بسم الله الرحمن الرحيم . اللهم صل على محمد وآل محمد
شهداء كربلاء هم المؤمنون الأبرار الأخيار الذين بذلوا أرواحهم ورخصوا دمائهم للدفاع عن ابن بنت رسول الله الإمام الحسين (ع) ، هؤلاء الثلة المؤمنة المنقطعة النظير فهم كالكبريت الأحمر في ذلك الزمان الذي قل فيه الديانون المؤمنون وكثر فيه الفاسدون والفاسقون من بني أمية والخوارج .
لقد جاء وصف أنصار الإمام الحسين (ع) على لسان إمامهم الحسين (ع) إذ يقول : « فإني لا أعلم أصحاباً أوفى ولا خيراً من أصحابي ، ولا أهل بيت أبر ولا أوصل من أهل بيتي » .
فهذا الوصف ينفي أن يكون أصحاب كأصحابه لا في الماضي ولا في الحاضر ولا حتى في المستقبل أيضاً.
ولقد امتاز أنصار الإمام الحسين (ع) دون غيرهم من الأنصار بأنهم كانوا يعلمون بشهادتهم ومتيقنين من عدم بقائهم في هذه الحياة الزائلة ومع ذلك ذهبوا مع إمامهم موطنين أنفسهم على الاستشهاد في سبيل الله ، متدرعين بالقلوب فوق الدروع مستبشرين بما ادخر الله تعالى لهم ويتسابقون على نيل الشهادة للقاء الله تعالى راضيين مرضيين ، وتجدهم في يوم عاشوراء وقبله بيوم يوصي بعضهم بعضا بالقتل والاستشهاد للذود والحفاظ على حياة وليهم وإمامهم أبا عبد الله الحسين (ع) ويتمنون لو أن لهم أكثر من جسد وروح ليبذلوا ذلك في سبيل الدفاع عن إمام صادق اليقين وعن دين سفكت من أجله الدماء وبذلت المهج وسهرت العيون وتعبت الأجساد .
نعم لقد خاضوا اللجج وبذلوا المهج لنجاة الدين من الطمس والإندراس ، وفارقوا الأحبة من الأهل والولد لنيل رضا المحبوب الحقيقي ، وعانقوا الرمال كعناقهم للحور العين ، وتوضؤا بالدماء لأداء فريضة الجهاد في سبيل الله ، وصافحوا السيوف بوجوه مستبشرة ، وجابهوا السهام بنحور مشرقة وأرواح ثابتة وأقدام راسخة .
والآن سوف نتشرف بذكر وتعداد أسمائهم الطاهرة رضوان الله تعالى عليهم أجمعين وبعد ذلك نذكر سيرة كل واحد منهم ابتداءاً من شيخ الأنصار ومسجل الزوار سيدي ومولاي حبيب ابن مظاهر الأسدي سلام الله عليه ، فأرجوا من جميع الأخوة الأعضاء والزائرين في منتدى الكفيل المبارك أن يساهموا معي في إعداد هذا المشروع تخليدا لذكرى شهداء الطف الذين لهم حق على كل موالي وشيعي من شيعة أهل البيت (ع) .
أولاً : أسماء الشهداء الذين قتلوا في أرض كربلاء :
1 ـ حبيب بن مظاهرالاسدي : شيخا صحابيا جليلا ومن تلاميذ مدرسة أهل البيت (ع) .
2 ـ أنس بن الحارث بن نبيه الكاهلي : شيخا كبيرا وصحابي جليل شهد مع المصطفى (ص) والمرتضى (ع) في معركة بدر وحنين .
3 ـ مسلم بن عوسجة الأسدي : شيخا صحابيا جليل مشى إليه مولانا الحسين (ع) وهو من تلاميذ مدرسة أهل البيت(ع) .
4 ـ برير بن خضير الهمداني : شيخا تابعيا ناسكا ومن شيوخ قراء القرآن في جامع الكوفة ، ومن تلاميذ مدرسة أهل البيت (ع) .
5 ـ زهير بن القين بن الحارث البجلي .
6 ـ عابس بن شبيب الشاكري الكاهلي .
7 ـ جنادة بن الكعب بن الحرث الأنصاري .
8 ـ عمرو بن جنادة الأنصاري (ابن إحدى عشرة سنة ) .
9 ـ جون بن مالك مولى أبي ذر الغفاري .
10ـ شوذب (شوذان) مولى شاكر .
11ـ حنظله بن سعد(اسعد) الشبامي .
12ـ واضح التركي مولى الحرث المذحجي .
13ـ نافع بن هلال الجملي المذحجي .
14ـ عمرو بن قرضه الأنصاري .
15ـ سلمان بن مضارب البجلي (ابن عم زهير بن القين) .
16ـ أبو ثمامة زياد بن عمرو (وفي زيارة الناحية المقدسة أبو ثمامة عمرو بن عبد الله) الصائدي .
17ـ سعيد بن عبد الله الحنفي .
18ـ الحر بن يزيد الرياحي (كان في الجيش السفياني ومنَ الله عليه قبل بدأ المعركة وفاز بحسن الخاتمة) .
19ـ علي بن مظاهر الاسدي .
20ـ أبو وهب عبد الله بن عمير الكلبي : من بني عليم أسر وقتل صبرا , وزوجته أم وهب بنت عبد الله من النمر بن قاسط أول امرأة قتلت من معسكر مولانا الحسين(ع) .
21 ـ سيف بن الحارث بن سريع الجابري .
22 ـ مالك بن عبد بن سريع الجابري .
23 ـ عبد الله بن عروة الغفاري .
24 ـ عبد الرحمن بن عروة الغفاري .
25 ـ عمرو بن خالد الصيداوي .
26 ـ سعد مولى عمرو بن خالد الصيداوي .
27 ـ جابر بن الحارث السلماني .
28 ـ مجمع بن عبد الله بن مجمع العائذي المذحجي .
29 ـ سعد بن الحارث الأنصاري (كان وأخوه في جيش السفياني ومنَ الله عليهم بحسن الخاتمة ) .
30 ـ أبو الحتوف بن الحارث الأنصاري .
31 ـ الرامي أبو الشعثاء يزيد بن زياد الكندي (كان في جيش السفياني ومنَ الله عليه بحسن العاقبة) .
32 ـ الحجاج بن مسروق الجعفي .
33 ـ الجريح المأسور سوار بن أبي حمير ألفهمي الهمداني .
34 ـ عمرو بن عبد الله الهمداني الجندعي .
35ـ سويد بن عمرو بن أبي المطاع (آخر من استشهد من الأصحاب في ارض الطف) .
36 ـ قاسط بن زهير بن الحرث ألتغلبي .
37 ـ مقسط بن زهير بن الحرث ألتغلبي .
38 ـ كردوس بن زهير بن الحرث ألتغلبي .
39 ـ أمية بن سعد الطائي .
40ـ جابر بن الحجاج مولى عامر بن مهشل التيمي .
41 ـ جبلة بن علي الشيباني .
42 ـ كنانة بن عتيق ألتغلبي .
43 ـ القاسم بن حبيب الازدي .
44 ـ جندب بن حجير الكندي الخولاني .
45 ـ مسعود بن الحجاج التيمي .
46 ـ حباب بن الحارث السلماني الازدي .
47 ـ عبد الرحمن بن مسعود بن الحجاج التيمي .
48 ـ الحارث(الحرث) بن امرؤ القيس الكندي .
49 ـ مسلم بن كثير الأعرج الازدي الكوفي .
50ـ الحرث بن نبهان مولى الأسد الإلهي حمزة بن عبد المطلب(ع) .
51 ـ شبيب مولى الحرث بن سريع الهمداني .
52 ـ اللحلاس بن عمرو الازدي الراسبي .
53 ـ شبيب بن عبد الله النهشلي البصري .
54 ـ حنظله بن عمر الشيباني .
55 ـ نعيم بن عجلان الأنصاري .
56 ـ نعمان بن عمرو الراسبي .
57 ـ زاهر مولى عمرو بن الحمق الخزاعي .
58 ـ زهير بن بشر الخثعمي .
59 ـ زهير بن سليم الازدي .
60 ـ سالم بن عمرو مولى بني المدينة .
61 ـ سعد بن الحارث مولى أمير المؤمنين(ع) .
62 ـ سيف بن مالك العبدي النميري .
63 ـ عامر بن مسلم العبدي البصري .
64 ـ سالم مولى عامر بن مسلم العبدي البصري .
65 ـ عبد الله بن بشر بن ربيعة بن عمرو .
66 ـ قارب بن عبد الله الدؤلي مولى الإمام الحسين(ع) .
67 ـ الأدهم بن أمية العبد البصري .
68 ــ عبد الرحمن بن عبد الله بن الكدن الهمداني .
69 ـ وهب بن حباب الكلبي .
70 ـ عمران بن كعب بن حارث الأشجعي .
71 ـ نيزك بن أبي نيزر بن نجاشي الحبشة .
72 ـ عمرو بن ضبيعة بن قيس التيمي .
73 ـ عمرو بن جندب الحضرمي .
74 ـ عمار بن أبي سلامة بن دالان الهمداني .
75 ـ عمارة بن حسان بن سريح الطائي .
76 ـ عبد الله بن يزيد بن ثبيت العبدي البصري .
77 ـ عبيد الله بن يزيد بن ثبيت العبدي البصري .
78 ـ نصر مولى أمير المؤمنين(ع) .
79 ـ منحج مولى الإمام الحسن(ع) .
80 ـ اسلم مولى الإمام الحسين(ع) .
81 ـ رافع مولى مسلم الازدي .
82 ـ بكير بن الحر .
83 ـ عمران بن عبد الله الخزاعي .
84 ـ بشر بن غالب .
85 ـ رميث بن عمرو .
86 ـ الحجاج بن مالك .
87 ـ اسعد الشامي .
88 ـ زيد بن معقل .
89 ـ عبد الله بن عبد ربه الخزرجي .
ثانياً : أسماء الشهداء الذين استشهدوا قبل واقعة كربلاء :
أما الذين استشهدوا قبل واقعة الطف ماعدا سيدنا ومولانا سفير العصمة مسلم بن عقيل (ع) فمنهم :
ا ـ الصحابي هانئ بن عروة المذحجي المرادي .
ب ـ الصحابي عبد الله بن يقطر العميري : وهو رسول مولانا الحسين (ع) إلى مسلم بن عقيل (ع) فقبض عليه وقُتل .
ج ـ عبد الأعلى بن يزيد الكلبي .
د ـ عمارة بن صخلب .
هـ ـ قيس بن مسهر الصيداوي : رسول الإمام (ع) إلى أهل الكوفة فقبض عليه وقُتل .
و ـ سلمان مولى إمامنا الحسين (ع) بعثه الإمام (ع) إلى البصرة واستشهد هناك .
ثالثاً : أسماء الشهداء الذين استشهدوا بعد واقعة كربلاء :
أما الذين استشهدوا بعد واقعة الطف ونطقوا بالحق أمام الجائرين فمنهم :
أ ـ عبد الله بن عفيف ألطاهري الأزدي (استشهد بالكوفة ) .
ب ـ رسول قيصر الروم إلى يزيد (استشهد بالشام) .
****************************
1- السيرة المختصرة لحبيب ابن مظاهر الأسدي رحمة الله تعالى عليه :
حبيب بن مظاهر بن رئاب بن الأشتر بن جخوان بن فقعس بن طريف بن عمرو بن قيس بن الحرث بن ثعلبة بن دودان بن أسد ، أبو القاسم الأسدي الفقعسي .
كان صحابيا رأى النبي ( صلى الله عليه وآله ) ، ذكره ابن الكلبي (1) ، وكان ابن عم ربيعة بن حوط بن رئاب المكنى أبا ثور الشاعر الفارس .
قال أهل السير : إن حبيباً نزل الكوفة ، وصحب علياً ( عليه السلام ) في حروبه كلها ، وكان من خاصته وحملة علومه .
وروى الكشي عن فضيل بن الزبير (2) قال : مر ميثم التمار على فرس له فاستقبله حبيب بن مظاهر الأسدي عند مجلس بني أسد فتحادثا حتى اختلف عنقا فرسيهما ، ثم قال حبيب : لكأني بشيخ أصلع ضخم البطن يبيع البطيخ عند دار الرزق ، قد صلب في حب أهل بيت نبيه ، فتبقر بطنه على الخشبة .
فقال ميثم : وإني لأعرف رجلا أحمر له ضفيرتان ، يخرج لنصرة ابن بنت نبيه فيقتل ويجال برأسه في الكوفة . ثم افترقا ، فقال أهل المجلس : ما رأينا أكذب من هذين .
قال : فلم يفترق المجلس حتى أقبل رشيد الهجري فطلبهما ، فقالوا : افترقا وسمعناهما يقولان كذا وكذا . فقال رشيد : رحم الله ميثما نسي ويزاد في عطاء الذي يجئ بالرأس مائة درهم .
ثم أدبر ، فقال القوم : هذا والله أكذبهم . قال : فما ذهبت الأيام والليالي حتى رأينا ميثماً مصلوبا على باب عمرو بن حريث . وجئ برأس حبيب قد قتل مع الحسين ( عليه السلام ) ، ورأينا كلما قالوا (3) .
وذكر أهل السير : أن حبيباً كان ممن كاتب الحسين ( عليه السلام ) (4) .
قالوا : ولما ورد مسلم بن عقيل إلى الكوفة ونزل دار المختار وأخذت الشيعة تختلف (5) إليه ، قام فيهم جماعة من الخطباء تقدمهم عابس الشاكري ، وثناه حبيب فقام وقال لعابس بعد خطبته : رحمك الله لقد قضيت ما في نفسك بواجز من القول وأنا والله الذي لا إله إلا هو لعلى مثل ما أنت عليه . قالوا : وجعل حبيب ومسلم (6) يأخذان البيعة للحسين ( عليه السلام ) في الكوفة حتى إذا دخل عبيد الله بن زياد الكوفة وخذل أهلها عن مسلم وفر أنصاره حبسهما عشائرهما وأخفياهما ، فلما ورد الحسين كربلا خرجا إليه مختفيين يسيران الليل ويكمنان النهار حتى وصلا إليه .
وروى ابن أبي طالب أن حبيبا لما وصل إلى الحسين ( عليه السلام ) ورأى قلة أنصاره وكثرة محاربيه ، قال للحسين : إن ههنا حيا من بني أسد فلو أذنت لي لسرت إليهم ودعوتهم إلى نصرتك ، لعل الله أن يهديهم ويدفع بهم عنك .
فأذن له الحسين ( عليه السلام ) فسار إليهم حتى وافاهم فجلس في ناديهم ووعظهم ، وقال في كلامه : يا بني أسد ، قد جئتكم بخير ما أتى به رائد قومه ، هذا الحسين بن علي أمير المؤمنين وابن فاطمة بنت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قد نزل بين ظهرانيكم في عصابة من المؤمنين ، وقد أطافت به أعداؤه ليقتلوه ، فأتيتكم لتمنعوه وتحفظوا حرمة رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) فيه ، فو الله لئن نصرتموه ليعطينكم الله شرف الدنيا والآخرة ، وقد خصصتكم بهذه المكرمة ، لأنكم قومي وبنو أبي وأقرب الناس مني رحما . فقام عبد الله بن بشير الأسدي وقال : شكر الله سعيك يا أبا القاسم ، فو الله لجئتنا بمكرمة يستأثر بها المرء الأحب فالأحب ، أما أنا فأول من أجاب ، وأجاب جماعة بنحو جوابه فنهدوا مع حبيب ، وانسل منهم رجل فأخبر ابن سعد ، فأرسل الأزرق في خمسمائة فارس فعارضهم ليلا ومانعهم فلم يمتنعوا فقاتلهم ، فلما علموا أن لا طاقة لهم بهم تراجعوا في ظلام الليل وتحملوا عن منازلهم .
وعاد حبيب إلى الحسين ( عليه السلام ) فأخبره بما كان . فقال ( عليه السلام ) : وما تشاؤون إلا أن يشاء الله * ولا حول ولا قوة إلا بالله (7) .
وذكر الطبري : أن عمر بن سعد لما أرسل إلى الحسين ( عليه السلام ) كثير بن عبد الله الشعبي وعرفه أبو ثمامة الصائدي فأعاده أرسل بعده ( قرة بن قيس الحنظلي ) (8) فلما رآه الحسين ( عليه السلام ) مقبلا قال : أتعرفون هذا ؟ فقال له حبيب : نعم ، هذا رجل تميمي من حنظلة وهو ابن أختنا ، وقد كنت أعرفه بحسن الرأي وما كنت أراه يشهد هذا المشهد ، قال : فجاء حتى سلم على الحسين ( عليه السلام ) وأبلغه رسالة عمر ، فأجابه الحسين ( عليه السلام ) ، قال : ثم قال له حبيب : ويحك يا قرة أين ترجع ، إلى القوم الظالمين ؟ انصر هذا الرجل الذي بآبائه أيدك الله بالكرامة وإيانا معك ، فقال له قرة : أرجع إلى صاحبي بجواب رسالته وأرى رأيي (9) .
وذكر الطبري أيضا قال : لما نهد القوم إلى قتال الحسين ( عليه السلام ) قال له العباس : يا أخي أتاك القوم ، قال : إذهب إليهم وقل لهم ما بدا لكم ؟ فركب العباس وتبعه جماعة من أصحابه فيهم حبيب بن مظاهر ، وزهير بن القين ، فسألهم العباس فقالوا : جاء أمر الأمير بالنزول على حكمه أو المنازلة ، فقال لهم : لا تعجلوا حتى أخبر أبا عبد الله ثم ألقاكم . فذهب إلى الحسين ( عليه السلام ) ووقف أصحابه ، فقال حبيب لزهير : كلم القوم إذا شئت . فقال له زهير : أنت بدأت بهذا فكلمهم أنت . فقال لهم حبيب : معاشر القوم إنه والله لبئس القوم عند الله غدا قوم يقدمون على الله ، وقد قتلوا ذرية نبيه ، وعترته وأهل بيته ، وعباد أهل هذا المصر المجتهدين بالأسحار ، والذاكرين الله كثيرا .
فقال له عزرة بن قيس : إنك لتزكي نفسك ما استطعت (10) .
فأجابه زهير بما يأتي . وروى أبو مخنف : أن الحسين ( عليه السلام ) لما وعظ القوم بخطبته التي يقول فيها : " أما بعد ، فانسبوني من أنا وانظروا " إلى آخر ما قال .
اعترضه شمر بن ذي الجوشن فقال : هو يعبد الله على حرف إن كان يدري ما تقول ، فقال حبيب : أشهد أنك تعبد الله على سبعين حرفا ، وأنك لا تدري ما يقول ، قد طبع الله على قلبك ، ثم عاد الحسين ( عليه السلام ) إلى خطبته (11) .
وذكر الطبري (12) وغيره (13) أن حبيباً كان على ميسرة الحسين ( عليه السلام ) وزهيراً على الميمنة وأنه كان خفيف الإجابة لدعوة المبارز ، طلب سالم مولى زياد ويسار مولى ابنه عبيد الله مبارزين وكان يسار مستنتل أمام سالم فخف إليه حبيب وبرير فأجلسهما الحسين . وقام عبد الله بن عمير الكلبي فأذن له كما سيأتي .
قالوا : ولما صرع مسلم بن عوسجة مشى إليه الحسين ( عليه السلام ) ومعه حبيب ، فقال حبيب عز علي مصرعك يا مسلم ، أبشر بالجنة . فقال له مسلم قولا ضعيفا : بشرك الله بخير .
فقال حبيب : لولا أني أعلم أني في أثرك لاحق بك من ساعتي هذه لأحببت أن توصي إلي بكل ما أهمك حتى أحفظك في كل ذلك بما أنت له أهل من الدين والقرابة . فقال له : بلى أوصيك بهذا رحمك الله ، وأومأ بيديه إلى الحسين ( عليه السلام ) أن تموت دونه ، فقال حبيب : أفعل ورب الكعبة (14) .
قالوا : ولما استأذن الحسين ( عليه السلام ) لصلاة الظهر وطلب منهم المهلة لأداء الصلاة قال له الحصين بن تميم : إنها لا تقبل منك ! فقال له حبيب : زعمت لا تقبل الصلاة من آل رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) وتقبل منك يا حمار ! فحمل الحصين وحمل عليه حبيب ، فضرب حبيب وجه فرس الحصين بالسيف فشب به الفرس ووقع عنه فحمله أصحابه واستنقذوه (15) .
وجعل حبيب يحمل فيهم ليختطفه منهم وهو يقول :
أقسم لو كنا لكم أعدادا *** أو شطركم وليتم أكتادا .
يا شر قوم حسبا وآدا .
معنى البيت : ( أكتادا ) : جمع كتد وهو : مجتمع الكتفين من الإنسان وغيره .
( آد ) : في قوله : ( حسبا وآدا ) : بمعنى القوة .
ثم قاتل القوم فأخذ يحمل فيهم ويضرب بسيفه وهو يقول :
أنا حبيب وأبي مظاهر *** فارس هيجاء وحرب تسعر.
أنتم أعد عدة وأكثر *** ونحن أوفى منكم وأصبر.
ونحن أعلى حجة وأظهر *** حقا وأتقى منكم وأعذر.
ولم يزل يقولها حتى قتل من القوم مقتلة عظيمة ، فحمل عليه بديل بن صريم العقفاني فضربه بسيفه ، وحمل عليه آخر من تميم فطعنه برمحه فوقع ، فذهب ليقوم فضربه الحصين بن تميم على رأسه بالسيف فسقط ، فنزل إليه التميمي فاحتز رأسه ، فقال له حصين لعنه الله :
إني شريكك في قتله .
فقال الآخر : والله ما قتله غيري .
فقال الحصين : أعطنيه أعلقه في عنق فرسي كيما يراه الناس ويعلموا أني شركت في قتله ، ثم خذه أنت فامض به إلى عبيد الله بن زياد فلا حاجة لي فيما تعطاه على قتلك إياه ، فأبى عليه فأصلح قومهما فيما بينهما على ذلك ، فدفع إليه رأس حبيب فجال به في العسكر قد علقه بعنق فرسه ، ثم دفعه بعد ذلك إليه فأخذه فعلقه في لبان فرسه ، ثم أقبل به إلى ابن زياد في القصر فبصر به ابن حبيب القاسم وهو يومئذ قد راهق ، فأقبل مع الفارس لا يفارقه كلما دخل القصر دخل معه ، وإذا خرج خرج معه فارتاب به ، فقال : ما لك يا بني تتبعني ؟ قال : لا شيء ، قال : بلى يا بني فأخبرني ، قال : إن هذا رأس أبي أفتعطينيه حتى أدفنه ؟ قال : يا بني لا يرضى الأمير أن يدفن ، وأنا أريد أن يثيبني الأمير على قتله ثوابا حسنا . فقال القاسم : لكن الله لا يثيبك على ذلك إلا أسوأ الثواب ، أم والله لقد قتلته خيرا منك ، وبكى ثم فارقه ، ومكث القاسم حتى إذا أدرك لم تكن له همة إلا إتباع أثر قاتل أبيه ليجد منه غرة فيقتله بأبيه ، فلما كان زمان مصعب بن الزبير وغزا مصعب باجميرا - موضع من أرض الموصل كان مصعب بن الزبير يعسكر به في محاربة عبد الملك بن مروان حين يقصده من الشام أيام منازعتهما في الخلافة - ودخل عسكر مصعب فإذا قاتل أبيه في فسطاطه ، فأقبل يختلف في طلبه والتماس غرته ، فدخل عليه وهو قائل نصف النهار فضربه بسيفه حتى برد (16) .
وروى أبو مخنف : أنه لما قتل حبيب بن مظاهر هد ذلك الحسين ( عليه السلام ) وقال : " عند الله أحتسب نفسي وحماة أصحابي " (17) .
وفي ذلك أقول :
إن يـهد الحسين قتل حبيب *** فـلقد هـد قـتله كل ركن .
بطل قد لقى جبال الاعادي *** مـن حـديد فردها كالعهن .
لا يبالي بالجمع حيث توخىّ *** فهو ينصب كأنصاب المزن .
أخـذ الـثار قبل أن يقتلوه *** سـلفاً مـن مـنية دون منّ .
قـتلوا مـنه للحسين حبيباً *** جامعاً للفعال من كل حسن .
***************************
الهوامش :
(1) جمهرة النسب : 1 / 241 .
(2) عده الشيخ الطوسي في أصحاب الإمام الباقر والصادق ( عليهما السلام ) . راجع رجال الشيخ : 143 ، الرقم 1546 . 269 الرقم 3875 .
(3) رجال الكشي : 78 ، الرقم 133 . راجع منتهى المقال في أحوال الرجال 2 / 328 .
(4) راجع الإرشاد : 2 / 37 ، والكامل : 4 / 20 .
(5) راجع الإرشاد : 2 / 41 ، واللهوف : 108 ، والكامل : 4 / 22 ، والأخبار الطوال : 231 ، وفي مقاتل الطالبيين ، 100 : نزل مسلم دار هاني بن عروة المرادي .
(6) المقصود هنا هو : مسلم بن عوسجة ( رحمه الله ) .
(7) تسلية المجالس : 2 / 260 - 261 ، راجع البحار : 44 / 386 ، الباب 37 . والآية في سورة الإنسان / 29 .
(8) تاريخ الطبري : 3 / 311 .
(9) تاريخ الطبري : 3 / 314 .
(10) تاريخ الطبري : 3 / 314 .
(11) تاريخ الطبري : 3 / 319 بتفاوت في النقل ، راجع الإرشاد : 2 / 98 .
(12) تاريخ الطبري : 3 / 319 .
(13) راجع الإرشاد : 2 / 95 ، والأخبار الطوال : 256 .
(14) الإرشاد : 2 / 103 ، اللهوف : 162 ، الكامل : 4 / 68 .
(15) الكامل : 4 / 70 .
(16) الكامل : 4 / 71 .
(17) تاريخ الطبري : 3 / 327 ، راجع الكامل : 4 / 71 .
تعليق