إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مجالس الشباب

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مجالس الشباب

    مجالس الشباب

    تجتمعون ـ أنت وأصدقاؤك ـ وتتحدّثون .. في فرص ما بين الحصص والفصول الدراسية ..
    وربما في بيت أحدكم ..
    أو في ناد، أو ملتقى شبابيّ أو طلابيّ، أو إخوانيّ عام.
    فكل فرصة للقاء مع الإخوان أو الأصدقاء أو الزملاء أو الأهل أو الأقرباء، ثمينة سواء للتداول في قضية أو شأن معيّن، أو حتى مجرد التزاور لتوطيد العلاقة، وطرح الهموم، ومطارحة الرأي، وادخال السرور على الآخر، ومسامرته، واشعاره بحبّك له .. وشعورك بقربك منه ..
    كلّ هذه الفرص لعقد مجالس الودّ والمصافاة، أو لمدارسة أمر من أمور الدنيا والآخرة، أو لطلب العلم، أو لأي غرض انساني أو معرفي أو عملي .. هي من أوثق فرص التفاعل الاجتماعي، وتمتين عرى الإيمان والمؤاخاة.
    تلك مجالسٌ .. يحبّها الله.
    ويحبّها رسوله.
    ويحبّها المؤمنون.
    وتلك مجالس نتمنّى أن نراك تحجز مكانك فيها حيث تعدّ ولا تفتقد ..
    قل لي أىّ مجلس جلست .. أقُل لك مَن أنت!
    إنّ من أطيب فرص الحياة وأهناها لقاء الأخوة والأصدقاء.
    ولأنّ لقاء الإخوان من الطيِّبات، جعل الله سبحانه وتعالى ذلك نعمة من نعمه السابغة في الجنّة: (إخواناً على سرر متقابلين ). فكلما تنعم بلقاء أخيك وصديقك وصفيّك في الدنيا، فتتناجيان وتتنادمان ويبث أحدكما للآخر همومه، ويتلقّى الآخر ذلك بآذان صاغية، فيسلّي صاحبه، ويخفّف عنه وطأة أحزانه وأشجانه، ويشاطره اللوعة إن كان ملتاعاً، ويشاركه الفرحة إن كان قرير العين مسروراً، فإن هذه الصورة من الأخوّة الخالصة سوف تنتقل بانتقالهما إلى الرفيق الأعلى، حيث يرتعان في بحبوحة النعيم الأبدي، سعيدين بصحبتهما وتعاشرهما لأنّ الله لم يفرّق بينهما في الدار الآخرة، كما كانا لا يفترقان في الدار الدنيا.
    أنس الشاب بالشاب أو الشبّان مثله، حاجة اجتماعية ماسّة.
    وأنس الفتاة بفتاة أو فتيات مثلها، حاجة لا تعوّض.
    ومجالس الشبان وإن تغيّر حالها ـ في عصر الاتصالات ـ فلم تعد ـ إلاّ في النادر ـ مباشرة وحيّة وحميمة كما كانت قبل هذا العصر، إلاّ أن هذا العصر لم يقضِ أو يشطب عليها تماماً، فمجالس الشبان تدور عبر شبكات الانترنيت ومقاهيه، ولا تظنّ أنّ زماناً سيأتي لتزول تلك المجالس العامرة.
    وقد يتزوج الشاب وتتزوج الفتاة، وتتغيّر في حياتهما أشياء كثيرة، لكنّهما لا يضحِّيان أو يفرطان بعلاقات إخوانية، ربطتهما عميقاً مع أصدقاء وصديقات أبقوا على رباط المودّة والصحبّة حتى الممات وثيقاً.
    نعم، قد نلتقي بأصدقاء وزملاء جدد، لكننا يستحيل أن ننسى إخواناً جمعتنا وإياهم أيام الحب، ومجالس الخير، وساحات العطاء.
    يقول علي (عليه السلام) : «من كرم المرء .. حفظه قديم إخوانه». وكان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاة زوجته الحبيبة (خديجة) (رض) إذا طبخ طعاماً أوصى بأن يقدّم منه لصديقات خديجة وفاءً لها وللصحبة الكريمة.
    وتمتد جسور الصحبة الطيِّبة من الآباء إلى الأبناء. ففي الحديث: «لا تقطع أودّاء أبيك فيطفأ نورُك». وفي آخر: «ينبغي للرجل أن يحفظ أصحاب أبيه، فإنّ برّه بهم برّه بوالديه». وهكذا تبقى الصحبة (حيّة) حتى إذا (مات) الأصحاب .. فما أحلاها وأروعها من قيمة إنسانية.
    وقد تكون للصداقة الجديدة نكهة معينة فـ (لكلّ جديد لذّة) إلاّ أنّ نكهة الصداقة القديمة خاصّة ومميزة، لأنّها تدلّ على عمق الرابطة بين الأخوين الصديقين، وإلاّ ما دامت طويلاً، ذلك لأنّ الأصدقاء أحد إثنين: (إخوان المكاشرة) الذين تضحك لهم ويضحكون لك، وتقضون وقتاً ممتعاً مع بعضكم البعض في اللهو والتسلية والمفاكهة ثم ينفرط المجلس، وقد لا يذكر هؤلاء بعضهم البعض إلاّ في أوقات السمر والمنادمة.
    و (إخوان المعاشرة) وهم الثقاة الذين يحزنون لحزنك كما يفرحون لفرحك، ويمحضونك النصيحة والإخلاص حاضراً كنت أو غائباً، والذين يمدّون لك يد المساعدة متى ما احتجت إلى إعانتهم وتعاونهم.
    فالمجالس الإخوانية ـ باختصار ـ (مغنم جسيم) كما جاء في الحديث الشريف: «لقاء الإخوان مغنمٌ جسيمٌ وإن قلّوا».
    كيف ذلك؟
    ـ لأنّه من جهة يحقِّق أو يلبِّي حاجة اجتماعية للألفة والمعاشرة والتواصل مع الآخرين والإحساس بالقوّة.
    ـ ولأنّه يفيد في تطييب الخواطر وتهدئة النفوس المضطربة فيما لو أصابتها مصيبة، وتنادى الإخوان لتسلية وتصبير الأخ المنكوب.
    ـ ولأنّه ينفع في تبادل الآراء ووجهات النظر.
    ـ ولأنّه يغني الإخوة المجتمعين بالنصائح المتبادلة، والمقترحات التي تحلّ المشاكل، والتجارب التي يعيشونها.
    ـ ولأنّه ـ إن كان مجلس عبادة، أو علم، أو عمل، أو تواصي بالحق، أو تواصي بالصبر، وإرساء معاني الأخوة والمحبة والتعاون ـ مجلس يحبه الله ورسوله والمؤمنون، وترفرف عليه الملائكة بأجنحتها، ولا تنفك عنه حتى ينفضّ الاجتماع.
    وقد لا يجد أحدنا أباً ليفضي له بأسراره أو أمّاً يبثها شكواه، لكنّه يتخذ من صديقه وأخيه موضعاً لأسراره، وحقٌّ ما قاله أحد الشعراء:
    وليس كثيراً ألف خلٍّ وصاحب***وإنّ عدوّاً واحداً لكثيرُ!

    أنواع المجالس:
    يمكن تقسيم المجالس الشبابية ـ من حيث طبيعتها ـ عدّة أقسام:
    أوّلاً: المجالس العابثة.
    ثانياً: مجالس الكفر والاستهزاء.
    ثالثاً: مجالس الريبة.
    رابعاً: مجلس الانتقاص من المؤمنين.
    خامساً: المجالس الممقوتة.
    سادساً: مجالس اللهو البريء.
    سابعاً: المجالس الجادّة.
    ويمكن التمييز بين هذه الأنواع من المجالس من خلال روايتين:
    الأولى: قال الحواريون لعيسى (عليه السلام) : مَن نجالس؟
    فقال: «مَن يذكِّركم الله رؤيته، ويرغِّبكم في الآخرة عمله، ويزيد في منطقكم عمله».
    الثانية: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا رأيتم روضة من رياض الجنّة فارتعوا فيها». قيل: يا رسول الله! وما روضة الجنّة؟ فقال: «مجالس المؤمنين».
    وعلى ضوء هاتين الروايتين، يكون بإمكاننا أن نفرز المجلس العابث المسيء من المجلس الهادف الكريم، ذلك أنّك إذا عرفت ما هو المجلس الصالح، أمكنك تلقائياً أن تعرف المجلس غير الصالح.
    فالمجالس الصالحة التي تتوافر على الشروط التالية:
    1 ـ المجالس التي تجمع طائفة من المؤمنين، وهذا هو قول عيسى (عليه السلام) : «مَن يذكِّركم الله رؤيته». وقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الصريح: «مجالس المؤمنين».
    2 ـ المجالس التي ترغِّب بالعمل الصالح وبالآخرة وبما يرضي الله سبحانه وتعالى.
    3 ـ المجالس التي يطلب فيها العلم والثقافة، واكتساب موهبة أو حرفة أو مهارة.
    4 ـ المجالس الإخوانية الطاهرة التي سبق أن بيّنّا فوائدها في توطيد أواصر الألفة والمحبّة والتعاون على البرّ والتقوى.
    وسنأتي بشيء من التفصيل على كلّ نوع من أنواع هذه المجالس لتبيان فوائد وحسنات وفضائل الهادف الكريم النافع منها، ومضار ومساوئ المجالس البذيئة والمسيئة والعابثة.

    أوّلاً ـ المجالس العابثة:
    المجالس الشبابية التي لا تحمل فائدة تذكر إلاّ مجرد البحث عن اللذة أو المتعة العابرة، والتي تنتهي ويبقى وبالها وآثارها وتبعاتها السيِّئة، هي مجالس لهو وعبث وندامة.
    ولو تتبعنا المجالس الشبابية العابثة لرأيناها تصنّف على النحو التالي:
    1 ـ مجلس اللغو والثرثرة:
    وهي المجالس التي تجتمع فيها طائفة من الشباب أو الفتيات فلا يجمعهم جامع إلاّ كلّ ما يرد على اللسان من كلام لا رابط بينه، ولا فائدة ترجى منه، وقد تذهب لذته وتبقى تبعته.
    وقد يتحدّث أكثر من واحد في ذات الوقت .. فتسمع جعجعة ولا ترى طحناً.
    ولو أراد أحد الشبان أن يجري تحقيقاً لمجلس من تلك المجالس لصعب عليه أن يخرج بحصيلة مجدية.
    فالثرثرة أو اللغو هي الكلام الفارغ الذي لا نفعاً دنيوياً، ولا ذكراً لله تعالى فيه، ولا أيّة ثمرة علمية أو عملية مرجوّة منه، ولا تذاكر لأيّة مسؤولية خلاله.
    إنّها مجالس (الفضفضة) و (طقّ الحنك) وتمضية الوقت بالضحك والاستهزاء والاغتياب، وما شاكل ذلك.
    إنّها مجالس اللغو الفارغ، والثرثرة التي لا تسمن ولا تغني من جوع.
    2 ـ مجالس الاغتياب والسخرية:
    وهي مجالس عابثة أيضاً، لأنّها تلتئم وتجتمع لأكل لحوم الآخرين، وتناول سيرتهم بالسوء وبما يكرهون. والمغتابون ينتهكون حرمة الغائب بكشف عيوبه والتندّر بها.
    ولا يمكن اعتبار تلك المجالس مجالس نقد وتقويم لأنّها لو كانت كذلك لما تعرّضت للغائب بالانتقاص منه، ولواجهه المنتقد (المغتاب) وجهاً لوجه .. وشتّان بين الإثنين:
    النقد شجاعة .. والغيبة جبن.
    النقد بناء .. والغيبة هدم.
    إنّ الذين يتسامرون ويتفاكهون في النهش باعراض الناس وحرماتهم والنيل من كرامتهم، هم آكلة اللحوم الميتة النتنة حسب التعبير القرآني (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحبّ أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه ). والذين تزدري أعينهم غيرهم من الشبان، وغيرهنّ من الفتيات، يتصورون أنفسهم مبرّئين منزّهين من العيوب، وأن من حقهم الاستخفاف بنقائص وعيوب الآخرين، وينسون ما هم فيه من العيوب والنقائص، وأنّ مَن يسخرون منه قد يكونون أفضل منهم.
    يقول تعالى: (لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيراً منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكنّ خيراً منهنّ ).
    ويقول الشاعر:
    لسانك لا تذكر به عورة امرئ***فكلك عورات وللناس ألسن
    إنّها مجالس يجب الهروب منها، والابتعاد عنها، وعدم التورط أو الانخراط فيها، فهي مجالس (تشريح الجثث الحيّة) إذا صحّ التعبير، وتفوح منها رائحة العفن والنتن والجيفة .. ففي الحديث إنّ «الغيبة هي أدام كلاب أهل النار» والأدام هو الطعام.
    ويتبع هذه المجالس، أو يتفرع عنها مجالس (النميمة) وهي التي يجري فيها نقل الكلمات التي تفرّق وتمزّق وتخرّب البيوت والعلاقات. أو الكلمات التي يتلاعب بها الناقل (النمّام) ليوقع بين الأصدقاء.
    فالنمّام (خائن) لأنّه غير آمن في النقل .. وبالتالي فمجالس النميمة هي مجالس الخيانة، وهي عابثة لأنّها تضرّ ولا تنفع.
    3 ـ مجالس الطرب:
    وقد تبدو مجالس الغناء والطرب مجالس لهو وأنس ومتعة بما تتناغم موسيقاها وكلماتها الماجنة مع غرائز الشباب والفتيات، فلا يراها البعض منهم ضرباً من العبث.
    وإذا كان الفقهاء قد حدّدوا الموسيقى الشرعية بتلك التي لا تتناسب مع الرقص والفسق والخلاعة، فإنّهم يحتاطون لأجواء العفة والطهارة والسلامة النفسية، فأجواء الرقص والطرب مشحونة بالإغراء الجنسيّ، وهي بطبيعتها تزيد في حمّى الرغبة لدى الجنسين مما يدعوهما إلى سلوك طرق غير سليمة للتنفيس عن السعار المحموم.
    وهذا هو الذي يجعل الشريعة تقصرهما (الرقص والغناء) على أجواء العلاقة الزوجية لأنّها تؤمّن التقارب الطبيعي دون اللجوء إلى أساليب شاذة أو ملوثة.
    إنّ مشاهدة حفلات الرقص والغناء والتمايل والاستغراق في حال الطرب، تحاكي في أثرها أو مظهرها مشاهد السكارى الذين يترنحون تحت تأثير الخمرة، وهي مجالس تفوح منها رائحة الشبق الجنسيّ والرغبة العارمة، وتزداد فيها حالات المعاكسة والكلمات غير المحتشمة التي نربأ بشبابنا وفتياتنا أن يكونوا جزءاً منها.
    4 ـ مجالس القمار:
    أيّة لعبة ـ سواءً كانت بأدوات القمار أو بغيرها ـ إذا كانت بعوض مالي، أي تجري مقابل مال يخسره طرف لصالح طرف آخر فهي لعبة قمارية، وهي غير جائزة شرعاً.
    وارتياد أمكان القمار ـ حتى للتفرّج والتسلية ـ تغري بالمشاركة والتورط في تلك المجالس مستقبلاً حتى ولو كان ذلك على مستوى تجريب الحظّ كما يحلو للبعض أن يسمِّيه.
    فعلاوة على خسائر المال وضياعه، وخراب البيوت، وحرمة اللعب، فإنّها تزرع الشحناء والبغضاء والتحاقد والتحاسد وقد يصل اللهو إلى الضرب والجرح وربما القتل، وهي مجالس تخلو من أي لون من ألوان المسامحة الإخوانية، والتصافي والتفاهم والحوار، لأنّها مجالس قائمة على الغلبة والاستحواذ والأنانية.
    مجالس القمار حلبات صراع مالي ونفسي وبدني أحياناً. وهي سيِّئة بكلّ المعاني المادية والأخلاقية.
    ومجالس القمار شيطانية لأنّها الخطوة فيها تجر إلى أختها، والثانية إلى الثالثة، وإذا أدمن اللاّعب القمار تعذّر عليه الخلاص ..
    إنّها (المجالس المحرقة) .. تحرق أموال صاحبها، ونفسه، وأخلاقه، وعلاقاته.
    5 ـ مجالس المقاهي وتدخين الأرجيلة:
    سواء كان التدخين حراماً أو لم يكن، فإنّ مضارّه الصحِّية التي يكشف عنها الطب مخيفة، إنْ على صعيد صحّة المدخن نفسه، أو صحة الذين يتنشقون دخانه بشكل إجباري .. والسيجارة أو الأرجيلة كلاهما مضرّ.
    لكنّ الذي يهمّنا هنا هو المجالس التي تعمر في بعض المقاهي بالصخب واللغو والدخان .. فالصورة التي نراها لتلك المجالس .. هي ثلة من الشبان أو الفتيات أو من الجنسين يعبّون الدخان عبّاً ليفسدوا
    رئتين سليمتين ويلوثونها بالسخام لتتحول رئتا الشاب أو الفتاة ـ بعد حين من التدخين ـ إلى أشبه شيء بالمدخنة المبطّنة بالسخام الذي يسدّ عليها منافذ الهواء الصحِّي.
    وللأسف، فإن بعض الشبان ـ رغم ثقافة الانترنيت والفضائيات وتطوّر الثقافة الصحية ـ لا يزالون يعتبرون التدخين (رجولة) أي إنّه تعبير عن إنّهم أصبحوا رجالاً شأنهم شأن الرجال الآخرين (المدخنين طبعاً)، ناظرين بذلك إلى شيء سلبي لا يعدّ صفةً من صفات الرجال والرجولة، على إنّه علامة من علاماته.
    بل هناك مَن يعتبر التدخين سمة من سمات الحياة الراقية المرفّهة فتراه يتخيّر أثمن أنواع التبغ وأغلى المنكّهات ليتباهى بذلك على أقرانه، وليس هناك ما يدعو إلى التباهي بالخراب.
    والأنكى من ذلك، إن ترى الفتيات في بعض بلداننا يقلّدن الشبان في الرضا بأن يكنّ جزءاً من المحرقة، ليعتبرن ذلك نوعاً من (المساواة) بين النساء والرجال .. وما أقبحها وأوسخها من مساواة.
    إنّ المقاهي التي تعدّ في بعض المناطق بمثابة النوادي الأدبية والفكرية والسياسية التي تجري فيها المطارحات والمناظرات الثقافية، تنتهي في مناطق أخرى إلى أن تتحول إلى فضاء ملوّث وموبوء بالدخان والرطوبة والسعال، ويستحيل روادها من الشبان والفتيات إلى أشبه بجماعة تعاقر المخدّرات، ولا تكاد تتبين من الوجوه الصفراء القائمة نضرة الشباب التي يفترض إنّها تضج في بشرات نقيّة ومشرّبة بسيماء العافية.
    فالمشكلة ليست في المكان (المقهى) وإنّما هي في رواده الذين هجروا الهواء الصحِّي النقيّ لينشّطوا به دمائهم، إلى الأماكن المغمورة بالدخان ليعيشوا الخمول والتثائب والخدر بمحض ارادتهم.
    وإذا كان الدخان وقرقعة الأراجيل سيدة الموقف، فأيّ شيء غير العبث ؟!
    6 ـ مجالس الاستثارة الجنسيّة:
    ولا نعني بها المجالس المحرّمة التي يتم فيها ارتكاب الفاحشة، فهي مرفوضة جملة وتفصيلاً سواء كانت بين الفتيان أو الفتيات أو ما بينهما.
    لكننا نريد بمجالس الاستثارة تلك التي لا يجري الحديث فيها إلاّ عن (الجنس) فهو محورها الوحيد أو الكبير الطاغي، إمّا بإثارة الخيال الجنسي، أو بالاجتماع لمشاهدة فيلم خليع، أو الدخول على المواقع الإباحية في الشبكة العنكبوتية (الانترنيت)، أو باستعراض قصص ومواقف المعاكسة وأوصاف الفتيات والفتيان، أو تبادل المجلات الماجنة المحظورة، أو أي نوع من أنواع تحريك الغريزة وإشعال فتيلها.
    فهذه المجالس هي من أخطر مجالس الشبان ومجالس الفتيات لأنّها (مجالس شيطانية) استدارجية، فإذا استمرأها الشاب واستعذبتها الفتاة اعتادوا عليها، وإذا كان يكتفي كل منهما في مراحلها الأولى بالكلام والمشاهدة، فقد يمضيان أبعد من ذلك في المراحل الأخرى .. فتلك مجالس كثثراً ما كانت مقدمات سيِّئة لمنزلقات خطيرة.
    قد يكون حبّ الفضول والاطلاع الدافع الأوليّ إليها، لكنها مجلبة لمتاعب لها أوّل وليس لها آخر، فالركون إلى مثل هذه المجالس المريبة التي لا يعلو فيها صوت على صوت الغريزة، كثيراً ما عطّل الرغبة في الدراسة وممارسة العبادة، وأدّى إلى القلق وتدنيّ الحالة الصحِّية، وإلى معاشرة أصدقاء السوء الذين يورّطون صاحبهم حتى إذا احتاجهم في الخلاص من ورطة يقع فيه تركوه يدفع ضريبتها لوحده.
    والقول واحد في مجالس الفتيات التي تتحرك فيها نوازع الشهوة، وغالباً ما تنطلق البداية من فتاة منحرفة، أو في طريقها إلى الانحراف، ثمّ تتسع الدائرة، وقديماً قيل: «مَن حام حول الحمى أوشك أن يقع فيه».
    إنّ القرآن الكريم يحدِّثنا في قصة يوسف (عليه السلام) عن امرأة العزيز وصاحباتها اللواتي كنّ يجتمعن لديها أو تجتمع إليهنّ فيما يسمى بـ (قبولات امرأة العزيز) أي مجالس الريبة والشهوة واستثارة الغرائز، فلقد سقطت هي في هاوية الانحراف، ثمّ تبعنها جميعاً في المجلس الذي اجتمعن فيه لغواية يوسف بالخطيئة.
    وأخطر ما في تلك المجالس، وأكثر دواعيها للفحش إذا كانت إحدى الفتيات متزوجة ولا تراعي أجواء العفة أو ترعى حدود الأدب والحشمة، فتنقل لهنّ أسرارها الخاصّة التي لا يجوز البوح بها.
    والمسألة ليست مقتصرة على المجتمعات المغلقة، كما يحاول أعداء العفة إثارة ذلك، فحتى المجتمعات النسوية المفتوحة تفعل ذلك وأقبح منه.
    المهم أن لا تقترب الفتاة من تلك المجالس، وإذا حصل وشعرت إنّها على وشك التورط، فلتهجر المجلس في وقت مبكر وتقاطع سائر الفتيات المجتمعات فيه، فذلك هو الحل ولا حلّ غيره.
    7 ـ مجالس البطّالين:
    وهي مجالس الشبان العاطلين عن العمل، أو المشغولين عن تحصيلهم الدراسيّ، والذين يحلو لهم أن يجتمعوا في منعطفات الشوارع، وعلى نواصي الطرق ليعاكسوا الفتيات ويضايقوا النساء بنظراتهم الجائعة التي تلاحق كل فتاة أو امرأة تمرّ في الشارع الذين يجتمعون فيه.
    كما أنّهم يغتابون المارّة بنقد حركاتهم وأشكالهم فلا يسلم من ألسنتهم أحد.
    إن من علامات هذه المجالس إنّها تحفل بالسخرية والتنابز بالألقاب، أي دعوة الأخ بلقب يكرهه، واللمز أي ذكر معايب الشخص بحضوره، والله تعالى يقول: (ويلٌ لكل همزة لمزة ). وتجر مجالس البطّالين كذلك إلى الإيذاء والتحقير والسباب والانتقاص وتتبع العثرات والعيوب .. وكم انتهت إلى العراك بالأيدي وبالسكاكين.
    إنّ التناغم مع هذه المجالس والمساهمة فيها مدعاة إلى التفريط بالأخلاق والعبادة والعمل النافع. ففي الدعاء على لسان حال أحد البطّالين الذي وجد نفسه في جفاف روحيّ: «لعلّك رأيتني آلف مجالس البطّالين فبيني وبينهم خلّيتني». فالاعتياد على هذه المجالس يؤدِّي إلى هذه العاقبة الوخيمة.
    ولا بدّ من الاشارة إلى أن حرِّيّة الاجتماع أمر سائغ في الشريعة الاسلامية بشرط أن لا يكون الاجتماع أو المجلس مخلاًّ بالآداب ولا منافياً للأخلاق، أو يكون مبعثاً وداعياً إلى الشهوات والمحرّمات.
    وقد نهى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن مجالس الطرقات، فقال: «إيّاكم والجلوس على الطرقات.
    قالوا: ما لنا بدّ منها إنّما هي مجالسنا نتحدّث فيها.
    قال: فإذا أبيتم إلاّ ذلك فاعطوا الطريق حقّه.
    قالوا: وما حقّ الطريق؟
    قال: غضّ البصر، وكفّ الأذى، وردّ السلام، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ونصرة المظلوم، وإغاثة الملهوف، وعون الضعيف، وارشاد الضّال، واعطاء السائل».
    فإذا عرفت حقّ الطريق .. وما أصعبه، فهل ستألف مجالس البطّالين بعد اليوم ؟!

    ثانياً ـ المجالس الممقوتة:
    وهي المجالس التي ينفر الناس منها، ويبغضون المشاركين فيها، والتي لا يصدر عنها إلاّ كلّ سوء وإساءة وإيذاء وبذاءة. كما يتحمّل المنضوون تحت لوائها إثماً كبيراً. ومنها:
    1 ـ مجالس الكفر والاستهزاء بالدين ورموزه.
    2 ـ مجالس السُباب.
    3 ـ مجالس الكذب على الله ورسوله.
    4 ـ مجالس البدعة والشرك والضلالة.
    5 ـ مجالس تمجيد أعداء الله.
    6 ـ مجالس المرائين والمغرورين.
    7 ـ مجالس الثقلاء والحمقى.
    8 ـ المجالس المختلطة.
    وفيما يلي تعريف بهذه المجالس مجلساً مجلساً بغية أن لا نكون من مرتاديها، والمساهمين في إنشائها، أو المشاركين في إحيائها وتفعيلها.
    1 ـ مجالس الكفر والاستهزاء بالدين:
    هذه مجالس دعا الله سبحانه وتعالى لمقاطعتها، ورفضها رفضاً قاطعاً، لأن محور الحديث فيها هو المسّ بآيات الله، ومفاهيم الدين، وأحكام الشريعة، أو التعرّض بالإساءة والتجديف إلى الشخصيات الإسلامية الكبيرة كالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) أو الإمام (عليه السلام) .
    فالمطلوب في هذه المجالس أحد موقفين:
    أ ـ إمّا أن تواجه أعضاء المجلس بالردع والنهي عن المنكر وإيقافهم عند حدّهم.
    ب ـ وإمّا أن تنسحب من المجلس، رافضاً ما يجري فيه، وكلّ من يدلي دلوه فيه.
    وقد أطلق القرآن تسمية دقيقة على هذه المجالس فاعتبرها كلجّة ماء آسن أو كماء موحل، والمشاركين فيها بأنّهم يخوضون في ذلك الماء، أي لا يسبحون فيه وإنّما يمشون مشياً ثقيلاً بسبب الوحل.
    يقول تعالى واصفاً هذه المجالس: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم في حديث غيره ).
    فالمقاطعة لهذه المجالس ليست نهائية، فقد تحتاج للّقاء بأعضاء المجلس لأسباب وأغراض أخرى، فإذا تغيرّت دفّة الموضوع .. وراحوا يناقشون في مسائل أخرى ليس فيها تعريض بالدين وبرموزه وبالخالق الجليل، فلا بأس من الجلوس إليهم.
    (وإمّا ينسينّك الشيطان ) كأن تغفل عن رفض حديثهم ومقاطعتهم (فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين ). أي لا تعد إلى مثلها ثانية، فشريك الظالم، والموافق له على ظلمه شريك معه في الظلم .. وأصحاب هذا المجلس كما يعرّفهم الله (ظالمون).
    (وما على الذين يتقون من حسابهم من شيء، ولكن ذكرى لعلّهم يتقون ). فليس على الرافض والمحتجّ والمندّد بموقف هؤلاء الظالمين من ذنب يحاسب عليه، كما إنّه بموقفه الرافض قد يلفت انتباه المشاركين (الخائضين) في أحاديث الكفر إلى سوء عملهم فيرتدعون ويثوبون إلى رشدهم.
    أمّا إذا بقيت في هكذا مجلس تجاريه وتسكت عمّا يقال فيه فإنّك ـ والحال هذه ـ (منافق) وأنت مع (الكافر) في كفره، ومع الظالم في ظلمه، ومع المنافق في نفاقه.
    يقول تعالى: (وقد نزّل عليكم في الكتاب إن إذا سمعتم آيات الله يُكفّر بها ويستهزئ بها، فلا تقعدوا معهم حتى يخوضوا في حديث غيره ).
    هذا هو الموقف القرآني من مجالسة أمثال هؤلاء، فإذا لم يبدّلوا الحديث بحديث غيره، وبقيت تجالسهم فأنت شريكهم (إنّكم إذاً مثلهم ) فالساكت عن الحق شيطان أخرس (إنّ الله جامع المنافقين والكافرين في جهنم جميعاً ).
    فالراضي بالكفر والاستهزاء بالله وبدينه وبرسله وكتبه وعقائده وأحكامه هو منافق حتى وإن لم يهاجم الاسلام علناً.
    يقول الإمام الصادق (عليه السلام) : «لا ينبغي للمؤمن أن يجلس مجلساً يعصى الله فيه ولا يقدر على تغييره». وقد نهى شخصاً كان يجلس في مجلس خاله الذي يصف الله بأوصاف البشر والله ـ كما نعلم ـ ليس كمثله شيء، فقال له:
    ـ «فإمّا جلست معه وتركتنا، وإمّا جلست معنا وتركته».
    فقال: «هو يقول ما يشاء، أي شيء عليَّ منه إذا لم أقل ما يقول؟».
    فقال الصادق (عليه السلام) : « أما تخاف أن تنزل به نقمة فتصيبكم جميعاً. أما علمت بالذي كان من أصحاب موسى (عليه السلام) وكان أبوه من أصحاب فرعون فلمّا لحقت خيل فرعون موسى تخلّف عنه ليعظ أباه فليحقه بموسى، فمضى أبوه وهو يراغمه حتى بلغا طرفاً من البحر فغرقا جميعاً، فأتى موسى (عليه السلام) الخبر فقال: هو في رحمة الله، لكنّ النقمة إذا نزلت لم يكن لها عمّن قارب المذنب دافع».
    فالموقف من مجالس الكفر واضح صريح .. لأنّها مجالس معصية، والنقمة إذا نزلت على المجتمعين في المجلس شملتهم جميعاً، فإمّا أن (تغيّر) بقول أو بفعل، وإمّا أن (تنسحب). وفي كلا الموقفين نجاة، وما عداهما عذاب وهلاك.

    يتبع
    التعديل الأخير تم بواسطة التقي; الساعة 11-07-2019, 10:15 AM. سبب آخر: تعديل الخط ..

  • #2
    2 ـ مجالس السباب:
    السباب ـ في الإسلام ـ منهيٌ عنه لأيّ كان من الناس حتى الأعداء، فلقد نهى أحد القادة المسلمين جيشه عن سبّ الجيش المعادي، فقال: «إنِّي أكره لكم أن تكونوا سبّابين».
    والبديل للسباب هو (النقد) وإبراز المؤاخذات. والنتيجة هي إنّ المربّي الإسلامي يريد لنا أن نكون عفيفي اللسان، وأن لا نهبط إلى مستوى الإسفاف والمهاترة.
    وبالتجربة ثبت أنّ الذي يسبّ لا بدّ أن يتوقع ردّ الفعل العكسيّ من الذي يسبّه، فالسبّ يجرّ إلى السبّ «سبٌّ بسبّ أو عفوٌ عن ذنب». وهذا ما أدبّ به الله المؤمنين بقوله: (ولا تسبّوا الذين يدعون من دون الله فيسبّوا الله عدواً بغير علم ).
    ففي الحديث عن مجالس السباب: «مَن قعد عند سبّاب لأولياء الله» أياً كان هذا الولىّ، نبياً أو إماماً أو عالماً، أو مؤمناً صالحاً، أو عاملاً مجاهداً «فقد عصى الله تعالى». لأن حرمة المؤمن الولي عند الله أعظم من حرمة الكعبة.
    هي مجالس معصية إذاً، وكما إن مجالس الكفر معصية وتجب مقاطعتها والانسحاب منها في حال عدم التمكّن من تغييرها، فكذلك مجالس السباب والشتائم: «مَن قعد في مجلس يُسبّ فيه إمام من الأئمة، يقدر على الانتصاب» أي إن يقوم ليغادر المجلس احتجاجاً «فلم يفعل ألبسه الله الذلّ في الدنيا، وعذّبه في الآخرة، وسلبه صالح ما منّ به الله عليه من معرفتنا». أي أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) الذين أوصى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) بالمودة إليهم.
    وفي حديث آخر: «مَن سبّ أولياء الله فلا تقاعدوه».
    وفي غيره: «مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يجلس مجلساً يُنتقص فيه إمام، أو يُعاب فيه مؤمن». وموقف الاعتزال والمقاطعة يأتي لاحقاً ـ كما تبيّن ـ والأفضلية لموقف الردع والإنكار إذا كان ذلك ممكناً، أو أحرزت سلفاً ما يمكن أن يتركه ذلك من تأثير إيجابي، وما يأتي به من نتيجة طيِّبة مضمونة.
    3 ـ مجالس الكذب على الله ورسوله:
    (الإيمان) و (الكذب) نقيضان لا يجتمعان.
    فلا يمكن أن تكون مؤمناً وتكون كاذباً في نفس الوقت، لسبب بسيط وهو أنّ الإيمان يعني الصدق.
    والكذب قبيح وممقوت .. وفضيحة .. وجريمة بحقّ (الحقيقة).
    فما بالك بالذي لا يكذب عليك فقط وإنّما يكذب على الله ورسوله، فيقول: قال الله ولم يقل الله بذلك، أو يتلاعب بكلمات الله ويحرِّفها عن مواضعها، ويتحايل على أحكامه. ويقول: قال رسول الله وهو كذب وافتراء ونسبة باطلة لم يقل النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) ذلك ولم يأمر به، وربّما يكون قد نهى عنه.
    ففي الحديث: «ثلاثة مجالس يمقتها الله، ويرسل نقمته على أهلها فلا تقاعدوهم ولا تجالسوهم: مجلساً فيه مَن يصف لسانه كذباً في فتياه، ومجلساً ذكر أعدائنا فيه جديد .. ».
    فالكذب في الفتيا، هو أن تحلِّل حراماً وتحرِّم حلالاً من غير علم، ولذا جاء في الحديث: «مَن أفتى بغير علم فليتبوّأ مقعده من النار».
    فإذا جلستَ مجلساً كهذا، كذب فيه بعضهم على الله ورسوله فالأسلوب الأمثل في معالجة الموقف هو أن تسأل: أين هذا في كتاب الله؟ أو أنّ هذا يخالف كتاب الله ويناقضه .. أو أنّ هذا غريب لم يقل به إمام أو مفسِّر أو عالم.
    وحتى الأحاديث المنسوبة إلى النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) لا بدّ أن تعرض على كتاب الله لنرى هل هي مما يوافقه أو يخالفه «فما وافق كتاب الله فخذوه وما خالف كتاب الله فاضربوا به عرض الجدار».
    وبالضمن، فإنّ الكذب على أولياء الله والمؤمنين هو (كذب) مذموم ومرفوض، ولا ينبغي مجالسة الذين يكذبون على المؤمنين أو يقوّلونهم ما لم يقولوا، أو يحرّفوا كلماتهم، إذا لم ينفع معهم الوعظ أو النهي عن ذلك.
    4 ـ مجالس البدعة والشرك والضلالة:
    هذا النوع من المجالس يمكن أن نُسمِّيه بـ (المجالس المشبوهة) لأنّها قد تختلط على الشباب فلا تظهر هويتها واضحة إلاّ بعد حين. ولذلك فإنّ الانخراط أو الانتساب أو الدخول في أىّ مجلس لا بدّ أن تسبقه أسئلة من قبيل:
    ـ إلى ماذا يهدف هذا المجلس؟
    ـ مَن هو رأسه والمسؤول عنه؟
    ـ مَن هم أعضاؤه؟
    ـ ما هي وسائله ونشاطاته؟
    ـ مَن هو الذي يموّله؟
    فإذا أحرزت الاطمئنان الكافي، وتعرّفت عليه عن كثب، أمكنك المشاركة فيه، وإلاّ فضريبة التورّط باهضة.
    فالبدعة، هي إدخال ما ليس من الاسلام في الاسلام، وكلّ بدعة ضلالة، وكلّ ضلالة في النار.
    فما أكثر ما يعتبره الناس مسلماً وهو ليس من الاسلام في شيء، فإذا تعذّر علينا الفرز فلنرجع إلى علمائنا ومراجعنا وخبرائنا لنستنير برأيهم فيما هو (دخيل) وما هو (أصيل).
    يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا رأيتم أهل الريب والبدع من بعدي فاظهروا البراءة منهم، واكثروا من سبّهم، والقول فيهم والوقيعة وباهتوهم كي لا يطمعوا في الفساد في الاسلام ويحذرهم الناس، ولا يتعلّمون من بدعهم، يكتب الله لكم بذلك الحسنات ويرفع لكم من الدرجات في الآخرة».
    إنّ البراءة من أصحاب مجالس البدع والشك والضلالة، وسبّهم وذمّهم وإلقاء اللوم عليهم، ومواجهتهم بما يحيّرهم ويفحمهم، كل ذلك ناشئ من الضرر الكبير الذي تلحقه هذه المجالس بالاسلام وبالمسلمين.
    فالموقف من هذه المجالس هو المقاطعة والعزل الاجتماعي حتى لا يصاب بعدواهم أحد. ولكي يشعروا بخطأهم تحت ضغط العزلة الاجتماعية.
    5 ـ مجالس تمجيد أعداء الله:
    مرّ بنا، إنّ من بين المجالس الممقوتة «مجلساً ذكر أعدائنا فيه جديد».
    فالمجالس التي يرفع فيها ذكر أعداء الله من الظالمين والمجرمين والفسقة كثيرة متنوّعة، تعقد تارة تحت لواء (المهرجانات الشعرية) وتارة تحت لافتة «الندوات الثقافية» وأخرى تحت اسم «الملتقى الجماهيري» وهي مجالس لا يذكر فيها اسم الله، بل تمجّد فيها أعمال الطغاة، وتبرز فيها أخطاؤهم وخطاياهم، وينظر فيها إلى حماقاتهم على إنّها عقل وحكمة وبعد نظر، وإلى كلماتهم التافهة على إنّها (خطابات تأريخية).
    إنّ مجالس تكريم وتعظيم هؤلاء هو إعلاء لشأن الظلم والباطل، وهي إساءة سافرة لما هو انساني وحضاري ونبيل، وحضور تلك المجالس هو نوع من التكريم للفسق وللجريمة وللتفاهة، أو مساهمة معنوية أو رمزية فيها.
    فلقد رفض الصالحون دائماً حضور مجالس الظالمين وقاطعوها حتى لا يكونوا جزءاً من الحاشية، أو المحسوبين على البلاط فيتصوّر الناس إن تلك المجالس شرعيّة ولا غبار عليها، وإذا صادف وحضروها لسبب ولآخر فإنّهم لا يفوّتون الفرصة في تقديم الموعظة والنصيحة والنهي عن المنكر.
    6 ـ مجالس المرائين والمغرورين:
    إذا شممت من مجلس رائحة الرياء والتباهي بالعمل الصالح، والتعبير عن المنّة لما قام به هذا أو ذاك ..
    وإذا كان بعض الشبان أو الفتيات أو غيرهم يحاول استعراض عضلاته المعنوية ليتفاخر بها على أقرانه وأصدقائه، وكأنّه يقول لهم بلسان الحال: أنا خير منكم .. أنا فعلت هذا .. ولكنّكم لا تقدرون على فعله، وبذلك فهو يسجّل لنفسه نقاط امتياز وتفاخر يتصوّر أن أصحابه يفتقرون إليها.
    وهكذا إذا جلست الفتاة إلى فتيات يتظاهرن بزينتهنّ، ويزهين بجمالهنّ، ويكثرن من الحديث عن رفض هذا الخاطب وذاك لأنهنّ يرينه لا يناسبهن في وضعه المادي أو الاجتماعي.
    وإذا بالغ المجتمعون في المجلس في قدراتهم ومهاراتهم ومواهبهم التي يعود بها الفضل لله أوّلاً وقبل كل شيء، واعتبروا أنفسهم أفضل من غيرهم ليس بما يمتلكون من أموال وجمال وجاه فقط، بل حتى في عباداتهم وخدماتهم وأعمالهم الخيِّرة ..
    فتلك مجالس لا ينبغي الركون إليها، ولا أن تصبح فرداً في جوقتها، أو قطيعها، لأنك بذلك تشمّ رائحة الذات المتصاعدة، والأنوف المشمخرّة، والخدود المصعّرة .. وهو جوّ خانق لأنّ أصحابه لا يرون فيه إلاّ أنفسهم، ويتصاغر الآخر في أعينهم حتى لو كنت أنت .. صديقهم وصاحبهم وجليسهم.
    وكلّما جلست مجلساً يكثر فيه المتواضعون .. شممت رائحة أخرى طيِّبة يمسّك من طيبها طيب .. وإذا صحّ أنّ الطبع يسرق من الطبع، فإن مجالس المراءاة تصيبك بعدواها، كما أن مجالس التواضع تضفي عليك من محاسنها.
    وهلمّ ننظر نظرة مقارنة إلى هذين المجلسين:
    المجلس الأوّل: يقول النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إيّاكم ومجالسة الموتى ؟!
    قيل: ومَن الموتى ؟
    قال: الأغنياء» !
    ففي هذه المجالس يكثر التفاخر والتباهي والمراءة فهي (ميِّتة) لأنّها لا تحيي ذكر الله، ولا تذكّر بالخير والعمل الصالح، ولا تظهر التواضع.
    المجلس الثاني: كان سليمان (عليه السلام) في ملكه إذ دخل المسجد فرأى مسكيناً جلس إليه، وقال: «مسكين جالس مسكيناً» !
    وقال موسى (عليه السلام) : «إلهي أين أبغيك؟ قال: عند المنكسرة قلوبهم» !
    وكان الإمام الرضا (عليه السلام) : إذا خلا (من عمله) جمع حشمة كلّهم عنده، الصغير والكبير، فيحدِّثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكان إذا جلس على المائدة لا يدع صغيراً ولا كبيراً حتى السائس (الذي يرعى الخيل) والحجّام (الذي يخرج الدم الفاسد) إلاّ أقعده على مائدته.
    وكان إذا جلس إلى مائدة دعا إليها مواليه (خدمه)، فقيل له: لو عزلت هؤلاء؟
    فقال: «إنّ الربّ تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والربّ واحد، والجزاء بالأعمال» !
    فتخيّر .. في أيّ المجلسين تجلس.
    7 ـ مجالس الثقلاء والحمقى:
    عندما تجالس شخصاً أو جماعة، إنّما تستهدف من وراء ذلك المجلس، إن تنتفع بأجواء الصحبة الاجتماعية، والمسامرة الإخوانية، ومن علم مَن له علم، وأدب مَن له أدب، وتجربة مَن عركته التجارب.
    أمّا إذا كان المجلس مجلس أشخاص لا يحترمون لك كجليس حقاً، ولا يقيمون لك وزناً، ولا يأخذون بنصيحتك، ويهزأون بآرائك ومقترحاتك، ويسيئون الظنّ بكلّ أقوالك وأفكارك، وكلّما حدّثتهم في حديث فيه مصلحة لهم ولله فيه رضا، لوّوا رؤوسهم، ونظر كلّ واحد منهم في وجه الآخر قرفاً مشمئزاً متضايقاً مما قلت ..
    وليت الأمر ينتهي عند هذا الحدّ، ففي مجالس من هذا القبيل، تكثر الكلمات الجارحة، والآراء السقيمة والخبيثة، والدالة على طريق السوء، وإذا بك تجد نفسك غريباً في وسط هؤلاء الذين لا يجمعهم عقل راجح فيزيدون في عقلك عقلاً، ولا أدب جمّ فيضيفون لأدبك أدباً، ولا معرفة بشيء فيفتحون لك باباً أو أفقاً جديداً ..
    إنّها مجالس الفضوليين والطفيليين وأصحاب السماجة في الذوق، والشكاسة في الخلق، والفضاضة في الطبع.
    وإنّها مجالس تسلب منك ولا تعطيك شيئاً، وإذا أدمنت حضورها ألفيت نفسك بعد حين في تناقص مستمر ..
    8 ـ المجالس المختلطة:
    المجالس المختلطة هي التي يجتمع فيها الشبان مع الفتيات، والرجال مع النساء، وهي تكثر في عصرنا الحاضر، سواء في المدارس المختلطة، أو النوادي المختلطة، أو الاحتفالات والمهرجانات.
    والاختلاط أو اجتماع الجنسين ليس محرّماً في الإسلام، إذا روعيت فيه آداب الحشمة والعفّة والصحبة، لكن المحرّم منه هو تلك المجالس التي يخرج فيها الشبان والفتيات عن حدود اللياقة والأخلاق، كحفلات الغناء والرقص التي أشرنا إليها.
    أيّ، أنّ أماكن الاجتماع الجاد، كالندوات والمؤتمرات، والفصول الدراسية وأماكن العمل قد لا تكون مظنّة للسوء والريبة وللفحشاء بقدر ما توفره المجالس المختلطة التي تتزيّن فيها الفتيات وكأنهنّ ذاهبات إلى حفلة عرس، ويتباهى فيها الشبان بعضلاتهم، ليغوي كل منهما الآخر، وتندر بل تنعدم في مثل هذه المجالس الأجواء النزيهة، فهي حفلات استعراض للمفاتن ومراتع للمعاكسة، وتبادل الابتسامات والنظرات المريبة، وقد تكون بدايات لنهايات مؤسفة.
    المجالس المختلطة قد تعقد في البيوت أيضاً، حيث يجتمع الضيوف كلّهم نساء ورجالاً وشباناً وفتيات، وقد يختلي بعضهم ببعض، وإذا ارتفعت بعض الضوابط فلا يخلو الجو الحميم من نظرات وكلمات وربّما حركات منافية للعفاف.
    وقد تقلّ درجة الخطورة في اجتماع الشبان والفتيات بحضور الأهل من الطرفين، وبمراعاة اللباس الشرعي والخلق الكريم، فإذا ما دعت الضرورة إلى مجلس مختلط كهذا فلا يصحّ أن يترك الشبان والفتيات لوحدهم بحجّة إنّ لهؤلاء سنّهم المشترك، فتلك بداية المنزلق.
    وإذا دعت الضرورة أيضاً إلى مجالس مختلطة، فعلى الفتاة أن تظهر بكامل حشمتها، وعلى الشاب أن يظهر بكامل مروئته واتزانه وعفافه، وأن يحترم كل منهما الآخر لالتزامه بذلك.
    إنّ الشروط التي وردت في (سورة الأحزاب) من عدم إظهار الزينة، وعدم التبرّج، وعدم الخضوع في القول، وستر الجسد، لا تتبدل مع الزمن فهي للزمن كلّه، ولكل عصر ومرحلة، فلا يصحّ القول إنّها كانت لفترة زمنية معيّنة وانتهت. ولا بدّ من إدراك إنّها إنّما صممت بهذا الشكل من قبل الله سبحانه وتعالى، فإنّما أريد بها الاحتياط والاحتراس والاحتراز للجو العام للعفّة، ودفع الأضرار المترتبة على الاختلاط، والحاجة إليها اليوم أشدّ من الحاجة إليها بالأمس.
    ولا يخفى أن مقالة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) في أنّه «ما اختلا رجل وامرأة إلاّ وكان الشيطان ثالثهما» كما تنطبق على اللقاء الشخصي المباشر، تنطبق كذلك على اللقاء عبر شبكة الانترنيت إذا كان الدافع إليها مجرد العبث بمشاعر الفتيات، والتسلية، والتغرير، والإيقاع بهنّ في شراك المتصيدين.

    ثالثاً ـ مجالس اللهو البريء:
    المجالس الجادة في الاسلام لا تلغي ولا تصادر مجالس اللهو والترفيه والترويح عن النفس بعد عناء العمل، وجهد الدراسة، ومشاق الحياة ..
    إنّها ساعات من عدّة ساعات قسّمت بين العبادة وطلب الرزق واللقاء بالإخوان الثقاة، وهي الساعة المخصّصة للملذّات غير المحرّمة، التي باغتنامها يتمكن أحدنا من مواجهة متطلبات الساعات الأخرى.
    يقول علي (عليه السلام) : «إنّ القلوب تملّ كما تملّ الأبدان، فتخيّروا لها طرائف الحكمة» .. وقال (عليه السلام) : «روّحوا القلوب ساعة بعد ساعة، فإنّ القلب إذا أكره عمي».
    فهناك زمن مخصّص للراحة والاستجمام، يباح ويتاح لك فيه أن تمزح وأن تتفكّه، وأنّ تلاطف أصدقاءك وإخوانك، وتلهو مع رفاقك.
    فللواجبات وقتها، وللهزل واللهو الحلال وقته، على أن لا تستولي أوقات اللهو على ساعات الجدّ، فما خلقنا الله لنضيِّع أوقاتنا هراء وعبثاً، ولذا قيل: «اعط الكلام من المزح بقدر ما يعطى الطعام من الملح».
    وقد يبدو للبعض أنّ اللهو ـ حتى الحلال منه ـ لا فائدة فيه، لكن الأمور لا تقاس بنتائجها المادية أو الخارجية فقط، فالترويح عن النفس، والتسلية والمفاكهة مع الإخوان والأحبّة مدعاة لخوض لشوط آخر من العمل بنشاط أكبر، ولزيادة الألفة والمحبّة، ولرفع ما علق بالنفس من متاعب وهموم. ونحن لا نتفق مع مَن يقول إنّ الحياة كلّها جدّ صارم ولا فسحة فيها للهو بريء.
    فمجالس اللهو المباح أو البريء لها مردودها النفسيّ والاجتماعي بل والإنتاجيّ أيضاً، مما لا ينبغي التفريط به، فمن تلك المجالس مثلاً: لعب الإخوان والأخوات داخل الأسرة الواحدة، أو لعب أبناء الجيران مع بعضهم البعض، أو لعب أبناء الأقرباء سويّة، أو الزملاء في المدرسة.
    ومنها مجالس السمر العائلي، وتبادل الأحاديث الودِّية، أو اشتراك أفراد العائلة ـ كباراً وصغاراً ـ في لعبة ما، فتلك مجالس تشدّ وتقوِّي الروابط الأسريّة ليس في الرحلات فقط، بل حتى في أوقات الفراغ والعطل والمناسبات.
    ومنها مجالس اللعب كاللعب بكرة القدم أو السلّة أو الطائرة، أو ألعاب الكمبيوتر المختلفة، أو الشطرنج أو ما شابه ذلك.
    إنّ الشرط الأساس في مجالس اللهو البريء هو أن لا تتضمّن أيّ محرّم، فلا تتحول إلى مجالس فحش وبذاءة، أو نزاع وصراع وبغضاء، أو إلى حالة قمارية، وإن لا تشغلك عن واجباتك الدينية كالصلاة وغيرها، ولا عن واجباتك الدنيوية كالدراسة والعمل وأداء التكاليف.

    رابعاً ـ المجالس الجادّة:
    وهي المجالس التي تنفع بها جليسك أو جلساءك من الإخوان والأصدقاء والزملاء، أو تنتفع منهم، وتعلّمهم أو تتعلّم منهم، وتؤدِّبهم بارشاداتك ومواعظك وتجاربك، أو تتأدب بأدبهم، ويذكر فيها الله بأن يذكّر بعضكم بعضاً بما يريده منا وما ينهانا عنه، والتي تأنس فيها بصحبة مجموعة من الأخيار ويأنسون بصحبتك لأنّكم ـ بمجموعكم ـ تؤلّفون جواً اجتماعياً وروحياً وثقافياً يعود بفائدته على الجميع متحدِّثين ومستمعين.
    وإليك أمثلة ونماذج عن هذه المجالس:
    1 ـ مجالس طلب العلم:
    وتشمل أي مجلس يزيد في عقلك وتجربتك وإيمانك وأخلاقك، أي إنّك تخرج منه وقد شعرت إنّ شيئاً ما قد أُضيف إلى عقلك وروحك وسلوكك.
    دخل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ذات يوم إلى المسجد فرأى جماعتين من المسلمين، واحدة تصلِّي وتدعو الله وتتضرّع إليه، والأخرى منشغلة في طلب العلم، فاختار (صلى الله عليه وآله وسلم) الجلوس إلى الجماعة الثانية، قائلاً: «إنّما بعثت للتعليم» !!
    ذلك إنّ مجالس طلب العلم هي من أحب المجالس إلى الله حتى إنّه عزّ وجلّ يرسل ملائكته لتجالس المشتركين في تلك المجالس وتحفّ بهم حتى ينصرفوا.
    2 ـ مجالس المساجد:
    وهي المجالس التي يجتمع فيها أبناء المحلّة في صلاة جماعة أو جمعة أو عيد أو في مناسبة سعيدة أو حزينة، أو في ليالي شهر رمضان وليالي القدر منها بوجه خاص. أو مجالس تلاوة القرآن، أو حلقات العلم التي مرّ ذكرها.
    يقول الإمام علي (عليه السلام) : «مَن اختلف إلى المسجد أصاب إحدى ثمان:
    أ ـ (أخاً مستفاداً في الله): فاتخاذ الأخ الصالح في الله له تأثير كبير على شخصيتك، وله أثره في نموّ روحك الإيمانية وتصاعدها وتحصينها.
    ب ـ (أو علماً مستطرفاً): أي إنّك قد تتعلّم شيئاً جديداً لم تكن تعلمه من قبل سواء كان درساً في القرآن أو الفقه أو العقيدة أو الأخلاق.
    ج ـ (أو آية محكمة): من آيات الله البِّينات، التي تتعرّف على تفسيرها، وعلى تطبيقاتها الحياتية، وعلى أبعادها التربوية والاجتماعية.
    د ـ (أو يسمع كلمة تدل على هدى): ترشدك إلى الطريق الصحيح، فتصحِّح لك مفهوماً خاطئاً، أو تصوراً منحرفاً، أو رأياً مغلوطاً، أو فكرة باطلة، فتستنير بنور الهدى والوعي والبصيرة والسداد.
    هـ ـ (أو رحمة منتظرة): فمن المؤكّد الثابت، إنّك إذا جلست مجلساً يذكر فيه الله، أو يطلب فيه العلم النافع، أو تتذاكر فيه مع إخوانك مسؤولياتكم الإسلامية، وما تستطيعون تقديمه من خدمة لجيرانكم وإخوانكم والمحيطين بكم، فإنّ رحمة الله ستشملكم جميعاً.
    و ـ (أو كلمة تردّه عن ردى): فقد تفعل موعظة، أو حكمة، أو كلمة طيِّبة، فعلها في نفسك ـ وأنت تعيش أجواء الجلسة المسجدية الروحانية ـ فتوقفك عن ارتكاب معصية، أو عن تكرار خطأ، أو عن أفكار شيطانية.
    ز ـ (أو يترك ذنباً خشية أو رجاء): خشية من عقاب الله، ورجاء لثوابه.
    ومجالس المساجد ـ في العادة ـ مجالس ذكر وتوبة واستغفار وتقرّب إلى الله سبحانه وتعالى، وللأسف فإنّ بعض الشباب لم يجرّب أن يتذّوق حلاوة ارتياد المسجد ليتعرّف على الفوائد المذكورة.
    وفي الدعاء: «ما لي كلّما قلتُ قد صلحت سريرتي، وقرب من مجالس التوابين مجلسي عرضت لي بليّة أزالت قدمي وحالت بيني وبين خدمتك سيِّدي».
    3 ـ المجالس الأسبوعية:
    والتي غالباً ما تعقد أو تلتئم في عطلة نهاية الأسبوع، كما في أيام الجمع. وإن كانت المجالس الأسبوعية لا تقتصر على هذا اليوم بالذات، ففي أي يوم من أيام الأسبوع تلتقي جماعة من الشبان، أو الفتيات بموعد ثابت لتذاكر أمر ما. أو تدرس قضية ما، أو لطلب العلم، أو لمعرفة الأحكام الإسلامية، أو لتعلّم القرآن، أو للاستماع إلى النتاجات الأدبية لكلّ منهم، أو للتفكير بمشروع عمل تنطلق به الجماعة لخدمة أعضائها أو خدمة آخرين أو لأمر لمعروف ونهي عن منكر .. فتلك مجالس يحبّها الله ويحبّها رسوله والمؤمنون.
    ورد في الحديث: «تواصوا، وتبارّوا، وتراحموا، وكونوا إخوة بررة، كما أمركم الله عزّ وجلّ». وسبقت الإشارة إلى أن «لقاء الإخوان مغنم جسيم وإن قلّوا».
    وعن الإمام محمد باقر (عليه السلام) يخاطب أحد أصحابه واسمه (ميسر)، وهو خطاب لنا جميعاً فتيات وشباناً: «أتخلون وتتحدثون، وتقولون ما شئتم؟
    قلت: أي والله، إنّا لنخلوا ونتحدث ونقول ما شئنا.
    فقال: أما والله لوددت أنِّي معكم في تلك المواطن. أما والله أنِّي لأحبّ ريحكم وأرواحكم، وإنّكم على دين الله، ودين ملائكته، فأعينوا بورع واجتهاد !! .
    4 ـ مجالس العمل الجماعي:
    إنّ المنتديات الثقافية والتربوية الأمينة، والمراكز أو المنظمات الشبابية والطلاّبية الصالحة التي تستهدف بناء شخصيات الشبان أو الفتيات من خلال تشكيل فرق العمل والقيام بفعاليات جماعية إن على صعيد التمثيل، أو حلقات المناقشة (الندوات) أو الفرق الرياضية، والفنية المختلفة، لها أكثر من مردود نفسي واجتماعي وثقافي، فهي تطرد عنك الأخيلة الفاسدة، والأفكار المنحرفة، وتعوّدك على أن تعمل مع الجماعة و «يد الله مع الجماعة» كما تربِّي لديك روح الالتزام والتعهد وأداء التكاليف بروح مسؤولة.
    فهذه المجالس أو المراكز أو الملتقيات ـ إذا روعي فيها الأدب والخلق القويم، والمنهج السليم، هي معابد ومساجد ومعاهد.
    فكلّ مكان تبني فيه شخصيتك الإسلامية والإجتماعية والعملية والعلمية هو معبد .. في المعنى الواسع للمعبد، وهو مسجد، لأنّ المسجد في الاسلام ليس فقط للصلاة وقراءة القرآن، وإنّما جمع بين العبادة والعلم والعمل. وبالتالي فهو معهد لإعدادك لتكون أكثر قدرة على الإبداع والعطاء والتفاعل.
    5 ـ المجالس العائلية:
    وتحديداً تلك المجالس التي تجتمع فيها مع أسرتك للتداول في أمر عائلي يخصّك أو يخصّ أي فرد آخر فيها، أو يهمّ الجميع، وهو الذي نطلق عليه بـ (مجلس شورى الأسرة).
    فأيّما عضو في الأسرة صغيراً كان أو كبيراً معنيّ بشؤونها، وله حقّ
    إبداء الرأي فيما يصلحها ويطوّر من معيشتها، أو أسلوب حياتها، ذلك إن أي قرار يُتخذ في الأسرة سوف ينعكس على كلّ أفرادها، وبالتالي فإنّ المجلس العائلي الذي تتم فيه مناقشة مشروع عمل، أو زواج، أو انتقال إلى بيت آخر، أو منطقة أخرى، أو القيام بسفرة عائلية، هو مجلس جاد وهادف وصالح وعباديّ، لأنّه ـ علاوة على ما يوطّده من العلاقات بين أعضاء الأسرة ـ ينمِّي موهبة التفكير، والمشاركة في الرأي، وتبادل وجهات النظر، واستكمال أو تنضيج الأفكار المطروحة، بما يجعل من الفكرة النهائية فكرة كل العائلة وليست فكرة القيِّم عليها فقط، وهذا يعني أيضاً أن يتحمّل الجميع المسؤولية في النتائج المترتبة على القرار المشترك.
    والمجالس العائلية لا تعقد فقط لمناقشة موضوع أو علاج مشكلة فقط، بل للاحتفال بعيد ميلاد أحد أعضائها، أو نجاحه في دراسته أو مشروع عمله، أو في تكريم الأحفاد للأجداد، وما أكثر ما يمكن للعائلة أن تقترحه من عناوين لتعمر مجالسها بالألفة والأنس والرحمة.
    6 ـ مجالس المؤمنين:
    وأيّما مجلس تجتمع فيه ثلّة مؤمنة معروفة بصلاحها وتقواها وعملها وأدبها، فذلك مجلسك الذي لا ينبغي أن يشغر أو يفرغ منك.
    يقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : «إذا رأيتم روضة من رياض الجنّة فارتعوا فيها !! قيل: يا رسول الله وما روضة الجنّة؟ قال: «مجالس المؤمنين» !
    ولو طرحنا سؤالاً لاحقاً: وما هي مواصفات هذه المجالس؟
    فإنّنا نحصل على جواب ذلك من سؤال الحواريين لعيسى (عليه السلام) إذ قالوا له: لمن نجالس؟
    فقال: «مَن يذكِّركم الله رؤيته، ويرغِّبكم في الآخرة عمله، ويزيد في منطقكم عمله».
    وهذا عنوان عريض يمكن أن يشكل على ضوئه أكثر من مجلس ومجلس، فالمجالس الجادة أو الهادفة أو الكريمة أو الصالحة، هي مدارس ولا يخرج الداخل إليها أو فيها إلاّ بفائدة أو بعدّة فوائد.

    آداب المجلـس:
    حقّ لمن تجالس عليك، وحق لك عليهم يجب أن يراعى، فالمجالس ليست مجرد دردشة، وأحاديث سمر ومنادمة، أو طلب علم دون مراعاة لآداب الصحبة وآداب المجلس التي اهتمّ بها الاسلام اهتماماً ملحوظاً حتى تتحول المجالس ـ فعلاً ـ إلى مدارس، والتي يتعين عليك الأخذ بها:
    1 ـ ابدأ بالسلام، وردّ سلام مَن يسلّم على المجلس بمثله أو بأحسن منه.
    2 ـ إجلس حيث انتهى بك المجلس، فتلك وصية النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) التي تعلّمنا التواضع، وعدم تخطِّي الحاضرين للجلوس في صدر المجلس أو في موضع بارز منه، فليس المهم أين تكون؟ المهم مَن تكون؟ وماذا بإمكانك أن تفيد المجلس !
    3 ـ لا تقاطع محدِّثك حتى ينتهي من حديثه، فمن قطع حديث أخيه فكأنما صفعه بوجهه .. وكذلك المستخف برأي الطرف المقابل.
    4 ـ اصغ جيِّداً للمتحدث حتى ولو لم يعجبك حديثه ـ فالإصغاء فنّ اجتماعي جميل يعلمك كيف تكون صبوراً على الآخر وتتفهمه جيِّداً، وتعطيه فرصته أن يعبِّر عن نفسه بما يشاء.
    5 ـ تجنّب العجلة ـ فلا تتسرع في إبداء رأيك .. فكِّر في أدلتك وحججك قبل أن تطلق الرأي .. فقد يكون آخر المتحدثين أكثرهم نضجاً في فكرته وإقناعاً في رأيه.
    6 ـ لا تدخل في مشادّة كلامية .. فالحوار ليس حلبة مصارعة .. وإنّما هو فرصة لتلاقح الآراء وصولاً إلى الحقيقة، فإذا احتدم النقاش فلا تخرج عن طورك ووقارك وأدبك .. فقطع الحديث عند مقطع معين أفضل من (صراع الديكة).
    7 ـ انظر بوجوه محدِّثيك .. وزِّع النظر عليهم احتراما وحباً لهم جميعاً ولا تنشغل بشيء أثناء حديث أحدهم.
    8 ـ امتنع في أي مجلس عن مزاولة الأمور التالية:
    أ ـ لا تشبك أصابعك.
    ب ـ لا تخلل أسنانك.
    ج ـ لا تدخل يدك في أنفك.
    د ـ لا تبصق بحضور الآخرين.
    هـ ـ لا تمخط ولا تتجشأ.
    و ـ لا تكثر التثاؤب والتمطِّي.
    ز ـ لا ترفع صوتك لدرجة الإزعاج، ولا تخفضه بحيث لا يسمعك إلاّ القريب منك.
    ح ـ لا تعبث بلحيتك وخاتمك .. ولا تطقطق بمسبحتك.
    ط ـ لا تكثر الإشارة بيديك.. لتكن اشارتك طبيعية وغير متكلّفة ومنسجمة مع طبيعة كلامك.

    مجلس رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) :
    النبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) هو (معلّمنا) و (قدوتنا) و (مثلنا الأعلى) والمعيار الذي نقيس به بعدنا وقربنا من الإسلام.
    فإذا أردت أن تعرف كيف يكون المجلس الإسلامي .. انظر إلى مجلس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لتتخذ من مجلسه مثلاً لمجلسك مع الآخرين. وإليك صورة ذلك المجلس:
    1 ـ كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يجلس ولا يقوم إلاّ على ذكر الله جلّ اسمه.
    2 ـ كان لا يتخذ لنفسه مجلساً متميزاً به.
    3 ـ وإذا انتهى إلى جماعة جلس حيث ينتهي به المجلس، أي حيث يوجد فراغ.
    4 ـ كان أكثر ما يجلس اتجاه القبلة.
    5 ـ كان يعطي كلاً من جلسائه نصيبه وينظر إليهم بالسويّة، حتى لا يحسب جليسه أن أحداً أكرم عليه منه.
    6 ـ كان يؤثر الداخل عليه بالوسادة التي تكون تحته فإن أبى أن يقبلها عزم عليه حتى يقبل.
    7 ـ مجلسه مجلس حلم وحياء وتواضع وأمانة.
    8 ـ لا تُرفع في مجلسه الأصوات.
    9 ـ كان دائم البشر، سهل الخلق، ليِّن الجانب.
    10 ـ كان من سيرته مع جلسائه إنّه غير صخّاب، ولا فحّاش، ولا عيّاب، ولا قدّاح.
    11 ـ لم يبسط رسول الله رجليه بين أصحابه قط.
    12 ـ كان يدعو أصحابه بكناهم (أي أحبّ الأسماء إليهم) إكراماً لهم واستمالة لقلوبهم.
    13 ـ كان إذا قام من مجلسه، قال: «سبحانك اللّهمّ وبحمدك أشهد أن لا إله إلاّ أنت أستغفرك وأتوب إليك».
    ويمكن أن تختم مجلسك بقوله تعالى: (سبحان ربّك ربّ العزّة عما يصفون وسلام على المرسلين، والحمد لله ربّ العالمين ).

    مجالسنا التي نريد:
    ـ احرص على أن يكون المجلس الذي تجلس فيه (لك) وليس (عليك) .. أي أن يكون مجلساً مفيداً تنتفع منه وتنفع غيرك به.
    ـ (المجالس بالأمانات) فإذا نقل أحد الجالسين قولاً أو سراً وطلب إلى الحاضرين أن يكتموه ولا يذيعوه، فإنّ في إفشائه وتعريف الآخرين خارج المجلس به يعدّ إثماً .. كن أميناً على ما يقال حتى تكون موضعاً لثقة الآخرين.
    ـ قد يستطرد الحاضرون في حديث لغو وسخرية وقال وقيل، فإذا خرج المجلس عن حدود اللياقة وطغت الأحاديث التافهة فحاول أن تغيّر مجرى الحديث إلى مجرى آخر أكثر نفعاً، وإلاّ فلا تطل الجلوس في مجلس يغدو وبالاً عليك.
    ـ لا تكثر المزاح والمداعبة لئلاّ يجترئ عليك الآخرين، ولئلاّ تذهب هيبتك .. فالمداعبة شيء جميل .. وهي من (توابل) الجلسات الإخوانية .. ولكن لها حدودها المعقولة.
    ـ حاول أن تستعمل في حديثك ومخاطبتك للآخرين أرقّ الألفاظ وأعذبها وأكثرها طراوة .. فالألفاظ المهذبة تعبير عن نفس مهذّبة وانسان محترم.
    ـ لا تسلِّم بكلّ ما يقال في المجالس لئلاّ تقع تحت تأثير (العقل الجمعي) الذي يسقط فيه رأيك وتذوب أو تتلاشى فكرتك .. ولا تصغي للأراجيف والبهتان والأباطيل وكلمات السوء والتهم .. دع مشاطريك المجلس يراجعوا أنفسهم: قل لهم مثلاً: ما هو دليلكم على ما تقولون؟ أو .. فلان غائب فلا يصح أن تذكروه بسوء .. لو صحّ ما تقولون. قولوه له مباشرة.
    أو هذا كلام أو خبر لا يقبله العقل.
    أو .. هذه الرواية لا تصمد أمام النقد. لأنّ هناك ما يناقضها أو ينفيها ..
    أو .. هذا سرّ لا يجوز كشفه .. فكيف تجرؤن على فضحه ؟!
    أو .. إمّا أن تجدوا لنا حديثاً غير هذا، وإمّا أُغادر المجلس، فإذا لم يغيِّروا حديثهم فيخوضوا في حديث غيره .. نفِّذ تهديدك بالمغادرة.
    ـ أخيراً .. (المجالس مدارس) .. اسأل نفسك بعد كلّ مجلس ترتاده .. كم هي الاستفادة التي تحققت منه .. وإلاّ فابحث عن آخر أكثر جدوى.

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X