ودعها وطبع قبلة على جبينها، وعينيه ترنو إلى أحباب الله وهم يلعبون في الزقاق..
تحسر وتذكر يوم زواجه قبل سبع سنوات، كيف طلب من عروسه أن تنجب له أولاد وبنات، لتزهو أيامه بهم..
تمر السنين وتسقط كل يوم ورقة من عمره شابهت أوراق الخريف، حياته جدباء لا اخضرار فيها،
لو لا زوجته فيها لكانت ظلاما دامسا..هي من تجعل طعم أيامه حلوا بصبرها ومواساتها وجميل عشرتها..
لاطف أبناء الجيران بحنو اعتادوه منه... وثمة طفل انزوى بعيدا.. امتطى صهوة ذكرياته مع والده الذي أستشهد
وهو يدافع عن بسمة ولده وأمانه..
اقترب عدنان من هذا اليتيم ناداه: لم أنت بعيد يا منتظر؟ تعال لأودعك قبل التحاقي، فرفاقي ينتظرونني على سواتر الحق..
أجابت عيون الفتى بقطرات من الدموع.. قطعت قلب عدنان: لماذا البكاء يا حبيبي؟
الم اجلب لك لوازمك المدرسية؟ الم اشتري لك ملابس العيد؟ الم أرافقك في مشاويرك؟
فهل ينقصك شيء أيها الغالي قبل أن اذهب؟ تكسر صوت منتظر بعبراته: أخاف أن تذهب ولا تعود مثل أبي..
ارتسمت على وجه عدنان تقاطيع الاستبشار يخالطها الذهول..ما يقول هذا الطفل الذي رأى لوعة فقدان والده؟
فأجابه: حبيبي.. أن أموت وأنا أدافع عنك وعن أخواتك وعن الوطن هذا يعني إني أكمل مسيرة والدك في الحفاظ عليكم
واعلم بأنك ستكون رجلا يُعتمد عليه في غيابي وستحل مكاني وتراعي زوجتي وأهلي... أنا اعتمد عليك أيها الرجل النبيل..
خذ مكانك من الآن..
احتضنه وودعه وداع الأبطال وترك في نفس الصغير أثرا من الاعتداد بالنفس والفخر..
طوت أقدام عدنان الأرض وهو يحمل معه أرشيف ذكريات استعادها حينما تحركت السيارة التي تقله...
شريط طفولته...وأصدقائه .. وأهله..وشريط زواجه..والجيران وأطفالهم وتذكر كيف إنهم استقبلوا جثمان والد منتظر الشهيد..
لم يعلم كم مضى من الوقت حتى انتهى الطريق ووصل إلى ارض المعركة والتقى رفاقه وسأل عن آخرين تبين له إنهم التحقوا
بركب أصحاب الإمام الحسين عليه السلام.. استرجع وحمد الله وسأل الله أن يلتحق بهم..
آن أوان وضع خطة الاقتحام والتقدم نحو العدو..كانت خطة محكمة ولكن هناك بيت مفخخ يحول دون تنفيذ الخطة والقضاء
على الدواعش...فما العمل؟
بدون تردد استعار عدنان من الأسد زئيره وزمجرته ضاربا صدره بيده قائلا: أنا لها..
سأله أصدقائه: كيف يا عدنان وماذا ستفعل؟
بكل صلابة وإصرار استمدهما من شجاعة كافل الحوراء عليه السلام زمجر: سأفتح لكم الطريق بجسدي،
فلا خير فيه إن لم انذره للنصر...عارضه رفاقه فأبى قائلا: أنا الوحيد بينكم ليس لدي أولاد، أما انتم فلديكم أولاد بحاجة إليكم.
ترك هاتفه عند صديقه وتقدم مهرولا نحو الجنان فقد رأى طريقها ، وكُشف له الغطاء عن مباهجها ..
فترك الدنيا وتناثر جسده كقطع الحلوى التي تُنثر على العريس في ليلة زفافه..
صالوا رفاقه وجالوا على العدو واخذوا بثأر عدنان وارتفعت تكبيراتهم وتهليلاتهم مع روح عدنان التي سبقتهم إلى الجنان..
رن هاتفه عند صديقه وكان المتصل اخو عدنان ..( الو عدنان وينك؟ عندي بشارة الك؟ ليش متجاوب عالتلفون..
عدنان زوجتك حامل)
أجاب صديقه بصوت متحشرج : أبشرك إن عدنان التحق بقافلة حبيبه الحسين.
تعليق