شرح دعاء الافتتاح (12)
- (الَّذي بَعُدَ فَلا يُرى، وقَرُبَ فَشَهِدَ النَّجْوى تَبارَكَ وَتَعالى..)..
هنيئاً لمن اتخذ الله جليساً!.. فكان في أسحار شهر رمضان المبارك يجالس ربه، ويناجيه، ويأنس برفقته، وقد أشار علي (عليه السلام) إلى هذه الحقيقة في قوله: (لم تره العيون بمشاهدة العيان، ولكن رأته القلوب بحقائق الإيمان).. وفي قوله (عليه السلام) رداً على من يسأله هل رأيت ربك: (وكيف أعبد رباً لم أره).. فالذي يناجي ربه في خلوات الليل، فإن الله تعالى جليسه، كما ورد في الحديث القدسي: (أنا جليس من ذكرني).. وطوبى لمن كان جليسه رب العالمين!..
اللهم اجعلنا ممن أذقته حلاوة حبك وذكرك في هذا الشهر!.. لا تغلق علينا أبواب لطفك ورحمتك، إنك على كل شيء قدير!
- (اَلْحَمْدُ للهِ الَّذي لَيْسَ لَهُ مُنازِعٌ يُعادِلُهُ، وَلا شَبيهٌ يُشاكِلُهُ، وَلا ظَهيرٌ يُعاضِدُهُ، قَهَرَ بِعِزَّتِهِ الاْعِزّاءَ، وَتَواضَعَ لِعَظَمَتِهِ الْعُظَماءُ، فَبَلَغَ بِقُدْرَتِهِ ما يَشاءُ..)..
وفي هذه الفقرة إشارة سياسية لحركة الأمة ولتعاملها مع الأعداء.. لو أنه المسؤولون عن هذه الأمة، أصحاب الحل والعقد، الذين لهم وبيدهم أخد القرارات الحاسمة والمصيرية في حياة هذه الأمة، عاشوا حقيقة حاكمية الله عزّ وجل لهذا الوجود.. الرب الذي أخرج هذا الوجود من ظلمات العدم إلى نور الوجود.. الرب الذي خلق من النطفة والمضغة، هذا الوجود الذي جعله خليفة له في الأرض.. الذي يعيش هذه الحاكمية الكبرى، هذا القهر المطلق، هذه الجبارية، هذه الحكومة المستوعبة، من الطبيعي أن لا يعيش حالة الخوف من المخلوقين.
ومن المعلوم هذه الأيام أن قوة الدول تقاس بقوة الذرة، في هذا السباق المعروف.. وما الذرة على صغرها -ذلك الجزء الذي لا يرى- إلا صورة من صور ملكه وقدرته.. هذا الجزء الذي لا يرى بالعين المجردة -هذه الذرة-، عندما تفلق، تصنع الأعاجيب، وتدمر المدن والقرى وغير ذلك.. إن الرب الذي أودع هذه الخاصية في هذه الذرة الصغيرة، الرب الذي خلق الذرة بمكوناتها وبقدراتها وبطاقاتها المودعة فيها، هو هذا الرب الذي نعبده، والذي نستعين به، والذي نطلب منه أن ينصرنا على القوم الظالمين.. فالذي يعيش هذه الحقيقة، سوف لن يخاف من قوة في هذا الوجود.. ?وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء?.
ولا ينبغي أن ننسى هذه الحقيقة، وهي أن الله عزّ وجل غيور على عباده.. أرأيتم كيف رعاية الأم لولدها، إن رب العالمين هو أشد رعاية من الأم لولدها لعبده المؤمن.. إن رب العالمين غيور على أمته، وعلى عباده، ولهذا يقول في كتابه الكريم: ?إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا?.. لو أن أحدنا اتخذ محامياً، مدافعاً له في محكمة، وكان ذلك المدافع أو المحامي ذات صلة بالحاكم مثلاً، الإنسان ألا يهدأ باله، لأن هنالك من يدافع عنه؟.. فكيف إذا كان القدير الحكيم، رب الأرباب، مالك الرقاب، تبنى الدفاع عن عباده؟.. إن الله سبحانه وتعالى يدافع عن عباده، ولكن دفاعه ليس أمراً جزافياً، وإنما هو يدافع عن عباده المؤمنين.. ومن هنا يقول الله تعالى أيضاً في كتابه: ?إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ?؛ فالأمة التي تريد التغيير، لابد أن تغير من نفسها، ليأتي ذلك النصر، وما ذلك على الله بعزيز!.
المصدر
من مركز الدراسات التخصصية ف الامام المهدي عليه السلام
تعليق