إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

الإعجاز القراني

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • الإعجاز القراني

    الإعجاز القراني
    الاعجاز في المصطلح الذي نبحث هنا عنه هو أن يأتي المدّعي لمنصب من المناصب الإلهية (كالنبوّة) بما يخرق نواميس الطبيعة ويعجز عنه غيره من البشر كشاهد ودليل على صدقه.

    وعليه فعناصر المعجزة هي:

    1- عجز البشر عن الاتيان بمثلها.

    2- أنها خرق لقوانين الطبيعة العروفة.

    3- عدم استحالتها عقلاً.

    4- أن تكون في سياق اثبات صدق مدعي النبوة أو غيرها من المناصب الإلهية.

    ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المعجزة لا تلغي قانون العلية ولا تخرج عنه، وإنما هي تستند إلى علة غير العلل المعروفة والطبيعية عند البشر.ولو كانت إلغاءً لقانون العلية لاستحالت عقلاً، وعندئذ يسقط عنصر مهم من عناصر المعجزة.فولادة إنسان من غير أب لا يستحيل عقلاً، لأنه خالق الإنسان الذي أوجده وخلقه من طين إبتداءً بإمكانه خلقه من غير أب بالأولوية، لكن المعتاد في الأسباب والقوانين الطبيعية أن يولد الإنسان من أبوين، فإذا ولد عيسى من غير أب كان خرقاً لنواميس الطبيعة المتعارفة والمعتادة، لكن علة الخلق وأسبابه محفوظة بتمامها.

    وهكذا كلامه في المهد واحياؤه الموتى وأمثال ذلك.

    75
    v الهدف من المعاجز

    قد ينحصر الطرق أمام بعض الناس في اثبات صدق مدّعي النبوة بالإتيان بالمعجز، لكن البعض الاخر من الناس قد يتمكن من معرفة صدق النبي والركون إليه والاطمئنان إلى صحة دعواه دون حاجة إلى معجز.

    فلم يكن أمير المؤمنين عليه السلام بحاجة إلى معجزة الرسول صلى الله عليه وآله من أجل الإيمان به وتصديقه بل الثابت أنه امن وصدّق وتيقن دون انتظار، وكذلك كان إيمان وتصديق خديجة رضوان اللّه عليها.

    بل الكثير من النصوص والروايات تحكي لنا إيمان العديد من أهل الكتاب بمجرد عرض الإسلام ومعارفه السامية عليهم أو من خلال اطلاعهم على مبلغ علم النبي دون انتظار المعجزة، وأحياناً كانت سجايا النبي صلى الله عليه وآله وأخلاقه الرفيعة تشكل باباً لاختبار صدقه، لأن كل هذه الأمور من شأنها أن تقود إلى نوع من الاطمئنان والإيمان الواعي.

    وأحياناً أخرى كانت صفات النبي صلى الله عليه وآله المذكورة في الكتب السابقة باعث إيمان عند من اطلع عليها ولم يبتلى بالعصبية والعناد.

    ومع ذلك فإن المعجزة هي دليل قاطع على صدق النبي، والحجة الدامغة على من ينكر ويجحد. لكن كيف تكون المعجزة دالة على صدق النبي؟

    المفروض أن ما يأتي به النبي لاثبات صدقه يعجز عنه البشر (وهذه مقدمة وجدانية)، فلو كان ما جاء به بقدرة بشرية لما عجز غيره عن الإتيان بمثله (لأن حكم الأمثال فيما يجوز وفيما لا يجوز واحد)، فالنتيجة أن ما جاء به النبي صلى الله عليه وآله ليس بقدرة بشرية.

    هذا الدليل استثنائي يمكن صياغته بعبارة أدق:

    لو كان ما جاء به النبي بقدرة بشرية لما عجز عنه غيره، لكنهم عجزوا عنه، فهو ليس بقدرة بشرية إذن.

    لكن من أين حصل للنبي صلى الله عليه وآله هذه القدرة الخارقة؟

    النبي صلى الله عليه وآله حسب الفرض يدّعي اتصالاً بما وراء الطبيعة، بل بخالق الطبيعة ومدبّرها،


    76
    وأنه نبي مرسل من قبله برسالةٍ ليبلغها إلى الناس، فإذا كان صادقاً فاللازم أن يخصه المرسل بقدرة خاصة تثبت صدقه واتصاله الخاص به، وهي القدرة على الإتيان بالمعجز أو إجراء المعجز على يديه بعبارة أدق.

    هذا النحو من الاستدلال تشير إليه الاية الكريمة التالية:

    ﴿أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ فَإِن لَّمْ يَسْتَجِيبُواْ لَكُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أُنزِلِ بِعِلْمِ اللّهِ وَأَن لاَّ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ﴾1.


    v تنوع معاجز الأنبياء

    روي أنّ ابن السكيت قال لأبي الحسن الرضا عليه السلام:
    لماذا بعث اللّه موسى بن عمران بيده البيضاء والعصا والة السحر، وبعث عيسى بالة الطب وبعث محمداً صلى الله عليه وآله بالكلام والخطب؟!

    فقال أبو الحسن عليه السلام:" إن اللّه تعالى لما بعث موسى عليه السلام كان الأغلب على أهل عصره السحر فأتاهم من عند اللّه تعالى بما لم يكن عند القوم وفي وسعهم مثله، وبما أبطل به سحرهم، وأثبت به الحجة عليهم، وإن اللّه بعث عيسى في وقت ظهرت فيه الزمانات واحتاج الناس إلى الطب فأتاهم من عند اللّه تعالى بما لم يكن عندهم مثله وبما أحيى لهم الموتى وأبرأ الأكمه والأبرص بإذن اللّه، وأثبت به الحجة عليهم. وإن اللّه تعالى بعث محمداً صلى الله عليه وآله في وقت كان الأغلب على أهل عصره الخطب والكلام والشعر فأتاهم من كتاب اللّه والموعظة والحكمة ما أبطل به قولهم وأثبت به الحجة عليهم" 2.

    أوضح هذا النص الحكمة من تنوع المعاجز من نبي لاخر ومن زمن لاخر، حيث أنه ينبغي أن تتوفر السنخية بين المعجزة والفن الذي يبرع به أهل الزمان، لأن أهل الفن هم الأقدر على تمييز المعجز من غيره والصحيح من الزيف، ويرجع إلى أهل الخبرة عادة في تشخيص الحالات المشكلة والصعبة، فالطبيب هو الأقدر على إدراك حالات الشفاء


    77
    الخارقة للعادة والتي لم تتم بالأصول والأسباب المعروفة عند علماء الطب، والساحر أقدر على كشف السحر وفضح أسراره وتمييزه عن المعجزة، ومن هنا كان أول من امن بموسى عليه السلام بعد المواجهة المعروفة هم السحرة أنفسهم الذين دخلوا في لعبة التحدي، وليس ذلك إلاّ لاطلاعهم على فنون السحر، فأدركوا أنّ ما جاء به موسى لم يكن سحراً فامنوا.

    وهذا هو السر في جعل القران الكريم معجزة رسولنا صلى الله عليه وآله ، فقد كان عصر نزول القران من أزهى العصور في صنعة الكلام، بل لم يكن لهم من الفنون ما برعوا به سواها، حتى ساروا يعرضونها في أنديتهم وأسواقهم إلى جانب بضائعهم بل بدلاً عنها. ويفتخرون بها ويتبارون فيها.


    v مذهب الصرفة

    حقيقة الإعجاز قائمة في كون المعجزة فوق قدرة البشر، وإعجاز القران الكريم من هذا القبيل، حيث أنه على مستوى البلاغة وغرابة النظم والأسلوب العجيب وما تضمنه من معارف عالية واخبارات غيبية تشكل في مجموعها معجزة، بل يمكن القول بأن القران الكريم في كل واحد من هذه الجوانب بلغ حد الاعجاز.

    ومع ذلك فقد ذهب جماعة من العامة منهم النظام ومن الخاصة السيد المرتضى رحمه اللّه إلى ما يسمى بمذهب الصرفة، فزعموا أن الاعجاز قائم في صرف الناس عن معارضة القران الكريم مع عدم استحالة الإتيان بمثله من قبلهم بحسب قدراتهم وإمكانياتهم الذاتية لولا الصرفة.

    والذي دعاهم إلى هذا القول أنهم توهموا أن العرب انذاك كان عندهم العلم بنظم القران والعلم بكيفية تأليف كلام يساويه أو يدانيه، والمعتاد أن من كان عنده هذان العلمان يتمكن من الإتيان بالمثل، ومع ذلك لم يقدروا على المعارضة والإتيان بالمثل رغم محاولتهم واحتياجهم إلى ذلك في مقارعتهم له، فلا بد أنه تعالى أزال عن قلوبهم تلك العلوم وأعجزهم عن المعارضة وصرفهم عن ذلك.

    لكن هذا التوهم غير صحيح لأننا لا نسلم أن العارف بوجوه البلاغة ونظم الكلام


    78
    يمكنه الإتيان بمثله، والبلاغة هي صياغة كلام مطابق لمقتضى الحال، وهو أمر يختلف باختلاف مقتضيات الأحوال. ومهما بلغت قدرات البشر فإنهم يتمكنون من تأليف كلام على نظم يتوافق مع ما يدركونه ويلاحظونه أو يهتمّون به من مقتضيات الأحوال.

    أما القران الكريم الذي حوى من المعارف ما لا يمكن أن يحويه كلام أحد، وخاطب البشر كل البشر بلسان واحد، فهو في انٍ واحد يراعي مقتضى حال العوام والخواص، البسطاء والبلغاء، الراسخين في العلم ومن لم يؤتوا إلا الحظ القليل، وضمن الكلام الواحد من المعارف والمعاني ما لا ينقضي ولا يحدّ. وهذا هو الاعجاز البلاغي الخاص بالقران.

    ثم إن الصرفة لو تحققت بعد البعثة لكان بالإمكان أن نجد بين القران وبين ما تقدم على البعثة من كلام البلغاء نوع تشابه وتقارب أو تماثل فتبطل به المعجزة لا مكان أن يجاب عنتحديه بأن العرب جاءت بمثله، وبه يسقط إعجازه، وهذا لم يحصل.

    ولو كان اعجاز القران بالصرفة لكان الأولى في الاعجاز أن يكون عن الإتيان بالركيك من الكلام لا البليغ ولا ذي النظم العجيب. فإن اعجاز الناس عن الإتيان بما هو سهل يسير في العادة أبلغ في الحجة من اعجازهم عن العالي العزيز.

    ومن الشواهد على بطلان مذهب الصرفة وكون الاعجاز في النظم القراني الخاص، ما نقل من قصة الوليد بن المغيرة عندما قرأ عليه الرسول صلى الله عليه وآله شيئاً من القران، قال لقومه: فواللّه ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني ولا أعلم برجز ولا بقصيدة مني ولا بأشعار الجن، واللّه ما يشبه الذي يقول شيئاً من هذا، وواللّه إن لقوله الذي يقول حلاوة وإن عليه لطلاوة، وإنه لمثمر أعلاه، مغدق أسفله، وأنه ليعلو وما يعلى، وأنه ليحطم ما تحته.

    فقال له أبو جهل: لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه. قال: فدعني حتى أفكر، فلما فكّر قال: هذا سحر يؤثر، يأثره عن غيره. فنزلت: ﴿ ذرني ومن خلقت وحيداً... ﴾ 3

    قال الحاكم: هذا حديث صحيح الإسناد على شرط البخاري 4


    79
    وهناك الكثير الكثير من الحالات لتي أسلم فيها أناس أو أقّروا بأنه ليس من كلام البشر بمجرد سماعه وهو ينافي مذهب الصرفة.

    بل يروى أن المشركين كانوا يطردون الناس عن رسول اللّه صلى الله عليه وآله إذا رفع صوته بالقران، وكانوا يشوشون عليه بالصفير والصفيق لألاّ تسمع قراءته، لأن القران كان بنفسه ينادي بأنه كلام رب العالمين، وبلاغته وبيانه ونظمه ليست من النوع المألوف وما اعتادته أسماعهم وكل هذا يكشف عن كون الاعجاز في نفس القران الكريم لا في صرف الهمم عن معارضته.

    v آيات التحدّي

    1- الاية المتقدمة:﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِعَشْرِ سُوَرٍ مِّثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ 5.

    2- قوله تعالى: ﴿ قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا ﴾ 6.

    3- قوله تعالى: ﴿ وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّن مِّثْلِهِ وَادْعُواْ شُهَدَاءكُم مِّن دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِين َ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ ﴾ 7 .

    4- قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُواْ بِسُورَةٍ مِّثْلِهِ وَادْعُواْ مَنِ اسْتَطَعْتُم مِّن دُونِ اللّهِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ ﴾ 8.

    5- قوله تعالى: ﴿ أَمْ يَقُولُونَ تَقَوَّلَهُ بَل لَّا يُؤْمِنُونَ * فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ 9.هذه الايات الخمس ترتيبها بحسب تسلسل النزول (طبقاً لمرويات السنّة في هذا المجال فليس عندنا فيه شي‏ء يذكر) الثانية ثم الرابعة ثم الأولى ثم الخامسة ثم الثالثة.


    80
    وهذا يعني أن التحدي يبدأ بتمام القران (النازل منه طبعا) ثم بسورة واحدة ثم بعشر سور ثم بجميعه ثم بسورة واحدة. (الإسراء، يونس، هود، الطور، البقرة).لكن القران لما كان اسم جنس ينطبق على بعضه حقيقة فالتحدي إذن تارة بمطلق القران الذي يقبل الانطباق على أي سورة أو أي جزء منه، وأخرى بعشر سور وثالثة بسورة واحدة. وليس هنا من تدرج في التحدي بناءً على تسلسل النزول المتقدم، وإن تحدث عنه الكثيرون. نعم إذا أسقطنا اعتبار ترتيب النزول وأخذنا الايات مجردة عن زمان نزولها فهناك مراتب للتحدي يمكن أن توصف بأنها نحو من أنحاء التدرّج.

    ومهما يكن فإن التاريخ لم يحدثنا عن أية معارضة للقران أدت إلى التشويش على عظمة القران وإلى ايجاد شبهة أمام إعجازه وتحدّيه.

    نعم هناك ما يسمى تسامحاً معارضات، لكنها مثار السخرية وتدل على سذاجة أصحابها نقل منها شي‏ء عن مسيلمة الكذاب وأبي الطيب المتنبي وأحد المسيحيين في رسالة حسن الايجاز وهي لا تستحق الوقوف عندها وإطالة الكلام بذكرها وتضييع الوقت بنقلها 10.


    v أبعاد الاعجاز القراني

    دراسة أبعاد الاعجاز القراني تحتاج إلى ملاحظة أمور:

    1- إن القران جاء ليخاطب البشر جميعاً بل الجن أيضاً، فلا يختص بأمة دون أمة ولا جماعة دون جماعة.
    ﴿ فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِّثْلِهِ إِن كَانُوا صَادِقِينَ ﴾ 11.

    2- من حيث البعد الزماني يخاطب كل الأزمان منذ البعثة وحتى قيام الساعة.
    ﴿ وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لأُنذِرَكُم بِهِ وَمَن بَلَغَ ﴾ 12.

    3- ومن حيث البعد الموضوعي هو شامل لكل شي‏ء.
    ﴿ مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ﴾ 13. ﴿ تِبْيَانًا لِّكُلِّ شَيْءٍ ﴾ 14.


    81
    4- النبي المرسل الذي جاء به لم يتعلم عند أحد ولم يتلق معرفة من أحد من البشر بل كان أمياً لا يقرأ.
    ﴿ وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِّسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُّبِينٌ ﴾ 15.
    ﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ﴾ 16.

    فبعد ملاحظة الأمور الأربعة نجد أن القران الكريم جاء به من لم يتلق العلم من أحدٍ من البشر، وعلى هذا المستوى الذي أعجز أهل البيان والبلاغة، وبلاغته بلحاظ الأمور الثلاثة الأولى أكبر من أن توصف أو أن تقارن ببلاغة البشر.والاعجاز البلاغي لا يقاس بالنظم والفصاحة والمحسنات البديعية فقط دون ملاحظة المعاني التي يراد صياغة الكلام لبيانها وإيصالها إلى المخاطب، فإن جمال السبك وحسن النظم ينبغي أن يضاف إليه الانسجام التام مع المؤدى وكونه قادراً على إبلاغ المعنى وإيصاله.

    كما أن لدلالة الكلام على المعنى في مقام التفهم والتفهيم شروطاً:

    1- أن يكون اللفظ قادراً على تحمّل المعنى المطلوب.

    2- أن يكون المستوى الفكري والثقافي للمتكلم بحيث يستطيع أن يقصد تلك المعاني التي يتحملها اللفظ.

    3- أن يكون ذلك المعنى منسجماً أيضاً مع نوعية اختصاص المتكلم ومع مراميه وأهدافه.

    4- قدرة المخاطبين على استيعاب المقصود ولو على امتداد الزمن.

    فعلى الصعيد الأول: اعتمد القران اللغة العربية بما لها من خصائص ومميزات فهي أقدر اللغات على تحمل المعاني، وعلى الصعيد الثاني: الشخص العادي لا يمكنه أن يأتي بالمعاني التي يتضمنها القران بما فيها من معارف دقيقة وأسرار كونية ووصف ما لا يقدر البشر على الاطلاع عليه، وعلى الصعيد الثالث هناك انسجام تام بين القران


    82
    والهدف الذي أنزل من أجله، وعلى صعيد الأخير يلاحظ فيه أنه يناسب جميع المخاطبين، ويعطي كل مخاطب ما يناسبه.

    وبهذا يتجلى الاعجاز البياني فيه، الذي تمكن أن يؤدي المعارف المتنوعة والسّامية التي تناسب كل مستويات البشرية، والإشارات العلمية وأسرار الخليقة وأصول النظام الكوني، وفي الوقت نفسه يخاطب الجميع دون أن يكون ذلك مخلاً بإمكانية ايصال المطلوب إلى أهله، فهو يوصل لعوام الناس سهمهم من المعارف ويوصل إلى ذوي البصائر والعقول العلمية حصتهم.

    وهناك جوانب إعجازية أخرى تتمثل في الاختبارات الغيبية والكشف عن الجوانب الخفية من قصص الأنبياء والأمم السالفة، والإشارات العلمية، والحديث عن أسرار الكون بما لم يكن معروفاً عند علماء الطبيعة والفلك انذاك وغيرها من الوجوه. لكن أهمها هو الاعجاز البياني الذي قدمنا الحديث عنه وهو لعله يشمل كل هذه الجوانب لأنها داخلة في مفهوم البلاغة والأهداف القرانية.

    وفي ختام بحث الاعجاز أنقل عبارة الإمام الخميني قدس سره التي تتحدث عن وجه من وجوه الاعجاز في القران:

    " وإن القران الشريف قد جمع من لطائف التوحيد وحقائقه وسرائره ودقائقه ما تتحير فيه عقول أهل المعرفة، وهذا هو الاعجاز العظيم لهذه الصحيفة النورانية السماوية، لا أن حسن التركيب ولطف البيان وغاية الفصاحة ونهاية البلاغة وكيفية الدعوة والاخبار عن المغيبات وإحكام الأحكام واتقان التنظيم للعائلة وأمثالها فحسب، التي يكون كل واحد منها باستقلاله اعجازاً فوق الطاقة وخارقاً للعادة، بل يمكن أن يقال أن معروفية القران بالفصاحة واشتهار هذا الاعجاز من بين سائر المعجزات في الأفاق لأنه كان للأعراب في الصدر الأول هذ التخصص، وأدركوا هذه الجهة من الاعجاز فحسب، وأما الجهات الأخرى المهمة التي كانت فيه وكانت جهة اعجازهاأرفع، وأساس إدراكها أعلى فلم يدركها أعراب ذلك الزمان، والحال أن المتحدين منهم في أفق الفهم لا يدركون من هذه اللطيفة الإلهية سوى التركيبات اللفظية والمحسنات البديعية والبيانية، وأما المعترفون (ولعل الصحيح المتعرفون) لأسرار المعارف ودقائقها والخبراء


    83
    بلطائف التوحيد والتجريد فوجهة نظرهم في هذا الكتاب الإلهي وقبلة امالهم في هذا الوحي السماوي إنما هي معارفه وليس لهم توجه كثير إلى الجهات الأخرى.." _17

    83
    أسئلة حول الدرس
    1- عدّد عناصر الاعجاز وبيّن علاقة المعجزة بقانون العلية؟
    2- كيف تدل المعجزة على صدق دعوى النبوة، ومن أين يحصل للنبي هذه القدرة الخارقة؟
    3- ما هي الحكمة من تنوع المعاجز من نبي لاخر ومن زمن لاخر؟
    4- هل الاعجاز حقيقي أم هو بالصدفة؟ أثبت ذلك بالدليل؟
    5- ما هو المقصود بالاعجاز البياني في القران الكريم؟
المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X