بسم الله الرحمن الرحيم
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
((اللّهم صلّ على محمد وآله، وبلِّغ بإيماني أكمل الإيمان))..
هذا المقطع الشريف هو من دعاء مكارم الأخلاق، للإمام زين العابدين عليه السلام..
وهنا الامام عليه السلام ينتقل بعد الصلاة على محمد وآله إلى مقام سؤال حوائجه من الله تعالى، ويبدأها بهذه الكلمات الأربع: (بلّغ بإيماني أكمل الإيمان) أي أنت يا ربِّ صعِّدني؛ فإني من دون عونك لا أستطيع الصعود والبلوغ بإيماني أكمل الإيمان، لأني مثقل بالذنوب. وإنّ مثلنا في هذا الطريق مثل الإنسان الذي يحمل أثقالاً كثيرة، فهل يستطيع تسلّق الجبال أو القفز والوثوب!! أم تراه يهوي ويتحطم وسط الطريق؟ إننا مثقلون بالشهوات وهذه الشهوات أوجدت فينا أطناناً من الثقل، شئنا ذلك أم أبينا، والتفتنا إلى ذلك أم لم نلتفت. فقد يتأمل الإنسان فيلتفت إلى ثقل الشهوات، وقد لا يتأمل فلا يلتفت للأمر أصلاً. بيد أن الله سبحانه -للمصالح التي هو ارتآها وأرادها- أودع فينا هذه الشهوات، وهي تثقلنا إن لم نستعن بالله تعالى، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
فمهما كنت ذكياً وواعياً ونشطاً ومستوعباً لأطرافك وما يحيط بك ولحدود الأمور، فماذا عساك أن تصنع بثقل الشهوات، وهو ثقل واقعي ومانع دون رقيّ الإنسان وصعوده إن لم يعنْه ربّه؛ قال تعالى: ((قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)) (الفرقان: 77).
ولهذا يعلّمنا الإمام عليه السلام في هذا الدعاء أن نطلب من الله تعالى أن يأخذ هو بأيدينا، فيقول عليه السلام: (اللّهم بلِّغ بإيماني أكمل الإيمان).
فمهما بلغ الإنسان من المراتب العالية فهو بحاجة إلى عون الله تعالى وتسديده، ولا يستطيع أن يبلغ الكمال وحده؛ فحتى من توفّر على ملكة العدالة بأحوط معانيها أي خطا في مراتب القدس، واجتنب في مقام العمل كلَّ المحرمات وأتى بكلّ الواجبات عليه وكان عنده فوق ذلك كله ورع كامل، ليس قادراً على النهوض والارتقاء من دون أن يعينه الله على ذلك ويأخذ بيده؛ لأن الشهوات تثقله، وليس هو بمعزل عنها مادام بشراً.
وقد ينجح المرء في كبح بعض شهواته، كالمرتاضين الذين يحقّقون ذلك ببعض الممارسات، ولكن ماذا يفعل الإنسان والشهوات كثيرة لا تحصى، إن استطاع أن يخفف من غلواء بعضها بالترويض والتمرين فإن هذا وحده لا يكون كفيلاً بكبح الشهوات الأخرى التي تثقله وتشّده إلى الأرض؛ وإليك مثالاً واحداً على تنوّع الشهوات وشدة ابتلاء الإنسان بها:
جاء في بعض الكتب الفقهية أن الرياء قد يكون بترك الرياء. وتوضيحه: أن الشخص قد يطيل ركوعه وسجوده ويحسن القراءة ويتظاهر بالخشوع بسبب وجود شخص آخر ملتفت إليه، وهذا هو الرياء المتعارف، ولكنه قد يعمد إلى خلاف ذلك إذا كان الناظر برأيه ذكياً يعرِف من حاله لو أطال وحسّن في ظاهر صلاته أنها ليست صلاته العادية وأنه يرائي فيها، فيأتي بصلاة عادية لكي يقول عنه الناظر إنه غير مراءٍ. وهذا هو المقصود من قولهم إنه رياء أيضاً، وإن الرياء قد يكون في ترك الرياء، أي في ترك التظاهر بالخشوع وما أشبه.
أرأيت كيف أن الشهوات تحيط بنا من كل جانب؟!
والغريب أن أكثر الناس يفهمون هذه الأمور جيداً وإن لم يستطيعوا التعبير عنها بشكل جيد وكامل..
ومن هنا نفهم طلب الإمام عليه السلام من الله تعالى كمال الإيمان، مضافاً إلى أنه لم يستعمل كلمة (أكمل) أو (أبلغ) بل قال: (وبلِّغ). ومن الواضح أن هذه الصيغة يستفاد منها التدرج، مما يدلّ على أن الأمر لا يحصل دفعة واحدة كالقفز مثلاً بل شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً، وإن كانت مراتب التدريج تختلف من شخص لآخر. فأهل جهنم لم يريدوا لأنفسهم الشقاء ولم يصبحوا كذلك دفعة واحدة بل انحدروا إليها قليلاً قليلاً..
وإذا عرفنا أنّ الشهوات والماديات المحيطة بالإنسان كثيرة، أدركنا كثرة المغريات التي تجذب الإنسان وتحول دون ارتقائه سلّم المعنويات. ولهذا نرى الناس ((يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ)) (الروم: 14)، أي يوم القيامة.. أو كما عبرت عن هذا الاختلاف آية أخرى في قوله تعالى: ((هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّـهِ)) (آل عمران : 163).. ويُروى أن المؤمنين ينظر بعضهم إلى بعض يوم القيامة فيقول بعضهم إن فلاناً كان قريباً مني ومن مجلسي في الدنيا ولكني الآن أراه كالنجم بعيداً عني، فيقال له: إن هذا خلص في إيمانه أكثر منك فحصل على هذا الموقع..
إنه لربح عظيم أن يبلّغ الله بإيماننا أكمل الإيمان ولو لساعة قبل الموت مهما طال بنا العمر.. وما أفدح خسارتنا إن لم نحصل على ذلك!
لذا نسأله تعالى أن يبلّغنا أكمل الايمان بجاه محمد وآل محمد عليهم السلام..
ـــــــــــــــــــــــــ
المصدر: شرح دعاء مكارم الأخلاق
ولله الحمد والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين محمد وآله الطاهرين
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته..
((اللّهم صلّ على محمد وآله، وبلِّغ بإيماني أكمل الإيمان))..
هذا المقطع الشريف هو من دعاء مكارم الأخلاق، للإمام زين العابدين عليه السلام..
وهنا الامام عليه السلام ينتقل بعد الصلاة على محمد وآله إلى مقام سؤال حوائجه من الله تعالى، ويبدأها بهذه الكلمات الأربع: (بلّغ بإيماني أكمل الإيمان) أي أنت يا ربِّ صعِّدني؛ فإني من دون عونك لا أستطيع الصعود والبلوغ بإيماني أكمل الإيمان، لأني مثقل بالذنوب. وإنّ مثلنا في هذا الطريق مثل الإنسان الذي يحمل أثقالاً كثيرة، فهل يستطيع تسلّق الجبال أو القفز والوثوب!! أم تراه يهوي ويتحطم وسط الطريق؟ إننا مثقلون بالشهوات وهذه الشهوات أوجدت فينا أطناناً من الثقل، شئنا ذلك أم أبينا، والتفتنا إلى ذلك أم لم نلتفت. فقد يتأمل الإنسان فيلتفت إلى ثقل الشهوات، وقد لا يتأمل فلا يلتفت للأمر أصلاً. بيد أن الله سبحانه -للمصالح التي هو ارتآها وأرادها- أودع فينا هذه الشهوات، وهي تثقلنا إن لم نستعن بالله تعالى، وهذه حقيقة لا يمكن إنكارها.
فمهما كنت ذكياً وواعياً ونشطاً ومستوعباً لأطرافك وما يحيط بك ولحدود الأمور، فماذا عساك أن تصنع بثقل الشهوات، وهو ثقل واقعي ومانع دون رقيّ الإنسان وصعوده إن لم يعنْه ربّه؛ قال تعالى: ((قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلَا دُعَاؤُكُمْ)) (الفرقان: 77).
ولهذا يعلّمنا الإمام عليه السلام في هذا الدعاء أن نطلب من الله تعالى أن يأخذ هو بأيدينا، فيقول عليه السلام: (اللّهم بلِّغ بإيماني أكمل الإيمان).
فمهما بلغ الإنسان من المراتب العالية فهو بحاجة إلى عون الله تعالى وتسديده، ولا يستطيع أن يبلغ الكمال وحده؛ فحتى من توفّر على ملكة العدالة بأحوط معانيها أي خطا في مراتب القدس، واجتنب في مقام العمل كلَّ المحرمات وأتى بكلّ الواجبات عليه وكان عنده فوق ذلك كله ورع كامل، ليس قادراً على النهوض والارتقاء من دون أن يعينه الله على ذلك ويأخذ بيده؛ لأن الشهوات تثقله، وليس هو بمعزل عنها مادام بشراً.
وقد ينجح المرء في كبح بعض شهواته، كالمرتاضين الذين يحقّقون ذلك ببعض الممارسات، ولكن ماذا يفعل الإنسان والشهوات كثيرة لا تحصى، إن استطاع أن يخفف من غلواء بعضها بالترويض والتمرين فإن هذا وحده لا يكون كفيلاً بكبح الشهوات الأخرى التي تثقله وتشّده إلى الأرض؛ وإليك مثالاً واحداً على تنوّع الشهوات وشدة ابتلاء الإنسان بها:
جاء في بعض الكتب الفقهية أن الرياء قد يكون بترك الرياء. وتوضيحه: أن الشخص قد يطيل ركوعه وسجوده ويحسن القراءة ويتظاهر بالخشوع بسبب وجود شخص آخر ملتفت إليه، وهذا هو الرياء المتعارف، ولكنه قد يعمد إلى خلاف ذلك إذا كان الناظر برأيه ذكياً يعرِف من حاله لو أطال وحسّن في ظاهر صلاته أنها ليست صلاته العادية وأنه يرائي فيها، فيأتي بصلاة عادية لكي يقول عنه الناظر إنه غير مراءٍ. وهذا هو المقصود من قولهم إنه رياء أيضاً، وإن الرياء قد يكون في ترك الرياء، أي في ترك التظاهر بالخشوع وما أشبه.
أرأيت كيف أن الشهوات تحيط بنا من كل جانب؟!
والغريب أن أكثر الناس يفهمون هذه الأمور جيداً وإن لم يستطيعوا التعبير عنها بشكل جيد وكامل..
ومن هنا نفهم طلب الإمام عليه السلام من الله تعالى كمال الإيمان، مضافاً إلى أنه لم يستعمل كلمة (أكمل) أو (أبلغ) بل قال: (وبلِّغ). ومن الواضح أن هذه الصيغة يستفاد منها التدرج، مما يدلّ على أن الأمر لا يحصل دفعة واحدة كالقفز مثلاً بل شيئاً فشيئاً وقليلاً قليلاً، وإن كانت مراتب التدريج تختلف من شخص لآخر. فأهل جهنم لم يريدوا لأنفسهم الشقاء ولم يصبحوا كذلك دفعة واحدة بل انحدروا إليها قليلاً قليلاً..
وإذا عرفنا أنّ الشهوات والماديات المحيطة بالإنسان كثيرة، أدركنا كثرة المغريات التي تجذب الإنسان وتحول دون ارتقائه سلّم المعنويات. ولهذا نرى الناس ((يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ)) (الروم: 14)، أي يوم القيامة.. أو كما عبرت عن هذا الاختلاف آية أخرى في قوله تعالى: ((هُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ اللَّـهِ)) (آل عمران : 163).. ويُروى أن المؤمنين ينظر بعضهم إلى بعض يوم القيامة فيقول بعضهم إن فلاناً كان قريباً مني ومن مجلسي في الدنيا ولكني الآن أراه كالنجم بعيداً عني، فيقال له: إن هذا خلص في إيمانه أكثر منك فحصل على هذا الموقع..
إنه لربح عظيم أن يبلّغ الله بإيماننا أكمل الإيمان ولو لساعة قبل الموت مهما طال بنا العمر.. وما أفدح خسارتنا إن لم نحصل على ذلك!
لذا نسأله تعالى أن يبلّغنا أكمل الايمان بجاه محمد وآل محمد عليهم السلام..
ـــــــــــــــــــــــــ
المصدر: شرح دعاء مكارم الأخلاق
تعليق