ...).
    والسؤال الان هو: ماذا تتضمن هذه العبارة من نكات واسرار؟.. هذا ما نبدأ بالقاء الاثارة عليه... ان النكات التي تتضمنها هذه العبارة متنوعة.. منها: المسامح الخارجي الذي رسم الدعاء للشخصية وهو "مدُّ اليدين"، ولسوف نرى في عبارة لاحقة ان الدعاء قد رسم لنا ملمحاً اخر هو "رفع الدين" نحو السماء ... ولابد هنا من ملاحظة الفارق بين: "مد اليدين وبين رفع الكفين" وهو امر سنحدثكم عنه لاحقاً، غير ان ما نعتزم لفت نظرك اليه اولاً هو: ملاحظة "مد اليدين" وما تعكسهما من الدلالة التي يستهدفها الدعاء .. هذا اولاً.. واما ثانياً فلابد وان نوضح لك النكتة التي تضمنها الدعاء في وصف الشخصية المقترفة للذنب بعبارة "الخاطئ المذنب" وهذا يعني: ان فارقاً بين الذنب وبين الخطيئة، لابد من ملاحظته حيث كررنا دائماً ان النصوص الشرعية لا تستخدم كلمتين مترادفتين، لان ذلك خلاف العصمة البلاغية ولذلك فان الامام المعصوم الذي قدم لنا هذا الدعاء لابد وان يعني: بعبارة "الخاطئ المذنب" وجود الفارق بينهما، وهو كذلك... وعلى اننا اوضحنا في لقاءات سابقة امثلة هذه الفروق الا اننا نضطر الان ايضاً لملاحظة الفارق بين الذنب وبين الخطيئة حيث ان الكثير من قراء الدعاء لا يكادون يميزيون بينهما معتبرينها بمعنى واحد او متقارب.
    اذن لنتحدث عن هذا الموضوع، فنقول: النصوص اللغوية تشير الى ان "الذنب" هو: ما يقصده بذاته، بينما الخطيئة هي ما يقصد بها تحرضاً... يستشهدون مثلاً بمن شرب مسكراً "والعياذ بالله" فجنى جناية بسبب سكره... هذا الى ان ثمة من يذهب الى ان الخطيئة ما تكون بين الانسان وبين الله تعالى .. وهناك نظرات غير ما تقدم وما يعنينا هو: ان ممارسة ما حرم الله "أي المحظور من الممارسات" تظل متفاوتة من ممارسة الى اخرى الا انها جمعياً ما دامت ممارسة محظورة فان التوبة منها وطلب الغفران من الله مطلوب دون ادنى شك...
    وهذا فيما يتصل بممارسة المحظور والممنوع من الافعال .. والفارق بينهما...، ولكن ماذا بالنسبة الى ما تضمنه الدعاء من رسم للشخصية "وهي تائبة وتطلب الغفران".
    لقد لاحظنا ان عبارة الدعاء هي الهي: مدَّ الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنه بك ... والسؤال الان هو: ماذا يعني "مد اليدين"؟ ثم ما الفارق بينه وبين رفع الكفين، كما مر في الدعاء او كما نلاحظه فيما بعد؟
    من الواضح ان مد اليدين هو طلب يقترن بتطلع وتوقع وأمل بالحصول على اشباع حاجة التوسل بالله تعالى ... والسر وراء ذلك هو ان اليدين هما اللتان تتسلمان الاشياء ولذلك يرمز بهما الى تحقيق أمل الشخصية أي: تسلم الشخصية لما تطلبه من "الغفران" للذنب.. وحينئذ يكون "المد" عملية "رمز" لما هو متوقع من الحاجات ... وهذا ما اوضحه تعقيب الدعاء نفسه على العبارة المذكورة بعبارة "لحسن ظنه بك".. أي: بما ان العبد يحسن ظنه بالله، ويكون متوقعاً تماماً ان يحقق الله تعالى امله، حينئذ "يمد يده" لتسلم ما يتوقعه.. من هنا، فان عبارة "حسن ظن العبد بالله تعالى" تظل ملقية باثارتها على عملية مد اليد، حيث قلنا، ان المظهر الخارجي لابد وان يعبر عن المظهر الداخلي، فالمظهر الداخلي هو: حسن ظن العبد بالله تعالى بغفران الذنب.. واما المظهر الخارجي لهذا الظن لحسن فهو مد اليد لتسلم العطاء منه تعالى وهو غفران الذنب.
    اذا امكننا ان نثبت بوضوح جملة من الاسرار او النكات او الطرائف التي تتضمنها عبارة الدعاء وتعبيرها عن المضمون او الصرف لدى الشخصية من وراء مد يدها الى الله تعالى "لذلك نأمل في ختام لقاءنا ان نوفق دائماً لان نكون حسن الظن بالله تعالى، وان يوفقنا لتعديل سلوكنا وذلك بمحاسبة انفسنا وتدريبها على الطاعة والتصاعد بها الى النمو المطلوب.

    تعليق


    • #3
      شرح دعاء المحراب ( الحلقة 3 )


      ما حدثناك عنه ـ في لقاء سابق ـ بالنسبة الى دعاء قصر يتلى في محراب الامام علي(ع) في مسجد الكوفة، حيث تحدث الدعاء عن توسل العبد بالله تعالى لغران ذنوبه، وحيث رسم الدعاء حالة العبد من جهة مظهره الخارجي والداخلي، ومن ذلك قوله: "الهي قد مد الخاطئ المذنب يديه، لحسن ظنه بك. الهي قد جلس المسيء بين يديك مقراً له بسوء عمله، راجياً منك الصفح عن زلـله"... وقد حدثناك عن الفقرة الاولى سابقاً وهي الفقرة التي رسمت العبد "ماداً يديه" ... وفي حينه اوضحنا دلالة الرسم المذكور أي "مد اليدين" وما تعنيه من النكات ... اما الان فنحدثك عن الملمح الاخر للعبد "وهو متوسل بالله تعالى يخفف ذنوبه"، وهذا الملمح يتمثل في جلوس العبد بين يدي الله تعالى مقراً لسوء عمله.. الى.. الخ والنكتة او الطرافة التي نعتزم توضيحها الان هي: دلالة جلوس العبد بين يدي الله تعالى، والفارق بينها وبين دلالة "مد يد العبد"، وصلة ذلك بالاقرار بالذنب والتوسل بالله بان يغفر له ذلك!.
      من البينة ان "مد اليد" هو: طلب المغفرة مع توقع حصولها، بصفة آن المد لليد يعني، امكانية ان تتسلم اليه عطاء الله تعالى وهو المغفرة .. ولكن جلوس العبد وليس مد اليد له دلالة اخرى ترتبط ايضاً بطلب المغفرة، كل ما في الامر ان رسم العبد جالساً بين يد الله تعالى له دلالته الخاصة المتمثلة بالاقرار او الاعتراف فالجلوس هو قبالة الوقوف، وهو يرمز الى معنى خاص يتصل بالاقرار او الاعتراف: كما قلنا فالاعتراف عادة يقترن بخضوع واستكانة وخجل و...الخ. أي: الحركة او الملمح الجسمي المتمثل في الجلوس يتناسب مع الاقرار او الاعتراف ... وهذا ما اوضحه الدعاء نفسه في تعقيبه للعبد على ذلك، حيث جاء على لسان العبد "مقراً لك بسوء عمله"...
      اذن: الدعاء ذاته اوضح الصلة بين هيئة جلوس العبد وبين الاقرار...
      وهذا واحد من الاسرار الكامنة وراء الرسم المذكور، أي: الجلوس وصلته بالاقرار.
      ولكن ماذا بالنسبة الى النكات او الاسرار المتصلة بما ورد في المقطع المتقدم، حيث وصف العبد سلوكه بانه "سوء" أي "السيئة" .. ولعلك تتذكر ـ في لقاءنا السابق ـ اننا فرقنا بين الذنب وبين الخطيئة، كما ورد على لسان اللغويين، اما الآن فنواجه مصطلحاً ثالثاً هو "السيئة" .. ونحسبك تساءل عن الفارق بينهما "أي، السيئة" وبين الذنب وبين الخطيئة: مع انها جميعاً "أي الذنب والخطيئة والسيئة" بمعنى متماثل من حيث كونها افعالاً ممنوعة ومحظورة او محرمة، ولسنى مع الافعال الممنوعة شرعاً، ولكن مع ذلك ثمة فروق بين كل واحد من المصطلحات المتقدمة، اوضحنا لك اثنين منها في لقاء سابق، وهو الفرق بين الخطيئة وبين الذنب .. اما الآن فنوضح لك الفارق بين السيئة التي وردت في المقطع الذي نتحدث عنه في لقائنا الحالي وبين الاشكال الاخرى من الافعال الممنوعة شرعاً..
      تقول المصادر اللغوية ان السيئة هي: الممارسة الممنوعة التي تكون بين العبد وبين الاخرين، بينما الخطيئة مثلاً هي ما تكون بين الانسان وبين الله تعالى الا ان هذا الفارق لا نطمئن اليه بخاصة ان اللغويين ذكروا "وهذا ما حدثناك عنه في لقاء سابق" ان الخطيئة هي الممارسة التي تتم عرضاً من دون قصد كما لو اصاب احد انساناً بدلاً من الطائر مثلاً مما يعني انه أي: الخطأ يشمل الصلة بين العبد وبين الاخر الذي قتله خطأ.
      اذن: لابد وان يحتمل معنى آخر لمصطلح السيئة..
      الذي نحتمله هو: ان السيئة مصطلح اوسع دلالة من سواه، بحيث يشمل الخيئة ويشمل الذنب، وسائر المصطلحات الاخرى أي انه كل فعل محظور من الشرع، وهو تتمثل في ما نصطلح عليه في لغتنا الحالية بالانحراف أي: العمل غير السوي، وحينئذ فان العمل غير السوي يشمل على سلوك لا يرتضيه الله تعالى: اعّم من السلوك المرتبط بحق الله تعالى.. او حق الناس.
      اذن للمرة الجديدة نستخلص نكتة مهمة هي: ان الاقرار بانحراف العبد امام الله تعالى جالساً يشمل كل سلوك لا يرتضيه الله تعالى.
      والاهم من ذلك هو ضرورة ان نستثمر تلاوتنا لهذا الدعاء ولفقرته الميسرة الى اقرارنا بسلوكنا السيء وذلك: بان نتوب الى الله تعالى توبة نصوحاً، وان نحاسب انفسنا، وان ندربها على ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النمو المطلوب.

      تعليق


      • #4
        شرح دعاء المحراب ( الحلقة 4 )


        لابد اذا كنت متابعاً لاحاديثنا عن الدعاء ان تتذكر باننا عرضنا صورتين من المظاهر الحركية لقارئ الدعاء وهما: مدُّوُ اليدين، ثم الجلوس بين يدي الله تعالى.. وفي حينه اوضحنا دلالة ما يرمز له هذان المظهران من الاقرار بالذنب، وطلب المغفرة.. اما الان فتواجهنا صورة ثالثة هي: "رفع قارئ الدعاء كفيه، وترجيه الله تعالى سائلاً اياه بالاّ يخيبه برحمته من فضله"... ولعل السؤال المهم مما قد يدور في ذهنك هو: ان نوضح لك دلالة الحركية او المظهر المتقدم وهو "رفع الكف" والفارق بينه وبين مد اليد، حيث لاحظنا ان الدعاء المذكور قد استهل بعبارة الهي: قد مدِّ الخاطئ المذنب يديه لحسن ظنه بك"، بينما الان "يرفع كفيه" راجياً لما بين يديّ الله تعالى سائلاً الا يخيب امله برحمة الله وبفضله...
        هنا نأمل من القارئ للدعاء او المستمع لهذه الصورة الا يمل او يزهق بمعرفة هذه النكات الدقيقة في الدعاء، لان المعصوم(ع) عندما يصوغ الدعاء بهذا النحو من السلاملم انما يتحدث بما اوصله الله تعالى الى النبي(ص) ومن ثم منه الى المعصومين عليهما السلام وحينئذ لابد من الاهتمام به تألق الدعاء ونكاته...
        من الواضح، ان "مد اليد" ـ في تجاربنا اليومية ـ يعني طلب الشيء، وهذا ما لاحظناه في بداية الدعاء الذي يتحدث عن المذنب والخاطئ، حيث ذكر الدعاء بان قارئ الدعاء لحسن ظنه بالله تعالى "يمد" يده.. وهذا يعني انه في صدد طلبه شيئان من الله تعالى.. ولكن عندما "يرفع الكفين" فان الدلالة تتغير عن سابقتها بحيث يتوقع قارئ الدعاء ان تملأ كفاه بما طلبه من الله تعالى... اذن: مدُّ اليد هو طلب، ورفع الكف هو: جواب الطلب...
        يدلنا على ذلك: ان فقرة الدعاء الاخيرة تقول "راجياً لما بين يديك، فلا تخيبه برحمتك من فضلك"...
        لاحظ هنا: يعتبر اولاً: من الحاجة التي يتطلع الى ان يتسلمها بيده "طبيعياً: هذه رموز حسية لدلالات يختزنها ذهن قارئ الدعاء".. فقد كان قارئ الدعاء في الفقرة الاولى من دعائه لم يعبر عن حاجته بالنطق بل مدَّ يده من خلال حسن الظن به تعالى... وثانياً: نجد ان قارئ الدعاء يستخدم كلمة "راجياً لما بين يدي الله تعالى"، وهذا يعني انه في صدد ان يتسلم بالفعل ما هو بين يدي الله تعالى... ثالثاً: نجد ان قارئ الدعاء يتوسل به على ان لا يخيبه برحمته من فضله. فالاشارة الى "الفضل" هي رمز واضح للعطاء الذي ينتظره صاحب الدعاء ندما رفع كفيه الى السماء...
        اذن: ادركنا جانباً من الدلالات التي رسم بها الدعاء في فقرته المتقدمة....
        ونتجه الى الصورة الرابعة من الدعاء المذكور، وهي الفقرة القائلة الهي: قد جاء العائد الى المعاصي بين يديك، خائفاً من يوم تجثو فيه الخلائق بين يديك...
        هنا نلفت نظرك الى الصورة الجديدة من الرسم الخارجي لقارئ الدعاء، حيث رسمه اولاً: ماداً يده، ثم رسمه جالساً بين يدي الله تعالى، ثم رسمه رافعاً كفيه، ثم رسمه جاثياً بين يدي الله تعالى... ولكل من هذه الملامح الفزيقية دلالتها دلالتها الرمزية كما اوضحنا... ولكن ما هي الدلالة الرمزية للصورة الاخيرة "الجثو بين يدي الله تعالى"؟
        اولاً: نتساءل ما معنى "الجثو"؟.. الجثو هو: البروك الى الركبة، وهو يرمز الى القعود بين يدي القاضي... ولكن مرَّ بنا ان الصورة الثانية لقارئ الدعاء هي: الجلوس بين يدي الله تعالى قاراً بالذنب .. اذن: ما الفارق الدلالي بين الجلوس العادي وبين الجثو؟
        هذا سؤال له اهميته بالنسبة الى قارئ الدعاء، حيث يتعين عليه "وهو يقرأ هذه الفقرة من الدعاء" ويتجه بها الى الله تعالى ان يصرف ما ينطق به...
        ثمة سؤال آخر هو: ماذا نستخلص من العلاقة بين جثو العبد الان بين يدي الله تعالى "أي: خلال قراءته للدعاء".. وبين جثو الخلائق في اليوم الآخر، حيث لاحظنا فقرة الدعاء
        الثالثة "جثا العائد الى المعاصي خائفاً من يوم تجثو فيه الخلائق بين يد الله تعالى"؟.
        ثم: ما العلاقة بين عودة العبد الى المعصية وبين عودة الخلائق الى اليوم الآخر؟...
        واضح ان هذه الصورة "تضمين فني للنص القرآني الكريم" وهو امر يحتشد بمعان دقيقة: سوف نحدثك عنها في لقاء لاحق انشاء الله..
        والمهم هو: ان يستثمرها قاريء الدعاء هذه المناسبة، ليحاسب نفسه، ويقر بذنوبه، ويدرب ذاته على ممارسة الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

        تعليق


        • #5
          شرح دعاء المحراب ( الحلقة 5 )


          حدثناكم عن هذا الدعاء في لقاءات سابقة وقلنا انه دعاء يرسم لنا الهيئة التي تطبع السلوك البدني لقارئ الدعاء عبر توسله بالله تعالى بغفران ذنوبه، حيث رسمه حيناً وهو يمد يده، وحيناً يرفع كفيه، وحيناً جالساً، وحيناً جاثياً... والصورة الاخيرة، أي جثو العبد "أي: بروكه على البركبة"، وخوفه من يوم تجثو فيه الخلائق، حيث ان الدعاء اقتبس من القرآن الكريم عبارة "يوم" ورتى كلَّ امة جاثية... الخ، وربط بينها وبين جثو العبد حالياً بين يدي الله تعالى عبر اعترافه بذنوبه... هذه الصورة هي موضوع حديثنا الآن، وهو ما نبدأ بالقاء الانارة عليه...
          عملية الجثو او البروك على الركبة يبدو انها جلسة الرجل امام القضاء دنيوياً، حيث تصبح عملية الجثو في اليوم الآخر اما صورة واقعية او مجازية وعلى الاحتمالين فان للجلسة المشار لها دلالة خاصة هي: وقوف الشخصية امام الحساب في عرصة القيامة وهو: "موقف مصحوب بالقلق والتأزم والخوف، وذلك بصفته ان الناس ليسوا معصومين من الوقوع في الذنب"... صحيح ان الناس متفاتون في درجة سلوكهم العبادي من حيث حجم الطاعة او المعصية الا انهم من جانب ينتظرون رحمته تعالى، ومن جانب آخر يخافون عقابه.... ونحن اذا انسقنا مع المقولة الصادرة عن المعصومين عليهم السلام وهي: اننا لو جئنا بعبادة الثقلين كما امكن بان نطمئن الى رضاه تعالى وهذا لو انعكس على الموقف في عرصة القيامة لانسحب بدوره على الخلائق من حيث تأرجحهم بين الخوف والأمل، .. لكن بما ان الموقف اساساً مصحوب بالشدائد الى درجة ان النا ينظر اليهم وكأنهم سكارى وما هم بسكارى ... من شدة هول القيامة: لذلك فان الخوف والقلق والتمزق والتوتر ... والخ. يظل هو المسيطر على الموقف من هنا فان جلسة البشر حينئذ بهذا النحو من الهيئة الجسمية أي الجثو "البروك على الربكة" يظل متجانساً مع الحالة الفنسية للشخصية.
          كيف ذلك؟
          قلنا: ان جلسة البشر على ركبهم: اما ان تكون كذلك، فحينئذ تظل الجلسة المشار لها تعسراً واقعياً عن قلق الشخصية... واما ان تكون رمزاً فحينئذ ايضاً تظل الجلسة المشار اليها تعبيراً عن القلق المذكور... ولعل متابعتنا لهذا الجانب عبر الدعاء المذكور يوضح لنا طبيعة القلق او التوتر الذي ذكرناه...
          اذن: لنقرأ.
          (الهي جاءك العبد الخاطئ فزعاً مشفقاً ورفع اليك طرفه، حذراً راجياً وفاضت عبرته مستغفراً نادماً...).
          ان الفزع، والاشفاق، ورفع الطرف: ثم الحذر والرجاء، ثم افاضته الدموع، ثم: الاستخغفار والندم ... او تلك جميعاً تعبر بوضوح عن توتر الشخصية وقلقها وكما سنوضح ذلك مفصلاً عندما نعرض لملامح الجسد والنفس، أي رفع الطرف وافاضة الدمع، جسمياً، والفزع والرجاء من جانب "نفسياً" وكذلك الحذر والرجاء من جانب ثان "نفسياً" ايضاً ثم الاستغفار والندم من جانباً ثالث، وهما يين حالة لسانية والاستغفار وحالة قلبية "الندم": اولئك جميعاً سنحدثك عنها انشاء الله تعالى في لقاء لاحق... بيد اننا استهدفنا الاشارة الى جملة امور هنا، منها، ان هذا الدعاء على قصره ربط بين اليوم الآخر وبين الحالة النفسية والجسمية لقارئ الدعاء، حيث توجه بعبارة "يوم يجثو الخلائق بين يديك" وهذه العبارة المقتبسة من القرآن الكريم ربط فيها الدعاء بين جلسة العبد في لحظة دعاءه الان وبين لحظة وقوفه الى اليوم الآخر.. وهذا الربط له اهميته الكبيرة اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان ثمة نكتة مهمة هي: استحضار الموقف الاخروي من خلال الوقوف الفعلي مع حالة الدعاء، حيث ينصح هذا الاقتران بين الموقفين عن حضور العبد أي عدم غفلته، وهو اثر له معطاه الكبير دون ادنى شك....
          اذن: امكننا ان نثبت ولو سريعاً جانباً من النكات التي انتظمت الدعاء المذكور، مما يقتادنا الى ضرورة ان نستثمرها الى تعديل سلوكنا العبادي الا وهو ممارسة الدعاء مشفوعاً بمحاسبة النفس والتدريب على الطاعة، والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

          تعليق


          • #6
            الحلقة 6 والاخيرة
            ان الحالة النفسية لقارئ الدعاء تظل ـ كما المحنا سابقاً ـ مرتبطة بملامحه الخارجية، منعكسة عليها،.. بالنسبة الى ما نحن حياه هو:
            فزع الشخصية واشفاقها وهي حالة نفسية بطبيعة الحال .... وقد يسال قارئ الدعاء عن الدلالة اللغوية لهاتين الحالتين: الفزع والاشفاق، فنقول له: الفزع هو الخوف الشديد وليس الخوف العادي، ولابد ان يكون العبد كذلك... واما الاشفاق فهو ذو دلالات متنوعة يجمعها ما يطلق عليه "رثاء الذات" أي حالة نفسية خاصة يختلف منها الخوف والخير والحرص والعطف على الذات، وحينئذ اذا اجمعنا بين ظاهرتي الخوف الشديد من جانب، ورثاء الذات من جانب آخر: امكننا ملاحظة ذلك عند تعرض الاطفال مثلاً الى شدة لا يتحملونها عادة حيث يختلط لديهم الخوف الشديد مع عطفهم وحرصهم على ذواتهم... والمهم الان هو ملاحظة هذه الحالة الخاصة النابعة من احساس الفرد بخطيئته مع ما يتبعها من رسم الحالة الجسمية لقارئ الدعاء وهي حالة رفع طرفه وافاضة عبرته... بالاضافة الى ان كلا من رفع طرفه وافاضة عبرته يقرن بحالة اما نفسية او لفظية، حيث يمكنك ملاحظة ذلك جيداً في فقرات الدعاء المذكورة ... ونطلب منك ملاحظة ذلك جيداً من جديد، حيث يرفع قارئ الدعاء طرفه مصحوباً بحالة نفسية هي الحذر والرجاء، وحيث تفيض عبرته مصحوبة بحالة نفسية ولفظية ايضاً. وهي الاستغفار المصحوب بحالة الندم.... هنا نحسبك قد اختلطت لديك الاوراق وحصل لديك لون من التداخل بين الحذر والرجاء والندم والاستغفار وافاضة الدموع... الخ. ان هذه الحالات المتشابكة ليست حالات جزامية بل حالات رسمها الدعاء بدقة ملحوظة آن لنا ان نحدثك عنها من جديد...
            ان اول ما ينبي لفت نظرك اليه هو: ان الدعاء رسم شخصية قارئ الدعاء بانها "العبد الخاطئ"... والعبد كما هو واضح: الشخصية التي تنسب الى سيدها ... واوضح سماتها هو الالتزام باوامر سيدها ... لكن: كما سبق ان لاحظنا الفارق بين الخطيئة وبين الذنب، حيث اذا قدر لك متابعة احاديثنا ... وقدر لك تذكر ما قلناه من الفارق بين مفهوم الذنب ومفهوم الخطيئة من ان الخطيئة من احدى دلالاتها هي: الذنب عرضاً لا ذاتاً كمن "يرمي صيداً كطائر مثلاً فتقع على الانسان" او يهدف الى ممارسة شيء قد يكون مباحاً او غير مباح، ولكنه يستتبع محرماً... وامثلة هذا السلوك تجعل الشخصية متصارعة مع ذاتها من حيث كونها لم تتعمد الخطأ بنمو يسلبها من النزعة الخيرة او العبودية لسيدها بل تجنح الى الخطأ وهي بين نزعتين متضادتين... والاهم من ذلك هو: الناتج من هاتين النزعتين وهذا مارسمه الدعاء من خلال دعاء قارئ الدعاء
            "فزعاً مشفقاً" أي خائفاً خوفاً شديداً من عمله من جانب ولكنه مشفق او اث لذاته من الجانب الاخر، أي: هو حريص ومنعطف عليها، لاحساسه بنزعة العبودية لله تعالى.
            هذا فيما يرتبط بكون العبد خاطئاً، مشفقاً فزعاً.. ولكن: ماذا بالنسبة أي كونه قد رفع طرفه حذراً راجياً ثم بالنسبة الى كونه قد فاضت عبرته مستغفراً؟.... هذا ما نحدثك عنه لاحقاً ان شاء الله...
            اما الان فحسبنا ان نستثمر تلاوتنا لهذا القسم من الدعاء وذلك بمحاسبة انفسنا، والتصميم على ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.

            المصدر
            مؤسسة السبطين العالمية
            شرح االادعية والزيارات































































            تعليق

            المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
            حفظ-تلقائي
            Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
            x
            يعمل...
            X