شرح دعاء الافتتاح (6)
- (اَلْحَمْدُ للهِ الْفاشي في الْخَلْقِ أَمْرُهُ وَحَمْدُهُ، الظّاهِرِ بِالْكَرَمِ مَجْدُهُ، الْباسِطِ بِالْجُودِ يَدَهُ، الَّذي لا تَنْقُصُ خَزائِنُهُ، وَلا تَزيدُهُ كَثْرَةُ الْعَطاءِ إلاّ جُوداً وَكَرَماً، إِنَّهُ هُوَ الْعَزيزُ الْوَهّابُ)..
إن الملاحظ في هذه الفقرة من دعاء الافتتاح بأن هنالك تركيز وتذكير بالكرم الإلهي.. فالوجود برمته هو انعكاس لهذا الكرم الإلهي، فمن كرمه أنه أخرج الوجود من ظلمة العدم إلى نور الوجود.. إن رب العالمين كرمه، كرم لا يحد ولا يوصف، كما نقرأ في دعاء رجب: (يا من يعطي من سأله!.. يا من يعطي من لم يسأله، ومن لم يعرفه؛ تحنناً منه ورحمة!..) يا له من جود وكرم!.. إن رب العالمين عطاؤه لا فقط يمتد لعباده المؤمنين، سواء كان بسؤال أو بغير سؤال؛ بل حتى أولئك المنحرفون، والذين ينكرون وجود الله عزّ وجل، بل يحاربون أولياء الله عزّ وجل، فهم متنعمون بنعم الدنيا، ولعله أكثر من المؤمنين.. نعم، رب العالمين هكذا بسط يده بالجود..
والثمرة العملية لهذه المناجاة، هي أن نتشبه بأخلاق الله عزّ وجل.. المؤمن لا ييأس أبداً، أن يصل إلى درجة من درجات التكامل، تنعكس فيها الصفات الإلهية في وجوده، بحسب قدراته البشرية.. نعم، المؤمن يصل إلى درجة من درجات التكامل، يصبح مظهراً لأسماء الله الحسنى، ومنه الكرم..
إن المؤمن وجود كريم، لا بمعنى الكرم في المال فحسب، بل الكرم بمعناه الأوسع الأعم.. فالمؤمن ينفق مما آتاه الله عزّ وجل، إن كان علماً، أو جاهاً، أو مالاً... وهذا الشهر الكريم، هو شهر العطاء، وشهر الإكرام، وكما قلنا: إكرام كل واحد بحسبه..
ولا شك إن الإكرام الأكمل في هذا الشهر المبارك، هو أن يأخذ الإنسان بيد عبد قد أرهقته الذنوب، وأن يأخذ بيد عبد قد ضل الطريق.. فإن من أفضل صور التحبب إلى الله عزّ وجل، سوق العباد التائهين إليه تعالى.. ولا ينكر بأن إفطار الصائم فيه ثواب كثير، ولكن ما هو أعلى وأغلى وأجل من إفطار الصائم، هو دعوة المفطر إلى الصيام، وأن يسوق عبداً إلى ربه، بعد أن أكثر من المعاصي، وبما أوجب له البعد من الله عزّ وجل، بكلمة يغير بها مجرى حياته، فإن هذه الكلمة أوقع في ميزان أعماله من الإطعام الظاهري.. فالإطعام الظاهري يقيم ظاهر الإنسان، بينما الإطعام الباطني الروحي -كما في قوله تعالى: ?فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ إِلَى طَعَامِهِ?، حيث فسر الطعام بأنه هو العلم الذي يأخذه-، يحدد مصيره الأبدي شقاء وسعادة.
وعليه، فمن يريد أن يتشبه بالله عزّ وجل في كرمه ولطفه، فينبغي أن ينظر إلى الحقول التي من الممكن أن يدخل فيها، ليسوق العباد إلى طاعة الله عزّ وجل.. وكلما أحسنّا إلى العباد في هذا المجال، كلما تنزلت علينا الرحمة الإلهية بأعلى صورها.. ومن أفضل صور الرحمة الإلهية، أن يختار رب العالمين عبداً لنفسه.. يا له من مقام عظيم!.. ذلك المقام الذي خُص به الكليم، حيث أختاره الله عزّ وجل لنفسه، وصنعه على عينه، واختاره لمناجاته..
من مركز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
تعليق