إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

! ளஓ▇▃۝ஊ»مناضرات في العقائد والاحكام«ஊ۝▃▂ளஓ

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلسَآدسَه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



    آلبــدآء وٍآلآرٍآده




    ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلسَآدسَه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



    (( منآظرٍة آلكـَرٍآجكـَيِّ مع أحد آلمعتزله فيِّ مسَألة آلبدآء))



    اعلم ـ أيدك الله تعالى ـ أن أصحابنا دون المتكلمين يقولون بالبداء، ولهم في نصرة القول به كلام، ومعهم فيه آثار.
    وقد استشنع ذلك منهم مخالفوهم، وشنَّع عليهم به مناظروهم، وإنّما استشنعوه لظنّهم أنّه يؤدي إلى القول بأن الله تعالى علم في البداء ما لم يكن يعلم، فإذا قدر الناصر للبداء على الاحتراز من هذا الموضع فقد أحسن، ولم يبق عليه أكثر من إطلاق اللفظ، وقد قلنا إن ذلك قد ورد به السمع، وقد اتفق لي فيه كلام مع أحد المعتزلة بمصر، أنا أحكيه، لتقف عليه.
    كنت سألت معتزلياً، حضرت معه مجلساً، فيه قوم من أهل العلم، فقلت له: لِمَ أنكرت القول بالبداء ؟ وزعمت أنّه لا يجوز على الله تعالى.
    فقال: لاَنّه يقتضي ظهور أمر لله سبحانه كان عنه مستوراً، وفي هذا أنّه قد تجدد له العلم بما لم يكن به عالماً.
    فقلت له: أَبِنْ لنا من أين علمت أنّه يوجب ذلك، وتقتضيه، ليسع الكلام معك فيه ؟
    فقال: هذا هو معنى البداء، والتعارف يقضي بيننا، ولسنا نشك أن البداء هو الظهور، ولا يبدو للآمر إلا لظهور شيءٍ تجدد من علمٍ أو ظنٍ لم يكن معه من قبل.
    وبيان ذلك: أن طبيباً لو وصف لعليل أن يشرب في وقته شراب الورد، حتى إذا أخذ العليل القدح بيده ليشرب ما أمره به، قال له الطبيب في الحال: صُبَّه ولا تشربه، وعليك بشرب النيلوفر(1) بدله، فلسنا نشك في أن الطبيب قد استدرك الاَمر وظهر له من حال العليل ما لم يكن عالماً به من قبل، فغير عليه الاَمر لما تجدد له من العلم، ولولا ذلك لم يكن معنى لهذا الاختلاف.
    فقلت له: هذا مما في الشاهد وهو من البداء، فيجوز عندك أن يكون في البداء قسم غير هذا ؟
    فقال: لا أعلم في الشاهد غير هذا القسم، ولا أرى أنّه يجوز في البداء قسم غيره ولا يُعلم.
    فقلت له: ما تقول في رجل له عبد، أراد أن يختبر حاله وطاعته من معصيته، ونشاطه من كسله، فقال له في يوم شديد البرد: سر لوقتك هذا إلى مدينة كذا، لتقبض مالاً لي بها، فأحسن العبد لسيده الطاعة، وقدم المبادرة، ولم يحتج بحجة، فلما رأى سيده مسارعته، وعرف شهامته ونهضته، شكره على ذلك، وقال له: أقم على حالك، فقد عرفت أنك موضع للصنيعة، وأهل للتعويل عليك في الاَُمور العظيمة، أيجوز عندك هذا ؟ وإن جاز فهل هذا داخل في البداء أم لا ؟
    فقال: هذا مستعمل ورأينا في الشاهد، وقد بدا فيه للسيد، وليس هو قسماً ثانياً، بل هو بعينه الاَوّل، هو الذي لا يجوز على الله عزّ وجلّ.
    فقلت له: لِمَ جعلت الجمع بينهما من حيث ذكرت أولى من التفرقة بينهما، من حيث كان أحدهما مريداً لاِتمام قبل أن يبدو له فيه فينهى عنه، وهو الطبيب، والآخر غير مريدٍ لاِتمامه على كل وجهٍ، وهو سيد العبد، بل كيف لم تفرق بينهما من حيث أن الطبيب لم يجز قط أن يقع منه اختلاف الاَمر إلا لتجدد علمٍ له لم يكن، وسيد العبد يجوز أن يقع منه النهي بعد الاَمر من غير أن يتجدد له علم، ويكون عالماً بنهضته في الحالين، ومسارعته إلى ما أحب، وإنّما أمره بذلك ليعلم الحاضرون حُسن طاعته، ومبادرته إلى أمره، وأنّه ممن يجب اصطفاؤه، والاِحسان إليه، والتعويل في الاُمور عليه.
    قال: فإذا سلمت لك الفرق بينهما، فما تنكر أن يكون دالاً على أن مثالك الذي أتيت به غير داخلٍ في البداء ؟
    قلت: أنكرت ذلك من قِبَلِ أن البداء عندنا جميعاً نهي الآمر عمّا أمر به قبل وقوعه في وقته، وإذا كان هذا هو الحد المراعى فهو موجود في مثالنا، وقد أجمع العقلاء أيضاً على أن السيد فيه قد بدا له فيما أمر به عبده.
    قال: فإذا دخل القسمان في البداء، فما الذي تجيز على الله تعالى منهما ؟
    فقلت أقربهما إلى قصة إبراهيم الخليل عليه السلام وأشبههما لما أمر الله تعالى في المنام بذبح ولده إسماعيل عليه السلام، فلما سارع إلى المأمور راضياً بالمقدور، وأسلما جميعاً صابرين، وتلّه للجبين، نهاه الله عن الذبح بعد متقدم الاَمر، وأحسن الثناء عليهما، وضاعف لهما الاَجر.
    وهذا نظير ما مثلت من أمر السيد وعبده، وهو النهي عن المأمور به قبل وقوع فعله.
    قال: فمن سَلَّم لك أن إبراهيم عليه السلام مأمور بذلك من قبل الله سبحانه ؟
    قلت: سلَّمه لي من يقر بأن منامات الاَنبياء عليهم السلام صادقة، ويعترف بأنها وحي الله في الحقيقة، وسلَّمه لي من يؤمن بالقرآن، ويصدق ما فيه من الاَخبار.
    وقد تضمن الخبر عن إسماعيل أنّه قال لاَبيه: (يَا أَبتِ افعَل مَا تُؤمَرُ سَتَجِدُني إِن شَاءَ اللهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)(2) ، وقول الله تعالى لاِبراهيم: (قَد صَدَّقتَ الرُّؤيَا) وثناؤه عليه، حيث قال: (كَذَلِكَ نَجزِي المُحسِنِينَ)(3) . وليس بمحسنٍ من امتثل غير أمر الله تعالى في ذبح ولده، وهذا واضح لمن أنصف من نفسه.
    قال: فإنّي لا أُسمّي هذا بداءً.
    فقلت له: ما المانع لك من ذلك، أتوجه الحجّة عليك به، أم مخالفته للمثال المتقدّم ذكره ؟
    فقال: يمنعني من أن أُسميه البداء، أن البداء لا يكشف إلا عن متجدد علمٍ لمن بدا له، وظهوره له بعد ستره، وليس في قصة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام ما يكشف عن تجدد علم الله سبحانه، ولا يجوز ذلك عليه، فلهذا قلت إنه ليس ببداء.
    فقلت له: هذا خلاف ما سلمته لنا من قبل، وأقررت به، من أن سيد العبد يجوز أن يأمره بما ذكرناه، ثم يمنعه مما أمره به وينهاه، مع علمه بأنه يطيعه في الحالين لغرضه في كشف أمره للحاضرين.
    ثمّ يقال لك: ما تنكر من إطـلاق اللفظ بالبتداء في قصـة إبراهيم وإسماعيل عليهما السلام، لاَنها كشفت لهما عن علم متجدد، ظهر لهما، كان ظنهما سواه، وهو إزالة هذا التكليف بعد تعلقه، والنهي عن الذبح بعد الاَمر به.
    قال: أفتقول انّ الله تعالى أراد الذبح لما أمر به أم لم يرده ؟
    واعلم أنك إن قلت: إنه لم يرده دخلت في مذاهب المجبرة، لقولك إن الله تعالى أمر بما لا يريده.
    وكذلك إن قلت: إنه أراده دخلت في مذهبهم أيضاً، من حيث أنّه نهى عمّا أراده، فما خلاصك من هذا ؟
    فقلت له: هذه شبهة يقرب أمرها، والجواب عنها لازم لنا جميعاً، لتصديقنا بالقصة، وإقرارنا بها.
    وجوابي فيها أن الذبح في الحقيقة هو تفرقة الاَجزاء، ثمّ قد تسمَّى الاَفعال التي في مقدمات الذبح، مثل القصد، والاِضجاع، وأخذ الشفرة، ووضعها على الحلق، ونحو ذلك، ذبحاً مجازاً واتساعاً.
    ونظير ذلك أن الحاج في الحقيقة هو زائر بيت الله تعالى، على منهاج ما قررته الشريعة، من الاِحرام، والطواف، والسعي، وقد يقال لمن شرع في حوائجه لسفره في حجة من قبل أن يتوجه إليه، أنه حاج اتساعاً ومجازاً.
    فأقول: إن مراد الله تعالى فيما أمر به لخليله إبراهيم عليه السلام من ذبح ولده، إنما كان مقدمات الذبح، من الاعتقاد أولاً والقصد، ثمّ الاِضطجاع للذبح، ترك الشفرة على الحلق، وهذه الاَفعال الشاقة التي ليس بعدها غير الاِتمام بتفرقة أجزاء الحلق.
    وعَبَّرَ عن ذلك بلفظ الذبح، ليصح من إبراهيم عليه السلام الاعتقاد له، والصبر على المضض فيه، الذي يستحق جزيل الثواب عليه، ولو فُسِّرَ له في الاَمر المراد على التعيين لما صح منه الاعتقاد للذبح، ولا كان ما أُمر به شاقاً، يستحق عليه الثناء، والمدح، وعظيم الاَجر، والذي نهى الله تعالى عنه هو الذبح في الحقيقة، وهو الذي لم يبق غيره، ولم تتعلق الاِرادة قط به، فقد صح بهذا أن الله تعالى لم يأمر بما لا يريد، ولا نهى عما أراد، والحمد لله.
    قال الخصم: فقد انتهى قولك إلى أن الذي أمر به غير الذي نهى عنه، وليس هذا هو البداء.
    فقلت له: أمَّا في ابتداء الاَمر فما ظن إبراهيم عليه السلام إلا أن المراد هو الحقيقة، وكذلك كان ظن ولده إسماعيل عليه السلام، فلما انكشفت بالنهي لهما ما علماه مما كان ظنّهما سواه، كان ظاهره بداءً، لمشابهته لحال من يأمر بالشيء، وينهى عنه بعينه في وقته، وليستسلمه على ظاهر الاَمر دون باطنه.
    فلم يرد على ما ذكرت شيئاً، وهذا الذي اتفق لي من الكلام في البداء(4)


    (1) النيْلَوْفَر: نبات مائي من فصيلة النيلوفريات، ورقه كبير مستدير يعوم على صفحة الماء، وأزهاره جميلة كثيرة القُعَالات، تعوم أيضاً، منه أنواع تعيش في مستنقعات وبحيرات القارة القديمة، ومنه نوع جعل منه المصريون الاَقدمون موضوعاً. المنجد: ص 850.
    (2) سورة الصافات: الآية 102.
    (3) سورة الصافات: الآية 105.
    (4) كنز الفوائد للكراجكي: ج1 ص 227 ـ 232.

    تعليق


    • #12
      ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلسَآبعة۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩




      آلجبرٍ وٍآلتفوٍيِّض




      ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلسَآبعة۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



      (( منآظرٍة آلبهلوٍل (1) مع أبيِّ حنيِّفه فيِّ ثلاث مسَآئل))


      روي في بعض الكتب إن البهلول أتى إلى المسجد يوماً وأبو حنيفة يقرّر للناس علومه، فقال في جملة كلامه: أن جعفر بن محمد (الصادق عليه السلام) تكلم في مسائل، ما يعجبني كلامه فيها:
      الاُولى، يقول: إن الله سبحانه موجود، لكنه لا يُرى لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهل يكون موجود لا يُرى ؟ ما هذه إلاّ تناقض.
      الثانية، إنّه قال: إنّ الشيطان يُعذب في النار مع أن الشيطان خُلق من النار، فكيف يعذب الشيء بما خلق منه ؟ !
      الثالثة، إنه يقول: إن أفعال العباد مستندة إليهم مع أنّ الآيات دالة على أنّه تعالى فاعل كلّ شيء !
      فلما سمعه بهلول أخذ مداةً وضرب بها رأسه وشجه، وصار الدم يسيل على وجهه ولحيته، فبادر إلى الخليفة يشكو من بهلول !!
      فلما أحضر بهلول وسئل عن السبب ؟ قال للخليفة: إن هذا الرجل غلّط جعفر بن محمد عليهما السلام في ثلاث مسائل:
      الاُولى: إن أبا حنيفة يزعم أن الاَفعال كلّها لا فاعل لها إلاّ الله، فهذه الشجة من الله تعالى، وما تقصيري ؟ !
      الثانية: إنّه يقول: كلّ شيء موجود لا بدّ أن يُرى ؟! فهذا الوجع في رأسه موجود، مع أنّه لا يُرى ؟ !
      الثالثة: إنه مخلوق من التراب، وهذه المداة من التراب، وهو يقول: إن الجنس لا يُعذب بجنسه، فكيف يتألم من هذه المداة ؟
      فأعجب الخليفة كلامُه، وتخلّص من شجة أبي حنيفة(2) .



      (1) هو: أبو وهيب بهلول بن عمر الصيرفي الكوفي، ولد بالكوفة وعن مجالس المؤمنين، أن بهلولاً كان من أصحاب الاِمام الصادق عليه السلام وأنّه كان يستعمل التقية، وان الرشيد كان يسعى في قتل الاِمام الكاظم عليه السلام، ويحتال في ذلك، فأرسل إلى حملة الفتوى يستفتيهم في إباحة دمه متهماً أياه بارادة الخروج عليه، ومنهم البهلول، فخاف من هذا واستشار الكاظم عليه السلام فأمره بإظهار الجنون ليسلم، وفي روضات الجنات: ان الرشيد أراد منه ان يتولى القضاء، فأبى ذلك، وأراد أن يتخلص منه فاظهر الجنون، فلما أصبح تجانن وركب قصبة ودخل السوق وكان يقول: طرقوا خلوا الطريق لا يطأكم فرسي، فقال الناس: جن بهلول، فقال هارون: ما جنّ ولكن فر بدينه منا، وبقي على ذلك إلى أن مات، ويظهر من أخباره ومناظراته انّه كان من أهل الموالاة والتشيع لاَهل البيت عليه السلام عن بصيرة نافذة، وله كلمات حسنة ومواعظ بليغة وأشعار رائقة منها قوله:

      يـا مـن تمتع بالدنيا وزينتها *** ولا تنام عن اللذات عيناه
      شغلت نفسك فيما ليس تدركه ***تقول لله مـاذا حين تلقاه
      وقال للرشيد يوماً:

      هب أنك قد ملكت الاَرض يوماً ***ًودان لك العباد فكان ماذا
      ألست تـصير فـي قبر ويحث***وعليك ترابه هـذا وهذا

      قيل توفي سنة 190 هـ، وقبره ببغداد. راجع ترجمته وأخباره في: أعيان الشيعة للاَمين: ج 3 ص 617 ـ 623، فوات الوفيات للكتبي: ج 1 ص 228 ترجمة رقم: 84، المستفاد من ذيل تاريخ بغداد: ج 19 ص 91 ترجمة رقم: 60، الطبقات الكبرى للشعراني: ج 1 ص 68 رقم: 138، البداية والنهاية: ج 10 ص 200، عقلاء المجانين للنيسابوري: ص100.
      (2) شجرة طوبى للحائري: ج 1 ص 48 ـ 49 (المجلس العشرون)، أعيان الشيعة للاَمين: ج 3 ص 618، عن مجالس المؤمنين.

      تعليق


      • #13
        ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآمنه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



        آلجبرٍ وٍآلتفوٍيِّض




        ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآمنه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



        (( منآظرٍة آلتيِّجآنيِّ (1) مع أحد آلعلمآء فيِّ آلجبرٍ))


        قلتُ لبعض علمائنا بعد استعراض كل هذه المسائل (2) : إن القرآن يكذّب هذه المزاعم، ولا يمكن للحديث أن يناقض القرآن ! قال تعالى في شأن الزواج: (فَانِكحُوا مَا طَابَ لَكُم مِنَ النِسَاءِ) (3) فهذا يدلّ على حرية الاختيار، وفي شأن الطلاق: (الطَّلاَقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإحْسَانٍ) (4) وهو أيضاً اختيار، وفي الزنا قال: (وَلاَ تَقْرَبُوا الزِّنَا إنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سبيلاً) (5) وهو أيضاً دليل الاختيار، وفي الخمر قال: (إنّما يُريدُ الشَّيطانُ أنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوةَ والبَغْضَاءَ في الخَمْرِ وَالمَيْسرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذكْرِ اللهِ وَعَنِ الصَّلاَةِ فَهَلْ أنْتُم مُنْتَهُونَ) (1) وهي أيضاً تنهى بمعنى الاختيار.
        أمّا قتل النفس فقد قال فيها: (وَلاَ تَقْتُلُوا النَّفْسَ التي حَرَّمَ اللهُ إلاَّ بِالحَقِّ) (2) وقال: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُّتَعَمِّداً فَجَزآؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِداً فيها وَغَضِبَ اللهُ عليه وَلَعَنَهُ وَأعَدَّ له عَذَاباً عظيماً) (3) فهذه أيضاً تفيد الاختيار في القتل.
        وحتّى بخصوص الاَكل والشرب فقد رسم لنا حدوداً فقال: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفينَ) (4) فهذه أيضاً بالاختيار.
        فكيف يا سيدي بعد هذه الاَدلّة القرآنية تقولون بأن كل شيء من اللّه، والعبد مسيّر في كل أفعاله ؟؟.
        أجابني: بأنّ الله سبحانه هو وحده الذي يتصرّف في الكون واستدلّ بقوله: (قُل اللّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤتي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنزِعُ الملك ممّن تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاء وتُذِلُّ مَنْ تشاء بيدِك الخيرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شيءٍ قَدِيرٌ) (5) .
        قلتُ: لا خلاف بيننا في مشيئة الله سبحانه، وإذا شاء الله أن يفعل شيئاً، فليس بإمكان الاِنس والجنّ ولا سائر المخلوقات أن يعارضوا مشيئته ! وإنّما اختلافنا في أفعال العباد هل هي منهم أم من الله ؟؟
        أجابني: لكم دينكم ولي ديني، وأغلق باب النقاش بذلك، هذه هي في أغلب الاَحيان حجّة علمائنا.
        وأذكر أني رجعتُ إليه بعد يومين وقلتُ له: إذا كان اعتقادك أنّ الله هو الذي يفعل كل شيء، وليس للعباد أن يختاروا أي شيء، فلماذا لا تقول في الخلافة نفس القول، وأن الله سبحانه هو الذي يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة ؟
        فقال: نعم أقول بذلك، لاَن الله هو الذي اختار أبا بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي عليه السلام، ولو شاء الله أن يكون علي هو الخليفة الاَول ما كان الجنّ والاِنس بقادرين على منع ذلك. (1)
        قلتُ: الآن وقعت.
        قال: كيف وقعتُ ؟
        قلتُ: إمّا أن تقول بأنّ الله اختار الخلفاء الرّاشدين الاَربعة، ثم بعد ذلك ترك الاَمر للناس يختارون من شاؤوا.
        وإما أن تقول: بأن الله لم يترك للناس الاختيار، وإنّما يختار هو كل الخلفاء من وفاة الرسول إلى قيام الساعة؟
        أجاب: أقول بالثاني (قُل اللّهُمَّ مَالِكَ المُلكِ تُؤْتي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ ممّن تَشاءُ...) (1) .
        قلتُ: إذاً فكلّ انحراف وكل ضلالة وكل جريمة وقعت في الاِسلام بسبب الملوك والاَمراء فهي من اللّه، لاَنّه هو الذي أمّر هؤلاء على رقاب المسلمين؟
        أجاب: وهو كذلك، ومن الصالحين من قرأ: (وَإذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْية أمَّرْنا مُتْرَفِيهَا) (2) أي جعلناهم أمراء.
        قلتُ متعجّباً: إذاً فقتلُ علي عليه السلام على يد ابن ملجم، وقتل الحسين بن علي عليه السلام أراده الله ؟؟
        فقال منتصراً: نعم طبعاً ـ ألم تسمع قول الرسول لعلي: «أشقى الآخرين الذي يضربك على هذه حتى تبتلّ هذه، وأشار إلى رأسه ولحيته (3) كرّم اللّه وجهه».
        وكذلك سيدنا الحسين عليه السلام قد علم رسول اللّه صلى الله عليه وآله بمقتله في كربلاء، وحدّث أم سلمة بذلك (1) ، كما علم بأن سيدنا الحسن سيصلحُ اللّه به فرقتين عظيمتين من المسلمين (2) ، فكل شيء مسطر ومكتوب في الاَزل، وليس للاِنسان مفرّ، وبهذا أنت الذي وقعتَ لا أنا.
        سكتُّ قليلاً أنظر إليه وهو مزهوٌ بهذا الكلام، وظنّ أنه أفحمني بالدليل؛ كيف لي أن أقنعه بأنّ علم اللّه بالشيء لا يفيد حتماً بأنّه هو الذي قدّره وأجبر النّاس عليه، وأنا أعلم مسبقاً بأن فكره لا يستوعب مثل هذه النظرية.
        وسألته من جديد: إذاً فكلّ الرؤساء والملوك قديماً وحديثاً والذين يحاربون الاِسلام والمسلمين نصّبهم اللّه ؟!
        قال: نعم بدون شك.
        قلتُ: حتّى الاستعمار الفرنسي على تونس والجزائر والمغرب هو من اللّه!؟
        قال: بلى، لمّا جاء الوقتُ المعلوم خرجت فرنسا من تلك الاَقطار.
        قلتُ: سبحان اللّه ! فكيف كنت تدافع سابقاً عن نظرية أهل السنّة بأن رسول اللّه صلى الله عليه وآله مات وترك الاَمر شورى بين المسلمين ليختاروا من يشاؤون ؟
        قال: نعم، ولا زلتُ على ذلك، وسأبقى على ذلك إن شاء اللّه !
        قلتُ: فكيف توفّق بين القولين: اختيار اللّه واختيار الناس بالشورى ؟
        قال: بما أن المسلمين اختاروا أبا بكر فقد اختاره اللّه !
        قلتُ: أنزل عليهم الوحي في السقيفة يدلّهم على اختيار الخليفة ؟
        قال: أستغفر اللّه، ليس هناك وحي بعد محمّد صلى الله عليه وآله (والشيعة كما هو معروف لا يعتقدون بهذا وإنما هي تهمة ألصقها بهم أعداؤهم).
        قلتُ: دعنا من الشيعة، وأقنعنا بما عندك ! كيف علمت بأن اللّه اختار أبابكر ؟
        قال: لو أراد اللّه خلاف ذلك لما تمكّن المسلمون، ولا العالمون خلاف ما يريده اللّه تعالى.
        عرفتُ حينئذ أنّ هؤلاء لا يفكّرون، ولا يتدبّرون القرآن، وعلى رأيهم سوف لن تستقيم أية نظرية فلسفية أو علمية (1) .






        (1) هو: الدكتور محمد التيجاني السماوي التونسي، حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة من جامعة السوربون ـ باريس، وكان على مذهب الاِمام مالك بن أنس، وأخيراً اعتنق المذهب الشيعي بعد بحث طويل في تحقيق مسائل الخلاف بين المذاهب الاِسلامية وقد جرت بينه وبين العلماء مناظرات كثيرة في المسائل الخلافية وقد شرح كيفية استبصاره، والاَسباب التي دعته إلى الاَخذ بمذهب أهل البيت عليهم السلام في كتابه الشهير (ثم اهتديت).
        (2) يعني المسائل المرتبطة بمسائل الجبر.
        (3) سورة النساء: الآية 3
        (4) سورة البقرة: الآية 229.
        (5) سورة الاِسراء: الآية 32.
        (6) سورة المائدة: الآية 91.
        (7) سورة الاَنعام: الآية 151.
        (8) سورة النساء: الآية 93.
        (6) سورة الاَعراف: الآية 31.
        (10) سورة آل عمران: الآية 26.
        (11) من الواضح أنه خلط بين الاِرادة التكوينية والاِرادة التشريعية، ولم يفرق بينهما ـ حتى لجأ للقول بمقالة المجبرة ـ والفرق بينهما إن متعلق الاِرادة التكوينية لا يتخلف عنها في الخارج أبداً، قال تعالى: (وإذا قضى أمراً فإنما يقول له كن فيكون) البقرة / 117، وقال تعالى: (ولو شاءَ ربُكَ لآمنَ مَنْ في الاَرض كلهم جميعاً) يونس / 99، فلا يتخلف المراد فيها عن الاِرادة، أما الاِرادة أو المشيئة التشريعية فهي تتعلّق بالمكلّفين وأفعالهم، فليست خارجة عن إرادتهم واختيارهم، فبقدرتهم إطاعة الله تعالى غير ملجئين عليها فيثيبهم الله، وبإمكانهم معصيته باختيارهم غير مجبرين عليها فيعاقبهم الله، ولو أن الله تعالى أجبر العباد على الطاعة أو على المعصية ـ تعالى الله عن ذلك ـ لبطل الثواب والعقاب، بل أمرهم ونهاهم تشريعاً لا تكويناً. أما بالنسبة للمثال المذكور في المناظرة، فنقول: إن الله تعالى أراد أن يكون الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو الخليفة الشرعي للنبي صلى الله عليه وآله تكويناً، فلا بد أن يكون الاِمام بارادة الله تعالى ومشيئته، رضي الناس بذلك أم لم يرضوا ! وأما اتباع الناس له وطاعتهم له فهو متعلق بالاِرادة التشريعية (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الاَمر منكم) فلا جبر فيها، فشأن أولئك الذين خالفوا أمر الله تعالى في أوليائه وأوصيائه، شأن تلك الاَمم السالفة التي عصت الرسل وكذبوهم بل هناك من الاَمم من قتلت أنبياءها، كما حصل في بني إسرائيل الذين قتلوا سبعين نبياً في ساعة واحدة، فهل يقال: إن الله تعالى أراد من بني إسرائيل قتل الاَنبياء تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، هذا وكل شيء بمشيئته غير خارج عنها بمعنى أنه لو أراد تكويناً عدم وقوعها في الخارج لما وقعت، وجرت حكمته تعالى في خلقه أن يمتحنهم بعدما هداهم السبيل (إنا هَديناهُ السبيلَ إما شَاكراً وإما كفورا) غير مكرهين على الفعل ولا مجبورين على عدمه، بل هو أمر بين أمرين كما في الاَخبار.
        (12) سورة آل عمران: الآية 26.
        (13) سورة الاِسراء: الآية 16.
        (14) ترجمة الاِمام علي بن أبي طالب عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ج 3 ص 342 ح 1389 ـ 1392، بحار الاَنوار للمجلسي: ج 42 ص 195 ح 13.
        (15) راجع: مقتل الحسين للخوارزمي: ج 1 ص 159 ـ 163، ترجمة الاِمام الحسين عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ص 247 ـ 259 ح 221 ـ 228 وص 270 ح 236.
        (16) راجع: بحار الاَنوار: ج 43 ص 293 ح 54، فرائد السمطين للجويني: ج 2 ص 115 ح418، ترجمة الاِمام الحسن عليه السلام من تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر: ص 83 ح 143 وص 125 ـ 134 ح 200 ـ 223.
        (17) مع الصادقين للدكتور التيجاني السماوي: ص 133 و 138.

        تعليق


        • #14
          ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلتآسَعه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



          آلصفآت آلمنآفيِّه لجلاله آلله تعآلى



          ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلتآسَعه۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



          (( منآظرٍة آلسَيِّد محمد جوٍآد آلمُهرٍيِّ مع بعضهم فيِّ نفيِّ آلصفآت آلمنآفيِّه لجلاله آلله ، وٍآلصفآت آلمنآفيِّه لشّخصيِّه آلنبيِّ صلى آلله عليِّه وٍآله))




          دخلت غرفة المعلمين في ساعة محددة، ووجدت أن الوضع قد اختلف هذه المرّة؛ فقد كان ثلاثة من مدرسي الدين واللغة العربية جالسين إلى جانب مدرسنا، وقد أضفت الوجوه العابسة والملامح الغاضبة صمتاً مطلقاً، زاد من الرهبة التي تسود جو الغرفة.
          دخلت الغرفة متوكّلاً على الله وواثقاً بنصرة أهل البيت عليهم السلام..
          قدم لي الاَستاذ سائر المدرسين وابتسم قائلاً: لقد أطلعتهم على قضية نقاشناً، ورأوا من المصلحة المشاركة في هذا اللقاء.
          واصلت حديث الاَسبوع الماضي بتقديم مسرد يتضمن أسماء التفاسير والمفسرين الذين ذكروا أن الآية المذكورة نزلت بشأن علي عليه السلام.
          فجأة صاح أحد المدرسين بحدّة وقد بدأ الغضب ظاهراً عليه: لكن العلامة الكبير إبن تيميّة لا يقر بمثل هذا التفسير للآية على الاِطلاق، وهو يخطىء الشيعة!
          قلت: إن لم تكن له نوايا سيئة، ولا يضمر العداء لاِهل البيت عليهم السلام، فهو مخطىء في هذا المجال قطعاً، فهل من الممكن أن يكون جميع العلماء الكبار والمحققون المتعمقون وأكابر مفسري القرآن الكريم الذين يجمعون كلهم على قضية واحدة مخطئين، وابن تيمية وحده على صواب؟ ثم إننا نرد على كل اعتراض من خلال الاستدلال بالقرآن والسنّة، وأنتم أيضاً اعرضوا مؤاخذاتكم فإن عجزت عن الاِجابة عليها يحق لكم حينئذ إدخال ابن تيمية في الحديث، فما معنى أن تحشره في الحديث بدون أي مقدمات؟ دهش من شدّة جرأتي، والتفت إلى أستاذنا وهو مضطرب وقال: أنا أتعجب منك كيف تصغي لكلام طفل؟! وتجعل اعتقادك العوبة بيد الشيعة؟
          أحب أن انبهك إلى أن هؤلاء لديهم مصحف خاص اسـمه «مصحف فاطمة عليها السلام»(1) ، وهم لا يعترفون بالخلفاء، وحتى أن لهم رأي آخر في الرسول صلى الله عليه وآله نفسه، فهم يعتقدون أن جبرائيل أخطأ ـ والعياذ بالله ـ حين نزل على الرسول صلى الله عليه وآله وإنما كان يجب أن ينزل على علي(2) ، وهم يرفعون علياً إلى مرتبة الاِلوهية، وهم... وأخذ ينسب التهم والاَكاذيب والاَفتراءات إلى الشيعة.
          أيد الشخصان الآخران كلامه، وأخذا يرددان أقواله بإسلوب أهدأ.
          لم يداخلني أي ذعر من هذا الموقف، لاِنهم لم يكونوا قادرين على إبداء أي رد فعل سوى الكلام، وشعرت من جانب آخر بالبهجة لاَنهم لم يدخلوا في النقاش بالمنطق والاستدلال، وإنما انتهجوا إسلوب العربدة والصياح للتغلب عليَّ، ولهذا أصغيت لثرثرته وكلامه الفارغ، وبقيت أتربص الفرصة لاَهجم.
          كان أستاذنا في غاية الاِستياء والقلق كما يبدو على ظاهره، والتفتَ إليهم قائلاً: لم تخبروني أنكم تبغون العراك وإلا لما دعوتكم، فما الداعي للصياح؟ أنظروا ولاحظوا كيف أن هذا الطفل، وهو في نظري أستاذ، كيف يرد عليكم؟ فلماذا تريدون إسكاته بالاِهانة والاِستخفاف؟ هذا الاِسلوب غير صائب للبحث والنقاش، كان من المقرر أن تدخلوا هذا اللقاء بمودّة وأن تناقشوا برزانة وبرهان، ولكن مع الاَسف هاجمتموه بشراسة، وتريدون الاِستيلاء على زمام الموقف بدون استثمار الوقت.
          قلت: يا أستاذ دعهم يتحدثون فإني أراهم محقّين في بعض أقوالهم.
          أخذتهم الدهشة بغته وظلّوا يترقبون مني مواصلة الحديث.
          إستأنفت حديثي قائلاً: الحق معه، فإن إلهنا غير إلهكم!! ونبيّنا غير نبيّكم!! وقرآننا غير قرآنكم!! وإمامنا وخليفتنا غير خليفتكم!!
          إلتفت المعلم ـ الذي لم أكن أعرف اسمه وقد بان على وجهه الغضب ـ إلى أستاذنا وقال: ألم أقل لكم أن لهؤلاء ديناً آخر، وحتى عقيدتهم بالله تختلف عن عقيدتنا!! ها هو قد اعترف بلسانه.
          هؤلاء ـ وبطبيعة الحال ـ لا يزيلون اللثام عن واقع معتقداتهم بهذه السهولة بل يتمسّكون بالتقية، ولكن يبدو أنه قد وضع التقية جانباً.
          قلت: نلتزم التقية في المواطن التي تتعرض فيها النفس للخطر، وهي أمر مرغوب فيه من وجهة نظر القرآن والعقل والنقل، وليس الآن مجال الخوض فيها، ولكنني سأبرهن لكم في محلّه أنّ التقية حكم إسلامي صحيح تماماً ويتطابق مع موازين القرآن والسنّة والعقل، ولكننا الآن بصدد موضوع آخر.
          قال لي الاَستاذ: واصل حديثك الاَصلي، ماذا تقول في الله والقرآن والرسول؟

          عقيدتنا في الله
          قلت: ربّنا الله الذي (ليس كمثله شيء)(3) ، وليس له شبيه، ولا هو بجسم، ولا تدركه الاَبصار (لا تدركه الاَبصار وهو يدرك الاَبصار)(4) ونعتقد أنّه لا يراه أحد لا في الدنيا ولا في الآخرة؛ لاَنه لا هيئة له ولاشكل.
          قال موسى عليه السلام: «ربّ أرني أنظر إليك، (قال لن تراني)(5) ، و«لن» هنا تفيد التأبيد، ثم أوحى إليه: (ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني)(6) .
          فدك الجبل لما تجلى ربُّه، وخر موسى على الاَرض صعقاً، إننا نعتقد أنه لا يتسنى لاَحد الوقوف على حقيقة الله حتى وأن جمع علوم الاَولين والآخرين، وأن الله تعالى لا يحده شيء فهو الاَول والآخر، والظاهر والباطن، وأن كل من يبغي إدراكه ـ تعالى ـ بوهمه وخياله، فهو لا يدرك سواهما شـيء.

          عقيدة أبناء السنة في الله
          أما أنتم أيها الاخوة الاَعزاء من أبناء السنّة؛ فعقيدتكم في هذا المجال تغاير نص القرآن تماماً، لاَنه تعالى ينفي إمكان رؤيته بالمرّة، ولكنكم تعتقدون أنه يكشف عن ساقه للمؤمنين يوم القيامة، وأن فيها علامة خاصّة(7) .
          أنتم تصورتم أن الله جسم(8) ، وأي جسم ! يضحك ويمشي(9) ، وله يدان ورجلان (10) !! وينزل كل ليلة من السماء إلى الدنيا (11) !! وفي يوم القيامة حين تطلب جهنم من الله ملأَها؛ لاَنَّ فيها متّسعاً من المكان، يضع رجله فيها فتمتلىء وتقول: قط قط قط» (12) .
          بالله عليكم ما هذه الجرأة على الله، وما بذاك تريدون؟ فهل تجوز مثل هذه السخرية بالله جلّت عظمته؟! ما بالكم لو سمعت الاَمم الاَخرى بمثل هذا الكلام، ألا يمقتون الله ورسوله والاِسلام؟! ما الذي يدفعكم إلى وصف الله بأنه جسم متحرك له عواطف ذاتية وصفات مادية؟! فإن كان هذا تصوركم عن الله، سوف لا يكون رأيكم بالرسول صلى الله عليه وآله والقرآن أحسن حالاً مما وصفتم به الله تعالى.
          وخلاصة القول: هو إني واصلت الحديث وبكل جرأة وإقدام، حتى أني تعجبت لذلك فيما بعد، وأيقنت أن ذلك كان مني بإلهام وتسديد من الله تعالى.
          وفجأة قطع أحد الحاضرين من هؤلاء ـ وكان كلامي قد بهته ـ قائلاً لي: هل أنت تمزح عندما تنسب ذلك إلينا؟
          قلت: عذراً، إن كل ما ذكرته مسطور في صحيح البخاري، وهو الكتاب الذي ترون له المنزلة بعد القرآن، ولا يأتيه الخطأ والباطل وتحسبونه سند السنّة، وتأخذون عنه الاَحكام، وتعتقدون أن كل ما بين دفّتيه صحيح مائة بالمائة بلا زيادة أو نقصان! وأنا الآن لا أستحضر أرقام تلك الصفحات، ولكني سأتيكم غداً بتفاصيل ذلك مع أرقام صفحاتها.
          قال آخر: كيف لنا أن نعلم بأن كلامك ينطبق على ما في صحيح البخاري؟ فرّبما إنك لم تستوعب ما فيه بنحو صحيح، أو لعلك تسخر منا!
          قال الاَستاذ: كونوا على ثقة بأن كلامه صحيح من غير شك، وأن ما قاله موجود قطعاً في صحيح البخاري، لقد كان كلامه حتّى الآن قائماً على الاِستدلال والمنطق، وهو اليوم لا يقول هذا اعتباطاً.
          قلت: يا أستاذ، أرجو السماح لي بمواصلة كلامي لاِجل استثمار الوقت على أفضل ما يكون.
          قال: تفضل تكلم.
          قلت: لقد تحدثتُ عن الله تعالى بإشارة إجمالية، وإلا فكل واحدة من هذه النقاط وردت في رواية مفصّلة وطويلة في صحيح البخاري، مما لا يحضرني الآن رواية جميعها، لكن أشير إلى رواية واحدة منها فقط على سبيل المثال، وليعلم الاخوة إنني لم آت بهذا الكلام من عندي، بل ورد كل ما أقوله في صحيح البخاري والصحاح الاَخرى عند أبناء السنّة.
          نقل أبو سعيد الخدري رواية طويلة عن رسول الله صلى الله عليه وآله يقول فيها: «...سمعنا منادياً ينادي ليلحق كل قوم بما كانوا يعبدون وإنما ننتظر ربنا، قال: فيأتيهم الجبار في صورة غير صورته التي رأوه فيها أول مرة فيقول أنا ربكم، فيقولون أنت ربنا، فلا يكلمه إلاّ الاَنبياء، فيقول: هل بينكم وبينه آيه تعرفونه! فيقولون: الساق، فيكشف عن ساقه فيسجد له كل مؤمن». (13) أليس هذا هو الله الذي يصف ذاته في القرآن الكريم بالقول: (وما كان لبشر أن يكلّمه الله إلاّ وحياً أو من وراء حجاب) (14) .
          كلا، قسماً بالله، هذا إله غيره صاغته أوهام وتصورات الرواة الكاذبين، ولا يمت إلى الحقيقة بصلة، وفي صحيح البخاري رواية منكرة منقولة عن أبي هريرة، تثير الدهشة والسخرية حقاً، ولا أدري كيف تعولون على صحيح البخاري مع وجود هذه الروايات فيه؟ ينقل بشأن النبي موسى عليه السلام رواية عجيبة فيها إهانة له بل وفيها أكبر استهانة بالله عز شأنه.
          يقول أبو هريرة: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: «كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراةً ينظر بعضهم إلى بعض، وكان موسى يغتسل وحده، فقالوا: والله ما يمنع موسى أن يغتسل معنا إلاّ أنه أدر فذهب مرة يغتسل، فوضع ثوبه على حجر، ففر الحجر بثوبه، فخرج موسى في إثره، يقول: ثوبي يا حجر! حتى نظرت بنو إسرائيل إلى موسى فقال: والله ما بموسى من بأسٍ وأخذ ثوبه فطفق بالحجر ضرباً، فقال أبو هريرة: والله إنه لندب بالحجر ستة أو سبعة ضرباً بالحجر» (15) .
          وأنا هنا لا أبغي التعليق على هذا الخبر ولكن أيها السادة المحترمون! هل حقاً أن هذا الكتاب هو الصحيح الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه؟ وعلى كل حال فإن المواضيع في هذا المجال كثيرة، وبما أن الوقت لا يسمح، فإني أود تناول موضوعين أو ثلاثة مواضيع اخرى.
          هذه عقيدتنا بالله تعالى، ولا بأس بعقد مقارنة بين نبيّنا ونبيّكم في الفصل اللاحق!.

          عقيدتنا في النبي صلى الله عليه وآله
          نبينا محمد بن عبدالله صلى الله عليه وآله أفضل وأسمى وأكمل إنسان خلقه الله تعالى، هو خيرة الاِنبياء وسيّدهم، وقدوة الاولين والآخرين، وأشرف الخلائق والكائنات أجمعين، فهو العبد الذي اصطفاه الله وخلق لاَجله جميع الكائنات، وقال عنه كما ورد في الحديث القدسي: «لولاك ما خلقت الاَفلاك» (16) ، وهو الذي بلغ مرتبة (دنا فتدلّى فكان قاب قوسين أو أدنى) (17) وهي المرتبة التي لم يبلغها نبي مرسل ولا ملك مقرّب، وهي المرتبة التي تركه جبرئيل الاَمين مع علو منزلته في هذا «الدنو» لوحده ولم يستطع مرافقته، وقال: إنه لو اقترب قيد أنملة لاحترق، وهو من وصفه الله بأنّه (رحمة للعالمين) (18) ، وقال فيهوانك لعلى خلق عظيم) (19) .
          هو النور الساطع في عالم الوجود الذي أرسل بشيراً للصالحين ونذيراً للمفسدين: (يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهداً ومبشراً ونذيراً وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً) (20) .
          ونحن نذهب إلى أبعد من ذلك حيث نعتقد بأنه النبي الذي جعلت له النبوة من يوم خلقة آدم، بل أول ما خلق الله نوره، وأنه كان نبياً في وقت كان فيه آدم بين الماء والطين، فقد ورد عنه صلوات الله عليه وآله أنه قال: «كنت نبياً وآدم بين الماء والطين» (21) ، وهو معصوم من جميع الاَخطاء والذنوب صغيرها وكبيرها، ومن الزلل والنسيان، ومن ينسب إليه الهذيان والنسيان خصمه القرآن، وقوله مخالف لكلام الله الذي وصف به الرسول صلى الله عليه وآله: (وما ينطق عن الهوى إن هو إلاّ وحي يوحى) (22) .
          وإذا اعتبرناه كسائر من يخطأ وينسى من الناس نكون قد أسأنا إليه أيّما إساءة، إذ لم نعرفه حق معرفته، وإن اعتبرنا أنفسنا أتباعاً له، فهل يمكن أن يكون مبعوثاً عن الله ثم يسهو أو يهذي، نعوذ بالله؟
          إن الحديث عن رسول الله ليس بالاَمر اليسير، وهو الذي خضعت له رقاب الملائكة المقرّبين، وباهى خالقُ الكون بخُلقه العظيم، فإن كل ما نقوله في وصفه ليس إلاّ بمثابة القطرة في البحر، وإننا لم نعرفه قط كما ينبغي.
          قال علي عليه السلام في وصف هذا الاِنسان الفذ، وصفوة الوجود، ووسيط رب العالمين: «إن الله تبارك وتعالى خلق نور محمد صلى الله عليه وآله قبل أن يخلق السموات والاَرض والعرش والكرسي واللوح والقلم والجنة والنار، وقبل أن يخلق آدم ونوحاً وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب وموسى وعيسى وداود وسليمان... وقبل أن يخلق الاِنبياء كلهم» (23) .

          عقيدة بعضهم في النبي صلى الله عليه وآله
          هذه هي عقيدتنا بالنبي الكريم، وأما عقيدة البعض فهي الهبوط به إلى أدنى من مستوى الاِنسان العادي، والاِستهانة به ونسبة الكذب واللهو والنسيان والهذيان إليه، وهذا والله لا ينطبق على نبيّنا، الذي: (وما ينطق عن الهوى) (24) ، والذي وجوده رحمة إلآهية ممتدة ظلالها على الخلائق إلى يوم الحشر.
          قال أحد الحاضرين ـ وكان شخصاً هادئاً نسبياًـ بلهجة تنم عن الشكوى والتذمّر: نحن أيضاً نعتقد بمثل هذه الصفات للرسول صلى الله عليه وآله، ولا نقول في وصفه بهذا الهراء أبداً، ولكن هل لك أن تخبرنا من أين جئت بهذا الكلام؟ فمن ذا الذي يصف الرسول صلى الله عليه وآله ـ والعياذ بالله ـ بالجهل؟
          قلت: من المؤسف أن الوقت ضيّق، وليس أمامي سوى الاِشارة إلى بعض الموارد، إن النبي عندكم يأتيه النسيان أثناء الصلاة فيصلي ركعتين بدل الاَربع! (25) يث وينام في المسجد، وبعد إلاستيقاظ يصلّي بلا وضوء (26) .
          ويسب شخصاً من غير ذنب أو جريرة ارتكبها (27) . ويُجنب في شهر رمضان، ويقضي صلاة الفجر (28) ، وأن النسيان يستولي عليه إلى حد ينسى حتّى القرآن، وأنه سمع في أحد الاَيام رجلاً يقرأ القرآن في المسجد، فيقول: رحمه الله ذكرني بآيات كنت قد حذفتها من هذه السورة وتلك!!
          (ورويتم أنه) يهذي من شدّة المرض إلى حد يقول فيه عمر بن الخطاب: إنه يهجر، فقد قال ابن عباس: قال رسول الله صلى الله عليه وآله:«ائتوني بالكتف والدواة أكتب لكم كتاباً لن تضلوا بعده أبداً، فقالوا: إن رسول الله صلى الله عليه وآله يهجر» (29) .
          والاَكثر من هذا أنكم تصفون النبي بأنه شخص لا يمنعه الحياء من أن يقول لرجل سأله عمن يجامع ثم يكسل هل عليهما الغسل؟ ـ: اِني لاَفعل ذلك أنا وهذه ثم نغتسل (30) .
          قسماً بالله نحن لا نرتضي لمثل الرسول صلى الله عليه وآله أن يكون إنساناً عادياً، فما بالك بتلك المرتبة الرفيعة.
          فجأة تعالت صيحات الاِحتجاج: ما هذا الكلام الذي تقوله؟ ومتى كانت لنا مثل هذه المعتقدات؟ إنّك بقولك هذا تسيء إلى الرسول صلى الله عليه وآله و...؟
          قلت: إهدأوا، فإني لا أسيء إلى الرسول، بل إن عمر بن الخطاب خليفة المسلمين هو الذي وصفه بالهجر، أن صحيحي مسلم والبخاري هما اللذان يتحدثان عنه بمثل هذا الكلام، فأمامكم خياران إما التخلي عن صحاحكم وإما الاِعتراف بسوء موقفكم أزاء الرسول صلى الله عليه وآله.
          أليس هذا البخاري هو الذي نقل عن عائشة أنها قالت: «إن أبا بكر دخل عليها وعندها جاريتان في أيام منى تدففان وتضربان، والنبي عليه السلام متغش بثوبه فانتهرهما أبو بكر، فكشف النبي صلى الله عليه وآله عن وجهه وقال: دعهما يا أبا بكر فانها أيام عيد....» (31) .
          أنتم تصفون الرسول ـ والعياذ بالله ـ بعدم الحياء، فقد ورد عن عائشة أنها قالت: «كان رسول الله صلى الله عليه وآله في بيتي، كاشفاً عن فخذيه أو ساقيه، فاستأذن أبو بكر فأذن له وهو على تلك الحال، فتحدث ثم استأذن عمر فأذن له وهو كذلك، فتحدث ثم استأذن عثمان فجلس رسول الله صلى الله عليه وآله وسوى ثيابه، فلما خرج قالت عائشة: دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عمر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك، فقال: ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة» (32) .
          وكتبكم حافلة بمثل هذه الاِفتراءات على الرسول! فهل تريدون دعوة الناس إلى الاِسلام وإلى القرآن بمثل هذا الرسول؟ أي تفكير هذا؟ وما هذا السلوك الخاطىء حيال أكمل إنسان على الاَرض؟
          دق جرس الدرس ـ وللاَسف ـ قبل أن أنهي كلامي، وقد رأيتهم بهتوا والكلمات قد جفّت على شفاههم فصاروا يتمنون من الله أن ينتهي كلامي بأي نحو ممكن وينفضّ اللقاء، ولكن بقي في نفسي شيء إلى اليوم وهو أنني لم استطع التنفيس أكثر عمّا في قلبي (33) .
          ____________
          (1) روي عن حمّاد بن عثمان انّه سأل الاِمام الصادق عليه السلام عن مصحف فاطمة عليها السلام ؟ فقال عليه السلام: إنَّ الله تبارك وتعالى لمّا قبض نبيّه صلى الله عليه وآله دخل على فاطمة عليها السلام من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزَّ وجلَّ، فأرسل إليها ملكاً يسلّي عنها غمّها ويحدّثها، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين عليه السلام فقال لها: إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي، فأعلمته فجعل يكتب كلّما سمع حتى أثبت من ذلك مصحفاً، ثمَّ قال: أما إنّه ليس من الحلال والحرام، ولكن فيه علم ما يكون. بصائر الدرجات: ج 3 ص 177 ح 18 ب 14، وعنه بحار الاَنوار: ج 43 ص 80 ح 68.
          وقد صرّح أهل البيت عليهم السلام بأنّه لا يوجد فيه شيء من القرآن الكريم، وإنّما فيه ما يخصهم من الاَخبار وما يجري عليهم، وعلم ما كان وما يكون. فلاحظ ما رواه أبو جعفر محمد بن الحسن الصفار (المتوفى سنة 290 هـ) في البصائر عن بعض الرواة، وإليك بعضها على سبيل المثال:
          ح 1 ـ الحسين بن أبي العلاء عن الاِمام الصادق عليه السلام يقول: عندي الجفر الاَبيض ـ إلى أن قال ـ: ومصحف فاطمة ما أزعم انّ فيه قرآناً...
          ح 2 ـ عن محمد بن عبد الملك عن الاِمام الصادق عليه السلام... وعندنا مصحف فاطمة أما والله ما هو بالقرآن...
          ح 3 ـ عن أبي بصير عن الاِمام الصادق عليه السلام... وانّ عندنا لمصحف فاطمة عليها السلام وما يدريهم ما مصحف فاطمة، قال: مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد.
          راجع: بصائر الدرجات: ج 3 ص 170 الخ (باب في أنّ الاَئمّة أعطوا الجفر والجامعة ومصحف فاطمة).
          (2) سوف يأتي الحديث عن هذه الفرية وانّها لا أساس لها من الصحة.
          (3) سورة الشورى: الآية 11.
          (4) سورة الاَنعام: الآية 103.
          (5 و 6) سورة الاَعراف: الآية 143.
          (7) صحيح البخاري ج 9: ص 159.
          (8) وفي مسند أحمد بن حنبل: ج 2 ص 323: عن عبدالله عن أبيه بسنده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله: انّ الله عزّ وجلّ خلق آدم على صورته، وفي كتاب ابي: وطوله ستون ذراعاً فلا أدري حدثنا به أم لا.
          (9) صحيح البخاري ج 9: ص158.
          (10) صحيح البخاري ج 9: ص 152 و 164، وقد جاء في كتاب التوحيد لاَبي بكر بن خزيمة (المتوفى سنة 311 هـ) ص 159 قال: تبين وتوضح أن لخالقنا ـ جلا وعلا ـ يدين كلتاهما يمينان، لا يسار لخالقنا عزّ وجلّ إذ اليسار من صفة المخلوقين، فجل ربّنا عن أن يكون له يسار.
          أقول: تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً من إن يشابه المخلوقين وأيضاً ان اثبات له يمين فهو أيضاً قد شابه المخلوقين ومن صفتهم.
          (11) صحيح البخاري 9: 175.
          (12) صحيح البخاري ج9: ص164.
          (13) صحيح البخاري ج9: ص159.
          (14) سورة الشورى: الآية 51.
          (15) صحيح البخاري: ج 1 ص 78 (ك الغسل ب من اغتسل عرياناً وحده).
          (16) بحار الاَنوار: ج15 ص28 ح 48 و ج 54 ص 199 ح 145، الفوائد المجموعة للشوكاني: ص326 ح 18، تذكرة الموضوعات للهندي: ص 86، سلسلة الاَحاديث الضعيفة للاَلباني: ج1 ص 299 ح 282، وجاء في السيرة الحلبية: ج 1 ص 357 ما هذا نصّه: ذكر صاحب كتاب شفاء الصدور في مختصره عن علي بن أبي طالب عليه السلام عن النبي صلى الله عليه وآله أنّه قال: يا محمد وعزتي وجلالي لولاك ما خلقت أرضي ولا سمائي، ولا رفعت هذه الخضراء، ولا بسطت هذه الغبراء، وفي رواية عنه صلى الله عليه وآله: ولا خلقت سماء ولا أرضاً ولا طولاً ولا عرضاً. وبهذا يرد على من رد على القائل في مدحه صلى الله عليه وآله:
          لولاه ما كان لا فْلْكٌ ولا فَلَكٌ كلا ولا بان تحريم وتحليل (17) سورة النجم: الآية 8، 9.
          (18) سورة الاَنبياء: الآية 107.
          (19) سورة القلم: الآية 4.
          (20) سورة الاَحزاب: الآية 45، 46.
          (21) بحار الاَنوار ج16: ص402 ح 1، كشف الخفاء للعجلوني: ج 2 ص 173 ح 2017، تنزيه الشريعة لابن عراف: ج 1 ص 341، تذكرة الموضوعات للفتني: ص 86، الاَسرار المرفوعة للقاري: 178 و 179، التذكرة في الاَحاديث المشتهرة للزركشي: 172 ح 16.
          (22) سورة النجم: الآية 3، 4.
          (23) بحار الاَنوار ج 15: ص4 ح4.
          (24) سورة النجم: الآية 3.
          (25) صحيح البخاري: ج 8 ص 2 (ك الاَدب ب ما يجوز من ذكر الناس).
          (26) صحيح البخاري: ج1 ص 47 (ك الوضوء ب التخفيف في الوضوء).
          (27) صحيح مسلم: ج 4 ص 207 ح 88 (ك البر والصلة والاَداب ب 25، والجدير بالذكر انّه أورد مسلم في نفس المصدر حديثاً عن النبي صلى الله عليه وآله (ح 87) مفاده أنّ اللعن والسبّ ليسا من خلق النبي صلى الله عليه وآله وهو: عن أبي هريرة قال: قيل: يا رسول الله، ادع على المشركين، قال: إني لم أبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة.
          (28) صحيح البخاري: ج1 ص 154 (ك مواقيت الصلاة ب الاَذان بعد ذهاب الوقت).
          (29) صحيح مسلم: ج 3 ص 1259 ح 21 و 22 (ك الوصية ب 5).
          (30) صحيح مسلم: ج 1 ص 272 ح 89 (ك الطهارة ب 22).
          (31) صحيح البخاري: ج2 ص 20 و 29 (ك العيدين) وج 4 ص 47 و 225، إتحاف السادة المتقين للزبيدي: ج 6 ص 490.
          (32) صحيح مسلم: ج4: ص 1866 ح 36 (ك الصحابة ب من فضائل عثمان).
          (33) مذكرات المدرسة للمُهري: ص 47 ـ 58.


          تعليق


          • #15


            آلصفآت آلمنآفيِّه لجلاله آلله تعآلى



            ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلع ـــآشّرٍة۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



            (( منآظرٍة آلتيِّج ـــآنيِّ مع آحد آلع ـــلمآء فيِّ مسَأله آلتج ــــسَيِّم))









            وأهم ما يذكر في هذا الموضوع عند الطرفين هي رؤية الله تعالى، فقد أثبتها أهل السنّة والجماعة لكلّ المؤمنين في الآخرة، وعندما نقرأ صحاح السنّة والجماعة كالبخاري ومسلم مثلاً نجد روايات كثيرة تؤكد الرؤية حقيقة لا مجازاً (1) ، بل نجد فيها تشبيهاً لله سبحانه، وأنّه يضحك (2) ويأتي ويمشي وينزل إلى سماء الدنيا (3) بل ويكشف عن ساقه التي بها علامة يُعرف بها (4) ويضعُ رجله في جهنّم فتمتلىء وتقول قط قط (5) إلى غير ذلك من الاَشياء والاَوصاف التي يتنزّه الله جلّ وعلا عن أمثالها.
            وأذكر أنّني مررت بمدينة لامو في كينيا (6) بشرق أفريقيا، ووجدت إماماً من الوهّابية يحاضر المصلّين داخل المسجد ويقول لهم: بأنّ لله يدين ورجلين وعينين ووجهاً، ولمّا استنكرتُ عليه ذلك ! قام يستدلّ بآيات من القرآن قائلاً: (وَقالَتِ اليَهُودُ يَدُ اللهِ مَغلُولَةٌ غُلَّتْ أيديهم وَلُعِنُوا بِما قالُوا بَلْ يَداهُ مَبسُوطَتان...) (7) وقال أيضاً: (وَاصنَعِ الفُلكَ بِاَعيُنِنا...) (8) وقال: (كُلُّ مَنْ عَليها فانٍ، وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ...) (9)
            قلتُ: يا أخي، كلّ هذه الآيات التى أدليت بها وغيرها إنما هي مجازٌ وليست حقيقة!
            أجاب قائلاً: كل القرآن حقيقة وليس فيه مجاز !!
            قلتُ: إذن ما هو تفسيركم للآية التي تقول: (وَمَنْ كانَ في هذِه أَعمَى فَهُوَ في الآخِرَةِ أَعمى...)(10) ، فهل تحملون هذه الآية على المعنى الحقيقي؟ فكل أعمى في الدنيا يكون أعمى في الآخرة؟
            أجاب الشيخ: نحن نتكلّم عن يد الله وعين الله ووجه الله، ولا دخل لنا فى العميان !
            قلتُ: دعنا من العميان، فما هو تفسيركم في الآية التي ذكرتها: (كُلُّ مَنْ عليَها فانٍ، وَيَبقى وَجهُ رَبِّكَ...) ؟
            التفتَ إلى الحاضرين وقال لهم: هل فيكم من لم يفهم هذه الآية؛ إنها واضحة جليّة كقوله سبحانه: (كُلُّ شَيءٍ هالِكٌ اِلاّ وَجهَه) (11) .
            قلتُ: أنت زدت الطين بلَّةً ! يا أخي نحن إنّما اختلفنا في القرآن، ادّعيت أنت بأن القرآن ليس فيه مجاز وكلّه حقيقة ! وادّعيتُ أنا بأنّ في القرآن مجازاً وبالخصوص الآيات التي فيها تجسيم لله تعالى أو تشبيه، وإذا أصررت على رأيك فيلزمك أن تقول، بأنّ كل شيء هالك إلا وجهه، معناه يداه ورجلاه وكل جسمه يفنى ويهلك ولا يبقى منه إلا الوجه، تعالى الله عن ذلك علوّاً كبيراً! ثمّ التفتُّ إلى الحاضرين قائلاً: فهل ترضون بهذا التفسير؟
            سكت الجميع ولم يتكلّم شيخهم المحاضر بكلمة فودّعتهم وخرجت داعياً لهم بالهداية والتوفيق.
            نعم هذه عقيدتهم في الله في صحاحهم وفي محاضراتهم، ولاَقول إنّ بعض علمائنا ينكر ذلك ولكن الاَغلبية يؤمنون برؤية الله سبحانه في الآخرة، وأنهم سوف يرونه كما يرون القمر ليلة البدر ليس دونها سحاب، ويستدلّون بالآية (وُجُوهٌ يَومَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إلى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ)(12) . (13) وبمجرّد إطلاعك على عقيدة الشيعة الاِمامية في هذا الصدد (14) يرتاح ضميرك، ويُسلّم عقلك بقبول تأويل الآيات القرآنية التي فيها تجسيم أو تشبيه لله تعالى وحملها على المجاز والاستعارة، لا على الحقيقة ولا على ظواهر الاَلفاظ، كما توهمّه البعض.
            يقول الاِمام علي عليه السلام في هذا الصدد: «لا يُدركُهُ بُعْدُ الهِمَم، وَلاَ يَنَالُهُ غَوْصُ الفِطَن، الَّذِي لَيْس لِصفَتِه حَدٌّ مَحْدُودٌ، وَلا نَعْتٌ مَوجُودٌ، وَلا وَقْتٌ معدُودٌ، وَلا أجَلٌ مَمدُودٌ...» (15) .
            ويقول الاِمام محمد الباقر عليه السلام في الردّ على المشبّهة: «وكلُّ ماميّزتموه بأوهامكم في أدق معانيه فهو مخلوقٌ مصنوعٌ مثلكم مردود إليكم...» (16) .
            ويكفينا في هذا ردّ الله سبحانه في محكم كتابه قوله: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيءٌ) (14) شخ وقوله (لاَ تُدْرِكُهُ الاََبْصَارُ) (18) وقوله لرسوله وكليمه موسى عليه السلام لمّا طلب رؤيته: (قَالَ رَبّ أَرني أَنْظُر إلَيكَ قَالَ لَنْ تَراني) (19) ولن «الزمخشرية» (20) تفيد التأبيد كما يقول النحاة.
            كل ذلك دليل قاطع على صحة أقوال الشيعة الذين يعتمدون فيها على أقوال الاَئمة من أهل البيت عليهم السلام معدن العلم وموضع الرسالة، ومن أورثهم الله علم الكتاب.
            ومن أراد التوسّع في هذا البحث فما عليه إلا الرجوع إلى الكتب المفصّلة لهذا الموضوع ككتاب «كلمة حول الرؤية» للسيد شرف الدين صاحب المراجعات (21) .
            ____________
            (1) صحيح البخاري: ج9 ص 156 وج6 ص 157 ـ 158.
            (2) صحيح مسلم: ج1 ص 166 ح 299 (ك الاِيمان ب 81).
            (3) صحيح البخاري: ج 2 ص 66، وج9 ص 175، صحيح مسلم: ج1 ص 168 ح 302.
            (4) صحيح البخاري: ج9 ص 159.
            (5) صحيح البخاري: ج9 ص164.
            (6) كينيا: جمهورية في شرق أفريقيا الاستوائية على المحيط الهندي عاصمتها نيروبي. المنجد ـ قسم الاَعلام ـ ص 605.
            (7) سورة المائدة: الآية 64.
            (8) سورة هود: الآية 37.
            (9) سورة الرحمن: الآية 26 و 27.
            (10) سورة الاِسراء: الآية 72.
            (11) سورة القصص: الآية 88.
            (12) سورة القيامة: الآية 22 و 23.
            (13) روي عن عبد العظيم الحسني، عن إبراهيم بن أبي محمود، قال: قال علي بن موسى الرضا عليه السلام في قول الله عزّ وجلّ: (وجوه يومئذ ناضرة إلى ربّها ناظرة) قال: يعني مشرقة تنتظر ثواب ربّها (بحار الاَنوار: ج 4 ص 28).
            (14) راجع: كشف المراد للعلاّمة الحلّي: ص 296، حق اليقين في معرفة اُصول الدين: ج 1 ص39، بحار الاَنوار: ج 4 ص 16 (كتاب التوحيد).
            (15) نهج البلاغة، تحقيق صبحي الصالح: خطبة رقم 1 ص 39.
            (16) بحار الاَنوار للمجلسي: ج 69 ص 293 ح 23، المحجّة البيضاء: ج 1 ص 219.
            (17) سورة الشورى: الآية 11.
            (18) سورة الاَنعام: الآية 103.
            (19) سورة الاَعراف: الآية 143.
            (20) إذ أن الزمخشري من القائلين باستحالة رؤية الله تعالى ـ كما عليه الاِمامية ـ إذ أنّ الرؤية تستلزم التشبيه والتجسيم تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً ـ ولن عند الزمخشري ـ انّها تشعر باستحالة المنفي بها عقلاً ـ إلاّ إذا قامت على تخصيصها قرينة متّصلة أو منفصلة أو قرينة عقلية ـ إذ أنّ نسبة جواز الرؤية إلى الله تعالى كنسبة الولد إليه كما صرّح بذلك الزمخشري وأن حالها في النفي هو تأكيد النفي الذي تعطيه «لا» وذلك أن «لا» تنفي المستقبل، تقول: لا أفعل غداً، فإذا أكدت نفيها قلت: لن أفعل غداً، والمعنى أنَّ فعله نفي حالي، كقوله: (لن يخلقوا ذباباً ولو اجتمعوا له) فقوله: (لا تدركه الاَبصار) نفي للرؤية فيما يستقبل ولن تراني تأكيد وبيان الخ راجع: الكشاف للزمخشري: ج 2 ص 154.
            (21) مع الصادقين للدكتور التيجاني: ص 25 ـ 28.

            تعليق


            • #16



              آلصفآت آلمنآفيِّه لجلاله آلله تعآلى



              ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلحآديِّة عشّرٍ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



              (( منآظرٍة آحد آلع ـــلمآء مع بع ــض آلج ـــآمعيِّيِّن فيِّ مسَآلة رٍؤيِّة آلله تع ـــآلى))





              الجامعي: في موارد عديدة من القرآن، منها الآية 143 من سورة الاعراف، اذ دعى موسى ربه قائلاً: (ربِّ أرني أنظر إليك) ، وخاطبه الله قائلاً: (لن تراني) .


              فالسؤال: إن الذات المقدسة لله تعالى، ليست بجسم، ولا مكانَ لها، وغير قابلة للرؤية، فلماذا سأل النبي موسى عليه السلام هذا السؤال، مع أنه كان من أنبياء أولي العزم؟ فضلاً عن قبح هذا السؤال لو صدر من إنسان عادي.
              عالم الدين: يحتمل أن يكون طلب موسى عليه السلام، مشاهدة الله بعين القلب، لا المشاهدة بالعين، وكان الغرض من طلبه هذا، الحضور والشهود الكامل الفكري والروحي، فيعني الهي إجعل قلبي مملوءاً باليقين، حتى كأني أراك، وكثيراً ما يستعمل لفظ الرؤية في هذا السياق، كقولنا: إني أرى في نفسي القدرة على فعل ذلك العمل، مع ان القدرة، ليست قابلة للرؤية، فالمراد أن هذه الحالة واضحة في نفسي.
              الجامعي: هذا التفسير خلاف ظاهر الآية، لاَن الظاهر من لفظ «أرني» هو الرؤية بالعين، كما أن جواب الله سبحانه قائلاً: (لن تراني) ، يفهم منه أن طلب موسى عليه السلام كان المشاهدة بالعين، ولو كان المشاهدة الباطنية، بالشهود الكامل الروحي والفكري، لما كان جواب الله لطلب موسى عليه السلام بالنفي، لاَن الله يهدي هذا النوع من الشهود لاوليائه المرسلين.
              عالم الدين: لو فرضنا أن طلب موسى عليه السلام هو رؤية الذات الاِلهية المقدسة، حسب ما يقتضيه ظاهر العبارة، ولو أخذنا بنظر الاعتبار تاريخ هذه الحادثة، لتبين أن طلب موسى عليه السلام كان من لسان قومه، بعد أن تعرض للضغوط من قبلهم.
              وتوضيحه: أنه بعد هلاك فرعون ومن اتبعه ونجاة بني إسرائيل، ظهرت مواقف أخرى بين موسى عليه السلام وبني إسرائيل، منها أن جماعة من بني إسرائيل أصروا على موسى عليه السلام برؤية الله سبحانه، وإلا فلن يؤمنوا به، وأخيراً اضطر موسى ان يختار سبعين نفراً من بني إسرائيل، واخذهم إلى الوادي المقدس (طور) (1) ، وهناك طلب من الحضرة الربوبية هذا الطلب.
              فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: (لن تراني) (2) وبهذا الجواب اتضح لبني إسرائيل كل شيء، لذلك يكون طلب موسى عليه السلام من لسان قومه نتيجة لاِصرارهم وضغطهم عليه، وحينما أرسل الله الزلزلة والصاعقة إلى المرافقين لموسى والبالغ عددهم سبعين نفراً وهلاكهم، قال موسى عليه السلام مخاطباً ربه: (أتهلكنا بما فعل السفهاء منا) (3) .
              فأجابه الله تعالى: (لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربُّه للجبل جعله دكاً وخرّ موسى صعقاً فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أوّل المؤمنين) (4)
              فالتجلّي الاِلهي على الجبل، لاَجل رؤية الآثار الاِلهية، كأمواج الصاعقة الشديدة، التي أدت إلى تلاشي الجبل، مما أدى إلى دهشة موسى عليه السلام وأصحابه، فالله سبحانه بهذه القدرة، أراد أن يفهم أصحاب موسى بعجزهم عن تحمل إحدى آثاره، فكيف النظر إلى الذات الاِلهية المقدسة؟ فأنتم أعجز من رؤيته بالعين، التي هي جسم مادي، في حين أن الله مجرد مطلق.
              وبهذا التجلي الاِلهي، رأى أصحاب موسى عليه السلام الله تعالى بعين القلب، وأدركوا عدم قابليتهم على رؤيته بالعين المادية، وكانت توبة موسى عليه السلام، كطلبه الرؤية نيابة عن قومه، ولاَجل رفع الشبهة، كان من اللازم على موسى عليه السلام أن يظهر إيمانه ليعلم أصحابه أنه لم يطلب طلباً مخالفاً لاِيمانه مطلقاً، بل عرض هذا الطلب كممثل عنهم.
              الجامعي: أشكرك على توضيحاتك، لقد اقتنعت، وأرجو بهذه التوضيحات المنطقية، أن تحل بقية الشبهات، لدي هناك شبهة أخرى وبعون الله سوف أطرحها عليكم في الجلسة القادمة.
              عالم الدين: من اللطيف، أن أغلب مفسري السنة، في ذيل تفسير «آية الكرسي» 255 من سورة البقرة، قد ذكروا طلباً لموسى عليه السلام شبيهاً بهذا الطلب، واليك خلاصته: رأى موسى عليه السلام الملائكة في عالم النوم، فسألهم، هل الله ينام؟ فأوحى الله لملائكته، بأن لا تجعلوا موسى عليه السلام ينام، فأيقظت الملائكة موسى عليه السلام ثلاث مرات من نومه وكانوا يراقبوه حتى لا ينام، فحينما أحس موسى بالتعب الشديد والاحتياج المبرم للنوم، اُعطي بيد موسى قنينتين مملوءتين بالماء على أن يحمل في كل يد قنينة مملوءة بالماء طبقاً للوحي الاِلهي، فلما تركوه ولم يراقبوه سقطت القنينتين من يديه وانكسرتا.
              فأوحى الله إلى موسى عليه السلام: بقدرتي جعلت السموات والاَرض، فلو أخذني نوم أو نعاس لزالتا (5) .
              وهنا يطرح هذا السؤال، كيف يسأل موسى عليه السلام الملائكة هذا السؤال مع أنه رسول الله، ويعلم أن الله لا يكون في معرض العوارض الجسمية، كالنوم.
              فأجاب الفخر الرازي عن هذا السؤال: «على فرض صحة الرواية، لابد من القول أن سؤال موسى عليه السلام كان من لسان قومه الجهلة (6) .
              وبعبارة أوضح: تعرض موسى عليه السلام تحت ضغط وإصرار قومه الجهلة، وسأل الله هذا السؤال، حتى أظهر الله آثاراً أدت إلى هداية قومه، وكسر القناني من يد موسى عليه السلام، وإن كانت حادثة بسيطة، ولكن لاَجل تفهيم العوام، فهي حادثة عميقة وجالبة وكاملة.
              ويمكن القول أيضاً، عن وجود أفراد من قوم موسى عليه السلام أبرزوا هذا النوع من التشكيك والسؤال، وقام موسى عليه السلام لاَجل هدايتهم، أن يطرح تلك الاَسئلةعلى الله سبحانه وتعالى، ليكون جواب الله سبحانه منقذاً قومه من الضلالة. (7)
              ____________
              (1) الطور: جَبل بيت المقدس، ممتدٌّ ما بين مصر وأيلة، وعن بعض أهل السير أنّه: سمّي بطور بن إسماعيل بن إبراهيم 8، قال تعالى: (وما كنت بجانب الطور إذ نادينا) وهو طور سيناء، قال الله سبحانه: (وشجرة تخرج من طور سيناء تنبُتُ) ، وقال في موضع آخر من كتابه المجيد: (والتين والزيتون وطور سينين) ومعناهما واحد، وقال ابن أبي نجيح: الطور: الجبل، وسيناء: الحجارة أضيف إليها، وقال بعض أهل اللغة: لا يسمى الجبل طوراً حتى يكون ذا شجر ولا يقال للاَجرد طور، وبالقرب من مصر عند موضع يسمى مَدْيَن جبل يسمى الطور، ولا يخلو من الصالحين، وحجارته كيف كسرت خرج منها صورة شجرة العليق، وعليه كان الخطاب الثاني لموسى عليه السلام عند خروجه من مصر ببني إسرائيل، والطور أيضاً: يسمى عند كورة تشتمل على عدّة قرى تعرف بهذا الاسم بأرض مصر القبلية، وبالقرب منها جبل فاران.
              راجع: معجم ما استعجم للاَندلسي: ج 3 ص 897، معجم البلدان للحموي: ج 4 ص 47.
              (2) سورة الاَعراف: الآية 143.
              (3) سورة الاَعراف: الآية 143.
              (4) سورة الاَعراف: الآية 143.
              (5) تفسير روح البيان: ج1 ص400، الجامع لاَحكام القرآن القرطبي: ج3 ص273، التفسير الكبير للرازي: ج7 ص9.
              (6) التفسير الكبير للرازي: ج7 ص9
              (7) أجود المناظرات للاشتهاردي: ص 370 ـ 374.


              تعليق


              • #17





                آلنآسَ يِّوٍم آلقيِّآمه وٍآلخلوٍد فيِّ آلاخرٍة



                ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآنيِّه عشّرٍ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



                (( منآظرٍة آلامآم آلبآقرٍ عليِّه آلسَلام مع هشّآم بن عبد آلملكـَ (1) فيِّ حآل آلنآسَ يِّوٍم آلقيِّآمه))



                روي عن عبد الرحمن بن عبد الزُّهري قال: حجّ هشام بن عبد الملك، فدخل المسجد الحرام متكياً على يد سالم مولاه، ومحمد بن عليّ بن الحسين عليهم السلام جالس في المسجد فقال له سالم: يا أمير المؤمنين ! هذا محمد بن علي بن الحسين.
                فقال له هشام: المفتون به أهل العراق ؟
                قال: نعم.
                قال: إذهب إليه فقل له: يقول لك أمير المؤمنين: ما الذي يأكل الناس ويشربون إلى أن يفصل بينهم يوم القيامة ؟
                فقال أبو جعفر عليه السلام: يحشر الناس على مثل قرصة البر النقي، فيها أنهار متفجّرة يأكلون ويشربون حتى يفرغ من الحساب.
                قال: فرأى هشام أنّه قد ظفر به، فقال: الله أكبر إذهب إليه فقل له: ما أشغلهم عن الاَكل والشرب يومئذٍ ؟ !
                فقال له أبو جعفر عليه السلام: فهم في النار أشغل، ولم يشغلوا عن أن قالوا: (أفِيضُوا عَلَينا مِنَ الماءِ أو مِمّا رَزَقَكُمُ اللهُ) (2) .
                فسكت هشام لا يرجع كلاماً (3) .
                ____________
                (1) هو: هشام بن عبد الملك بن مروان الاَموي من أشد الناس عداوة لاَهل البيت: وليّ الخلافة بعد أخيه يزيد بن عبد الملك سنة 105 هـ وكانت ولايته تسع عشرة سنة وسبعة أشهر، توفّي بالرصافة من أرض قنسرين سنة 125 هـ، وله ثلاث وخمسون سنة. الملل والنحل للشهرستاني: ص 279.
                (2) سورة الاَعراف: الآية 50.
                (3) الاِرشاد للمفيد: ص 264 ـ 265، الروضة من الكافي للكليني: ج 8 ص 121 ـ 122 ح 93، الاِحتجاج للطبرسي: ج 2 ص 323 ـ 324، المناقب لابن شهرأشوب: ج 4 ص 198، بحار الاَنوار: ج 7 ص 105 ـ 106 ح 21.



                تعليق


                • #18




                  آلنآسَ يِّوٍم آلقيِّآمه وٍآلخلوٍد فيِّ آلاخرٍة



                  ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلثآلثه عشّرٍ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



                  (( منآظرٍة هشّآم بن آلحكـَم مع آلنظآم فيِّ بقآء آهل آلجنه آلى آلابد))









                  روى علي بن محمد بن قتيبة، عن يحيى بن أبي بكر قال: قال النظّام (1)لهشام بن الحكم (2) : إنَّ أهل الجنة لا يبقون في الجنة بقاء الاَبد، فيكون بقاؤهم كبقاء الله، ومحال أن يبقوا كذلك ؟


                  فقال هشام: إنَّ أهل الجنة يبقون بمبقٍ لهم، والله يبقى بلا مبقٍ، وليس هوكذلك.


                  فقال: محال أن يبقوا للاَبد.


                  قال: قال: ما يصيرون ؟


                  قال: يدركهم الخمود.


                  قال: فبلغك أنّ في الجنة ما تشتهى الاَنفس (3)؟


                  قال: نعم.


                  قال: فإن اشتهوا أو سألوا ربّهم بقاء الاَبد.


                  قال: إنّ الله تعالى لا يلهمهم ذلك.


                  قال: فلو أنّ رجلاً من أهل الجنة نظر إلى ثمرة على شجرة، فمدّ يده ليأخذها فتدلّت إليه الشجرة والثمار، ثمّ حانت منه لفتةً فنظر إلى ثمرة أخرى أحسن منها، فمدّ يده اليسرى ليأخذها فأدركه الخمود، ويداه متعلّقتان بشجرتين، فارتفعت الاَشجار وبقي هو مصلوباً، فبلغك أنّ في الجنة مصلوبين؟!


                  قال: هذا محال !


                  قال: فالّذي أتيت به أمحل منه، أن يكون قوم قد خُلقوا وعاشوا، فأدخلوا الجنان، تموتهم فيها يا جاهل (4) .


                  ____________


                  (1) هو: أبو إسحاق إبراهيم بن سيّار بن هاني البصري المعروف بالنظام ابن أخت أبي الهُذيل العلاف شيخ المعتزلة، وكان النظام أستاذ الجاحظ، قالت المعتزلة: إنّما سمّي بذلك لحسن كلامه نظماً ونثراً، وقال غيرهم: إنّما سُمي بذلك لاَنّه كان ينظم الخرز في سوق البصرة ويبيعها، قيل: وإليه تنسب الطائفة النظامية، ووافق المعتزلة في مسائلهم وانفرد عنهم بمسائل أخرى، وقد ذكرالصفدي في الوافي جملة منها، والتي منها: عدم إمكان خروج أحد من الجنة ولو بالقدرة، وأن الاَجماع ليس بحجّة في الشرع، وكذلك القياس ليس بحجة، وإنّما الحجة قول الاِمام المعصوم،وان النبي صلى الله عليه واله نص على أن الاِمام عليّ عليه السلام وعينه، وعرفت الصحابة ذلك...الخ، وأن الثاني ضرب بطن فاطمة عليها السلام يوم البيعة حتى ألقت المحسن من بطنها، توفي النظام في سنة 230 هـتقريباً.


                  راجع ترجمته في: سفينة البحار: ج 2 ص 597، الوافي بالوفيات للصفدي: ج 6 ص 14 ـ 18، الملل والنحل للشهرستاني: ج 1 ص 59.


                  (2) هو هشام بن الحكم، أبو محمد، مولى كندة، ولد بالكوفة ونشأ في واسط، وتجارته ببغداد،عين الطائفة ووجهها ومتكلمها وناصرها، له نوادر وحكايات ومناظرات، ممن اتفق علمائناعلى وثاقته ورفعة شأنه ومنزلته عند أئمتنا المعصومين ـ صلوات الله وسلامه عليهم ـ وقد قالفي حقّه الاِمام الصادق عليه السلام: هذا ناصرنا بقلبه ولسانه ويده، وكان هشام من الحاذقين بصناعةالكلام، والمدافعين عن إمامة أهل البيت عليهم السلام ولذا له مناظرات كثيرة مع المخالفين في هذاالشأن، عُد من أصحاب الاِمامين الصادق والكاظم عليهم السلام، توفي بعد نكبة البرامكة بمدة يسيرةوقيل في خلافة المأمون العباسي سنة 199 هـ، راجع ترجمته في: رجال النجاشي: ج 2 ص 397 رقم: 1165، سفينة البحار: ج 2 ص 719، سير أعلام النبلاء: ج 10 ص 543 ترجمةرقم: 174، تنقيح المقال للمام قاني: ج 3 ص 294.


                  (3) جاء ذلك في بعض الآيات الشريفة وهي:


                  1 ـ قوله تعالى: (وفيها ما تشتهيه الاَنفس وتلذ الاَعين)الزخرف: 71.


                  2 ـ قوله تعالى: (ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدّعون)فصلت: 31.


                  3 ـ قوله تعالى: (وهم في ما اشتهت أنفسهم خالدون)الاَنبياء: 102.


                  (4) إختيار معرفة الرجال للطوسي: ج 2 ص 552 ح 593، بحار الاَنوار: ج 8 ص 143 ح 66.




                  تعليق


                  • #19


                    آلنآسَ يِّوٍم آلقيِّآمه وٍآلخلوٍد فيِّ آلاخرٍة



                    ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلرٍآبعه عشّرٍ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



                    (( منآظرٍة آلكـَرٍآجكـَيِّ مع بعض آهل آلكـَلام فيِّ عذآب آلكـَآفرٍ يِّوٍم آلقيِّآمه آلى آلابد)





                    قال الشيخ الكراجكي ـ أعلى الله مقامه ـ: حضرت في سنة ثماني عشرة وأربعمائة مجلساً، فيه جماعة ممّن يحب استماع الكلام، ومطلع نفسه فيه إلى السؤال، فسألني أحدهم، فقال: كيف يصح لكم القول بالعدل، والاعتقاد بأن الله تعالى لا يجوز عليه الظلم ؟ مع قولكم أنّه سبحانه يعذّب الكافر في يوم القيامة بنار الاَبد، عذاباً متّصلاً غير منقطع، وما وجه الحكمة والعدل في ذلك ؟
                    وقد علمنا أنَّ هذا الكافر وقع منه كفره في مدّة متناهية، وأوقات محصورة، وهي مائة سنة في المثل، وأقل وأكثر، فكيف جاز في العدل عذابه أكثر من زمان كفره ؟
                    وأَلاَ زعمتم أن عذابه متناهٍ كعمره، ليستمر القول بالعدل، وتزول مناقضتكم لما تنفون عن الله تعالى من الظلم.
                    الجواب:
                    فقلت له: سألت فافهم الجواب، اعلم أنّ الحكمة لما اقتضت الخلق والتكليف، وجب أن يرغب العبد فيما أمره به من الاِيمان بغاية الترغيب، ويزجره عمّا نهى عنه في الكفر بغاية التخويف والترهيب، ليكون ذلك أدعى له إلى فعل المأمور به، وأزجر له عن ارتكاب المنهي عنه.
                    وليس غاية الترغيب إلا الوعد بالنعيم الدائم المقيم، ولا يكون غاية التخويف والترهيب، إلاّ التوعيد بالعذاب الخالد الاَليم، وخلف الخبر كذب، والكذب لا يجوز على الحكيم، فبان بهذا الوجه، أنّ تخليد الكافر في العذاب الدائم، ليس بخارج عن الحكمة، والقول به مناقض للاَدلّة.
                    فقال صاحب المجلس: قد أتيت في جوابك بالصحيح الواضح، غير أنّا نظن بقيةً في السؤال، تطّلع نفوسنا إلى أن نسمع عنها الجواب، وهي: أنَّ الحال أفضت إلى ما ينفر منه العقل، وهو أن عذاب أوقات غير محصورة، يكون مستحقاً على ذنوب مدّة متناهية محصورة.
                    فقلت له: أجل، إنَّ الحال قد أفضت إلى أن الهالك على كفره، يعذب بعذاب تقدير زمانه أضعاف زمان عمره، وهذا هو السؤال بعينه، وفي مراعاة ما أجبت به عنه بيان أنَّ العقل لا يشهد به، ولا ينفر منه، على أنّني آتٍ بزيادة في الجواب مقنعة في هذا الباب.
                    فأقول: إنَّ المعاصي تتعاظم في نفوسنا على قدر نِعَم المعصي بها، ولذلك عظم عقوق الولد لوالده لعظم إحسان الوالد عليه، وجلت جناية العبد على سيّده، لجليل إنعام السيّد عليه، فلمّا كانت نعم الله تعالى أعظم قدراً، وأجل أثراً من أن توفى بشكر، أو تحصى بحصر، وهي الغاية في الاِنعام، الموافق لمصالح الاَنفس والاَجسام، كان المستحق على الكفر به، وجحده إحسانه ونعمه، هو غاية الآلام، وغايتها هو الخلود في النار.
                    فقال رجل ينتمي إلى الفقه كان حاضراً: قد أجاب صاحبنا الشافعي عن هذه المسألة بجوابين، هما أجلى وأبين ممّا ذكرت.
                    قال له السائل: وما هما ؟
                    قال: أمّا أحدهما فهو أنّ الله سبحانه، كما ينعم في القيامة على من وقعت منه الطاعة في مدةٍ متناهية بنعيم لا آخر له ولا غاية، وجب قياساً على ذلك أن يعذب من وقعت منه المعصية في زمان محصور متناهٍ، بعذاب دائم غير منقضٍ ولا متناهٍ.
                    قال: والجواب الآخر، أنّه خلّد الكفار في النار لعلمه أنّهم لو بقوا أبداً لكانوا كفاراً. (1)
                    فاستحسن السائل هذين الجوابين منه استحساناً مفرطاً، إما لمغايظتي بذلك، أو لمطابقتهما ركاكة فهمه.
                    فقال صاحب المجلس: ما تقول في هذين الجوابين ؟
                    فقلت: اعفني من الكلام، فقد مضى في هذه المسألة ما فيه كفاية.
                    فأقسم عليَّ وناشدني.
                    فقلت: إن المعهود من الشافعي والمحفوظ منه كلامه في الفقه وقياسه في الشرع، أما اُصول العبادات والكلام في العقليّات فلم تكن من صناعته، ولو كانت له في ذلك بضاعة لاشتهرت، إذ لم يكن خامل الذكر، فمن نسب إليه الكلام فيما لا يعلمه على طريق القياس والجواب، فقد سبّه، من حيث أن فساد هذين الجوابين لا يكاد يخفى عمّن له أدنى تحصيل.
                    أمّا الاَوّل منهما وهو: مماثلته بيت إدامة الثواب والعقاب، فإنّه خطأ في العقل والقياس، وذلك أن مبتدىء النعم المتّصلة في تقدير زمانٍ أكثر من زمان الطاعة، إن لم يكن ما يفعله مستحقاً، كان تفضلاً، ولا يقال للمتفضّل المحسن: لِمَ تفضّلت وأحسنت، ولا للجواد المنعم، لِمَ جُدت وأنعمت.
                    وليس كذلك المعذِبُ على المعصية في تقدير زمانٍ زائدٍ على زمانها، لاَنَّ ذلك إن لم يكن مستحقاً كان ظلماً، تعالى الله عن الظلم، فالمطالبة بعلة المماثلة بين الموضعين لازمة، والمسألة مع هذا الجواب عمّا يوجب التخليد قائمة. والعقلاء مجمعون على أنّ من أعطى زيداً على فعله أكثر من مقدار أجره، فليس له ـ قياساً على ذلك ـ أن يعاقب عمراً على ذنبه بأضعاف ما يجب في جرمه.
                    وأمّا جوابه الثاني فهو وإن كان ذكره بعض الناس، لاحقٌ بالاَول في السقوط، لاَنّه لو كان تعذيب الله عزّ وجلّ للكافر بعذاب الاَبد، إنّما هو لاَنّه علم منه أنه لو بقي أبداً كافراً، لكان إنّما عذَّبه على تقدير كفر لم يفعله، وهذا هو الظلم في الحقيقة، الذي يجب تنزيه الله تعالى عنه، لاَنّ العبد لم يفعل الكفر إلاّ مدة محصورة (2) .
                    وقد اقتضى هذا الجواب أن تعذيبه الزائد على مدّة كفره هو عذاب على ما لم يفعله، ولو جاز ذلك لجاز أن يبتدىء خلقاً، ثم يعذبه من غير أن يبقيه ويقدره، ويكلفه، إذا علم منه أنه إذا أبقاه، وأقدره، وكلفه، كان كافراً جاحداً لاَنعمه، وقد أجمع أهل العدل على أن ذلك لا يجوز منه سبحانه، وهو كالاَول بعينه في العذاب، للعلم بالكفر قبل وجوده، لا على ما فعله وأحدثه، وقبحها يشهد العقل به ويدل عليه، تعالى الله عن إضافة القبيح إليه.
                    فَعُلِمَ أنّه لا يعتبر في الجواب عن هذا السؤال بما أورده هذا الحاكي عن الشافعي، وأن المصير إلى ما قدمناه من الجواب عنه أولى، والحمد لله.
                    فلمّا سمع المتفقه طعني فيما أورده، وقولي إن الشافعي ليس من أهل العلم بهذه الصناعة، ولا له فيها بضاعة، ظهرت إمارات الغضب في وجهه، وتعذَّر عليه نصرة ما جاء به، كما تعذَّر عليه وعلى غيره ممن حضر القدح فيما كنت أجبت به، فتعمد لقطع ما كنا فيه بحديثٍ ابتداه لا يليق بالمجلس ولا يقتضيه.
                    فبينا نحن كذلك إذ حضر رجل، كانوا يصفونه بالمعرفة، وينسبونه إلى الاصطلاح بالفلسفة، فلما استقرّ به المجلس، حكوا له السؤال، وبعض ما جرى فيه من الكلام.
                    فقال الرجل: هذا سؤال يلزم الكلام فيه، ويجب على من أقر بالشريعة، طلب جواب صحيح عنه، يعتمد عليه.
                    ثمّ سألوني الرجوع إلى الكلام والاِعادة لما سلف لي من الجواب، ليسمع ذلك الرجل الحاضر.
                    فقلت له: ألا سألتم الفقيه إعادة ما كان أورده لعله أن يرضى هذا الشيخ إذا سمعه، وعنيت بالفقيه، الحاكي عن الشافعي ؟
                    قالوا: قد تبين لنا فساد ما أجاب به، ولا حاجة بنا إلى إشغال الزمان بإعادته.
                    قلت: فأنا مجيبكم إلى الكلام، وسالك غير الطريقة الاَُولى في الجواب، لعل ذلك أن يكون أسرع لزوال اللبس، وأقرب إلى سكون النفس، إن وجدت منكم مع الاستماع حسن إنصاف.
                    قالوا: نحن مستمعون لك غير جاحدين لحق يظهر في كلامك.
                    فقلت: كان السؤال عن وجه العدل والحكمة في تعذيب الله عزّ وجلّ لمن مات وهو كافر بالعذاب الدائم، الذي تقدير زمانه لا ينحصر، وقد وقع من العبد كفره في مبلغ عمره المتناهي.
                    والجواب عن ذلك:
                    أنّ العذاب المجازى به على المعصية، كائنةً ما كانت، لا كلام بيننا في استحقاقه، وإنّما الكلام في اتصاله وانقطاعه، فلا يخلو المعتبر في ذلك أن يكون هو الزمان الذي وقعت المعصية فيه ومقداره وتناهيه، أو المعصية في نفسها وعِظمِها من صغرها.
                    فلو كانت مدة هي المعتبرة، وكانت يجب تناهي العذاب لاَجل تناهيها في نفسها، لوجب أن يكون تقدير زمان العقاب عليها بحسبها وقدرها، حتى لا يتجاوزها ولا يزيد عليها.
                    وهذا حكم يقضي الشاهد بخلافه، ويجمع العقلاء على فساده، فكم قد رأينا فيما بيننا معصية قد وقعت في مدة قصيرة، كان المستحق من العقاب عليها يحتاج إلى أضعاف تلك المدة، ورأينا معصيتين، تماثل في القدر زمانهما، واختلف زمان العقاب المستحق عليهما، كعبد شتم سيده، فاستحق من الاَدب على ذلك أضعاف ما يستحقه إذا شتم عبداً مثله، وإن كان زمان الشتمين متماثلاً.
                    فالمستحق عليهما من الاَدب والعقاب يقع في زمان غير متماثل، ولو لم يكن في هذا حجّة إلاّ ما نشاهده من هجران الوالد أياماً كثيرة لولده على فعل، وقع في ساعة واحدة منه، مع تصويب كافة العقلاء للوالد في فعله، بل لو لم يكن فيه إلا جواز حبس السيد فيما بيننا لعبده زماناً طويلاً على خطيئته.
                    وكذلك الاِمام العادل لمن يرى من رعيته، لكان فيه كفاية في وضح الدلالة، وليس يدفع الشاهد إلاّ مكابر معاند، فَعُلِمَ ممّا ذكرناه أنه لا يعتبر فيما يستحق على المعصية بقدر زمانها، ولا يجب أن يماثل وقت الجزاء عليها لوقتها، ووجب أن يكون المرجع إليها نفسها، فبعظمها يعظم المستحق عليها، سواء أطال الزمان أو قصر، اتصل أم انقطع، وجد فكان محققاً، أو عُدِم فكان مقدراً، والحمد لله.
                    فلمّا سمع القوم مني هذا الكلام، وتأمّلوا ما تضمّنه من الاِفصاح والبيان، وتمثيلي بالمتعارف من الشاهد والعيان، لم يسعهم غير الاِقرار للحق والاِذعان والتسليم في جواب السؤال لما أوجبه الدليل والبرهان، والحمد لله الموفق للصواب، وصلواته على سيّدنا محمد خاتم النبيّين وآله الطاهرين.
                    زيادة في المسألة:
                    وقد احتج من نصر الجواب الثاني المنسوب إلى الشافعي بقول الله تعالى: (وَلَو رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنهُ) (3) ، وجعل ذلك دلالة على أنه عذّبهم بعذاب الاَبد، لعلمه بذلك من حالهم، وليس في هذه الآية دلالة على ما ظن، وإنّما هي مبنية على باطن أمرهم، ومكذبة لهم فيما يكون في القيامة من قولهم، وما قبل الآية تتضمن وصف ذلك من حالهم، وهو قوله تعالى سبحانه:
                    (إِذ وُقِفُوا عَلى النَّارِ فَقَالُوا يَا لَيتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ ربِّنَا، وَنَكُونَ مِنَ المؤُمِنينَ) (4) ، فقال الله سبحانه: (بَل بَدَا لَهُم مَّا كَانُوا يُخْفُونَ مِن قَبلُ وَلَو رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنهُ وإِنَّهُم لَكَاذِبُونَ) (5) .
                    هذا: لمّا تمنوا الرجوع إلى دار التكليف، وليس فيه إخبار بأنه عذبهم لما علمه منهم أن لو أعادهم، حسبنا الله ونعم الوكيل (6) .
                    ____________
                    (1) سوف يأتي إن مفاد بعض الروايات إنما خُلد أهل النار فيها لنياتهم العصيان (الكفر به تعالى) وهذا غير القول أنه يعذبهم لعلمه بعصيانهم لو بقوا أبداً، فهل يمكن القول: بأنه لو مات إنسانٌ مؤمن صالح، وكان في علم الله تعالى أن هذا الرجل لو بقي في الحياة حيناً لكان عاصياً فاسقاً، كان يعذبه الله تعالى على ما علم منه ذلك، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، إن الله لا يظلم أحداً مثقال ذرة، فكيف يعذبه على أمر لم يفعله !
                    (2) وقد جاء مفاد بعض الروايات، إنما خلد أهل النار في النار لنيتهم العصيان الاَبدي لو خلدوا في الدنيا، لاحظ ما رواه الشيخ الصدوق رحمه الله في العلل عن أبيه عن سعد، عن القاسم بن محمد، عن سليمان بن داوود الشاذكوني عن أحمد بن يوسف، عن أبي هاشم قال: سألت أبا عبدالله عليه السلام عن الخلود في الجنّة والنار، فقال: إنما خلّد أهل النار في النار لاَنّ نياتهم كانت في الدنيا لو خلّدوا فيها أن يعصوا الله أبداً، وإنّما خلّد أهل الجنّة في الجنّة لاَن نياتهم كانت في الدنيا لو بقوا أن يطيعوا الله أبداً ما بقوا، فالنيّات تخلّد هؤلاء وهؤلاء، ثمّ تلى قوله تعالى: (قل كلّ يعمل على شاكلته) قال: على نيّته. علل الشرائع: ج 2 ص 523 ب 299 ح 1 وعنه بحار الاَنوار: ج 8 ص 347 ح 5.
                    وعلى ضوء هذه الرواية والله العالم أنّ أهل النار إنما خلدوا لنيتهم الكفر الاَبدي، فعذابه الاَبدي ليس زائداً على مدة كفره بل مؤاخذ عليه، إذ عقد قلبه على الكفر بالله تعالى لو بقي مخلداً في الحياة، فيكون عذابه الاَبدي في الاَخرة على أمر فعله في الدنيا.
                    (3) سورة الاَنعام: الآية 28.
                    (4) سورة الاَنعام: الآية 27.
                    (5) سورة الاَنعام: الآية 28.
                    (6) كنز الفوائد للكراجكي: ج1، ص 308 ـ 314.


                    تعليق


                    • #20




                      آلقرٍآن آلكـَرٍيِّم



                      ! ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩آلمنآظرٍة آلخآمسَه عشّرٍ۩۞Ξ…۝…Ξ۞۩



                      (( منآظرٍة آبن حآزم (1) مع مع ــضهم فيِّ آن آلقرٍآن لا يِّكـَوٍن حجه آلا بقيِّم )


                      روي عن صفوان بن يحيى عن أبي حازم قال: قلت لاَبي عبدالله عليه السلام: إني ناظرت قوماً (2) فقلت: ألستم تعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله هو الحجة من الله على الخلق، فحين ذهب رسول الله صلى الله عليه وآله من كان الحجة بعده ؟
                      فقالوا: القرآن.
                      فنظرت في القرآن فإذا هو يخاصم فيها المرجيّ والحروري والزنديق الذي لا يؤمن حتى يغلب الرجل خصمه، فعرفت أنّ القرآن لا يكون حجّة إلاّ بقيم، ما قال فيه من شيء كان حقاً.
                      قلت: فمن قيّم القرآن ؟
                      قالوا: قد كان عبدالله بن مسعود وفلان وفلان وفلان يعلم.
                      قلت: كلّه ؟
                      قالوا: لا.
                      فلم أجد أحداً يقال: إنّه يعرف ذلك كلّه إلاّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وإذا كان الشيء بين القوم، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، وقال هذا: لا أدري، فأشهد أنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام كان قيم القرآن، وكانت طاعته مفروضة، وكان حجّة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله على الناس كلّهم، وإنّه عليه السلام ما قال في القرآن فهو حقّ.
                      فقال ـ يعني الاِمام الصادق عليه السلام ـ: رحمك الله.
                      فقبلت رأسه، وقلت: إنّ عليّ بن أبي طالب عليه السلام لم يذهب حتى ترك حجة من بعده كما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله حجة من بعده، وإن الحجة من بعد عليّ عليه السلام الحسن بن علي عليه السلام، وأشهد على الحسن بن علي عليه السلام أنّه كان الحجة وأنّ طاعته مفترضة.
                      فقال: رحمك الله.
                      فقبلت رأسه، وقلت: أشهد على الحسن بن علي عليه السلام انّه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده، كما ترك رسول الله صلى الله عليه وآله وأبوه، وأن الحجة بعد الحسن عليه السلام الحسين بن علي عليه السلام، وكانت طاعته مفترضة.
                      فقال: رحمك الله.
                      فقبلت رأسه، وقلت: وأشهد على الحسين بن علي عليه السلام انّه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده، وأنّ الحجة من بعد عليّ بن الحسين عليه السلام، وكانت طاعته مفترضة.
                      فقال: رحمك الله.
                      فقبلت رأسه، وقلت: وأشهد على علي بن الحسين عليه السلام انّه لم يذهب حتى ترك حجة من بعده، وأنّ الحجة من بعد محمد بن علي أبو جعفر عليه السلام، وكانت طاعته مفترضة.
                      فقال: رحمك الله.
                      قلت: أصلحك الله أعطني رأسك، فقبّلت رأسه، فضحك.
                      فقلت: أصلحك الله قد علمت أنّ أباك عليه السلام لم يذهب حتى ترك من بعده كما ترك أبوه، فأشهد بالله انّك أنت الحجة من بعده، وأن طاعتك مفترضة.
                      فقال: كفّ رحمك الله.
                      قلت: أعطني رأسك اُقبله، فضحك !
                      قال عليه السلام سلني عمّا شئت ؟ فلا أنكرك بعد اليوم أبداً (3) .
                      ____________
                      (1) هو: منصور بن حازم أبو أيوب البجلي الكوفي عده الشيخ في رجاله من أصحاب الصادق عليه السلام، وقال النجاشي عنه: ثقة عين صدوق من جملة أصحابنا وفقهائهم، روى عن أبي عبدالله عليه السلام وأبي الحسن عليه السلام، له كتب منها أصول الشرائع، كتاب الحج، وعده بعضهم من فقهاء الصادقين عليهما السلام والاَعلام والرؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام والفتيا والاَحكام الذين لايطعن عليهم ولا طريق إلى ذم واحد منهم. راجع ترجمته في تنقيح المقال للمامقاني: ج 3 ص 249 ترجمة رقم: 12166، معجم رجال الحديث للسيد الخوئي: ج 18 ترجمة رقم: 12672.
                      (2) وفي رجال الكشي: ج 2 ص 718، هكذا: قلت لاَبي عبدالله عليه السلام: إن الله أجل وأكرم من أن يُعرف بخلقه، بل الخلق يعرفون بالله، قال: صدقت.
                      قال: قلت: إن من عرف أن له رباً فقد ينبغي أن يُعرف أن لذلك الرب رضاً وسخطاً، وأنّه لا يُعرف رضاه وسخطه إلاّ برسول لمن لم يأته الوصي، فينبغي أن يطلب الرسل، فإذا لقيهم عرف أنّه الحجّة، وأن لهم الطاعة المفترضة، فقلت للناس: أليس يعلمون أن رسول الله صلى الله عليه وآله كان هو الحجة من الله على الخلق ؟ قالوا: بلى...الخ.
                      (3) علل الشرائع للصدوق: ج 1 ص 192 ـ 193 ب 152، وعنه بحار الاَنوار: ج 23 ص 17 ـ 18 ح 13، رجال الكشي: ج 2 ص 718 ـ 719، تنقيح المقال للمامقاني: ج 3 ص 249.


                      تعليق

                      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                      حفظ-تلقائي
                      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                      x
                      يعمل...
                      X