بسم الله الرحمن الرحيم
شرح دعاء الافتتاح الحلقة (9)
- (اِنَّكَ تَدْعُوني فَاُوَلّي عَنْكَ، وَتَتَحَبَّبُ اِلَيَّ فَاَتَبَغَّضُ إِلَيْكَ، وَتَتَوَدَّدُ إِلَىَّ فَلا أَقْبَلُ مِنْكَ، كَاَنَّ لِيَ التَّطَوُّلَ عَلَيْكَ..)..
إن هذه الفقرة من فقرات دعاء الافتتاح تستحق البكاء والتألم وذرف الدمعة، فهي من الفقرات الموجعة للقلب، والمثيرة لحالة الأسف والأسى؛ لما يصل إليه العبد في تعامله مع ربه.. إن رب العالمين في كتابه الكريم، ومن خلال سنة حبيبه المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم) وذريته الطاهرة، كم دعانا، كم أمرنا، كم نادانا بيأيها الذين آمنوا، كم حذرنا من موارد الهلكة، كما حذرنا من عدم تجاوز حدوده؛ ولكن العبد بمخالفته يولي عن ربه، ويتحدى ربه!..
لو أن إنساناً تجاوز حدود مملكته إلى مملكة أخرى، ولو شبراً واحداً، فإنه يعد في عرف الدول إنساناً متسللاً، اخترق الحدود.. رغم أنه ما تجاوز إلا خطاً وهمياً، وما تجاوز إلا شبراً، ولكن هذا يعد اختراقاً للحدود، ويعد تعدياً على مملكة الغير.. فقد تكون المعصية صغيرة.. قد يكون هناك تطاول على زوجة مسكينة مستضعفة في جوف الليل، حيث لا ناصر لها إلا الله عزّ وجل، ولكن القرآن الكريم يعتبر ذلك تعدياً لحدود الله عزّ وجل.. ومن هنا قيل: (لا تنظر إلى صغر المعصية , ولكن انظر إلى من عصيت).
- (فَلَمْ يَمْنَعْكَ ذلِكَ مِنَ الرَّحْمَةِ لي، وَالإحْسانِ إِلَىَّ، وَالتَّفَضُّلِ عَلَيَّ بِجُودِكَ وَكَرَمِكَ..)..
إن رب العالمين دأبه مع عباده أنه لا يبادر بالنقمة.. إذ طالما تجاوزنا هذه الحدود قبل شهر رمضان المبارك!.. والكثيرون عندما يدخل الشهر يصومون الشهر، ولكن بعد أحد عشر شهر من المعصية وتجاوز الحدود، وبعض الناس ممن هم على مستوى ارتكاب الكبائر وترك الواجبات، ولكن هم عندما يصومون هذا الشهر فإن رب العالمين يفتح لهم صفحة جديدة في هذا الشهر الكريم، فيرون في أنفسهم إقبالاً على الله عزّ وجل.. فإذن، حتى هؤلاء العصاة طوال السنة، تراهم يعيشون حالة الأنس بهذا الشهر الكريم.
ومن المعلوم أنه في هذا الشهر الكريم الأبواب مفتحة، وأنفاسنا فيه تسبيح، وهذا النوم الذي هو الموت الأصغر يتحول في شهر رمضان إلى عبادة، والدعاء فيه مستجاب، وأيدي الشياطين مغلولة.. فهنيئاً لمن أغتنم هذه الفرصة النادرة، ليقيم علاقة جديدة مع ربه!.. ثم هذه العلاقة التي نقيمها مع رب العالمين من بركات أسحار هذا الشهر المبارك، لنحاول أن نبقيها طوال السنة.. هذا الإنس، وهذه المصالحة، وهذه العودة والإنابة إلى الله عزّ وجل المكتسبة في هذا الشهر الكريم، علينا أن نستصحبها، وأن نعممها، وأن نتزود منها طوال السنة، لنكون من عباده الصالحين.
من مركز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
تعليق