إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

محور برنامج المنتدى 90(هذا عهدنا للزهراء)

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • محور برنامج المنتدى 90(هذا عهدنا للزهراء)


    عضو فضي
    الحالة :
    رقم العضوية : 184450
    تاريخ التسجيل : 06-09-2014
    الجنسية : العراق
    الجنـس : أنثى
    المشاركات : 1,624
    التقييم : 10

    هذا عهدنا للزهراء





    روي انه لما اخبر النبي ابنته فاطمة بقتل ولدها الحسين وما يجري عليه من المحن ، بكت فاطمة بكاء شديدا ، وقالت : يا أبت متى يكون ذلك ؟ فقال : في زمان خال مني ومنك ومن علي ، فأشتد بكاؤها وقالت : يا ابت فمن يبكي عليه ؟ ومن يلتزم بأقامة العزاء له ؟ فقال النبي :
    ( يا فاطمة ! ان نساء امتي يبكون على نساء اهل بيتي ورجالهم يبكون على رجال اهل بيتي ، ويجددون العزاء جيلا بعد جيل في كل سنة ، فأذا كان لبقيامة تشفعين انت للنساء وانا اشفع للرجال ، وكل من بكى منهم على مصاب الحسين اخذنا بيده وأدخلناه الجنة . يا فاطمة .. كل عين باكية يوم القيامة ، الاعين بكت على مصاب الحسين ، فانها ضاحكة مستبشرة بنعيم الجنة)
    ياسيدتي نعاهدك ان نبقى نبكي الحسين

    ونبقى ننادي أبد الدهر بشعار الخلود

    ابد والله ما ننسى حسيناه




    .......................

    اللهم صل على محمد وال محمد

    بصوت حزين وجرح دفين نستهل ايام العزاء العظيمة والمصيبة التي هزت اركان الارض والسماء


    لنعاهد الزهراء بالندب واللطم والبكاء والعزاء لسيد الشهداء


    وريحانة خاتم الانبياء لننادي


    وآحسيناه ...وآحسيناه ....وآحسيناه


    وعظم الله لكم الاجر والعزاء بهذا المصاب الجلل

    وسنعرف من نقاشكم الكريم

    ماهي فلسفة الحزن والبكاء والصراخ والندب؟؟؟؟

    ولماذا التاكيد على احياء هذه الشعيرة


    بكل الطرق التي تشد الامة الى النبراس والمشعل والمصباح الحسين بن علي عليه السلام ؟؟؟



    فكونوا كما عهدكم ابي الفضل عليه السلام


    من الموالين المبدعين بحب الحبيب الحسين عليه السلام


























  • #2
    بسمه تعالى
    عظم الله اجركم واحسن عزاءكم
    قد تعرض أهل الاختصاص إلى ظاهرة البكاء عند الكائن الحي لا سيّما عند الإنسان، وبذل العلماء جهوداً كبيرة ـ في هذا المجال ـ لاكتشاف حقيقة البكاء وفوائده، فوجدوا أنّ البكاء له دور في تخفيف التوتر العصبي، والانفعالات النفسية التي تنتاب الإنسان والكائن الحي بشكل عام. مضافاً إلى أنّ البكاء يعتبر عاملاً مساعداً للوقاية من بعض إمراض القلب، وأمراض العين، ودافع للسموم التي من الممكن أن تسبب بعض الأضرار الجانبية عند الإنسان. وقد أثبتت الدراسات العلمية من خلال إحصاءات أنّ بين كل 41 مريضاً بالقرحة المعوية يوجد 33 شخصاً على الأقل قد أصيبوا بهذا المرض نتيجة لكبت مشاعرهم بالحزن، وعدم التخلص منها عن طريق الدموع، فاختزنوها في أنفسهم، مما أدى إلى إصابتهم بالقرحة في معدتهم( انظر: ثبت علمياً: 40).

    وبحث العلماء أيضاً عن أسبابه ومناشئه، فوجدوها عديدة، منها: الخوف والخشية، ومنها الفرح والسرور، ولعل أهمها هو البكاء الناشئ من الحزن وعند ورود المؤلم.
    إذاً، ظاهرة البكاء هي ضرورة فسيولوجية وظاهرة طبيعية، لها فوائدها وأسبابها ومناشؤها، وليست بالظاهرة الغريبة أو الشاذة، بل الشاذ هو عدم حدوث هذه الظاهرة عند توفر أسبابها ومناشئها.
    هذا بصورة عامة .اما عن البكاء في خصوص قضية الإمام الحسين (عليه السلام).

    وقبل كل شيء لا بد أن نعلم أنّ تاريخ البكاء على سيد الشهداء هو تأريخ قديم يقترن بتأريخ الأنبياء عليهم السلام، فما من نبي من الأنبياء عليهم السلام إلا وبكى على الإمام الحسين(عليه السلام). ومن يرجع إلى المجامع الحديثية يجد أنّ أصحابها عقدوا فصولاً وأبواباً كثيرة لأحزان الأنبياء وبكائهم على سيد الشهداء (عليه السلام). ولإثبات هذه الحقيقة نتبرك بنقل رواية تبين حزن وبكاء أول الأنبياء آدم (عليه السلام) على سيد الشهداء (عليه السلام).
    روي أنّ آدم (عليه السلام) حينما سأل الله وتاب عليه رأى على ساق العرش أسماء النبي والأئمة (عليهم السلام)، فلقنه جبرائيل قل: يا حميد، بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان. فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرائيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي، وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم، وهو يقول: وآ عطشاه وآ قلة ناصراه، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان... فيذبح ذبح الشاة من قفاه... فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى)( بحار الأنوار44: 245). هذا قبل الشهادة، أما بعدها فإنّ الثابت عن طريق النقل أنّ كل شيء بكى على الإمام الحسين عليه السلام؛ السماء بكت على الحسين، والأرض بكت على الحسين، وهكذا الطيور، والحيتان، والجن، والملائكة، والأولياء.
    أما اليوم فأنت لا تكاد تستعرض منطقة من مناطق الكرة الأرضية إلا وفيها بكاء ومأتم للإمام الحسين عليه السلام، وهذا المعنى تستأثر به مدرسة أهل البيت عليهم السلام ولا يوجد في الملل والنحل اليوم قضية يبكى عليها وتنعى وتؤبن بهذا الحجم الذي يؤبن به الإمام الحسين عليه السلام.
    وقطعاً مثل هكذا ظاهرة هي تفرض السؤال على الذهن، لماذا؟ ما هي مبررات ذلك؟ وما هي فلسفة ذلك؟
    البكاء هو لغة في التعبير عن قضية، كما أن الكلمة لغة، والفرحة لغة، والتصفيق أحياناً يكون لغة، كذلك البكاء هو لغة يراد منها التعبير عن شيء فتارة أنت في البكاء تعبر عن مجرد إظهار الحزن على فقد فقيد ليس إلا، وأخرى تعبر عن مظلومية قضية. وهذه القضية تارة تكون شخصية، فتنتهي بانتهاء الشخص، وأخرى تكون قضية أمّة، فطالما هناك أمّة طالما أسلوب التفاعل مع القضية وأسلوب التعبير عن تلك الظلامة يكون موجوداً.
    وقضية الإمام الحسين عليه السلام ليست هي قضية شخصية، بل هي قضية أمة بكاملها ومظلومية أمة بكاملها، وليست مجرد مظلومية تاريخية؛ لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد من عاشوراء أن يستمر على مدى الأجيال وما أراد من عاشوراء أن يبقى منحصراً في عاشوراء، ويوم كربلاء أريد له أن يكون فاتحة لملاحم الفداء والبطولة والجهاد على مرّ التأريخ، وما أريد له أن ينحصر في ذلك اليوم وفي تلك البقعة من الأرض فقط. فلابدّ أن تبقى قضية الحسين حية وماثلة في النفوس. كيف تبقى حية وماثلة في النفوس؟
    بالتأكيد أن ما ينتج عن البكاء من تفاعل مع القضية الحسينية لا يحصل بمجرد الفكر والمنطق والبرهان والدليل العلمي. صحيح لابد أن نعرف قضية الإمام الحسين عليه السلام معرفة علمية، لكننا لو اكتفينا بمجرد المحاضرة، فهل نستطيع أن نشد النفوس ونحشد العواطف لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) ـ التي هي قضية الإسلام ـ كما لو جمعنا إلى جانب العِبرة العَبرة؟
    بالتأكيد نحن إذا جمعنا العَبرة إلى جانب العِبرة فإننا نستطيع أن نحشد النفوس أكثر لصاحب القضية؛ لأنّ الإنسان حينما يبكي على فقيد لابد أن يعرف مظلومية ذلك الشخص ثم يبكي. فإذا عرف مظلوميته هذا ماذا يعني؟ يعني أنّ هناك حدث وكل حدث فيه جرم وفيه ضحية، وأنّ هناك قضية عادلة اعتدي عليها، من هنا نحن نجد أن الإمام الباقر عليه السلام....
    فعندما ابكي بكائي ضمنا هو إيمان بتلك القضية نابع من صميم القلب لا من صميم العقل فقط، وهذا أمر مهم لتخليد صوت الإمام الحسين (عليه السلام).
    إذاً، البكاء لم يكن لذرف الدموع على قتيل قتل قبل سنين فقط، وإن كانت المأساة العظمى لأبي الشهداء (عليه السلام) تستحق أن يبكى عليها مدى العصور لكن المقصود إلى جانب عظمة المأساة لابد من شد النفوس إلى قضية الإمام الحسين عليه السلام التي هي قضية الدين والإسلام عن طريق البكاء.
    فالأمور باعتباراتها، صحيح الميت يبكى عليه أياماً وينتهي كلُ شيء، لكن هذا إذا كان البكاء على الميت كميت، أمّا إذا كان البكاء هو وسيلة تعبير عن مظلومية قضية كبرى ممتدة بامتداد التاريخ، فإنّ مثل هذا البكاء خالد بخلود القضية؛ لأنّه وسيلة مؤثرة جداً في التعبير عن تلك القضية.
    من هنا نحن نلاحظ أن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أكدوا وحثوا على مسألة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) حتى روي عنهم أن من بكى له الجنة ، ومن تباكى له الجنة، ولعله من الروايات الشريفة واللطيفة في الموضوع هي هذه الرواية المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قال:
    (ما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه (أي على الحسين عليه السلام) ، وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة (عليها السلام) وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله وأدى حقنا، وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكين على جدي الحسين (عليه السلام) ، فإنه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بين على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم : ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه) كامل الزيارات ص167 .
    التعديل الأخير تم بواسطة ترانيم السماء; الساعة 19-10-2015, 03:07 AM.

    تعليق


    • #3
      • ايضا يمكننا القول بانه البكاء على الحسين ماهو إلا كشف عن مظاهر التعبير عن الحزن والأسى والتظلم المعقول وهذا ما دلت عليه أحاديث كثيرة عن أهل البيت(ع).

        وهذه النصوص تبن أهمية الآثار المترتبة عليه،وذلك لما فيه من التفاعل العاطفي والروحي مع مأساة أبي الأحرار الحسين(ع).

        كما وردت نصوص تشير إلى بكاء الأئمة(ع)من بعد الحسين على مصاب الحسين(ع).

        ويعتبر واضع هذه الأسس من الأئمة بعد الحسين(ع)إمامنا زين العابدين(ع)حيث وضع أسسه ورفعه في مداه الواسع.

        فقد جاء في كامل الزيارات أن مولى للإمام زين العابدين(ع)اشرف عليه وهو في سقيفة له ساجد يبكي،فقال له:يا علي بن الحسين،أما آن لحزنك أن ينقضي؟فرفع رأسه إليه وقال:ويلك والله لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل ما رأيت حيث قال:- (يا أسفاً على يوسف)وإنه فقد ابناً واحداً،وإني رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي.

        وفي وسائل الشيعة عن أبي عبد الله الصادق(ع)أنه قال:بكى علي بن الحسين على الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين عشرين سنة-أو أربعين سنة-وما وضع بين يديه طعام إلا بكى على الحسين(ع)حتى قال له مولى له:جعلت فداك يا ابن رسول الله،إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين!فقرأ:- (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك العبرة.

        هذا ولا يمكننا أن نحمل هذه الممارسة الواسعة والممتدة للإمام زين العابدين(ع)على أنها مجرد انفعال عاطفي بالمشاهد التي عاشها أيام محرم الحرام،بحيث لم يكن قادراً على ضبط أحاسيسه وعواطفه طيلة هذه الفترة من الزمن،نعم نحن لا ننكر هذا الجانب،لكننا لا يمكننا أن نحصره في خصوصه دون غيره،ولذا ينبئ هذا العمل من الإمام(ع)مضافاً إلى البعد العاطفي عن تصميم وتخطيط محكم كان يمارسه الإمام زين العابدين(ع)يعتمد على الحقيقة المأساوية التي عاشها(ع)شخصياً،ويؤكد عمقها وهولها،لتبقى قضية الأمة الإسلامية،وتـتحرك على أساسها الأمة المؤمنة لتقف في وجه الظالمين والطغاة والمردة.

        وقد أعطى أئمة أهل البيت(ع)بعد الإمام زين العابدين(ع)عمقاً آخر لهذا الشعار عندما طرحوه مصداقاً من مصاديق تعظيم شعائر الله، وأسلوباً للتعبير عن استنكار الظلم، والتفاعل الذاتي مع قضية كربلاء وأهدافها، ومنهجاً لتـزكية النفس وتهذيبها، بحيث تحول إلى عبادة يمارسها الإنسان بطريقة فردية أو جماعية.

        فقد ورد التأكيد عن أهل البيت(ع)على أهمية البكاء أو التباكي على الحسين(ع)والثواب المترتب عليه، بحيث أصبح مصداقاً آخر من مصاديق البكاء المحبوب لله تعالى، يشبه البكاء من خشية الله سبحانه وتعالى.

        فعن أبي عبد الله الصادق(ع)أنه قال لفضيل:تجلسون وتحدّثون؟قال:نعم جعلت فداك.قال:إن تلك المجالس أحبها،فأحيوا أمرنا يا فضيل،فرحم الله من أحيا أمرنا،يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.

        أما بالنسبة لفلسفة البكاء:

        تظهر أهميته بالإضافة إلى الجانب العبادي والتعبدي الذي أشير له في النصوص بملاحظة الآثار التالية المترتبة عليه:

        أولاً:إن البكاء له بعد سياسي، لأنه طريقة فضلى إنسانية واجتماعية،سليمة وهادئة،لاستنكار الظلم والتعبير عن عمق المأساة والمظلومية التي تعرض لها الإمام الحسين(ع)وأهدافه النبيلة.

        وتظهر أهمية هذا الأسلوب في هذا البعد السياسي في ظروف المحنة والقمع والإرهاب، عندما تعجز بقية الأساليب عن التعبير عن ذلك.

        وقد كان شيعة أهل البيت يعيشون في مختلف الأدوار ظروفاً صعبة وقاسية، فيصبح هذا الأسلوب أفضل أسلوب للتعبير عن موقفهم السياسي وبقائهم مشدودين إلى هذا الموقف.

        ولعل هذا التفسير يعيننا على فهم الاهتمام الشديد من الإمام زين العابدين(ع)بهذا الأسلوب بالذات،بالإضافة إلى الواقع النفسي الذي كان يعيشه بسبب حضوره في كربلاء.

        وهذا يؤكد حقيقة مهمة في تخطيط أهل البيت(ع)تجاه القضية السياسية وهي أن الإنسان المؤمن لابد له أن يقرن إيمانه السياسي بالقضية بموقف عملي تجاهها مهما كانت الظروف، ولو كان هذا الموقف العملي هو أضعف الإيمان، ولا يصح له بأي حال من الأحوال أن يقف موقف اللامبالاة تجاه الفكر السياسي أو العقيدة السياسية.

        وهذا المعنى قد يظهر من النصوص الواردة عنهم(ع)في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وجوب إنكار المنكر ولو بالقلب إن لم تكن المراتب الأعلى مقدورة، أو كانت محظورة، ولذا عبر عنها بأنها أضعف الإيمان.

        ثانياً:إن البكاء يجسد في نفس الوقت تفاعلاً ذاتياً أخلاقياً مع مأساة كربلاء،ولكن بالحد الأدنى من التفاعل،ويشد عواطف الإنسان المسلم بالقضية وأهدافها ورجالها ويبعده وينفره طبيعياً عن أعدائها وأخلاقهم ومقاصدهم.

        وهذا البعد الأخلاقي في البكاء كان أحد الأسباب الطبيعية التي تمكن أهل البيت(ع)من خلالها أن يحفظوا في أصحابهم أخلاقية الانضمام والوقوف إلى جانب الحق والمواجهة للظلم بالرغم من الضغوط التي كانوا يواجهونها سواء على المستوى الاجتماعي أو الفردي،وسواء على المستوى الخارجي كالضغوط التي يمارسها الطغاة ضدهم،أو على المستوى الداخلي كضغوط الشهوات والرغبات.

        ثالثاً:إن البكاء يمثل منهجاً في تزكية النفس وتطهيرها من الأدران، ويرفع درجة الإحساس في الإنسان بالآم الإنسانية،والانحرافات الاجتماعية والوعي لقضايا الظلم والعدل،لأنه يؤثر في رقة القلب ويقظة الضمير ووعي الوجدان.

        ومن المعروف أن إحدى القضايا الأخلاقية التي أولاها الإسلام والشرع الشريف أهمية عظمى قضية قسوة القلب وخشوعه، لما لها من أهمية في التأثير في مسيرة الإنسان الذاتية، ولذا نرى القرآن الكريم عالجها في مواطن كثيرة، وانتقد بشدة قسوة القلب، كما مجد رقة القلب وخشوعه، قال تعالى:- (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)سورة البقرة الآية رقم 74.

        ولا شك أن البكاء يمثل أفضل وسيلة لغسل درن القلب، وتهيئة الأرضية الصالحة فيه للتفاعل والتأثر.

        ومن هنا جاء الحث الشديد من الشارع المقدس على البكاء من خشية الله تعالى، وأصبحت العين الباكية من خشية الله في وصف العين التي تكف عن محارم الله أو تسهر في سبيل الله كما ورد في ذلك في بعض النصوص.(بحار الأنوار ج 93 ص 329).

        على أنه يمكننا أن نتصور أمراً آخر في البكاء وهو كونه بعداً ثقافياً يرتبط بموضوع العدل والظلم، حيث إن دوافع البكاء التي تثير في الإنسان هذا الإحساس العاطفي والوجداني، لا شك أن لها تأثيراً في ثقافة الإنسان وفهمه للحياة وتفاعله مع قضاياه، وعندما يتم التركيز على الإثارة تجاه المظلومية والتعرض للعدوان ويتفاعل الإنسان مع هذه الإثارة،فلا شك أن الإنسان سوف يكون تصوراً عن أسباب الظلم ورفضها،وعن مقايـيس العدل والالتزام بها.




      تعليق


      • #4
        الجَزَعُ نقيض الصبر، فهو إظهار الحزن، والم المصيبة، ففي لسان اللسان ج1 ص84: (والجَزَعُ نقيض الصبر)، وفي أقرب الموارد ج1 ص120: (لم يصبر فأظهر الحزن) وفي منجد اللغة ص89: (لم يصبر عليه، فاظهر الحزن أو الكدر).
        وإظهار الحزن قد يكون برفع الصوت بالبكاء المسمى بالنوح.
        وقد يكون بالبكاء مع الصراخ المسمى بالعويل.
        وقد يكون بالبكاء مع تعداد محاسن الميت، المسمى بالندب.
        وقد يكون بالقول، كمن يدعو بالويل والثبور، فيقول: يا ويلاه، واثبوراه، والويل: الهلاك، وكذا الثبور.
        وقد يكون بالعمل، بأن يضرب يده على جبينه، أو خدّه، أو فخذه، أو يُمزقَ قميصه أو ثوبه، أو ينتف شعره، أو يجزه أو يمتنع عن الطعام أو غيره.

        وتوجد روايات متعددة في استحباب الجزع على الإمام الحسين (عليه السلام)، منها: ما ورد في خبر معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((كل الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام)))، (أمالي الطوسي، الطبعة المُحقّقة ص162، حديث20، المجلس السادس).
        وقد نقله الحرّ العاملي في وسائله تارة في ج2 ص923، حديث9، باب87، من أبواب الدفن بعبارة: ((ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام))) وأخرى في ج10 ص395، حديث10، باب66، من أبواب المزار بعبارة: ((ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام))).
        وخبر علي بن حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، سمعته يقول: ((إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (عليه السلام)، فإنه فيه مأجور))، (كامل الزيارات ص201، حديث2، باب32).
        وخبر صالح بن عقبة: ((ويُقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه)) (مصباح المتهجد ص536).
        وخبر خالد بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: ((ولقد شققن الجيوبَ ولطمن الخدودَ الفاطمياتُ على الحسين بن على (عليه السلام).
        وعلى مثله تُلطم الخدود وتُشقُ الجيوب))، (الوسائل ج15 ص583، حديث1، باب31، من أبواب الكفارات).
        وخبر مسمع بن عبد الملك، كردين البصري ((قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أما تذكر ما صُنع به - الحسين - ؟
        قلت: نعم.
        قال: فتجزع؟
        قلت: إي واللهِ، واستعبر لذلك، حتـّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فامتنع عن الطعام، حتـّى يستبينَ ذلك في وجهي.
        قال (عليه السلام): رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّا))، (كامل الزيارات، الطبعة المُحقّقة، ص203 – 206، حديث7، باب32.

        وخبر معاوية بن وهب: ((استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقيل لي: ادخل، فدخلت، فوجدته في مصلاه في بيته، فجلست حتـّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه، وهو يقول: ((اللّهم يا من خصنا بالكرامة - إلى أن قال - اغفر لي ولأخواني ولزوّار قبر أبي عبد الله الحسين – إلى أن قال – وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحم تلك القلوب التي جَزَعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا)) الخبر، (كامل الزيارات ص228، حديث2، باب40).
        وما قاله دعبل في محضر الإمام الرضا (عليه السلام)، مع سكوت المعصوم وإقراره:

        أفاطم لو خلت الحسين مُجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
        اذاً للطمتِ الخَدّ فاطمُ عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجناتِ

        (مقتل الخوارزمي ج2 ص131).

        تعليق


        • #5
          فلسفة البكاء على سيد الشهداء


          تعرض أهل الاختصاص إلى ظاهرة البكاء عند الكائن الحي لا سيّما عند الإنسان، وبذل العلماء جهوداً كبيرة ـ في هذا المجال ـ لاكتشاف حقيقة البكاء وفوائده، فوجدوا أنّ البكاء له دور في تخفيف التوتر العصبي، والانفعالات النفسية التي تنتاب الإنسان والكائن الحي بشكل عام. مضافاً إلى أنّ البكاء يعتبر عاملاً مساعداً للوقاية من بعض إمراض القلب، وأمراض العين، ودافع للسموم التي من الممكن أن تسبب بعض الأضرار الجانبية عند الإنسان. وقد أثبتت الدراسات العلمية من خلال إحصاءات أنّ بين كل 41 مريضاً بالقرحة المعوية يوجد 33 شخصاً على الأقل قد أصيبوا بهذا المرض نتيجة لكبت مشاعرهم بالحزن، وعدم التخلص منها عن طريق الدموع، فاختزنوها في أنفسهم، مما أدى إلى إصابتهم بالقرحة في معدتهم( انظر: ثبت علمياً: 40).
          وبحث العلماء أيضاً عن أسبابه ومناشئه، فوجدوها عديدة، منها: الخوف والخشية، ومنها الفرح والسرور، ولعل أهمها هو البكاء الناشئ من الحزن وعند ورود المؤلم.
          إذاً، ظاهرة البكاء هي ضرورة فسيولوجية وظاهرة طبيعية، لها فوائدها وأسبابها ومناشؤها، وليست بالظاهرة الغريبة أو الشاذة، بل الشاذ هو عدم حدوث هذه الظاهرة عند توفر أسبابها ومناشئها.
          وبحثنا ليس عن البكاء بصورته العامة، بل عن البكاء في خصوص قضية الإمام الحسين (عليه السلام).
          وقبل كل شيء لا بد أن يعلم القارئ الكريم أنّ تاريخ البكاء على سيد الشهداء هو تأريخ قديم يقترن بتأريخ الأنبياء عليهم السلام، فما من نبي من الأنبياء عليهم السلام إلا وبكى على الإمام الحسين(عليه السلام). ومن يرجع إلى المجامع الحديثية يجد أنّ أصحابها عقدوا فصولاً وأبواباً كثيرة لأحزان الأنبياء وبكائهم على سيد الشهداء (عليه السلام). ولإثبات هذه الحقيقة نتبرك بنقل رواية تبين حزن وبكاء أول الأنبياء آدم (عليه السلام) على سيد الشهداء (عليه السلام).
          روي أنّ آدم (عليه السلام) حينما سأل الله وتاب عليه رأى على ساق العرش أسماء النبي والأئمة (عليهم السلام)، فلقنه جبرائيل قل: يا حميد، بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان. فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرائيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي، وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم، وهو يقول: وآ عطشاه وآ قلة ناصراه، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان... فيذبح ذبح الشاة من قفاه... فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى)( بحار الأنوار44: 245).
          هذا قبل الشهادة، أما بعدها فإنّ الثابت عن طريق النقل أنّ كل شيء بكى على الإمام الحسين عليه السلام؛ السماء بكت على الحسين، والأرض بكت على الحسين، وهكذا الطيور، والحيتان، والجن، والملائكة، والأولياء.
          أما اليوم فأنت لا تكاد تستعرض منطقة من مناطق الكرة الأرضية إلا وفيها بكاء ومأتم للإمام الحسين عليه السلام، وهذا المعنى تستأثر به مدرسة أهل البيت عليهم السلام ولا يوجد في الملل والنحل اليوم قضية يبكى عليها وتنعى وتؤبن بهذا الحجم الذي يؤبن به الإمام الحسين عليه السلام.
          وقطعاً مثل هكذا ظاهرة هي تفرض السؤال على الذهن، لماذا؟ ما هي مبررات ذلك؟ وما هي فلسفة ذلك؟
          البكاء هو لغة في التعبير عن قضية، كما أن الكلمة لغة، والفرحة لغة، والتصفيق أحياناً يكون لغة، كذلك البكاء هو لغة يراد منها التعبير عن شيء فتارة أنت في البكاء تعبر عن مجرد إظهار الحزن على فقد فقيد ليس إلا، وأخرى تعبر عن مظلومية قضية. وهذه القضية تارة تكون شخصية، فتنتهي بانتهاء الشخص، وأخرى تكون قضية أمّة، فطالما هناك أمّة طالما أسلوب التفاعل مع القضية وأسلوب التعبير عن تلك الظلامة يكون موجوداً.
          وقضية الإمام الحسين عليه السلام ليست هي قضية شخصية، بل هي قضية أمة بكاملها ومظلومية أمة بكاملها، وليست مجرد مظلومية تاريخية؛ لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد من عاشوراء أن يستمر على مدى الأجيال وما أراد من عاشوراء أن يبقى منحصراً في عاشوراء، ويوم كربلاء أريد له أن يكون فاتحة لملاحم الفداء والبطولة والجهاد على مرّ التأريخ، وما أريد له أن ينحصر في ذلك اليوم وفي تلك البقعة من الأرض فقط. فلابدّ أن تبقى قضية الحسين حية وماثلة في النفوس. كيف تبقى حية وماثلة في النفوس؟
          بالتأكيد أن ما ينتج عن البكاء من تفاعل مع القضية الحسينية لا يحصل بمجرد الفكر والمنطق والبرهان والدليل العلمي. صحيح لابد أن نعرف قضية الإمام الحسين عليه السلام معرفة علمية، لكننا لو اكتفينا بمجرد المحاضرة، فهل نستطيع أن نشد النفوس ونحشد العواطف لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) ـ التي هي قضية الإسلام ـ كما لو جمعنا إلى جانب العِبرة العَبرة؟
          بالتأكيد نحن إذا جمعنا العَبرة إلى جانب العِبرة فإننا نستطيع أن نحشد النفوس أكثر لصاحب القضية؛ لأنّ الإنسان حينما يبكي على فقيد لابد أن يعرف مظلومية ذلك الشخص ثم يبكي. فإذا عرف مظلوميته هذا ماذا يعني؟ يعني أنّ هناك حدث وكل حدث فيه جرم وفيه ضحية، وأنّ هناك قضية عادلة اعتدي عليها، من هنا نحن نجد أن الإمام الباقر عليه السلام....
          فعندما ابكي بكائي ضمنا هو إيمان بتلك القضية نابع من صميم القلب لا من صميم العقل فقط، وهذا أمر مهم لتخليد صوت الإمام الحسين (عليه السلام).
          إذاً، البكاء لم يكن لذرف الدموع على قتيل قتل قبل سنين فقط، وإن كانت المأساة العظمى لأبي الشهداء (عليه السلام) تستحق أن يبكى عليها مدى العصور لكن المقصود إلى جانب عظمة المأساة لابد من شد النفوس إلى قضية الإمام الحسين عليه السلام التي هي قضية الدين والإسلام عن طريق البكاء.
          فالأمور باعتباراتها، صحيح الميت يبكى عليه أياماً وينتهي كلُ شيء، لكن هذا إذا كان البكاء على الميت كميت، أمّا إذا كان البكاء هو وسيلة تعبير عن مظلومية قضية كبرى ممتدة بامتداد التاريخ، فإنّ مثل هذا البكاء خالد بخلود القضية؛ لأنّه وسيلة مؤثرة جداً في التعبير عن تلك القضية.
          من هنا نحن نلاحظ أن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أكدوا وحثوا على مسألة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) حتى روي عنهم أن من بكى له الجنة ، ومن تباكى له الجنة، ولعله من الروايات الشريفة واللطيفة في الموضوع هي هذه الرواية المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قال:
          (ما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه (أي على الحسين عليه السلام) ، وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة (عليها السلام) وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله وأدى حقنا، وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكين على جدي الحسين (عليه السلام) ، فإنه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بين على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم : ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه) كامل الزيارات ص167 .

          تعليق


          • #6
            ما هي المعاني المصاحبة للدمعة التي تراق على مصاب الإمام الحسين بن علي (ع)، ولماذا الإصرار على إسالتها كل حين .. ؟.
            قد يفسر بعض من المراقبين ـ من المسلمين وغيرهم ـ الممارسات الشيعية ذات الطابع المأساوي ، بأنها تنبئ عن عمق سوداوي ظلامي في الأفق والوجدان الشيعي ، وتكشف عن حالة من التخلف والسطحية في الاهتمام الاجتماعي عند الإنسان الشيعي ، حيث أنه مازال متشبثا ببعض القصاصات التاريخية القديمة ، ومصرّا على التفاعل معها ، مما قد يؤدي إلى نسيان وتجاهل لحظته الراهنة .. وبالتالي فإن الانطلاق نحو الحضارة لا يمكن أن يتأتى له ، ما لم يتخل عن ذلك التاريخ المأساوي ويرميه وراء ظهره ..
            قد يتسرع البعض في تفسير تلك الممارسات بهذه الكيفية ، متغافلا عن المعاني الجليلة التي ينطوي عليها مثل هذا العمل ، خاصة أنه ليس تقليدا ساذجا يمارسه بسطاء المجتمع ، وإنما هو سلوك ظهر بجلاء عند فطاحل الشيعة وأفذاذها بدءا بالأئمة ثم العلماء والمفكرين ، وحظي باهتمام كبير عندهم ، وذلك مؤشر على مدى جلالته وعمق المعاني التي ينطوي عليها .. ونحن هنا سنشير إلى بعض من تلك المعاني النفسية والاجتماعية .
            الفلسفة النفسية للدمعة
            يمكن لنا أن نعرف بعضا من حقيقة البكاء حين نقارنه بأضداده ، فهي تعد أشبه بمرآة جلية له .. على ذلك فإننا لو قارنا البكاء بالضحك ، لوجدنا أن الأخير ما هو إلا إظهار لحالة الترفيه عند الإنسان ، فهو ترويح عن النفس لا أكثر ، وقد أشار إلى ذلك الإمام علي "ع" في قوله : "إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم".
            بل قد يستشعر في بعض الأحيان أن الضحك يتجه سلبا إلى أكثر من ذلك، حيث يكون تعبيرا عن حالة اللاأبالية والفوضوية .
            أما البكاء فهو على الطرف النقيض تماما لمثل تلك المعاني ، إذ أنه يعبر عن تضامن مع ما يبكى عليه وأيمان صادق به .. فكلما تعاظم ولاء الإنسان لشيء ونما إيمانه به ، كلما ازداد اندفاعه العاطفي نحوه وعظمت رغبته إليه ، وإذا استرسل في ذلك الاندفاع واسترسل تجلى اندفاعه في شكل بكاء ، فالبكاء بذلك أعلى مراتب الاندفاع والهيجان العاطفي الصادق ، لا الاندفاع الهامشي الهجين .
            فعلى ذلك يكون البكاء نوعا من الولاء والتضامن مع ما يبكى عليه ، وهذا تماما ما أشارت إليه الآية القرآنية المباركة:
            ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجدا وبكيا ).
            فهذه الآية تتحدث بصورة واضحة عن قمة الولاء عند الإنسان المؤمن تجاه آيات الرحمن، وذلك أن المؤمن يتصاعد ولاؤه ويتعاظم تصديقه عند استماعه أو تلاوته لتلك الآيات، إلى أن يصل إلى القمة فيتجلى بكاؤه في صورة بكاء.
            وذلك تماما على العكس من الضحك، إذ أن الضحك عند الاستماع إلى الآيات ما هو إلا تعبير عن اللاأبالية.. ولذا فإن الآيات القرآنية حين أثنت على حالة البكاء تلك، فإنها في نفس الوقت ذمّت حالة الضحك، فقد قال تعالى:
            (فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون).
            كل ذلك من جهة واحدة ترتبط بالفلسفة النفسية للبكاء، وقد تمثلت في الأثر الخارجي له، وأما الجهة الفلسفية الثانية التي تمثل الأثر الداخلي للبكاء، فغايتها أن للبكاء أثرا إيجابيا على نفسية الإنسان، لما يقوم به من دور في تنظيف أدرانها وشوائبها.. وذلك تماما عكس ما يصنعه الضحك، فهو إذا تجاوز عن حده أثر سلبا على نفسية الإنسان، ولذا عرضت به الروايات، فقد قال رسول الله "ص": " إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب".
            وقال الإمام علي " ع ": " من كثر ضحكه مات قلبه".
            أما البكاء فهو يؤثر تأثيرا إيجابيا على نفسية الإنسان، وقد أشارت الآيات القرآنية إلى هذا المعنى حيث قال تعالى:
            ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ).
            فالبكاء كما هو صريح هذه الآية الشريفة يزيد الإنسان خشوعا وإيمانا، وزيادة الإيمان تعني التخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل.
            وقد تظافرت الروايات في تأكيد هذا المعنى الذي أشارت إليه الآية، من ذلك ما ورد عن الإمام علي "ع": " البكاء من خشية الله ينير القلب ويعصم من معاودة الذنب ".
            ولأن للبكاء هذا الأثر الإيجابي العظيم ، نجد الإمام الصادق "ع" يدعو له أو لما هو أدنى منه وهو التباكي ويحث عليه بشدة، فقد قال: " إن لم يجئك البكاء فتباك، فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ ".
            على ذلك فإن للبكاء آثارا إيجابية تنعكس على نفسية الإنسان، وهي بعينها الفلسفة النفسية للبكاء، ومؤداها أن البكاء إظهار لحالة ولائية منبعثة من داخل الإنسان تجاه قيمة نبيلة أو رمز عظيم، بالإضافة لما له من دور في تزكية النفس وطهارتها..
            إن هذا هو عين ما نعتقده فيما يتصل ببكائنا على الإمام الحسين "ع"، فنحن عندما نبكي إنما في الحقيقة نعلن ولاءنا المطلق والعميق للإمام الحسين "ع" وللقيم العظيمة التي حملها ونادى بها من خلال نهضته المباركة في كربلاء، والتي لخصها في وصيته التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية، وقد جاء فيها: " وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي ".
            الفلسفة الاجتماعية للدمعة
            إن الفلسفة النفسية تعني في الحقيقة الفوائد التي تعود على الإنسان من خلال البكاء، أما الفلسفة الاجتماعية فهي الآثار التي تعود على النهضة نفسها بفعل البكاء، وبعبارة أخرى الدور المطلوب من الإنسان للمحافظة على أهداف النهضة الحسينية..
            إننا وحتى نقترب أكثر من هذه الفلسفة، يستحسن بنا المرور وبشيء من التأمل على تجربة البكاء عند نبي الله يعقوب(ع)، فهي صورة مثلى لما نريد التوصل إليه تماما.. يقول تعالى في هذا الشأن:
            ( وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين، قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ).
            إن هذه الآيات تبين بالتفصيل مستوى ذلك البكاء وحجم الحزن الذي سيطر على يعقوب(ع).. إذ ابيضت عيناه من كثرة البكاء، أي أصيب بالعمى، فقد جاء عن مقاتل أنه عمي ست سنين، وقد رافق ذلك البكاء حزن طويل (فهو كظيم)، أي مليء من الهم والحزن ممسك للغيظ لا يشكوه لأهل زمانه ولا يظهره بسانه.
            وقد بلغ من حزنه وبكائه أن المحيطين به ضاقوا به ذرعا، فقالوا لا تزال تذكر يوسف (حتى تكون حرضا) فاسد العقل أو مشارفا على الموت، (أو تكون من الهالكين) الميتين.. وإنما قالوا ذلك لتبرمهم من بكائه أو لإشفاقهم عليه، وهذا يعني أنه (ع) صنع قضية من خلال بكائه على ابنه.
            إنه فعلا بكاء مر وحزن طويل لدرجة حين سئل عنه الصادق(ع)، حيث قيل له: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال: حزن سبعين حرى ثكلى.
            والملفت للانتباه هنا أن يعقوب(ع) كان يعلم بأن يوسف على قيد الحياة، ومع ذلك بكى هذا البكاء الطويل والمر.. فقد روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن حسان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: قلت له: أخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) أكان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من البكاء عليه، قال (ع): نعم علم أنه حي حتى أنه دعا ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت في أطيب رائحة وأحسن صورة فقال له من أنت؟ قال: أنا ملك الموت أليس سالت الله أن ينزلني عليك؟ قال: نعم، قال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال له: أخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أم تفريقا ؟ قال: يقبضها أعواني متفرقة ثم تعرض علي مجتمعة.. قال يعقوب: فأسألك بإله إبراهيم واسحق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ قال: لا، فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده: اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.).
            فإذا كان نبي الله يعقوب(ع) عكف على هذا المستوى من البكاء مع أنه يعلم بوجود ابنه وأنه سيعود إليه، فلابد أن يكون هناك سبب لذلك.. وفعلا كان هناك سبب مهم بينته الآيات في صدر سورة يوسف(ع)، وهو الذي جاء على لسان أبناء يعقوب(اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم)..
            إن أخوة يوسف لما رأوا اهتمام أبوهم به، تآمروا عليه بهدف محو اسمه من ذاكرة أبيه بأي طريقة، إما عبر القتل (اقتلوا يوسف) أو تغييبه في أرض لا يقدر معه ا لعود إلى بيت أبيه (أو اطرحوه أرضا).. فكلمة يخل في قوله تعالى (يخل لكم وجه أبيكم) يستفاد منها أنهم كانوا يطمحون إلى إلغاء شخصية يوسف ونسفها من حياة يعقوب(ع) ليصفوا لهم الجو، لكن حين أكثر يعقوب من البكاء على ابنه مدة عشرين سنة أفشل مؤامرتهم وحافظ على ذكر يوسف، بل تعاظم ذكره في الآفاق، لأنه صنع من اختفائه حدثا عظيما عبر البكاء.
            إن هذا تماما ما نعنيه من الفلسفة الاجتماعية للبكاء، وهو أيضا ما ينطبق على بكائنا على الحسين(ع)، إذ أن القوى المعادية للحسين(ع) كانت تهدف إلى محو ذكر أهل البيت(ع) وطمس أي أثر لهم، كما ظهر في تصريحاتهم المشهورة:
            " لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية "
            " لا والله إلا دفنا دفنا "
            ولهذا قالت الحوراء زينب(ع) لابن أخيها السجاد(ع) وهي على ظهر الناقة:
            " وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وطمسه...".
            وقالت مخاطبة يزيد في مجلسه:
            " فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا...".
            فقد كان الأعداء يهدفون إلى طمس ذكر أهل البيت(ع)، وكان البكاء هو الوسيلة المناسبة التي تحافظ على ذلك الذكر عبر الأجيال، فهو أشبه بتحد لتلك القوى وإصرار على التمسك بحبل أهل البيت وبقضيتهم مهما طال الزمان.. ولهذا أكد الأئمة(ع) على البكاء والتباكي على الحسين(ع) بلا انقطاع.

            تعليق


            • #7
              اللهم صل على محمد وال محمد

              منذ ان ابتدأت ملحمة عاشوراء والى الان وفي كل يوم يقلب التاريخ صفحاته فلا يجد مايستحق الخلود غيرها

              ومنذ ان وطئت اقدام الطيبين ارض كربلاء تميزت هذه الارض عن غيرها بالقداسة

              رفرفت اجنحة الخلود عليها وحلقت بها الى فضاء الجنان لتعطرها بعطر الشهادة

              لتبقى شاهدا حيا على المبادئ والقيم الاسلامية التي احياها سيد الشهداء عليه السلام

              فنرى فيها الوفاء والرحمة والتفاني وحب الله عز وجل وتأدية الفروض الدينية في احرج الظروف

              وبذل النفس والدفاع عن المقدسات والحفاظ على الحرمات والمواساة والتأسي برسول الله صلى الله عليه واله

              فكانت هذه القيم هي مجموع كل ما اتى به نبي الرحمة الى الناس

              انصهرت في بودقة واحدة قدمها الامام الحسين عليه السلام

              في يوم عاشوراء لتبقى مخلدة لايمحيها المبطلون الذين ارادوا اطفاء نور الاسلام

              ومن واجبنا احياء شعائر يوم عاشوراء لكي نحيي تلك القيم التي نادى بها سيد شباب اهل الجنة

              لتبقى ملحمته خالدة في نفوسنا مع انها تخلدت على صفحات التاريخ المشرف

              فاحيائنا لهذه القيم هي احياء لارواحنا لكي ننتهل من وهج انواره المباركة


              تعليق


              • #8
                المشاركة الأصلية بواسطة ترانيم السماء مشاهدة المشاركة
                بسمه تعالى
                عظم الله اجركم واحسن عزاءكم
                قد تعرض أهل الاختصاص إلى ظاهرة البكاء عند الكائن الحي لا سيّما عند الإنسان، وبذل العلماء جهوداً كبيرة ـ في هذا المجال ـ لاكتشاف حقيقة البكاء وفوائده، فوجدوا أنّ البكاء له دور في تخفيف التوتر العصبي، والانفعالات النفسية التي تنتاب الإنسان والكائن الحي بشكل عام. مضافاً إلى أنّ البكاء يعتبر عاملاً مساعداً للوقاية من بعض إمراض القلب، وأمراض العين، ودافع للسموم التي من الممكن أن تسبب بعض الأضرار الجانبية عند الإنسان. وقد أثبتت الدراسات العلمية من خلال إحصاءات أنّ بين كل 41 مريضاً بالقرحة المعوية يوجد 33 شخصاً على الأقل قد أصيبوا بهذا المرض نتيجة لكبت مشاعرهم بالحزن، وعدم التخلص منها عن طريق الدموع، فاختزنوها في أنفسهم، مما أدى إلى إصابتهم بالقرحة في معدتهم( انظر: ثبت علمياً: 40).

                وبحث العلماء أيضاً عن أسبابه ومناشئه، فوجدوها عديدة، منها: الخوف والخشية، ومنها الفرح والسرور، ولعل أهمها هو البكاء الناشئ من الحزن وعند ورود المؤلم.
                إذاً، ظاهرة البكاء هي ضرورة فسيولوجية وظاهرة طبيعية، لها فوائدها وأسبابها ومناشؤها، وليست بالظاهرة الغريبة أو الشاذة، بل الشاذ هو عدم حدوث هذه الظاهرة عند توفر أسبابها ومناشئها.
                هذا بصورة عامة .اما عن البكاء في خصوص قضية الإمام الحسين (عليه السلام).

                وقبل كل شيء لا بد أن نعلم أنّ تاريخ البكاء على سيد الشهداء هو تأريخ قديم يقترن بتأريخ الأنبياء عليهم السلام، فما من نبي من الأنبياء عليهم السلام إلا وبكى على الإمام الحسين(عليه السلام). ومن يرجع إلى المجامع الحديثية يجد أنّ أصحابها عقدوا فصولاً وأبواباً كثيرة لأحزان الأنبياء وبكائهم على سيد الشهداء (عليه السلام). ولإثبات هذه الحقيقة نتبرك بنقل رواية تبين حزن وبكاء أول الأنبياء آدم (عليه السلام) على سيد الشهداء (عليه السلام).
                روي أنّ آدم (عليه السلام) حينما سأل الله وتاب عليه رأى على ساق العرش أسماء النبي والأئمة (عليهم السلام)، فلقنه جبرائيل قل: يا حميد، بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان. فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرائيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي، وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم، وهو يقول: وآ عطشاه وآ قلة ناصراه، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان... فيذبح ذبح الشاة من قفاه... فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى)( بحار الأنوار44: 245). هذا قبل الشهادة، أما بعدها فإنّ الثابت عن طريق النقل أنّ كل شيء بكى على الإمام الحسين عليه السلام؛ السماء بكت على الحسين، والأرض بكت على الحسين، وهكذا الطيور، والحيتان، والجن، والملائكة، والأولياء.
                أما اليوم فأنت لا تكاد تستعرض منطقة من مناطق الكرة الأرضية إلا وفيها بكاء ومأتم للإمام الحسين عليه السلام، وهذا المعنى تستأثر به مدرسة أهل البيت عليهم السلام ولا يوجد في الملل والنحل اليوم قضية يبكى عليها وتنعى وتؤبن بهذا الحجم الذي يؤبن به الإمام الحسين عليه السلام.
                وقطعاً مثل هكذا ظاهرة هي تفرض السؤال على الذهن، لماذا؟ ما هي مبررات ذلك؟ وما هي فلسفة ذلك؟
                البكاء هو لغة في التعبير عن قضية، كما أن الكلمة لغة، والفرحة لغة، والتصفيق أحياناً يكون لغة، كذلك البكاء هو لغة يراد منها التعبير عن شيء فتارة أنت في البكاء تعبر عن مجرد إظهار الحزن على فقد فقيد ليس إلا، وأخرى تعبر عن مظلومية قضية. وهذه القضية تارة تكون شخصية، فتنتهي بانتهاء الشخص، وأخرى تكون قضية أمّة، فطالما هناك أمّة طالما أسلوب التفاعل مع القضية وأسلوب التعبير عن تلك الظلامة يكون موجوداً.
                وقضية الإمام الحسين عليه السلام ليست هي قضية شخصية، بل هي قضية أمة بكاملها ومظلومية أمة بكاملها، وليست مجرد مظلومية تاريخية؛ لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد من عاشوراء أن يستمر على مدى الأجيال وما أراد من عاشوراء أن يبقى منحصراً في عاشوراء، ويوم كربلاء أريد له أن يكون فاتحة لملاحم الفداء والبطولة والجهاد على مرّ التأريخ، وما أريد له أن ينحصر في ذلك اليوم وفي تلك البقعة من الأرض فقط. فلابدّ أن تبقى قضية الحسين حية وماثلة في النفوس. كيف تبقى حية وماثلة في النفوس؟
                بالتأكيد أن ما ينتج عن البكاء من تفاعل مع القضية الحسينية لا يحصل بمجرد الفكر والمنطق والبرهان والدليل العلمي. صحيح لابد أن نعرف قضية الإمام الحسين عليه السلام معرفة علمية، لكننا لو اكتفينا بمجرد المحاضرة، فهل نستطيع أن نشد النفوس ونحشد العواطف لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) ـ التي هي قضية الإسلام ـ كما لو جمعنا إلى جانب العِبرة العَبرة؟
                بالتأكيد نحن إذا جمعنا العَبرة إلى جانب العِبرة فإننا نستطيع أن نحشد النفوس أكثر لصاحب القضية؛ لأنّ الإنسان حينما يبكي على فقيد لابد أن يعرف مظلومية ذلك الشخص ثم يبكي. فإذا عرف مظلوميته هذا ماذا يعني؟ يعني أنّ هناك حدث وكل حدث فيه جرم وفيه ضحية، وأنّ هناك قضية عادلة اعتدي عليها، من هنا نحن نجد أن الإمام الباقر عليه السلام....
                فعندما ابكي بكائي ضمنا هو إيمان بتلك القضية نابع من صميم القلب لا من صميم العقل فقط، وهذا أمر مهم لتخليد صوت الإمام الحسين (عليه السلام).
                إذاً، البكاء لم يكن لذرف الدموع على قتيل قتل قبل سنين فقط، وإن كانت المأساة العظمى لأبي الشهداء (عليه السلام) تستحق أن يبكى عليها مدى العصور لكن المقصود إلى جانب عظمة المأساة لابد من شد النفوس إلى قضية الإمام الحسين عليه السلام التي هي قضية الدين والإسلام عن طريق البكاء.
                فالأمور باعتباراتها، صحيح الميت يبكى عليه أياماً وينتهي كلُ شيء، لكن هذا إذا كان البكاء على الميت كميت، أمّا إذا كان البكاء هو وسيلة تعبير عن مظلومية قضية كبرى ممتدة بامتداد التاريخ، فإنّ مثل هذا البكاء خالد بخلود القضية؛ لأنّه وسيلة مؤثرة جداً في التعبير عن تلك القضية.
                من هنا نحن نلاحظ أن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أكدوا وحثوا على مسألة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) حتى روي عنهم أن من بكى له الجنة ، ومن تباكى له الجنة، ولعله من الروايات الشريفة واللطيفة في الموضوع هي هذه الرواية المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قال:
                (ما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه (أي على الحسين عليه السلام) ، وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة (عليها السلام) وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله وأدى حقنا، وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكين على جدي الحسين (عليه السلام) ، فإنه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بين على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم : ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه) كامل الزيارات ص167 .
                المشاركة الأصلية بواسطة ترانيم السماء مشاهدة المشاركة
                • ايضا يمكننا القول بانه البكاء على الحسين ماهو إلا كشف عن مظاهر التعبير عن الحزن والأسى والتظلم المعقول وهذا ما دلت عليه أحاديث كثيرة عن أهل البيت(ع).

                  وهذه النصوص تبن أهمية الآثار المترتبة عليه،وذلك لما فيه من التفاعل العاطفي والروحي مع مأساة أبي الأحرار الحسين(ع).

                  كما وردت نصوص تشير إلى بكاء الأئمة(ع)من بعد الحسين على مصاب الحسين(ع).

                  ويعتبر واضع هذه الأسس من الأئمة بعد الحسين(ع)إمامنا زين العابدين(ع)حيث وضع أسسه ورفعه في مداه الواسع.

                  فقد جاء في كامل الزيارات أن مولى للإمام زين العابدين(ع)اشرف عليه وهو في سقيفة له ساجد يبكي،فقال له:يا علي بن الحسين،أما آن لحزنك أن ينقضي؟فرفع رأسه إليه وقال:ويلك والله لقد شكا يعقوب إلى ربه في أقل ما رأيت حيث قال:- (يا أسفاً على يوسف)وإنه فقد ابناً واحداً،وإني رأيت أبي وجماعة أهل بيتي يذبحون حولي.

                  وفي وسائل الشيعة عن أبي عبد الله الصادق(ع)أنه قال:بكى علي بن الحسين على الحسين بن علي صلوات الله عليهم أجمعين عشرين سنة-أو أربعين سنة-وما وضع بين يديه طعام إلا بكى على الحسين(ع)حتى قال له مولى له:جعلت فداك يا ابن رسول الله،إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين!فقرأ:- (إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون)إني لم أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك العبرة.

                  هذا ولا يمكننا أن نحمل هذه الممارسة الواسعة والممتدة للإمام زين العابدين(ع)على أنها مجرد انفعال عاطفي بالمشاهد التي عاشها أيام محرم الحرام،بحيث لم يكن قادراً على ضبط أحاسيسه وعواطفه طيلة هذه الفترة من الزمن،نعم نحن لا ننكر هذا الجانب،لكننا لا يمكننا أن نحصره في خصوصه دون غيره،ولذا ينبئ هذا العمل من الإمام(ع)مضافاً إلى البعد العاطفي عن تصميم وتخطيط محكم كان يمارسه الإمام زين العابدين(ع)يعتمد على الحقيقة المأساوية التي عاشها(ع)شخصياً،ويؤكد عمقها وهولها،لتبقى قضية الأمة الإسلامية،وتـتحرك على أساسها الأمة المؤمنة لتقف في وجه الظالمين والطغاة والمردة.

                  وقد أعطى أئمة أهل البيت(ع)بعد الإمام زين العابدين(ع)عمقاً آخر لهذا الشعار عندما طرحوه مصداقاً من مصاديق تعظيم شعائر الله، وأسلوباً للتعبير عن استنكار الظلم، والتفاعل الذاتي مع قضية كربلاء وأهدافها، ومنهجاً لتـزكية النفس وتهذيبها، بحيث تحول إلى عبادة يمارسها الإنسان بطريقة فردية أو جماعية.

                  فقد ورد التأكيد عن أهل البيت(ع)على أهمية البكاء أو التباكي على الحسين(ع)والثواب المترتب عليه، بحيث أصبح مصداقاً آخر من مصاديق البكاء المحبوب لله تعالى، يشبه البكاء من خشية الله سبحانه وتعالى.

                  فعن أبي عبد الله الصادق(ع)أنه قال لفضيل:تجلسون وتحدّثون؟قال:نعم جعلت فداك.قال:إن تلك المجالس أحبها،فأحيوا أمرنا يا فضيل،فرحم الله من أحيا أمرنا،يا فضيل من ذكرنا أو ذكرنا عنده فخرج من عينه مثل جناح الذباب غفر الله له ذنوبه ولو كانت أكثر من زبد البحر.

                  أما بالنسبة لفلسفة البكاء:

                  تظهر أهميته بالإضافة إلى الجانب العبادي والتعبدي الذي أشير له في النصوص بملاحظة الآثار التالية المترتبة عليه:

                  أولاً:إن البكاء له بعد سياسي، لأنه طريقة فضلى إنسانية واجتماعية،سليمة وهادئة،لاستنكار الظلم والتعبير عن عمق المأساة والمظلومية التي تعرض لها الإمام الحسين(ع)وأهدافه النبيلة.

                  وتظهر أهمية هذا الأسلوب في هذا البعد السياسي في ظروف المحنة والقمع والإرهاب، عندما تعجز بقية الأساليب عن التعبير عن ذلك.

                  وقد كان شيعة أهل البيت يعيشون في مختلف الأدوار ظروفاً صعبة وقاسية، فيصبح هذا الأسلوب أفضل أسلوب للتعبير عن موقفهم السياسي وبقائهم مشدودين إلى هذا الموقف.

                  ولعل هذا التفسير يعيننا على فهم الاهتمام الشديد من الإمام زين العابدين(ع)بهذا الأسلوب بالذات،بالإضافة إلى الواقع النفسي الذي كان يعيشه بسبب حضوره في كربلاء.

                  وهذا يؤكد حقيقة مهمة في تخطيط أهل البيت(ع)تجاه القضية السياسية وهي أن الإنسان المؤمن لابد له أن يقرن إيمانه السياسي بالقضية بموقف عملي تجاهها مهما كانت الظروف، ولو كان هذا الموقف العملي هو أضعف الإيمان، ولا يصح له بأي حال من الأحوال أن يقف موقف اللامبالاة تجاه الفكر السياسي أو العقيدة السياسية.

                  وهذا المعنى قد يظهر من النصوص الواردة عنهم(ع)في موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من وجوب إنكار المنكر ولو بالقلب إن لم تكن المراتب الأعلى مقدورة، أو كانت محظورة، ولذا عبر عنها بأنها أضعف الإيمان.

                  ثانياً:إن البكاء يجسد في نفس الوقت تفاعلاً ذاتياً أخلاقياً مع مأساة كربلاء،ولكن بالحد الأدنى من التفاعل،ويشد عواطف الإنسان المسلم بالقضية وأهدافها ورجالها ويبعده وينفره طبيعياً عن أعدائها وأخلاقهم ومقاصدهم.

                  وهذا البعد الأخلاقي في البكاء كان أحد الأسباب الطبيعية التي تمكن أهل البيت(ع)من خلالها أن يحفظوا في أصحابهم أخلاقية الانضمام والوقوف إلى جانب الحق والمواجهة للظلم بالرغم من الضغوط التي كانوا يواجهونها سواء على المستوى الاجتماعي أو الفردي،وسواء على المستوى الخارجي كالضغوط التي يمارسها الطغاة ضدهم،أو على المستوى الداخلي كضغوط الشهوات والرغبات.

                  ثالثاً:إن البكاء يمثل منهجاً في تزكية النفس وتطهيرها من الأدران، ويرفع درجة الإحساس في الإنسان بالآم الإنسانية،والانحرافات الاجتماعية والوعي لقضايا الظلم والعدل،لأنه يؤثر في رقة القلب ويقظة الضمير ووعي الوجدان.

                  ومن المعروف أن إحدى القضايا الأخلاقية التي أولاها الإسلام والشرع الشريف أهمية عظمى قضية قسوة القلب وخشوعه، لما لها من أهمية في التأثير في مسيرة الإنسان الذاتية، ولذا نرى القرآن الكريم عالجها في مواطن كثيرة، وانتقد بشدة قسوة القلب، كما مجد رقة القلب وخشوعه، قال تعالى:- (ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة)سورة البقرة الآية رقم 74.

                  ولا شك أن البكاء يمثل أفضل وسيلة لغسل درن القلب، وتهيئة الأرضية الصالحة فيه للتفاعل والتأثر.

                  ومن هنا جاء الحث الشديد من الشارع المقدس على البكاء من خشية الله تعالى، وأصبحت العين الباكية من خشية الله في وصف العين التي تكف عن محارم الله أو تسهر في سبيل الله كما ورد في ذلك في بعض النصوص.(بحار الأنوار ج 93 ص 329).

                  على أنه يمكننا أن نتصور أمراً آخر في البكاء وهو كونه بعداً ثقافياً يرتبط بموضوع العدل والظلم، حيث إن دوافع البكاء التي تثير في الإنسان هذا الإحساس العاطفي والوجداني، لا شك أن لها تأثيراً في ثقافة الإنسان وفهمه للحياة وتفاعله مع قضاياه، وعندما يتم التركيز على الإثارة تجاه المظلومية والتعرض للعدوان ويتفاعل الإنسان مع هذه الإثارة،فلا شك أن الإنسان سوف يكون تصوراً عن أسباب الظلم ورفضها،وعن مقايـيس العدل والالتزام بها.

                اللهم صل على محمد وال محمد


                عظم الله لك الاجر سيدي يارسول الله


                عظم الله لك الاجر ياسيدي ياامير المؤمنين


                عظم الله لك الاجر سيدتي ومولاتي يافاطمة الزهراء


                عظم الله لك الاجر سيدي ومولاي ايها المغيب في عذابات السنين ياحجة بن الحسن المهدي


                وعظم الله لكم الاجر جميعا اخوتي واخواتي الاكارم بقرب هتك حرمة ال الله


                وقطع رؤسهم وسبي نسائهم المخدرات


                ونسال الله ان يكتبنا من المعزين المقبولين بسجله الاوفى


                وفي البدء ارحب بردود الاخت الكريمة
                (ترانيم السماء )


                التي تعودنا منها كل ابداااع واحتواء للفكر


                وكلمات مباركة مزجتي بها بين العِبرة والعَبرة التي اكدت عليها عاشوراء الحسين عليه السلام


                فلا احد يستطيع ان يفصل هذين الجانبين عن بعضهما


                فاذا فرغنا القضية الحسينية من العَبرة فقدت حياتها وديمومتها


                واذا فرغناها من العِبرة فقدت ثمارها ودروسها المتواخاة للتربية والتعليم للاجيال


                بمسيرة الامام الحسين عليه السلام


                وهذا هو مانريده بلا زيادة ولاقصور بل بتوازن بينهما الى اخر الزمان


                وسنستفيض بهذا الموضوع عن العَبرة بمحورنا المبارك


                فكونوا معنا ....























                تعليق


                • #9
                  المشاركة الأصلية بواسطة ابو محمد الذهبي مشاهدة المشاركة
                  الجَزَعُ نقيض الصبر، فهو إظهار الحزن، والم المصيبة، ففي لسان اللسان ج1 ص84: (والجَزَعُ نقيض الصبر)، وفي أقرب الموارد ج1 ص120: (لم يصبر فأظهر الحزن) وفي منجد اللغة ص89: (لم يصبر عليه، فاظهر الحزن أو الكدر).
                  وإظهار الحزن قد يكون برفع الصوت بالبكاء المسمى بالنوح.
                  وقد يكون بالبكاء مع الصراخ المسمى بالعويل.
                  وقد يكون بالبكاء مع تعداد محاسن الميت، المسمى بالندب.
                  وقد يكون بالقول، كمن يدعو بالويل والثبور، فيقول: يا ويلاه، واثبوراه، والويل: الهلاك، وكذا الثبور.
                  وقد يكون بالعمل، بأن يضرب يده على جبينه، أو خدّه، أو فخذه، أو يُمزقَ قميصه أو ثوبه، أو ينتف شعره، أو يجزه أو يمتنع عن الطعام أو غيره.

                  وتوجد روايات متعددة في استحباب الجزع على الإمام الحسين (عليه السلام)، منها: ما ورد في خبر معاوية بن وهب، عن أبي عبد الله (عليه السلام): ((كل الجزع والبكاء مكروه، سوى الجزع والبكاء على الحسين (عليه السلام)))، (أمالي الطوسي، الطبعة المُحقّقة ص162، حديث20، المجلس السادس).
                  وقد نقله الحرّ العاملي في وسائله تارة في ج2 ص923، حديث9، باب87، من أبواب الدفن بعبارة: ((ما سوى الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام))) وأخرى في ج10 ص395، حديث10، باب66، من أبواب المزار بعبارة: ((ما خلا الجزع والبكاء لقتل الحسين (عليه السلام))).
                  وخبر علي بن حمزة، عن أبي عبد الله (عليه السلام)، سمعته يقول: ((إن البكاء والجزع مكروه للعبد في كل ما جزع، ما خلا البكاء والجزع على الحسين بن علي (عليه السلام)، فإنه فيه مأجور))، (كامل الزيارات ص201، حديث2، باب32).
                  وخبر صالح بن عقبة: ((ويُقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه)) (مصباح المتهجد ص536).
                  وخبر خالد بن سدير عن أبي عبد الله (عليه السلام) في حديث: ((ولقد شققن الجيوبَ ولطمن الخدودَ الفاطمياتُ على الحسين بن على (عليه السلام).
                  وعلى مثله تُلطم الخدود وتُشقُ الجيوب))، (الوسائل ج15 ص583، حديث1، باب31، من أبواب الكفارات).
                  وخبر مسمع بن عبد الملك، كردين البصري ((قال لي أبو عبد الله (عليه السلام): أما تذكر ما صُنع به - الحسين - ؟
                  قلت: نعم.
                  قال: فتجزع؟
                  قلت: إي واللهِ، واستعبر لذلك، حتـّى يرى أهلي أثر ذلك عليّ، فامتنع عن الطعام، حتـّى يستبينَ ذلك في وجهي.
                  قال (عليه السلام): رحم الله دمعتك، أما إنك من الذين يُعدّون من أهل الجزع لنا، والذين يفرحون لفرحنا، ويحزنون لحزننا، ويخافون لخوفنا، ويأمنون إذا أمنّا))، (كامل الزيارات، الطبعة المُحقّقة، ص203 – 206، حديث7، باب32.

                  وخبر معاوية بن وهب: ((استأذنت على أبي عبد الله (عليه السلام)، فقيل لي: ادخل، فدخلت، فوجدته في مصلاه في بيته، فجلست حتـّى قضى صلاته، فسمعته وهو يناجي ربه، وهو يقول: ((اللّهم يا من خصنا بالكرامة - إلى أن قال - اغفر لي ولأخواني ولزوّار قبر أبي عبد الله الحسين – إلى أن قال – وارحم تلك الاعين التي جرت دموعها رحمةً لنا، وارحم تلك القلوب التي جَزَعت واحترقت لنا، وارحم تلك الصرخة التي كانت لنا)) الخبر، (كامل الزيارات ص228، حديث2، باب40).
                  وما قاله دعبل في محضر الإمام الرضا (عليه السلام)، مع سكوت المعصوم وإقراره:

                  أفاطم لو خلت الحسين مُجدّلاً ***** وقد مات عطشاناً بشط فراتِ
                  اذاً للطمتِ الخَدّ فاطمُ عنده ***** وأجريت دمع العين في الوجناتِ

                  (مقتل الخوارزمي ج2 ص131).
                  المشاركة الأصلية بواسطة ابو محمد الذهبي مشاهدة المشاركة
                  فلسفة البكاء على سيد الشهداء


                  تعرض أهل الاختصاص إلى ظاهرة البكاء عند الكائن الحي لا سيّما عند الإنسان، وبذل العلماء جهوداً كبيرة ـ في هذا المجال ـ لاكتشاف حقيقة البكاء وفوائده، فوجدوا أنّ البكاء له دور في تخفيف التوتر العصبي، والانفعالات النفسية التي تنتاب الإنسان والكائن الحي بشكل عام. مضافاً إلى أنّ البكاء يعتبر عاملاً مساعداً للوقاية من بعض إمراض القلب، وأمراض العين، ودافع للسموم التي من الممكن أن تسبب بعض الأضرار الجانبية عند الإنسان. وقد أثبتت الدراسات العلمية من خلال إحصاءات أنّ بين كل 41 مريضاً بالقرحة المعوية يوجد 33 شخصاً على الأقل قد أصيبوا بهذا المرض نتيجة لكبت مشاعرهم بالحزن، وعدم التخلص منها عن طريق الدموع، فاختزنوها في أنفسهم، مما أدى إلى إصابتهم بالقرحة في معدتهم( انظر: ثبت علمياً: 40).
                  وبحث العلماء أيضاً عن أسبابه ومناشئه، فوجدوها عديدة، منها: الخوف والخشية، ومنها الفرح والسرور، ولعل أهمها هو البكاء الناشئ من الحزن وعند ورود المؤلم.
                  إذاً، ظاهرة البكاء هي ضرورة فسيولوجية وظاهرة طبيعية، لها فوائدها وأسبابها ومناشؤها، وليست بالظاهرة الغريبة أو الشاذة، بل الشاذ هو عدم حدوث هذه الظاهرة عند توفر أسبابها ومناشئها.
                  وبحثنا ليس عن البكاء بصورته العامة، بل عن البكاء في خصوص قضية الإمام الحسين (عليه السلام).
                  وقبل كل شيء لا بد أن يعلم القارئ الكريم أنّ تاريخ البكاء على سيد الشهداء هو تأريخ قديم يقترن بتأريخ الأنبياء عليهم السلام، فما من نبي من الأنبياء عليهم السلام إلا وبكى على الإمام الحسين(عليه السلام). ومن يرجع إلى المجامع الحديثية يجد أنّ أصحابها عقدوا فصولاً وأبواباً كثيرة لأحزان الأنبياء وبكائهم على سيد الشهداء (عليه السلام). ولإثبات هذه الحقيقة نتبرك بنقل رواية تبين حزن وبكاء أول الأنبياء آدم (عليه السلام) على سيد الشهداء (عليه السلام).
                  روي أنّ آدم (عليه السلام) حينما سأل الله وتاب عليه رأى على ساق العرش أسماء النبي والأئمة (عليهم السلام)، فلقنه جبرائيل قل: يا حميد، بحق محمد، يا عالي بحق علي، يا فاطر بحق فاطمة، يا محسن بحق الحسن والحسين ومنك الإحسان. فلما ذكر الحسين سالت دموعه وانخشع قلبه، وقال: يا أخي جبرائيل، في ذكر الخامس ينكسر قلبي وتسيل عبرتي؟ قال جبرائيل: ولدك هذا يصاب بمصيبة تصغر عندها المصائب، فقال: يا أخي، وما هي؟ قال: يقتل عطشاناً غريباً وحيداً فريداً ليس له ناصر ولا معين، ولو تراه يا آدم، وهو يقول: وآ عطشاه وآ قلة ناصراه، حتى يحول العطش بينه وبين السماء كالدخان... فيذبح ذبح الشاة من قفاه... فبكى آدم وجبرائيل بكاء الثكلى)( بحار الأنوار44: 245).
                  هذا قبل الشهادة، أما بعدها فإنّ الثابت عن طريق النقل أنّ كل شيء بكى على الإمام الحسين عليه السلام؛ السماء بكت على الحسين، والأرض بكت على الحسين، وهكذا الطيور، والحيتان، والجن، والملائكة، والأولياء.
                  أما اليوم فأنت لا تكاد تستعرض منطقة من مناطق الكرة الأرضية إلا وفيها بكاء ومأتم للإمام الحسين عليه السلام، وهذا المعنى تستأثر به مدرسة أهل البيت عليهم السلام ولا يوجد في الملل والنحل اليوم قضية يبكى عليها وتنعى وتؤبن بهذا الحجم الذي يؤبن به الإمام الحسين عليه السلام.
                  وقطعاً مثل هكذا ظاهرة هي تفرض السؤال على الذهن، لماذا؟ ما هي مبررات ذلك؟ وما هي فلسفة ذلك؟
                  البكاء هو لغة في التعبير عن قضية، كما أن الكلمة لغة، والفرحة لغة، والتصفيق أحياناً يكون لغة، كذلك البكاء هو لغة يراد منها التعبير عن شيء فتارة أنت في البكاء تعبر عن مجرد إظهار الحزن على فقد فقيد ليس إلا، وأخرى تعبر عن مظلومية قضية. وهذه القضية تارة تكون شخصية، فتنتهي بانتهاء الشخص، وأخرى تكون قضية أمّة، فطالما هناك أمّة طالما أسلوب التفاعل مع القضية وأسلوب التعبير عن تلك الظلامة يكون موجوداً.
                  وقضية الإمام الحسين عليه السلام ليست هي قضية شخصية، بل هي قضية أمة بكاملها ومظلومية أمة بكاملها، وليست مجرد مظلومية تاريخية؛ لأنّ الإمام الحسين (عليه السلام) أراد من عاشوراء أن يستمر على مدى الأجيال وما أراد من عاشوراء أن يبقى منحصراً في عاشوراء، ويوم كربلاء أريد له أن يكون فاتحة لملاحم الفداء والبطولة والجهاد على مرّ التأريخ، وما أريد له أن ينحصر في ذلك اليوم وفي تلك البقعة من الأرض فقط. فلابدّ أن تبقى قضية الحسين حية وماثلة في النفوس. كيف تبقى حية وماثلة في النفوس؟
                  بالتأكيد أن ما ينتج عن البكاء من تفاعل مع القضية الحسينية لا يحصل بمجرد الفكر والمنطق والبرهان والدليل العلمي. صحيح لابد أن نعرف قضية الإمام الحسين عليه السلام معرفة علمية، لكننا لو اكتفينا بمجرد المحاضرة، فهل نستطيع أن نشد النفوس ونحشد العواطف لقضية الإمام الحسين (عليه السلام) ـ التي هي قضية الإسلام ـ كما لو جمعنا إلى جانب العِبرة العَبرة؟
                  بالتأكيد نحن إذا جمعنا العَبرة إلى جانب العِبرة فإننا نستطيع أن نحشد النفوس أكثر لصاحب القضية؛ لأنّ الإنسان حينما يبكي على فقيد لابد أن يعرف مظلومية ذلك الشخص ثم يبكي. فإذا عرف مظلوميته هذا ماذا يعني؟ يعني أنّ هناك حدث وكل حدث فيه جرم وفيه ضحية، وأنّ هناك قضية عادلة اعتدي عليها، من هنا نحن نجد أن الإمام الباقر عليه السلام....
                  فعندما ابكي بكائي ضمنا هو إيمان بتلك القضية نابع من صميم القلب لا من صميم العقل فقط، وهذا أمر مهم لتخليد صوت الإمام الحسين (عليه السلام).
                  إذاً، البكاء لم يكن لذرف الدموع على قتيل قتل قبل سنين فقط، وإن كانت المأساة العظمى لأبي الشهداء (عليه السلام) تستحق أن يبكى عليها مدى العصور لكن المقصود إلى جانب عظمة المأساة لابد من شد النفوس إلى قضية الإمام الحسين عليه السلام التي هي قضية الدين والإسلام عن طريق البكاء.
                  فالأمور باعتباراتها، صحيح الميت يبكى عليه أياماً وينتهي كلُ شيء، لكن هذا إذا كان البكاء على الميت كميت، أمّا إذا كان البكاء هو وسيلة تعبير عن مظلومية قضية كبرى ممتدة بامتداد التاريخ، فإنّ مثل هذا البكاء خالد بخلود القضية؛ لأنّه وسيلة مؤثرة جداً في التعبير عن تلك القضية.
                  من هنا نحن نلاحظ أن الأئمة الأطهار (عليهم السلام) أكدوا وحثوا على مسألة البكاء على الإمام الحسين (عليه السلام) حتى روي عنهم أن من بكى له الجنة ، ومن تباكى له الجنة، ولعله من الروايات الشريفة واللطيفة في الموضوع هي هذه الرواية المروية عن الإمام الصادق (عليه السلام)، حيث قال:
                  (ما من عين أحب إلى الله ولا عبرة من عين بكت ودمعت عليه (أي على الحسين عليه السلام) ، وما من باك يبكيه الا وقد وصل فاطمة (عليها السلام) وأسعدها عليه ، ووصل رسول الله وأدى حقنا، وما من عبد يحشر الا وعيناه باكية الا الباكين على جدي الحسين (عليه السلام) ، فإنه يحشر وعينه قريرة، والبشارة تلقاه، والسرور بين على وجهه، والخلق في الفزع وهم آمنون، والخلق يعرضون وهم حداث الحسين (عليه السلام) تحت العرش وفي ظل العرش لا يخافون سوء الحساب، يقال لهم : ادخلوا الجنة فيأبون ويختارون مجلسه وحديثه) كامل الزيارات ص167 .
                  المشاركة الأصلية بواسطة ابو محمد الذهبي مشاهدة المشاركة
                  ما هي المعاني المصاحبة للدمعة التي تراق على مصاب الإمام الحسين بن علي (ع)، ولماذا الإصرار على إسالتها كل حين .. ؟.
                  قد يفسر بعض من المراقبين ـ من المسلمين وغيرهم ـ الممارسات الشيعية ذات الطابع المأساوي ، بأنها تنبئ عن عمق سوداوي ظلامي في الأفق والوجدان الشيعي ، وتكشف عن حالة من التخلف والسطحية في الاهتمام الاجتماعي عند الإنسان الشيعي ، حيث أنه مازال متشبثا ببعض القصاصات التاريخية القديمة ، ومصرّا على التفاعل معها ، مما قد يؤدي إلى نسيان وتجاهل لحظته الراهنة .. وبالتالي فإن الانطلاق نحو الحضارة لا يمكن أن يتأتى له ، ما لم يتخل عن ذلك التاريخ المأساوي ويرميه وراء ظهره ..
                  قد يتسرع البعض في تفسير تلك الممارسات بهذه الكيفية ، متغافلا عن المعاني الجليلة التي ينطوي عليها مثل هذا العمل ، خاصة أنه ليس تقليدا ساذجا يمارسه بسطاء المجتمع ، وإنما هو سلوك ظهر بجلاء عند فطاحل الشيعة وأفذاذها بدءا بالأئمة ثم العلماء والمفكرين ، وحظي باهتمام كبير عندهم ، وذلك مؤشر على مدى جلالته وعمق المعاني التي ينطوي عليها .. ونحن هنا سنشير إلى بعض من تلك المعاني النفسية والاجتماعية .
                  الفلسفة النفسية للدمعة
                  يمكن لنا أن نعرف بعضا من حقيقة البكاء حين نقارنه بأضداده ، فهي تعد أشبه بمرآة جلية له .. على ذلك فإننا لو قارنا البكاء بالضحك ، لوجدنا أن الأخير ما هو إلا إظهار لحالة الترفيه عند الإنسان ، فهو ترويح عن النفس لا أكثر ، وقد أشار إلى ذلك الإمام علي "ع" في قوله : "إن القلوب تمل كما تمل الأبدان فابتغوا لها طرائف الحكم".
                  بل قد يستشعر في بعض الأحيان أن الضحك يتجه سلبا إلى أكثر من ذلك، حيث يكون تعبيرا عن حالة اللاأبالية والفوضوية .
                  أما البكاء فهو على الطرف النقيض تماما لمثل تلك المعاني ، إذ أنه يعبر عن تضامن مع ما يبكى عليه وأيمان صادق به .. فكلما تعاظم ولاء الإنسان لشيء ونما إيمانه به ، كلما ازداد اندفاعه العاطفي نحوه وعظمت رغبته إليه ، وإذا استرسل في ذلك الاندفاع واسترسل تجلى اندفاعه في شكل بكاء ، فالبكاء بذلك أعلى مراتب الاندفاع والهيجان العاطفي الصادق ، لا الاندفاع الهامشي الهجين .
                  فعلى ذلك يكون البكاء نوعا من الولاء والتضامن مع ما يبكى عليه ، وهذا تماما ما أشارت إليه الآية القرآنية المباركة:
                  ( إذا تتلى عليهم آيات الرحمن خرّوا سجدا وبكيا ).
                  فهذه الآية تتحدث بصورة واضحة عن قمة الولاء عند الإنسان المؤمن تجاه آيات الرحمن، وذلك أن المؤمن يتصاعد ولاؤه ويتعاظم تصديقه عند استماعه أو تلاوته لتلك الآيات، إلى أن يصل إلى القمة فيتجلى بكاؤه في صورة بكاء.
                  وذلك تماما على العكس من الضحك، إذ أن الضحك عند الاستماع إلى الآيات ما هو إلا تعبير عن اللاأبالية.. ولذا فإن الآيات القرآنية حين أثنت على حالة البكاء تلك، فإنها في نفس الوقت ذمّت حالة الضحك، فقد قال تعالى:
                  (فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون).
                  كل ذلك من جهة واحدة ترتبط بالفلسفة النفسية للبكاء، وقد تمثلت في الأثر الخارجي له، وأما الجهة الفلسفية الثانية التي تمثل الأثر الداخلي للبكاء، فغايتها أن للبكاء أثرا إيجابيا على نفسية الإنسان، لما يقوم به من دور في تنظيف أدرانها وشوائبها.. وذلك تماما عكس ما يصنعه الضحك، فهو إذا تجاوز عن حده أثر سلبا على نفسية الإنسان، ولذا عرضت به الروايات، فقد قال رسول الله "ص": " إياك وكثرة الضحك فإنه يميت القلب".
                  وقال الإمام علي " ع ": " من كثر ضحكه مات قلبه".
                  أما البكاء فهو يؤثر تأثيرا إيجابيا على نفسية الإنسان، وقد أشارت الآيات القرآنية إلى هذا المعنى حيث قال تعالى:
                  ( ويخرون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعا ).
                  فالبكاء كما هو صريح هذه الآية الشريفة يزيد الإنسان خشوعا وإيمانا، وزيادة الإيمان تعني التخلي من الرذائل والتحلي بالفضائل.
                  وقد تظافرت الروايات في تأكيد هذا المعنى الذي أشارت إليه الآية، من ذلك ما ورد عن الإمام علي "ع": " البكاء من خشية الله ينير القلب ويعصم من معاودة الذنب ".
                  ولأن للبكاء هذا الأثر الإيجابي العظيم ، نجد الإمام الصادق "ع" يدعو له أو لما هو أدنى منه وهو التباكي ويحث عليه بشدة، فقد قال: " إن لم يجئك البكاء فتباك، فإن خرج منك مثل رأس الذباب فبخ بخ ".
                  على ذلك فإن للبكاء آثارا إيجابية تنعكس على نفسية الإنسان، وهي بعينها الفلسفة النفسية للبكاء، ومؤداها أن البكاء إظهار لحالة ولائية منبعثة من داخل الإنسان تجاه قيمة نبيلة أو رمز عظيم، بالإضافة لما له من دور في تزكية النفس وطهارتها..
                  إن هذا هو عين ما نعتقده فيما يتصل ببكائنا على الإمام الحسين "ع"، فنحن عندما نبكي إنما في الحقيقة نعلن ولاءنا المطلق والعميق للإمام الحسين "ع" وللقيم العظيمة التي حملها ونادى بها من خلال نهضته المباركة في كربلاء، والتي لخصها في وصيته التي كتبها لأخيه محمد بن الحنفية، وقد جاء فيها: " وإني لم أخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما، وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي، أريد أن آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر، وأسير بسيرة جدي وأبي ".
                  الفلسفة الاجتماعية للدمعة
                  إن الفلسفة النفسية تعني في الحقيقة الفوائد التي تعود على الإنسان من خلال البكاء، أما الفلسفة الاجتماعية فهي الآثار التي تعود على النهضة نفسها بفعل البكاء، وبعبارة أخرى الدور المطلوب من الإنسان للمحافظة على أهداف النهضة الحسينية..
                  إننا وحتى نقترب أكثر من هذه الفلسفة، يستحسن بنا المرور وبشيء من التأمل على تجربة البكاء عند نبي الله يعقوب(ع)، فهي صورة مثلى لما نريد التوصل إليه تماما.. يقول تعالى في هذا الشأن:
                  ( وتولى عنهم وقال يا أسفى على يوسف وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم، قالوا تالله تفتأ تذكر يوسف حتى تكون حرضا أو تكون من الهالكين، قال إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون ).
                  إن هذه الآيات تبين بالتفصيل مستوى ذلك البكاء وحجم الحزن الذي سيطر على يعقوب(ع).. إذ ابيضت عيناه من كثرة البكاء، أي أصيب بالعمى، فقد جاء عن مقاتل أنه عمي ست سنين، وقد رافق ذلك البكاء حزن طويل (فهو كظيم)، أي مليء من الهم والحزن ممسك للغيظ لا يشكوه لأهل زمانه ولا يظهره بسانه.
                  وقد بلغ من حزنه وبكائه أن المحيطين به ضاقوا به ذرعا، فقالوا لا تزال تذكر يوسف (حتى تكون حرضا) فاسد العقل أو مشارفا على الموت، (أو تكون من الهالكين) الميتين.. وإنما قالوا ذلك لتبرمهم من بكائه أو لإشفاقهم عليه، وهذا يعني أنه (ع) صنع قضية من خلال بكائه على ابنه.
                  إنه فعلا بكاء مر وحزن طويل لدرجة حين سئل عنه الصادق(ع)، حيث قيل له: ما بلغ من حزن يعقوب على يوسف؟ قال: حزن سبعين حرى ثكلى.
                  والملفت للانتباه هنا أن يعقوب(ع) كان يعلم بأن يوسف على قيد الحياة، ومع ذلك بكى هذا البكاء الطويل والمر.. فقد روى علي بن إبراهيم القمي في تفسيره عن حسان بن سدير عن أبيه عن أبي جعفر الباقر(ع) قال: قلت له: أخبرني عن يعقوب حين قال لولده (اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه) أكان علم أنه حي وقد فارقه منذ عشرين سنة وذهبت عيناه من البكاء عليه، قال (ع): نعم علم أنه حي حتى أنه دعا ربه في السحر أن يهبط عليه ملك الموت في أطيب رائحة وأحسن صورة فقال له من أنت؟ قال: أنا ملك الموت أليس سالت الله أن ينزلني عليك؟ قال: نعم، قال: ما حاجتك يا يعقوب؟ قال له: أخبرني عن الأرواح تقبضها جملة أم تفريقا ؟ قال: يقبضها أعواني متفرقة ثم تعرض علي مجتمعة.. قال يعقوب: فأسألك بإله إبراهيم واسحق ويعقوب هل عرض عليك في الأرواح روح يوسف؟ قال: لا، فعند ذلك علم أنه حي فقال لولده: اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون.).
                  فإذا كان نبي الله يعقوب(ع) عكف على هذا المستوى من البكاء مع أنه يعلم بوجود ابنه وأنه سيعود إليه، فلابد أن يكون هناك سبب لذلك.. وفعلا كان هناك سبب مهم بينته الآيات في صدر سورة يوسف(ع)، وهو الذي جاء على لسان أبناء يعقوب(اقتلوا يوسف أو اطرحوه أرضا يخل لكم وجه أبيكم)..
                  إن أخوة يوسف لما رأوا اهتمام أبوهم به، تآمروا عليه بهدف محو اسمه من ذاكرة أبيه بأي طريقة، إما عبر القتل (اقتلوا يوسف) أو تغييبه في أرض لا يقدر معه ا لعود إلى بيت أبيه (أو اطرحوه أرضا).. فكلمة يخل في قوله تعالى (يخل لكم وجه أبيكم) يستفاد منها أنهم كانوا يطمحون إلى إلغاء شخصية يوسف ونسفها من حياة يعقوب(ع) ليصفوا لهم الجو، لكن حين أكثر يعقوب من البكاء على ابنه مدة عشرين سنة أفشل مؤامرتهم وحافظ على ذكر يوسف، بل تعاظم ذكره في الآفاق، لأنه صنع من اختفائه حدثا عظيما عبر البكاء.
                  إن هذا تماما ما نعنيه من الفلسفة الاجتماعية للبكاء، وهو أيضا ما ينطبق على بكائنا على الحسين(ع)، إذ أن القوى المعادية للحسين(ع) كانت تهدف إلى محو ذكر أهل البيت(ع) وطمس أي أثر لهم، كما ظهر في تصريحاتهم المشهورة:
                  " لا تبقوا لأهل هذا البيت من باقية "
                  " لا والله إلا دفنا دفنا "
                  ولهذا قالت الحوراء زينب(ع) لابن أخيها السجاد(ع) وهي على ظهر الناقة:
                  " وليجتهدن أئمة الكفر وأشياع الضلالة في محوه وطمسه...".
                  وقالت مخاطبة يزيد في مجلسه:
                  " فوالله لا تمحو ذكرنا ولا تميت وحينا...".
                  فقد كان الأعداء يهدفون إلى طمس ذكر أهل البيت(ع)، وكان البكاء هو الوسيلة المناسبة التي تحافظ على ذلك الذكر عبر الأجيال، فهو أشبه بتحد لتلك القوى وإصرار على التمسك بحبل أهل البيت وبقضيتهم مهما طال الزمان.. ولهذا أكد الأئمة(ع) على البكاء والتباكي على الحسين(ع) بلا انقطاع.


                  اللهم صل على محمد وال محمد


                  عظم الله لكم الاجر اخي الكريم واستاذنا الفاضل
                  (ابو محمد الذهبي )


                  وبوركت ردودكم القيمة التي تفيضون بها على محوركم الاسبوعي المبارك


                  وفيها الكثير من ومضات المعرفة بالدمعة الحسينية وتأثيرها على الاملاك والافلاك معا


                  وصدقتم فالكثير ينعت ديننا بالحزن والالم

                  لكن ذلك الالم وتلك الدمعة هي عين الراحة والسعادة


                  وتلك الدمعة هي التي تجلب الرضوان وتسكننا الجنان العلى


                  نعم قد يسال سائل هي مجرد دعة عابرة فلماذا لها كل هذا الجزاء


                  فتاتي الروايات التي استفضتم بها


                  بانها ماء التوبة يزيل اثر الذنوب ودرن المعاصي من القلوب التي ابعدتها تلك الحسرات عن حياض الرحمة الالهية


                  ليكون الدمع ثورة ومنهجا وسبيلا للتغير والكمال ...


                  بارك الله بسعيكم وبجيل ردودكم اخي الكريم ...


















                  التعديل الأخير تم بواسطة مقدمة البرنامج; الساعة 20-10-2015, 12:03 AM.

                  تعليق


                  • #10

                    عظم الله أجورنا وأجوركم بشهادة الثائر العظيم إمامنا وإمام العالمين صاحب الرسالة العظيمة

                    كيف لا نبكيه ولا نندبه بدموعنا ولطم صدورنا فهو أبكى جميع المخلوقات وأحزن القلوب بالظلم الذي قد حل به
                    فقد خصه سبحانه بفضل تغبطه عليه جميع العالمين وجعل البكاء عليه يطفئ نيران جهنم اللاهبة ، فقد ورد عن الإمام الصادق
                    (عليه السلام) قال : قال أبي عبد الله الحسين :
                    أنا قتيل العبرة لا يذكرني مؤمن ألا استعبر .
                    وعن الامام علي بن موسى الرضا (عليه السلام) :
                    أن يوم الحسين أقرح جفوننا , واسبل دموعنا , وأذل عزيزنا بأرض كرب والبلاء , وأورثنا الكرب والبلاء الى يوم الانقضاء , فعلى مثل الحسين فليبكِ الباكون , فأن البكاء عليه يحط الذنوب العظام.
                    وعن الإمام الرضا (عليه السلام) :
                    قال : من تذكر مصابنا وبكى لما ارتكب منا كان معنا في درجتنا يوم القيامة ,
                    ومن ذكر بمصابنا فبكى وابكى لم تبك عينه يوم تبكي العيون , ومن جلس مجلسا يحيى فيه أمرنا لم يمت قلبه يوم تموت القلوب
                    .
                    وبعد هذا الفضل العظيم كله من لا يبكيك سيدي ومولاي أبا عبد الله
                    وفي بكائنا تعزية لأمك سيدة نساء العالمين بمصابها بك سيدي أبا عبد الله
                    فالبكاء قليل بحق هذا الامام العظيم صاحب الرسالة الإلهية أروحنا لتراب مقدمه الفداء





                    الملفات المرفقة
                    كُن بلسماً إن صار دهرك أرقما ـ وحلاوةً إن صار غيركَ علقماً
                    ولا تيأس ـ ففي كل صباح يولدُ أمل جديد

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X