إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

أثر البيئة الشيعية في شعر المتنبي

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • أثر البيئة الشيعية في شعر المتنبي




    يقول السيد جواد شبر في موسوعته الخالدة (أدب الطف) (ج3ص7): (إني لا أُؤمن أن أمثال اولئك الشعراء الفطاحل لم ينظموا في يوم الحسين مع ما عرفوا به من الموالاة والمفاداة لأهل البيت (صلوات الله عليهم).
    ثم يتساءل شبّر باستفهام عميق: (فهل تعتقد أن أمثال أبي تمام والفرزدق وابن الرومي والبحتري والحسين الطغرائي وصفي الدين الحلي والمتنبي وأضرابهم لم يقولوا في الحسين، ولم يذكروا يومه ويتأثروا بموقفه البطولي مع أن يوم الحسين هزّ العالم هزاً عنيفاً لا زال صداه يملأ الآفاق)؟.
    ويشير شبر إلى جناية يد التعصب بحق الأدب الشيعي فيقول: (إن الكثير من تراثنا الأدبي ضاع وأهمل، وغطت عليه يد العصبية في الأعصر الأموية وتوابعها في عصور الجهل والعقلية المتحجرة).
    ثم يسوق شبّر بعض الأمثلة على ضياع الشعر الشيعي وتضييعه وإخفائه من قبل السلطات المعادية لأهل البيت (عليهم السلام)، وماجناه المؤرخون على الشعر الشيعي في إخفائه.
    هذا التساؤل من قبل السيد جواد شبر يدعونا إلى البحث والاستقصاء عن شعر هؤلاء الشعراء الذين ذكرهم وهم من شعراء الشيعة كما دل على ذلك شعرهم، وكما دلت التواريخ على ضياع الكثير من الشعر الشيعي لهم ولغيرهم، والأمثلة على ذلك كثيرة لا تحصى.
    تساؤلات كثيرة ولكن..

    إن ما يهمنا هنا في هذا الموضوع الحديث عن الشعر الشيعي لدى المتنبي والذي أفرزته مكونات بيئته الشيعية الكوفة التي تعد مركز التشيّع.
    أليس عجيباً أن يلد شاعر يُعد أعظم شاعر عرفته العربية عبر تاريخها الطويل في بيئة ويدرس في مدارسها وينشأ على تعاليمها ولا تجد أثر تلك البيئة في شعره إلا في النزر اليسير؟
    فهل صحيح إن المتنبي اكتفى بمدحه لأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) ببيتين فقط؟ وهما:
    وتركتُ مدحي للوصيِّ تعمُّداً *** إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا
    وإذا استقلَّ الشيءُ قامَ بنفسهِ *** وصفاءُ ضوءِ الشمسِ يذهبُ باطلا
    وإذا كان كذلك فلم انفرد الواحدي بذكرهما في شرحه؟
    إن هذا الأمر يقتضي منا التساؤل والوقوف أمام هذا الشاعر فإذا كان قد اكتفى بهذين البيتين في مدحه لأمير المؤمنين (عليه السلام)، فهل ترك وهو عاشق الشجاعة والبطولة وممجدهما مدح سيد الإباء وعنوان الشجاعة الإمام الحسين (عليه السلام)؟
    ويوضح لنا الأستاذ الدكتور علي شلق في كتابه (المتنبي شاعر أبياته تتوهج فرسانا) (ص17) بعض هذا الغموض ويرجّح صحة وجود شعر للمتنبي في الحسين عندما يقول بـ (أن للمتنبي شعر مفقود)
    وإذا كان هذا التساؤل يقتضي منا أن نستجوب التاريخ فهو يُضم إلى التساؤلات الأخرى عن بقية الشعر الشيعي الذي فُقد وهي كثيرة وحسبنا منها أن نسأل التاريخ أين ضاع أكثر شعر ابراهيم بن العباس الصولي في أوائل العهد العباسي ولَمَ جُمع كل شعر له يتضمن مدح أهل البيت وأحرق ومنه قصيدته الدالية التي تزيد على مائتي بيتاً والتي أنشدها بين يدي الإمام علي بن موسى الرضا (عليه ‌السلام) فلم يحفظ التاريخ لنا منها سوى مطلعها وهو:
    أزالَ عزاءَ القلبِ بعد التجلّدِ *** مصارعُ أبناءِ النبيِّ محمدِ
    وحسبنا أن نسأل أين ضاع شعر دعبل وديك الجن والناشيء الصغير والكميت والسيد الحميري وغيرهم الكثير من الشعراء؟
    سيجيبك الشاعر منصور النمري الذي نُبش قبره بأمر هارون العباسي لأنه قال:
    آل النبي ومن يحبهمُ *** يتطامنون مخافةَ القتلِ
    أمنوا النصارى واليهود وهم *** من أُمّة التوحيد في أزلِ
    ويجيبك دعبل الخزاعي وهو يحمل خشبته على ظهره مدة خمسين عاما:
    أحب قصي الدار من أجل حبكم *** وأهجر فيكم زوجتي وبناتي
    المتنبي

    لو جاءت كل أُمة بشاعرها لجاءت العرب بالمتنبي..، وهذه الحقيقة يكشفها شعره الذي ما فتئ يشغلها حتى الآن. فلم تعرف العرب شاعراً أعرف بلغتها وأعلم بتاريخها وألمّ بثقافتها منه، وكأنه قد قرر هذه الحقيقة قبل أكثر من عشرة قرون بقوله:

    أنامُ مِلءَ جفوني عن شواردِها *** ويسهرُ الخلقَ جرّاها ويختصمُ
    والحديث عن المتنبي حديث طويلٌ متعدد الجوانب، متشعب الاغراض، متنوع الموارد خاض فيه الدارسون والباحثون على مدى قرون طويلة، ولا يدعي أحد أنه أحاط إحاطة شاملة بهذا الشاعر الفذ، وقد سلّم له الأولون من علماء اللغة والشعراء كما دان له المتأخرون بأعلميته وشاعريته.
    فهذا البديعي يقول في (الصبح المنبي عن حيثية المتنبي) (ص141): (أنت أبو عذرتها - أي اللغة - وأولى الناس بها، وأعرفهم باشتقاقاتها، والأعلم على أفانينها، وما أحد اولى بأن يسأل عن غريبها منك).
    ويخص الثعالبي أبا الطيب المتنبي بدراسة مستفيضة في (يتيمة الدهر).
    وقال عنه ابن وكيع التنيسي في المنصف: (أما اللغة فكان فيها إماماً، لم تضرب العرب بعصا إلاّ وعنده منها خبر، وأما الشعر فإنه لسان الزمان لا ينطق أو يستأذنه، واما النحو فهو على مذهبه في النحو نحوي).
    وحتى خصومه من الشعراء والنقاد أيضاً اعترفوا بشاعريته عليهم وفضله. وتطول قائمة الأحاديث.

    بطاقة المتنبي الشيعية

    وعلى الرغم من أن ديوان المتنبي لا تجد فيه كما تجد في دواوين شعراء الشيعة من الشعر المعروف بالشعر الشيعي الذي يتضمن مآثر أهل البيت (عليهم السلام) وفضائلهم ورثائهم وقدح مناوئيهم وغاصبيهم حقهم، كما هي عادة الشعراء الشيعة كدعبل الخزاعي والناشئ الصغير وأبي فراس الحمداني ومهيار الديلمي وغيرهم وكما تضمنه دواوينهم من ذلك، إلّا أننا نجد بصمات واضحة تدلّ على ولاء المتنبي وتشيّعه واعترافه بأفضلية أهل البيت (عليهم السلام) على غيرهم، وقد أحس معاصروه بهذا الأمر في عدم تعرّضه لقضية أهل البيت كما هي عادة شعراء الكوفة فسأله بعضهم: (لِمَ لم تذكر علياً)؟ فقال في ذلك البيتين الذين ذكرناهما في بداية الموضوع والذين نقلهما الواحدي في (شرح ديوان المتنبي) ص (856).
    ويدلنا سؤال السائل على أن شيعيته كانت مشهورة وإلّا فما مغزى أن يُسأل الشاعر عن عدم مدحه لعلي بالذات دون غيره من الخلفاء والصحابة إذا لم يكُ شيعياً؟
    ثم إن بيتيه الذين قالهما تضمّنا العقيدة الشيعية الصريحة وهي إضفاء كلمة الوصي في مدحه لعلي في البيتين وهو ما اختص به الشيعة في إطلاقهم هذا اللقب على أمير المؤمنين (عليه السلام) وهو اللقب الذي أضفاه عليه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فالبيتان يمثلان بالحقيقة بطاقة التعريف الشيعية للمتنبي، كما يدلان على المكانة الكبيرة والمنزلة العظيمة التي يحتلها علي في قلوب الشيعة:
    وتركتُ مدحي للوصيِّ تعمّداً *** إذ كان نوراً مستطيلاً شاملا
    واذا استقلَّ الشيء قامَ بنفسهِ *** وصفاءُ ضوءِ الشمسِ يذهبُ باطلا
    فالدلالة على عظم قدر الممدوح في هذين البيتين وإنه (عليه السلام) مما يعجز عن إيفاء حقه أعظم الشعراء، تحمل النفس الشيعي بوضوح، وهو ما اعتاد الشيعة في وصفهم أمير المؤمنين (عليه السلام) بذلك.

    تشيعه في شعره

    كما نجد بين ثنايا قصائده هذا الحسّ الشيعي الذي يفيض في صدر الشاعر الولائي بمدح أهل البيت (عليهم السلام) وذكر فضلهم كما ورد في مدحه لطاهر بن الحسين العلوي بقوله:
    الطيبُ مما غنيتُ عنه *** كفى بقربِ الأميرِ طيبا
    يبني به ربُنا المعالي *** كما بكم يغفرُ الذنوبا
    ويبدو بوضوح المعنى الذي أشار إليه في الشطر الأخير حيث يشير المتنبي إلى مبدأ الشفاعة الذي اختص به النبي (صلى الله عليه وآله) وأهل بيته الأطهار (عليهم السلام)، وهي من مبادئ الشيعة.
    وفي موضع آخر يشبه أهل البيت (عليهم السلام) بأنهم من معجزات الرسول وآية لتصديقه وتحقيقا لقوله تعالى: (ان شانئك هو الابتر) رداً على المشركين الذين قالوا (إن محمداً أبتر ولا عقب له)! فيقول:
    نصرتَ علياً يا ابنه ببواترٍ *** من الفعل لا فلٌ لها في المضاربِ

    وأبهرُ آياتِ التهاميِّ إنه *** أبوكَ وأجدى مالكمْ من مناقبِ
    فقد مدح العلويين بانتسابهم إلى الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله)، وجعل ذلك إحدى مناقبهم الكثيرة.
    وروى ابن فورجة في كتابه: (شرح مشكلات ديوان المتنبي) (ص163) البيت برواية يقول فيها:

    (يعني إن أباك علي بن أبي طالب كان آية من آيات الرسول)، ويقول في نفس القصيدة يصف أبناء فاطمة بقوله:
    كذا الفاطميون الندى في بنانهم *** أعزّ امّحاءً من خطوط الرواجبِ

    والرواجب مفاصل الأصابع.
    كما نراه يشيد بالمميزات التي يمتاز بها العلويون والصفات الموروثة عن آبائهم من مكارم الاخلاق فيقول:
    اذا علويٌ لم يكن مثل طاهرٍ *** فما هو إلّا حجةٌ للنواصبِ
    وتتكرر لفظة (الوصي) في شعره وكان ممدوحه من العلويين:
    هو ابن رسولِ اللهِ وابن وصيه *** وشبههما شبّهت بعد التجاربِ
    فحييتَ خير ابن لخيرِ أبٍ بها *** لأشرفِ بيتٍ من لؤيِّ بن غالبِ

    محمد طاهر الصفار

    جزء من مقال
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X