إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

ليفة أوبل.. عن الحمام والاستحمام في العراق

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • ليفة أوبل.. عن الحمام والاستحمام في العراق



    ليفة أوبل.. عن الحمام والاستحمام في العراق
    حيدر الجراح

    كنت مارا عبر البسطيات العديدة التي تتوسط سوق الشورجة، مركز العراق التجاري في بغداد.. استوقفني احد الباعة الذي يتوسط السوق الرئيسي للشورجة.. انه يبيع (الليف) جمع ليفة وهي ما يدعك به الجسم للتنظيف في الحمام. كانت الليف تملأ بسطيته باشكال واحجام مختلفة.. وكان يضع على كل ليفة قطعة من الورق المقوى وهي تحمل اسم تلك الليفة.. هي اسماء مجازية ابتدعتها مخيلة البائع لترويج بضاعته او على الاقل للوقوف عندها والحديث معه حول تلك التسميات.

    كانت التسميات على الشكل التالي: (ليفة عائلية – ليفة اوبل – ليفة كوري – ليفة دايو – ليفة العيد)، وهي تسميات تأخذ من اسماء السيارات التي دخلت العراق بعد العام 2003 وغزت شوارعه حتى غصت بها.

    جميعنا لا نتذكر طقوس الاستحمام الاولى.. كبف نتذكرها ونحن لا زلنا لحما طريا لم يمض على ولادتنا غير ثلاثة ايام وهي المدة الزمنية التي يسمح فيها بتحميم الطفل، ولا يتم ذلك الا بوجود امراة كبيرة في السن ومتمرسة ويكون الحمام الاول عادة في غرفة النوم حيث الدفء اللازم لتعرية هذا اللحم الطري وتقليبه بين الايدي الخبيرة.

    حين نكبر ونبدأ بالتعرف على الحمام وطقوس الاستحمام تنشأ بيننا وبين المياه خصومة من نوع معين.. نتهرب من عملية الاستحمام اذ انها ستبعدنا عن اللعب واللهو الذي نندمج فيه.. وتكون عملية الدعك والدلك قاسية ومؤلمة بيد الام وهي تمسك ليفة خشنة لتزيح اوساخ شقاوتنا في الطرقات او على ارضية المنزل.

    لا نترك رفقة امهاتنا او اباءنا في الحمام الا بعد ان يروا اننا اصبحنا قادرين على الاستحمام لوحدنا.. هذه العزلة التي يوفرها لنا الابتعاد عن الرفقة لا تتحقق كاملة فصوت الام ينادينا بين وقت واخر للاطمئنان علينا ولانهاء استحمامنا بسرعة قبل نفاد المياه او تزحلقنا على ارضية الحمام او حتى شجارنا الاخوي مع بعضنا.

    عند النضوج نتعرف على وظائف الحمام وطقوس الاستحمام بصورة تفارق طقوسه الاولى.. انه يصبح الان اكثر متعة ونحن نرتعش تحت مياهه الساقطة عبر الدوش او الطاسة التي نغرف بها المياه.. نترك أوساخنا تغادر اجسادنا عبر رغوة الصابون الكثيفة والدعك المستمر بالليفة.. بعد الخروج من الحمام نجرب متعة احتساء الشاي او الدارسين او اكل البرتقال ونحن ندثر انفسنا بملابس ثقيلة.. هذا في الشتاء.

    في الصيف تشعر بما يشبه اطفاء الحرائق عند دخولك الى الحمام بعد نهار شديد القيظ.. تتعدد اوقات الاستحمام بالنسبة للناس حسب الرغبة او الاضطرار.. ولكل وقت ميزته الخاصة. فالإستحمام في الصباح الباكر يولّد الانتعاش والإستحمام مساءا او ليلا يزيل كل الغبار والعرق ويضمن للمستحم نوما مريحا. في الاستحمام لا تستغني عن الليفة.. التي لا يخلو منها حمام قديما او حديثا.. واللِّيفُ كما في معاجم اللغة: قِشْرُ النَّخل الذي يُجاور السَّعَف.

    وليف تلييفا: غسله وحك جلده بالليفة.

    والليف الذي يؤخذ من النخل، كانوا يضعون منه لفافة صغيرة في ثعبة دلة القهوة، تحفظها من أن يسقط بها شيء من طيور وغيرها، وتمنع خروج البهار مع القهوة في أثناء صبها في الفناجيل كما يرد ذلك في كتاب الأطعمة وآنيتها، لسعد بن عبد الله بن جنيدل.

    لم ادخل الى حمام السوق او الحمام العمومي الا في منتصف العقد الثالث من عمري مع مجموعة من الاصدقاء حين كنت مقيما في دمشق... حمام السوق وخاصة في دمشق متعة ما بعدها من متعة.. اصوات القبقاب على ارضية الحمام.. اصوات المياه المتساقطة.. اصوات الانية المعدنية.. اصوات الباعة التي تدخل اليك.. رائحة الزهورات المنبعثة من صالة خلع الملابس والاستقبال.. رائحة الماضي التي تتنشقها عبر الجدران والسقوف.. تشعر أن الداخلين الى الحمام تتساقط الادران عن أجسادهم كما تتساقط الذنوب، قبل أن يستحمّوا ويتطهّروا بالماء الساخن ويخرجوا ثانية إلى العالم في دورة حياة نقيّة. في العراق اختفى الحمام العمومي او كاد من اغلب مدنه.. واختفت طقوس ذهاب العريس الى الحمام مع اصدقائه.

    ينقل لنا عباس البغدادي في كتابه (بغداد في العشرينات) بعضا من ذكريات الحمام العمومي البغدادي في جانبي الكرخ والرصافة.. كانت هناك في جانب الكرخ ثلاثة حمامات مشهورة اولها (حمام شامي) ويقع في علاوي الشيخ صندل وهو قديم جدا انشيء في القرن السادس عشر.. والحمام الثاني هو (حمام يتيم او حمام ايوب).. والثالث هو (حمام الجسر) وموقعه في ساحة السيارات العائدة الى التقاعد العامة.

    في الرصافة كان هناك الكثير من الحمامات مثل (حمام حيدر) في شارع المستنصر بجوار ساحة الغريري.. ثم حمام الشورجة، وحمام (بنجة علي) ويقع في شارع الرشيد مقابل سوق الصفافير.. ثم حمام (كجو) الواقع في باب الآغا، ثم حمام الباشا مقابل شرطة بغداد، ثم حمام المالح.. وهناك حمامات اخرى اقل شهرة حمام عيفان وحمام المفتي وحمام السيد محمد.

    قسم من هذه الحمامات كانت تسمح بدخول النساء في يومين معينين في الاسبوع.. وكان من عادة النسوة عند الذهاب الى الحمام ان ياخذن كافة ما يلزمهن من الفراش والصابون والليف وحجر الارجل علاوة على الاكل مثل الكباب والكبة وخبز العروك والفواكه خصوصا النومي الحلو ذلك انهن يقضين يومهن الكامل في الحمام بالاحاديث والقال والقيل، ومنه اشتق المثل المعروف (حمام نسوان) للدلالة على كثرة الكلام.

    اسماء الليف التي قراتها على بسطية البائع ربما اصبحت تسرّع من عملية الاستحمام وتفقدنا كل متعه التي كنا نعيشها في سنوات ماضية.




  • #2
    سرد جميل
    استمتعنا ونحن نقرأ، كما حلقنا قليلاً مع لحظات التقرير.
    واثار تساؤلي واستغرابي اسماء الليف الاتية : ليفة عائلية! ليفة العيد!
    كما نساء السنين الماضي طريفات
    لأنهنّ وكما ذكرتكم كنّ يجلبن معهن الطعام ومن النوع الثقيل! (احتمال حتى يحلوا الاستماع للاخبار)
    شكراً جزيلاً اخي، ونترقب المزيد من الابداع.
    اللهمّ اجْعَلْني عِنْدَكَ وَجِيهاً بِالحُسَيْنِ عَلَيهِ السَّلأم فِي الدُّنْيا وَالاخِرَةِ


    تعليق


    • #3
      سلمت يداك أخي على الطرح الجميل
      أسعدتنا بمشاركتك ووجودك جزيت خيراً


      الملفات المرفقة
      (الخـفــاجــي)


      تعليق

      المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
      حفظ-تلقائي
      Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
      x
      يعمل...
      X