إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حل التعارض بين الحرمة والجواز في خمش الخدود وشق الجيوب على الإمام الحسين (ع) .

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حل التعارض بين الحرمة والجواز في خمش الخدود وشق الجيوب على الإمام الحسين (ع) .

    حل التعارض بين الحرمة والجواز في خمش الخدود وشق الجيوب على الإمام الحسين (ع) .
    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين وصلى الله على محمد وآله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين إلى قيام يوم الدين .

    قد ترد على القارئ الكريم بعض النصوص الروائية التي يبدو في ظاهرها التعارض بين مضمونها ، وللتخلص من هذه المشكلة وقبل مرحلة التعارض لابد أن نبحث عن مرحلة وجود المرجحات قبل الحكم بتعارض النصوص ، فلابد أن نبحث أولا في سند هذه النصوص فلو كان سند أحد النصوص ضعيفاً والنص الأخر قوياً نترك النص ذو السند الضعيف ، ونأخذ بالنص ذو السند القوي ، وهناك مرجحات أخرى وطرق متعددة للتخلص من تعارض النص الروائي لا حاجة للتطرق اليها .
    وموضوعنا الحالي من هذا القبيل فالنص الذي صرح بنهي عقيلة بني هاشم عن خمش الوجه وشق الجيب يبدو متعارضا مع فعل الهاشميات له من دون نهي الإمام السجاد (عليه السلام) عنه .
    وقبل التطرق لحل هذا التعارض ننقل لقرائنا الكرام النص الذي نهى فيه الإمام الحسين (عليه السلام) أخته الحوراء زينب (عليها السلام) عن خمش الوجه وشق الجيب ، ثم ننقل النص الذي يجيز خمش الوجه وشق الجيب على الإمام الحسين (عليه السلام) .
    أولاً : النص الذي يدل بظاهره على النهي :
    رَوى الشيخ المفيد في كتاب ( الإرشاد ) هذا الخبر بالكيفية التالية : قال علي بن الحسين [ زين العابدين ] (عليهما السلام) : إنّي جالس في تلك العشيّة التي قُتل أبي في صبيحتها ، وعندي عمّتي زينب تُمرّضني ، إذ اعتزل أبي في خِباء له ، وعنده جوين مولى أبي ذرٍ الغفاري ، وهو يعالج سيفه ويُصلحه ، وأبي يقول :
    يا دهـر أفّ لك من خليل ... كم لك بالإشراق والأصيل
    مِـن صاحب وطالبٍ قتيل ... والدهـر لا يقنـع بالبديل
    وإنّمـا الأمـر إلى الجلل ... وكلّ حـي سـالكٌ سبيلي
    فأعادها مرّتين أو ثلاثاً ، حتّى فهمتُها ، وعَرفت ما أراد ، فخَنَقتني العبرة ، فرددتها ، ولَزِمتُ السكوت ، وعلِمت أنّ البلاء قد نزل.
    وأمّا عمتي : فإنّها سَمِعت ما سمعتُ ، وهي إمرأة ، ومن شأنها النساء : الرقّة والجزع ، فلم تِملِك نفسها ، إذ وَثَبت تجرّ ثوبها ، حتى انتهت إليه فقالت :
    واثكلاه ! ليتَ الموت أعدَمَني الحياة ، اليوم ماتت أُمّي فاطمة ، وأبي علي ، وأخي الحسن ، يا خليفة الماضين وثِمال الباقين !
    فنظر إليها الإمام الحسين فقال لها : يا أُخيَّة ! لا يُذهِبنّ حِلمَك الشيطان .
    وتَرقرَقَت عيناه بالدموع ، وقال : يا أُختاه ، لو تُرك القَطا لغَفا ونامَ .
    فقالت : يا ويلتاه ! أفتغتصب نفسك اغتصاباً ؟ فذاك أقرَحُ لقلبي ، وأشدّ على نفسي ، ثمّ لطمت وجهها ! وأهوَت إلى جيبِها فشقّته ، وخرّت مغشيّاً عليها .
    فقام إليها الإمام الحسين (عليه السلام) فَصَبّ على وجهها الماء ، وقال لها : إيهاً يا أُختها ! إتّقي الله ، وتَعزّي بعزاء الله ، واعلمي أنّ أهل الأرض يموتون وأنّ أهل السماء لا يَبقون ، وأنّ كلّ شيء هالِك إلا وجه الله ، الذي خلق الخلق بقُدرته ، ويَبعث الخلق ويعيدهم وهو فردٌ وحده.
    جدّي خيرٌ مني ، وأبي خيرٌ منّي ، وأُمّي خيرٌ منّي ، وأخي [ الحسن ] خيرٌ منّي ، ولي ولكلّ مسلم برسول الله (صلى الله عليه واله) أُسوة .
    فعزّاها بهذا ونحوه ، وقال لها : يا أُختاه إني أقسمتُ عليكِ ، فأبِرّي قَسَمي . [1] .
    لا تَشُقّي عَلَيّ جَيباً ، ولا تَخمشي عليّ وجهاً ، ولا تَدعي عليّ بالويل والثُبور إذا أنا هلكتُ .
    ثمّ جاء بها حتّى أجلسها عندي ، وخرج إلى أصحابه ... [2] .

    ثانياً : النصوص التي تدل بظاهرها على الجواز :
    أ - ما روي في آخر الكفّارات من (تهذيب الأحكام) للشيخ الطوسي عن الإمام الصادق (عليه السلام) : (وقد شققن الجيوب ، ولطمن الخدود - الفاطميات - على الحسين بن عليّ (عليهما السلام) , وعلى مثله تلطم الخدود وتشقّ الجيوب) . [3].
    ب - ما روي عن الإمام الحجّة (عجّل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة الإمام الحسين (عليه السلام) يوم عاشوراء : (فلمّا رأين النساء جوادك مخزياً ... على الخدود ، لاطمات الوجوه) . [4] .
    ج - ما رواه الإربلي في كشف الغمّة ، قال : « خرج أبو محمد العسكري في جنازة أبي الحسن الهادي وقميصه مشقوق ، فكتب إليه ابن عون : مَن رأيت أو بلغك من الأئمّة شقّ ثوبه في مثل هذا ؟! فكتب إليه أبو محمد العسكري : يا أحمق ، وما يدريك ما هذا ؟! قد شقّ موسى على هارون » . [5] .
    وبعد بيان النصوص الناهية والمجوزة لخمش الوجه وشق الجيب نتطرق الى حل هذا التعارض بينهما فنقول :

    1 - إثبات أن الإمام الحسين (عليه السلام) قد نهى أخته الحوراء زينب (عليها السلام) بتكليفها الشرعي باجتناب خمش الوجه وشق الجيب يحتاج إلى دليل صحيح . ولا دليل صحيح عليه لكي يعارض أدلة الجواز .
    2 - ان الرواية الواردة في نهي السيدة زينب (عليها السلام) عن خمش الوجه وشقّ الجيب مرسلة ، والدليل على ذلك هو :
    ان اليعقوبي رواها في تاريخه مرسلة أيضاً ، والطبري رواها عند أبي مخنف بإسناد ضعيف . [6] .
    وفي (التنقيح في شرح العروة الوثقى) للسيّد الخوئي يقول معلقاً على عبارة : ((لا يجوز اللطم والخدش)) بالتالي : (( وهذا كسابقه ، وإن ورد النهي عنه في بعض الأخبار ...... إلى أن قال : إلاّ أنّ الأخبار لضعف أسنادها لا يمكن الاعتماد عليها في الحكم بالحرمة بوجه )) . [7] .
    فنتمسك بأدلة الجواز لوجود الدليل الصحيح عليها .
    3 - مع فرض التسليم بصحة الرواية لم يلتزم أحد من الفقهاء بهذه الرواية لإثبات الحرمة وذلك لأنه ليس كلّ نهي يدلّ على الحرمة , فكما يوجد نهي تحريمي يوجد هناك نهي تنزيهي أيضاً , مع إمكانية أن يكون النهي من باب الشفقة من الإمام على الحوراء زينب (عليها السلام) , أو من باب عدم الوقوع في شماتة الأعداء فيدفع بهذا الإمكان وجه الحمل على الكراهة أيضا , لأن دواعي صيغة (لا تفعل) متعدّدة , ومع عدم وجود الدليل على تعيّن أحد المحتملات فلا مجال لإثبات الحرمة التكليفية .
    4 - الظاهر أنّ نهي الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته السيدة زينب (عليها السلام) عن شقّ الجيب وخَمش الوجه إنّما كان خاصّاً بساعة قتل الإمام ، لاحظ قول الإمام : « إذا أنا هلكتُ » .
    وبعبارة أخرى : إنما منَعَها أن تَشُقّ جيبها أو تخمش وجهها ساعة مصيبة مقتل الإمام وشهادته . والسيدة زينب إمتثَلت أمر أخيها ، ولم تفعل شيئاً من هذا القبيل عند شهادة الإمام في كربلاء . وإنّما قامت ببعض هذه الأعمال في الكوفة ، وفي الشام في مجلس يزيد ، عندما شاهدت ما قام به يزيد (لعنة الله عليه) من أنواع الإهانة برأس الإمام الحسين (عليه السلام) .
    5 - لعلّ نهي الإمام الحسين (عليه السلام) لأخته عن شقّ الجيب وخمش الوجه ـ في تلك الساعة ـ لحِكمة : وهي أن لا يظهر منها أثر الضعف و الإنكسار و الإنهيار ، أمام أولئك الأعداء الألدّاء ، فقد كان المطلوب من السيدات ـ حينذاك ـ الصبر والتجلّد وعدم الجزع أمام المصائب .
    لانّ هذا النوع من الشجاعة ـ وفي تلك الظروف بالذات ـ ضروري أمام العدوّ الحاقد ، الذي كان يتحيّن كلّ فرصة للقيام بأيّ خطوة تُناسب نفسيّته اللئيمة ، تجاه تلك العائلة المكرّمة الشريفة ، وكانت مواجهة الحوادث بصبر جميل ومعنويّات عالية ، تعني تفويت الفُرص أمام تفكير العدوّ القيام بأيّ نوع من أنواع الاعتداء والإهانة وسحق الكرامة تجاه تلك السيدات الطاهرات المفجوعات ، اللواتي فقدن المُحامي والمدافع عنهن .
    6 - على فرض أن النهي عن خمش الوجه وشق الجيب يدل بذاته على الحرمة ، ولكن هذه المحرّمات استثنيت في عزاء الإمام الحسين (عليه السلام) عند الفقهاء وخرجت من حدود الحرمة ودخلت في حكم الإباحة أي الإستحباب ، يقول السيّد الخوئي في كتاب التنقيح : (( نعم استثنى الأصحاب من حرمة تلك الأُمور : الإتيان بها في حقّ الأئمّة والحسين (عليهم السلام) , مستندين فيه إلى ما فعلته الفاطميات على الحسين بن عليّ ، من لطم الخد وشقّ الجيب , كما ورد في رواية خالد بن سدير )) . [8] .

    ================
    الهوامش :

    [1] أبرّي قَسَمي : أجيبيني إلى ما أقسَمتُكِ عليه ، ولا تَحنَثي ذلك . كما في « لسان العرب » .
    [2] كتاب الإرشاد للشيخ المفيد / ص 232 . وذكره الطبري أيضا / في تاريخه / ج 5 / ص 420 .
    [3] تهذيب الأحكام ج 8 / ص 325 كتاب الأيمان والنذور والكفّارات باب الكفّارات حديث رقم (1208) .
    [4] المزار الكبير للشيخ المشهدي / ص 504 / الباب (18) / زيارة الناحية .
    [5] وسائل الشيعة / للعاملي / ج2 / ص917 .
    [6] كتاب الإرشاد / ج2 / ص 94 تاريخ الإمام الحسين (عليه السلام) / أحداث ليلة عاشوراء ... بحار الأنوار / ج 45 / ص 3 ... تاريخ اليعقوبي / ج 2 / ص 244 أحداث مقتل الحسين (عليه السلام) ... تاريخ الطبري / ج4 / ص 319 أحداث سنة (61) ... الكامل في التاريخ / ج4 / ص 559.
    [7] التنقيح في شرح العروة الوثقى / ج9 / ص 231.
    [8] التنقيح في شرح العروة الوثقى / ج 9 / ص 235 - 236.
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X