إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حقيقة ليلة الرغائب واصلها

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • #11
    مُناقشة ما أفاده سماحة السّيد (دام عزّه) :

    المبحث الأوّل: دعوى أنّ صلاة الغرائب لم ترد إلاّ في رواية واحدة

    وينعقد الكلام في مطلبَيْن:

    المطلب الأوّل: تقرير ونقل نصّ إفادات سماحته

    أفاد (حفظه الله تعالى) أنّه لا توجد سوى رواية واحدة واردة بشأن هذه اللّيلة، رواها العلاّمة الحلّي (قده) في بعض إجازاته.

    قال: (رواية واحدة حول هذه اللّيلة، ليلة أوّل جُمعة مِن رجب، رواها العلاّمة الحلّي (قده)... رواها في كتاب ليس مِن كُتب الحديث؛ كتاب إجازة، يعني في إجازة أصلاً). (الدّقيقة: 1:26 وما بعدها).

    المطلب الثّاني: مناقشة ما أفاده (حفظه الله تعالى)

    أقول: يكفي الوجدان في الخِدشة بهذة الدّعوى، فقدورد الخبر في عدّة مِن كُتب أصحابنا الإماميّة -أنار الله بُرهانهم- ومجموع الرّوايات التي ظفرتُ بها يبلغ أربع روايات بحسب ما يقود إليه التّقصي والتّتبع في المصادر المُتوفّرة، ولم أجد -بحسب مبلغ عِلمي القاصر- مَن ذكر هذا العدد قبل ذلك مِمّن بحث في (صلاة الرّغائب)، والحمدُ لله على توفيقه.

    وعليه: ما أفاده سماحته (حفظه الله تعالى) في غير محلّه.

    وإذا أردنا أنْ نُفكّك إفادة سماحته، فإنّنا نجدها راجعة لأحد أمرين:

    الأمر الأوّل: أنّه لم يستوفِ البحث، فاقتصر في مُطالعته على ما ذكره العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته؛ فظنّ أنّ هذه الرّواية اليتيمة لا أُخت لها في مصادرنا!

    ويُلاحظ على ذلك: أنّ هذا تقصير في حقّ البحث، وهو غريب مِن مِثله (دام عُلاه)، إلاّ أنّني مع ذلك ألتمس له العُذر، فإنّ انشغالات سماحته العلميّة، وعطاءاته وخدماته الجليلة للمؤمنين (صانهم الله)، والتي فرّغ لها نفسه رُبما حالات دون منح البحث حقّه على الوجه الذي ذكرناه.

    الأمر الثّاني: أنّه (حفظه الله تعالى) مُطّلع على غير رواية العلاّمة الحلّي (قده)، لا أقل رواية السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال)، إلاّ أنّه يختار وحدتها في الأصل، بحيث يرى أنّ الرّواية واحدة، وإنْ تعدّد ناقليها.

    ويُلاحظ على ذلك: أنّ دعوى الوِحدة لا يوجد ما يُمكن أنْ يُركن إليه في تصحيحها -على ما سيأتي- ، فالرّوايات إنْ لم تكن مُتعدّدة؛ فهي مُتساوية النّسبة إلى الوِحدة والتّعدّد، فيُتوقّف فيها مِن هذه الجِهة، ولا معنى لترجيح دعوى على أخرى في ذلك.

    عدد روايات (صلاة الرّغائب)

    ذكرتُ فيما تقدّم أنّ الرّوايات المُتوفّر في المقام أربع بحسب ما يُفصح عنه التّتبع، وهي:

    الرّواية الأولى: رواية السّيد ابن طاووس (قده) (ت: 664 هـ)، قال في كتابه (الإقبال) : (وجدنا ذلك في كُتب العبادات مروياً عن النبي (ص) ، ونقلته أنا مِن بعض كتب أصحابنا (رحمهم الله)، فقال في جملة الحديث عن النّبي (ص) في ذكر فضل شهر رجب).[4]

    الرّواية الثّانية: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) ، قال في كتابه (منهاج الصّلاح) : (روى عمر بن شمر عن جابر بن يزيد الجعفي: أنّه يصوم أوّل خميس في رجب [إلى آخر الصّلاة]...ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله).[5]

    تعليق وتوضيح على الرّواية الثّانية:

    أنّ مدلول رواية جابر الجعفي (رض) مُردّد بين أمرين:

    الأوّل: أنّها حكاية عن عمل يمارسه جابر الجعفي (رض) نفسه، ويظهر أنّه مُلتزم بهذا العمل بمقتضى أفعال المُضارعة في ألفاظ الرّواية (يصوم، يصلي،...إلخ).

    الثّاني: أنّها نقل لقول جابر الجعفي (رض) الصّادر عنه في مقام تقرير عمل هذه اللّيلة.

    وعلى كلا التّقديريْن فإنّ ما اشتملت عليه الرّواية يُمكن تقريب نسبته إلى المعصوم (ع) بأحد تقريبين:

    الأوّل: بناءً على أنّ المحكي هو عمل جابر الجعفي (قده)؛ فإنّه مِن البعيد جِداً أنْ لا يكون مِن جملة ما تلقّاه عن المعصوم (ع)؛ إذْ مِن البعيد جِداً أنْ يتورط مِثل جابر الجعفي (قده) في الابتداع في الدّين، بعد كونه مِن الفقهاء والأعلام الرّؤساء المأخوذ عنهم الحلال والحرام، والفُتيا والأحكام، الذين لا يُطعن عليهم، ولا طريق إلى ذمّ واحد منهم، وهم أصحاب الأصول المدوّنة، والمصنّفات المشهورة، بشهادة الشّيخ المُفيد (قده)[6]، وكونه باباً للإمام الباقر (ع)، بشهادة السّيد ابن شهرآشوب (قده)[7]، ومن خواصّ أصحاب الإمام الصّادق (ع)، بشهادة الأخير أيضاً.[8]

    الثّاني: بناءً على أنّ روايته مِن قبيل الموقوفات، فإنّ الكلام في حجيّتها طويل الذّيل؛ مُتشعّب الأطراف، وفيه أقوال واتجاهات[9]، إلاّ أنّه يُمكن القول: أنّه غير ضار مِن مِثل جابر الجعفي (رض)، لجلالة قدره وسموّ شأنه، فمثله لا يُحتمل فيه -عادةً- الابتداع في الدّين، بحيث يخترع هذه الصّلاة محضاً، ويُنشؤها مِن عنده إنشاءً!، فلا مناص من الالتزام بكونه تلقّاها من جهة الشّرع.
    إلاّ أنّه يبقى الكلام فيمن أُخذت عنه هذه الصّلاة، ومِثل جابر الجعفي (رض) لا يأخذ دينه عن غير إمامه (ع)، ولو كان غير ذلك؛ فإنّه لا يُحتمل في مثله أنْ يأخذ ما لا ينتهي إلى الشّرع بما يشمله عنوان (البدعة)، وإنْ لم يكن مِن طريق الأئمّة (عليهم الصّلاة والسّلام)، وبذلك لا يخرج الأمر عن مُسمّى الرّواية عن الشّرع، فيكون مشمولاً بموضوع قاعدة التّسامح في أدلّة السّنن، أو رجاء المطلوبيّة، فتدبّر.

    إشكال ودفعه:

    نعم، بقي شيء ربما يضرّ -بوجهٍ ما- فيما ذكرناه مِن الاستبعادات الآنفة بحقّ جابر الجعفي (رض)، وهو اتّهامه بالاختلاط[10]، إلاّ أنّه غير ضار بعد كون المقصود مُجملاً[11] في نفسه، فتأمّل.

    الرّواية الثّالثة: رواية العلاّمة الحلّي (قده) (ت: 726 هـ) أيضاً؛ في إجازته الكبيرة لبني زهرة، مُسندة إلى أنس بن مالك عن النّبي (ص)، ونقل العّلامة المجلسي (قده) هذه الإجازة بتمامها في قِسم الإجازات في آخر (البحار)[12]، والخبر عنها الشّيخ الحُر العاملي (قده) في (الوسائل)، قال العلاّمة الحلّي (قده) : (ومِن ذلك ذكر صلاة الرّغائب روى صفتها: الحسن بن الدربي،... -وساق إسناده- )[13].

    الرّواية الرّابعة: والعجيب أنّي لم أجد مَن أشار إليها قبل ذلك!، وهي رواية السّيد علي بن الحسين بن حسان بن باقي القُرشي (قده) (كان حيّاً سنة: 653 هـ)، في كتابه (اختيار المصباح):
    نقلها الشّيخ الكفعمي (قده) في (البلد الأمين والدّرع الحصين) : (ذكر ابن باقي (رحمه الله) في (اختياره) : أنّ النّبي (ص) قال: لا تغفلوا عن أوّل جمعة مِن رجب فإنّها ليلة تسمّيها الملائكة ليلة الرّغائب...إلخ)[14].

    أمّا ابن باقي القُرشي (قده)؛ فقد قال عنه الميرزا عبدالله أفندي (قده) في (رياض العُلماء) : (الفاضل العالم الكامل المعروف...صاحب كتاب اختيار المصباح للشّيخ الطّوسي قدس الله روحهما...وهذا الكتاب كثير الاشتهار عند علماء بحرين، وهم يعملون بما فيه مِن الأدعية والأعمال)[15]، وقال: (له كتاب اختيار مصباح الشّيخ الطّوسي، مع ضم فوائد إليه، ومشهور...وكتاب تلخيص المصباح معروف العمل به في بحرين، مُعتبر عند علمائهم)[16].

    وقد قال العلاّمة المجلسي (قده) في (البحار) عند حديثه عن دعاء (الصّباح) عن كتابه (الاختيار) : (هذا الدعاء من الأدعية المشهورة، ولم أجده في الكتب المعتبرة إلا في مصباح السّيد ابن الباقي رحمة الله عليه)[17].

    روايات صلاة الرّغائب بين الوِحدة والتّعدّد

    يقع الكلام بشأن روايات (صلاة الرّغائب) مِن جِهة وحدتها وتعدّدها، فهل هي بمثابة الرّواية الواحدة فقط، بالرّغم مِن تعدّدّ ناقليها مِن أصاحبنا الإماميّة (رضوان الله تعالى عليهم)، أمّ أنّها مُتعدّدة على الحقيقة، أم أنّ الأمر لا هذا ولا ذاك؛ فيستحكم الإبهام مِن هذه الجِهة؛ فلا يُمكن حسم الموقف لصالح أحد طَرَفَيْ الاحتمال؟

    على ضوء المُعطيات التي سنذكرها بعد قليل، يُمكن القول:

    1- أنّ الشّواهد القويّة على خلاف دعوى الوِحدة، وفي المقابل لا يوجد ما يُعتدّ به في قبول تلك الدّعوى.
    2- مع فرض عدم تماميّة شيء من تلك الشّواهد؛ فإنّ البتُّ في هذا الأمر مِن قبيل الرّجم بالغيب! ، فالمصير إلى التّوقف والتّحفظ في إبداء الرأي في هذا الخصوص، فدعوى أنّ الرّواية واحدة؛ غير مسموعة.
    3- أنّ التّعدد ثابت في الجُملة كما ستعرف، فإنّ بعض الرّوايات، لا سيّما رواية جابر الجُعفي (رض) غير سائر الرّوايات جزماً.

    شواهد ومُنبّهات على التّعدد:

    أوّلاً: أمّا رواية السّيد ابن طاووس (قده)، ورواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته

    فبعد إجراء المُقابلة بين الرّوايتين تبيّن لي أنّ ثمّة تفاوت واختلاف بينهما، بما يمكن أنْ يصلح شاهداً قويّاً على اختلاف مَخْرَج الخبر، وبعض هذه الاختلافات، وإنْ كان يُمكن إيعازها إلى اختلاف النّسخ مِن جهة التّصحيف أو السّقط، إلاّ أنّ بعضها يأبى ذلك، وسنذكر مِن ذلك شيئاً يسيراً، ونُعرض عن الباقي وهو ما يُحتمل أقوى مِن غيره في أنْ يكون مِن جُملة نتائج التّصحيف والتّحريف والسّقط، ويُمكن للمُهتم المُراجعة والمُتابعة بأزيد مِمّا سنذكره:

    المورد الأول: في رواية الإقبال: (صام يوم الخميس)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (يصوم الخميس).

    المورد الثّاني: في رواية الإقبال: (فإذا كان أوّل ليلة نزوله إلى قبره بعث الله إليه ثواب هذه الصّلاة)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فإذا كان أوّل ليلة في قبره بعث إليه ثواب هذه الصّلاة).

    المورد الثّالث: في رواية الإقبال: (فيقول: مَن أنت؟ فما رأيت أحسن وجهاً منك!، ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك!)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: مَن أنت؟ فوالله ما رأيت وجهاً أحسن مِن وجهك، ولا سمعت كلاماً أحلى مِن كلامك ولا شممت رائحة أطيب من رائحتك).

    المورد الرّابع: في رواية الإقبال: (يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة، التي صلّيتها ليلة كذا في بلدة كذا في شهر كذا في سنة كذا)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (فيقول: يا حبيبي أنا ثواب تلك الصّلاة التي صليتها في ليلة كذا من شهر كذا من سنة كذا).

    المورد الخامس: في رواية الإقبال: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك، وأنّك لن تعدم الخير مِن مولاك أبداً)، ويُقابلها في رواية إجازة العلاّمة: (ظللت في عرصة القيامة على رأسك فأبشر فلن تعدم الخير أبداً).

    والحاصل: إنْ تمّ تحصيل الوثوق والاطمئنان بتعدّد الخبر على ضوء المُعطيات التي ذكرناها، وهو غير بعيد؛ فهو المطلوب، وإلاّ فإنّه لا دليل على الوحدة كما لا دليل على التّعدّد، فلاحظ.

    إشكال ودفعه:

    فإنْ قيل: أنّ العلاّمة الحلّي (قده) رواها عن (الحسن بن الدربي)،كما صرّح هو بذلك في إجازته المذكورة، وهو الشّيخ تاج الدّين الحسن بن الدّربي، مِن مشايخ السّيد ابن طاووس (قده)، قال عنه العلاّمة الحلّي: (الشّيخ السّعيد)[18]، ابن داود الحلّي (قده) في (الرّجال) : (الشّيخ الصّالح)[19]، وقال السّيد ابن طاووس (قده) في (الدّروع الواقية) : (وأخبرني الشيخ الزاهد حسن بن الدربي رحمه الله - فيما أجازه لي من كل ما رواه، أو سمعه، أو أنشأه، أو قرأه - باسناده إلى جدّي أبي جعفر الطّوسي نوّر الله جلّ جلاله ضريحه)[20]، وعبّر عنه الشّهيد الأوّل في (الأربعون حديثاً) بـ(الإمام)[21]، وقال صاحب الرّياض (قده) : (الشّيخ الصّالح تاج الدّين الحسن بن الدربي...مِن أجلّة العُلماء، وقدوة الفقهاء، ومِن مشايخ المُحقّق، والسّيد رضي الدّين)[22]، وفي (تعليقة أمل الآمل) : (الشّيخ الصّالح)[23]، وقال الشّيخ الحُر العاملي (قده) في (أمل الآمل) : (عالم جليل القدر)[24].
    وهو مِن شيوخ الإجازة، وطريق العلاّمة إليه بتوسّط السّيد رضي الدّين ابن طاووس (قده) على ما يظهر مِن إجازته لبني زهرة.[25]

    وعليه: تكون رواية العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، هي نفسها رواية شيخه السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).

    أقول: هذا لا يرجع إلى محصّل؛ لعدّة أمور:

    الأوّل: أنّ جميع ذلك لا يُلازم -بالضّرورة- نقل الاثنين عن الشّيخ ابن الدربي (قده)، فلا يُمكن التّكهن بأنّه تلقّى رواية المقام عن شيخه، واحتمال تغاير مصدرهما في هذه الرّواية متين لا دافع له، لا سيّما بضميمة ما ذكرناه آنفاً مِن اختلاف الألفاظ، وتفواتها بين الرّوايتَيْن؛ إذْ لا يوجد مانع يوجب أنْ ينقل السّيد ابن طاووس (قده) عن غير شيخه ابن الدربي (قده) في هذا المورد، فتدبّره جيّداً.

    الثّاني: وهو ما أسوقه على نحو الاحتمال القوي، وهو: أنّ السّيد ابن طاووس (قده) صرّح بأنّه نقل الرّواية عن كتب بعض أصحابنا، بينما لا يُعرف للشّيخ حسن بن الدربي (قده) كتاب ولا مؤلّف، ولم يلوّح مَن ترجمه بشيء مِن ذلك، بل يظهر بالتّتبع أنّه مِن شيوخ الإجازة، وراوية للكتب والمُصنّفات؛ ولذا قال المُحقّق الطّهراني (قده) : (لم يعهد له تأليف نظماً أو نثراً).[26]

    نعم، ذكر السّيد ابن طاووس (قده) في (الدّروع) -على ما مر- أنّ الشّيخ ابن الدربي (قده) أجازه في: (كل ما رواه، أو سمعه، أو أنشأه، أو قرأه)، ومقتضاه أنّ للدربي (قده) ما أنشأه، أيّ ألّفه.

    إلاّ أنْ: يُعدل عن مقتضى مدلوله، فيُدّعى أنّه على سبيل القوّة لا الفعل، أيّ أنّ الشّيخ قد يُجيز تلميذه بمؤلّفاته التي سينجزها في القابل، وقد اتّفق نظير ذلك في غير إجازة، ومع ذلك يبقى في النّفس شيء، ولا يُمكن اقتحام الغيب، والجزم بضرس قاطع بعدم وجود كتاب للدربي (قده).

    والحاصل: أنّ تلمّذ السّيد ابن طاووس (قده) على شيخه ابن الدربي (قده)، وروايته عنه، وكون العلاّمة الحلّي (قده) يروي عنه بتوسّط السّيد ابن طاووس (قده)، يدعّم احتمال أنّ لابن الدربي (قده) ضلع في رواية السّيد ابن طاووس (قده)، إلاّ أنّ هذا الاحتمال لا يرتقي إلى الدّليل الموجب لتعيين موقف محدّد مِن القضيّة.

    ثانياً: أمّا بالنّسبة إلى رواية العلاّمة (قده) في (منهاج الصّلاح)

    فإنّ دعوى الوِحدة إنْ قبلها البعض في خصوص الرّواية الأولى (=رواية السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال))، والثّالثة (=رواية العلاّمة (قده) في إجازته) -مع كونها مِمّا لا موجب لها كما ذكرنا آنفاً- إلاّ أنّه مِمّا لا سبيل لقبولها في خصوص الرّواية الثّانية (=رواية العلاّمة في (منهاج الصّلاح))، وهو لا يكاد يخفى، ومع ذلك يُمكن الإشارة إلى جهات التّغاير بينهما بما يصلح أنْ يكون شاهداً على التّعدّد، وذلك بأمرين:

    الأمر الأوّل: مِن جِهة السّند

    أنّها مرويّة عن عمر بن شمر عن جابر الجعفي (رض)، بينما غيرها مرويّ عن النّبي (ص)، تارة مُرسلةً عنه، وأخرى مُسندةً بتوسّط بعض رجال العامّة انتهاءً بالصّحابي أنس بن مالك.

    الأمر الثّاني: مِن جِهة المتن

    وهو مِن جِهتين:

    الأولى: الاختصار؛ إذْ أنّها جاءت مجرّدة عن الفضائل المذكورة في سائر الرّوايات، سوى ما يرتبط بشيء من ثوابها في آخرها، حيث جاء فيها : (ويسأل حاجته فإنّها تُقضى إنْ شاء الله)، وهذا قدر مُشترك بينها وبين غيرها.

    الثّانية: شيءٌ مُهمٌّ مِن اللّفظ؛ حيث جاء في ضِمن جملة من ألفاظها: (أنّه يصوم أوّل خميس في رجب، ثمّ يصلّي العشاء ليلة الجمعة ثم يصلي اثني عشرة ركعة).

    بينما وقع عند السّيد ابن طاووس والعلاّمة الحلّي (قدهما) أما من أحد يصوم يوم الخميس أول خميس من رجب ثم يصلي ما بين العشاء والعتمة اثنتي عشرة ركعة).

    والحاصل: أنّ هذه الرّواية مُختلفة عن سائر الرّوايات في المقام، ومِن المقطوع به أنّها رواية مُستقلّة بنفسها، ولا يوجد ما يُمكن أنْ يُتّكأ عليه في خلاف ذلك.

    ثالثاً: أمّا بالنّسبة إلى رواية (الاختيار) للسّيد ابن باقي القُرشي (قده)

    فثمّة ما يشهد على تغايرها عن سائر الرّوايات،ويُمكن إثبات ذلك بالتّقنيّة نفسها التي فعلّناها في سياق الحديث عن تغاير رواية السّيد اين طاووس (قده)، عن روايَتَيّ العلاّمة الحلّي (قده)، أعني الاستناد إلى اختلاف ألفاظ الرّواية، حيث جاءت بصورة يُمكن أنْ يُقال في حقّها أنّه لا يُحتمل فيها رجوع الاختلاف إلى التّصحيف والتّحريف، بنحو يُضاعف مِن احتمال النّقل المذكور؛ فإنْ تمّ ما قلناه وهو وجيه جِدّاً لا يبعد أنْ يورث وثوقاً واطمئناناً؛ فإنّا نتوفّر حينئذ- على رواية رابعة تُضاف إلى أخواتها، وإليك بعض موارد الاختلاف بينهما:

    المورد الأوّل: وقع في رواية السّيد ابن طاووس(قده) : (فإنها ليلة تسميها الملائكة ليلة الرغائب ، وذلك إذا مضى ثلث الليل لم [(لا)؛ في رواية إجازة العلاّمة الحلّي (قده)] يبق [يبقى] ملك في السماوات والأرض إلا ويجتمعون في الكعبة وحواليها) ، بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (أنّه إذا مضى ثلث اللّيل اجتمعت ملائكة السّماوات والأرض في الكعبة وحولها).

    المورد الثّاني: وقع في رواية السّيد ابن طاووس (قده) : (يقرأ في كلّ ركعة فاتحة الكتاب مرّة [واحدة؛ في رواية العلاّمة]، و(إنّا أنزلناه في ليلة القدر) ثلاث مرّات، و(قل هو الله أحد) اثنتي [اثني؛ رواية العلاّمة] عشرة مرّة، فإذا فرغ من صلاته صلّى عليّ سبعين مرّة ، يقول: اللّهم صلّ على محمّد النّبي الأمّي وعلى آله [في رواية العلاّمة: اللّهم صلّ على محمّد وعلى آله]، بينما وقع في محكي رواية (اختيار ابن باقي) : (يقرأ في كلّ ركعة الحمد مرّة، والقدر ثلاثاً، والتّوحيد اثنتي عشرة، فإذا سّلم قال اللّهم صلّ على محمّد وآله سبعين مرّة).

    إشكال ودفعه:

    ولا يُقال: أنّ السّيد ابن طاووس (قده) أخذ روايته عن (اختيار) السّيد ابن باقي القرشي (قده)؛ باعتباره مُضافاً إلى كونه مُعاصره؛ فهو قد نقل عنه في مورد آخر مِن كتابه (الإقبال) الذي نقل فيه (صلاة الرّغائب) أيضاً، حيث جاء فيه ضمن سياق أدعية شهر رمضان المُبارك، في طبعتين من الكتاب: (دعاء آخر في اليوم الأوّل منه مِن مصباح السّيد بن باقي رحمه الله‌).[27]

    فإنّه يُقال:

    أوّلاً: أنّ عبارة (مِن مصباح السّيد بن باقي رحمه الله‌) غير موجودة في بعض طبعات كتاب (الإقبال)[28].
    ووجدت مُحقّق هذه الطّبعة يقول في مقدّمة تحقيقه: (يوجد في هذين الكتابين موارد يظهر بالتّأمّل والمراجعة بنسخ الخطّية أنّها مِن إضافات النّساخ، كأدعية الأيّام في شهر رمضان مِن مجموعة مولانا زين العابدين عليه السلام ، ومِن اختيار المصباح لسيد بن الباقي)[29].

    أقول: الأمر يعوزه مزيد مُتابعه ونظر في النّسخ الخطّية للكتاب، وهو ما لا يسعه وقتي المُتاح، فلعلّ الله تعالى يوفّقنا لذلك قريباً، أو يُقيّض لهذه المُهمّة من ينبري لها، ويُتمّها على وجهها الصّحيح.

    والحاصل: أنّ هذا المقدار يخرم الوثوق بالنّسخ مِن هذه الجِهة، ويضعنا في موضع التّساؤل عن تعيين الصّحيح منها، فلا مناص مِن التّوقف في هذا الأمر، إلى حين الظّفر بما يُفيد في المقام، وعليه: يتّضح عدم تماميّة هذا الإشكال.

    ثانياً: أنّ هذا لا يُمكن إثارته إلاّ على نحو الاحتمال؛ بداهة أنّ المُعاصرة لا يلزم منها اشتراك المُتعاصرَيْن في الأخبار التي ينقلوناه، وليس ثمّة إصرار على النّفي بقدر التّأكيد على كون باب الاحتمالات منفتحاً على عدّة وجوه، لا سبيل لحسم مادّة اختلافها.

    ثانياً: أنّه قد يُقال أنّ السّيد ابن طاووس (قده) لم ينقل عن الكتاب؛ لكونه أتمّه سنة (605هـ) كما جاء في بعض النّسخ على ما يعكسه واقع بعض طبعات الكتاب، أو سنة (650 هـ) على ما صّرح به المُحقّق الطّهراني (قده) في (الذّريعة)[30]؛ فيظهر أنّ هذا واقع نسخته، بينما السّيد ابن باقي القرشي (قده) أتمّ كتابه سنة (653 هـ) على ما ذكره الميرزا عبدالله الأفندي في (الرّياض)، وغيره[31]؛ وعلى كلا التّقديرين يكون مؤدّاه أنّ كتاب (الإقبال) مُنجز قبل (الاختيار) للسّيد باقي القرشي (قده)، وحينئذ: لا يُتصوّر معه نقل الأوّل عن الثّاني كما لا يخفى.

    بيد أنّه يُعكّر ذلك: أنّه في بعض طبعات الكتاب أثبت محقّقها تأريخ الفراغ من (الإقبال) هكذا: (خمس و[خمسون و] ستّمائة)[32]، مِمّا يشي باختلاف النّسخ، واشتمال بعضها على ما بين المعقوفتين.

    وعليه: يقوى احتمال نقل السّيد ابن طاووس (قده) عنه، بعد كون كتاب السّيد ابن باقي القرشي (قده) مُتقدّماً عنه في وقت التّصنيف.

    والذي يحسم الأمر لصالح أحد تلك التّأريخات على نحو دقيق هو واقع النّسخ الخطّية، فإنْ لم يكن أو كان لصالح تقديم تأريخ (الاختيار)، وتأخير تأريخ (الإقبال) فإنّه يُمكن التّفصي عن الإشكال على كلا التّقديرَيْن بما حاصله: أنّ محض تقدّم كتاب (الاختيار)، لا يلزم منه -بالضّرورة- وقوع النّقل عنه مِن قبل السّيد ابن طاووس (قده) في (الإقبال).

    نتيجة البحث:

    يُمكن الانفصال عن المُقاربات التي قدّمناها في تحقيق دعوى وِحدة الرّوايات وتعدّدها؛ بصحّة دعوى اختلاف الرّوايات الأربع، لا أقل في الجُملة، فيما لو لم يتحصّل الاطمئنان بمقدار المُعطيات المذكورة في محلّها، وإنْ كان لا يبعد أنّ تلك المُعطيات موجبة للتّعدّد، وأمّا ما لم يوثق بتعدّده مِنها؛ فإنّ المُتعيّن هو التّوقّف فيه مِن هذه الجِهة، ولا معنى -حينئذ- للجزم بوحدتها.

    والحاصل: عدم صحّة ما أفاده سماحة السّيد مُرتضى المُهري (حفظه الله تعالى) في أنّ رواية صلاة الرّغائب هي رواية واحدة رواها العلاّمة الحلّي (قده) في إجازته، سواء كان كلامه مبنيّاً على قصور في البحث، بحيث لم يطّلع على غير رواية العلاّمة (قده) في إجازته الرّوائيّة، أو مُستنداً إلى دعوى وِحدة الرّوايات بوجه مِن الوجوه، مع كونها مُخرّجة على يد غير واحد مِن أعلامنا الأعاظم (طيّب الله ثراهم).

    تعليق


    • #12
      أحبتي الأفاضل!!
      يجب إلفات نظركم إلى أن المناقشة العلمية السابقة, لست أنا كاتبها, بل الكاتب لها هو سماحة الشيخ جابر جوير- حفظه الله تعالى-, والبحث يتكوّن من أربعة أجزاء, ومن أراد الاطلاع على كامل البحث فعليه مراجعة مدوّنة سماحة الشيخ جابر على النت.

      وفقكم الله لكل خير

      تعليق


      • #13
        احسنتم على الموضوع الرائع












        تعليق


        • #14
          احسنت. جعله الله في ميزان حسناتك

          تعليق

          المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
          حفظ-تلقائي
          Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
          x
          يعمل...
          X