إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

من قمة عاشوراء إلى بحر الظهور

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • من قمة عاشوراء إلى بحر الظهور

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
    وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
    وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
    السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته



    وعندما تنقضي أربعينية شهادة الحسين بن علي، عليهما السلام، وأبنائه وأصحابه الميامين، تنحسر حماسة العزاء الحسيني شيئا فشيئا، وتعاد البيارق والأعلام إلى المساجد والتكايا ومواكب العزاء، إلى أن يحين عام آخر ومحرم آخر، ينصب فيه شيعة آل محمد (ص) خيم العزاء ويقيمون مجالس العزاء الحسيني ويضيئون شموع المآتم.
    ففي عام 61 للهجرة، عندما كانت القافلة تعود من رحلة "الشام" الشاقة والمرهقة، هرعت إلى زيارة الشهداء في صحراء "نينوى" وصحراء "كربلاء" قبل أن تستقر في "المدينة". زيارة حضرة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وأصحابه الأوفياء.
    بعبارة أخرى، فقد عاد الباقون من موكب الحسين، عليه السلام، إلى كربلاء، لتتسم عاشوراء ، ببهاء وجلال في يوم الزيارة والأربعين الحسيني، رغم أنف الأمويين الحاقدين.
    ومع هذه الزيارة، تخرج عاشوراء من صحراء كربلاء، فيما كان الأعداء قد سخروا جل جهدهم للتغطية على النهضة وحصر العاشورائيين بصحراء كربلاء. وكانوا يظنون أن بوسعهم وضع نهاية للنهضة من خلال قمع قافلة الإمام بمدد المكر والختل.
    فمع الأربعين و "زيارة الأربعين"، خرجت الزيارة والنهضة من حدود الزمان والمكان المغلقين والمحدودين بعام 61 للهجرة وجرت في أرضية التاريخ كالنهر الهادر. لذلك، استخدمت في مطلع هذا البحث عنوان "من قمة عاشوراء إلى بحر الظهور" لتتبارد إلى الأذهان صورة عن نهر عاشوراء الجاري في أرضية التاريخ.
    وإن كانت نهضة عاشوراء الحسين، عليه السلام، بقيت في كربلاء، لما كان تتاح لها إمكانية تجاوز حدود الزمان والمكان.
    ويتبين مجرى النهضة وعاشوراء الحسين، عليه السلام، من الأربعين والزيارة، لكي يمر هذا النهر الهادر عبر الصدور الرحبة للناس، ويغطي جميع الساحات الثقافية والحضارية لسكان الأرض.
    وبذلك تكون إمكانية التصرف قد انتزعت من جميع الذين كانوا يسعون لدفع موضوع النهضة وغايتها إلى بوتقة النسيان والقدم. لذلك وكما ورد في الكثير من الأدعية والزيارات الخاصة بابي عبدالله الحسين، عليه السلام، وأواخر "زيارة الأربعين"، فان واقعة عاشوراء الدامية، تواصلت وترابطت مع أهم موضوع في حياة الإنسان، أي "حكمة التاريخ" و "الخطة الإلهية العامة" لخلق العالم والإنسان.
    ومع مراجعة الفهم العام والفطري للإنسان في كل الأزمنة من الماضي والحاضر والمستقبل، والأمكنة الممكنة، يمكن الوصول إلى أن الإتجاه والنزعة العامة والجماعية للإنسان، تذكر بالفصل الأخير للحضور على سطح الأرض وفي الوقت ذاته أكثر فصوله تكاملا ونورانية، ذلك الشئ الذي ورد في الأدب الديني وفي جغرافيا تأسيس وتشكل الدولة الكريمة للإمام المبين، بعد السنوات العصيبة في آخر الزمان والوعد بتحققها.
    إن الترابط النسبي (سلسلة الولاية والإمامة والوصاية) والسببي (نهضة الإمام الحسين الداعية للعدل) والثارات التي ينادي بها الإمام المهدي، عليه السلام، يعرض الترابط اللازم بين "نهضة عاشوراء" و "نهضة وقت الظهور" ويذكرّ الجميع به.


    آية المودّة
    لقد بين المفسرون الشيعة وأهل العامة أسباب نزول عديدة ل"آية المودة":
    "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ". ويقول الإمام الصادق (ع) في هذا الخصوص ما مضمونه أنه عندما عاد رسول الله (ص) من حجة الوداع إلى المدينة، جاء إليه أهل المدينة وقالوا يا رسول الله أن هجرتك إلى المدينة تعد شرفا عظيما منه الله علينا... إنه لصعب علينا أن يأتي إليك أناس لحل مشاكلهم ولا تملك مالا تدفعه إليهم وقد يلومونك، إننا نود أن نمنحك ثلث مالنا حتى إن جاء أناس إلى المدينة، أن يكون لديك شئ من المال لتعطيهم إياه.
    ولم يرد عليهم رسول الله (ص) وانتظر حتى صدر الأمر عن الله تعالى ونزلت هذه الآية الكريمة:
    "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".
    وقال الإمام الصادق في ختام الرواية إن المنافقين إنزعجوا مع سماع هذه الاية الكريمة وقالوا، إن الله لم ينزل هذه الاية الا أن يريد النبي فرض إبن عمه، علي، من أهل البيت علينا. لان النبي كان قد قال يوم امس:
    "مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فعليّ مَولاه"؛ واليوم يقول "لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".
    والأحاديث الشريفة في ذلك ملء الكتب، اذ روي عن ابن عباس قال: لمّا نزل قول الله تعالى: "قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى". قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟
    قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): عَليٌّ وفاطِمَةٌّ والحَسَن والحُسَين".

    وقد استند علماء الشيعة إلى روايات أهل البيت، عليهم السلام، والمستخرجة من مصادر التفسير والحديث لأهل السنة، للإستدلال حول مصداق "آية المودة".
    وسُئل الإمام السجاد، عليه السلام، حول هذه الآية، فقال: هِيَ قِرابَتِنا أهلُ بَيْت مُحمدّ؛
    وقد بينّ المعصومون، عليهم السلام، هذا الموضوع بصراحة لكي لا تبقى أي شبهة لدى الناس. فقد جاء في "تفسير القمي" عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق، عليه السلام قال حول هذه الاية: إن القصد من القربى هم أهل البيت.
    وفي الأيام الأولى التي تلقت واقعة عاشوراء، لما جيء بعلي بن الحسين، عليهما السلام، أسيراً فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم!.
    فقال له الامام علي بن الحسين : أقرأت القرآن؟.
    قال : نعم.
    قال : أقرأت الـ "حم"؟.
    قال : نعم.
    قال : أما قرأت : "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى".
    قال : فانكم لأنتم هم؟.
    قال : نعم.
    وقد تكرر هذا المضمون والمحتوى من "آية المودة" وذكر مصاديق القربى، في الروايات، بحيث أن أيا من مذاهب أهل السنة والشيعة، لم ينكروا صحة الروايات والتطابق الحاسم للمصاديق.
    حُب وبُغض آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم
    لقد كان موضوع حب وبغض آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم والنتائج المترتبة عليه، قائما طوال سنوات وجود النبي الاكرم (ص) بين المسلمين وجرت نقاشات حوله.
    إنهم كانوا يعلمون بان حُب أهل البيت، عليهم السلام، هي حُب الله، فقد ورد:
    "وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ"؛
    وقد نقل الزمخشري وهو من مشاهير مفسري أهل العامة وصاحب تفسير "الكشاف" في تفسير آية "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ"، الحديث التالي عن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم:
    قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات شهيداً, ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات مَغفورا له ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات تائبا ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، بشره ملك الموت بالجنة ،ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، يُزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، جعل الله زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات على السُنة والجماعة ، ألا ومن مات على بُغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بُغض آل محمد ، مات كافرأ ، ألا ومن مات على بغض آل محمد ، لم يشم رائحة الجنة".
    ويُستشف من روايات كهذه بان حُب أهل البيت، عليهم السلام، يحظى في حد ذاته بقيمة واعتبار خارقين، بحيث جاء في بعض الروايات بأنه أفضل العبادات، بحيث نقل في رواية عن الإمام الصادق، عليه السلام:
    "إنَّ فَوقَ كُلِ عِبادَة عِبادَةٌ وحُبُّنا أهْلَ البَيْتِ أفْضَلُ عِبادة".
    ومن وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليهم وآله وسلم :
    يَا أَبَا ذَرٍّ :.. واعْلَمْ : أَنَّ أَوَّلَ عِبَادَةِ اللَّهِ الْمَعْرِفَةُ بِهِ ، فَهُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْ‏ءٍ فَلَا شَيْ‏ءَ قَبْلَهُ ، وَ الْفَرْدُ فَلَا ثَانِيَ لَهُ ، وَ الْبَاقِي لَا إِلَى غَايَةٍ . فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ شَيْ‏ءٍ ، وَهُوَ اللَّهُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَهُوَ عَلى‏ كُلِّ شَيْ‏ءٍ قَدِيرٌ .
    ثُمَّ الْإِيمَانُ : بِي ، وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَنِي إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ ، بَشِيراً وَ نَذِيراً ، وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً .
    ثُمَّ حُبُّ أَهْلِ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً "؛

    وفي رواية قال الإمام علي، عليه السلام:
    "أحْسَنُ الحَسَناتِ حُبُّنا وأسْوَءُ السَّيئاتِ بُغْضُنا"؛
    وقد وردت تعابير مختلفة حول أهمية ومكانة حجة أهل البيت، عليهم السلام، في كلام المعصومين، عليهم السلام لدرجة أنها اعتبرت أساس التدين وجوهر الإسلام والباقيات الصالحات وعلامة الإيمان، وفي المقابل، فان بُغضهم أعتبر بمنزلة الخروج عن الإيمان وعلامة النفاق.
    عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الإسلام عُريان فلباسُه الحَياء، وزينَتُهُ الوفاء، ومُروءتُه العمل الصالح، وعِماده الوَرَع، ولكل شئ أساس وأساس الإسلام حُبنا أهل البيت"؛
    فإن هذه العبارات والتوصيفات في الروايات والأحاديث قد وردت وثبتت في مصادر أهل العامة أيضا.
    إن هذه المجموعة، تبيّن بان إبداء الحُب والمودة لآل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، هو أساس التدين، وإن من زار كربلاء وغادرها إلى مدينته ودياره، كمن نشر وبشر ب"العشق المقدس" تجاه أعز أسرة النبي الاكرم (ص) وكذلك نشر وبشر ب"الحقد المقدس" تجاه كل الذين يكنون البغضاء لهذه الأسرة أو أظهروها فعلا





  • #2
    الزيارة الحمراء ( معنى الحياة في عصر الغيبة )
    إن الحديث يدور حول القدوات واولئك الذين يجسدون بصدق معنى وحقيقة الحياة، وهذه الخصوصية تعود إلى رجل نهض بعد ما شاهد ضياع وعتامة قوم زمانه، ليصنع نموذجا وقدوة سامية لهم.

    إن الحديث يدور حول القدوات واولئك الذين يجسدون بصدق معنى وحقيقة الحياة، وهذه الخصوصية تعود إلى رجل نهض بعد ما شاهد ضياع وعتامة قوم زمانه، ليصنع نموذجا وقدوة سامية لهم.
    إن إنحباس الأنفاس في الصدور، والإستغراب والحيرة والبؤس، وهبوط سياط الناهبين على الأجساد، وعجز الأرجل عن المشي والذهاب والغفلة التامة التي أفرغت كل شئ من معناه، وغروب شمس الحقيقة خلف جبال الظلم الشاهقة، حرّكت رجلا مقداما من سلالة الحقيقة.
    لقد نهض من مكانه ليضحي بنفسه ويقدم روحه، لكي يهدم جميع الجدران والستائر التي حجبت الشمس.
    وتحول إلى حماسة وملحمة في الأفئدة وحوارات في الألسن وبحث كبير في الرؤوس وقصة وأمنية في القلوب المشتاقة ومثالا يفسر الوجود والصيرورة والرحيل.
    إن الحسين، عليه السلام، كان بداية قصة كبيرة وروحا في جميع الأجساد الهزيلة والمتجمدة! ونارا شبت في الكبير والصغير وحماسة مرت على جميع المدن والبلاد.
    إنه الذي أصبح في ليلة ديجور، شعلة وضاءة متوجهة لتقذف النار في كل الصدور، وتوقظ الضمائر النائمة مع إطلاق أنشودة العشق في آذان الانفس.
    لقد سار الحسين، عليه السلام، لينبذ مجمل الحياة الممسوخة ويزيل الشوائب والزوائد التي علقت على جدران حياة الإنسان، ليفهمه:
    في وقت نسيان الموت، فلا أساس للحياة، عسى أن يستشهدوا بالله ويتخلصوا من كل ذلك الظلام.
    لقد أدرك الحسين عليه السلام، جيدا أنه لا صلة بينه وبين أبناء الظلام والخراب بالتبني. عبد خرّ ساجدا على عتبة المعبود ليصنع من التحرر والخلاص إماما لنفسه. إنه تحدث في الخطوة الأولى عن الشهادة ليعلن: أنه نهض لا من أجل الحياة بل من أجل الموت! وكان قد قال:
    "سأمضي وما بالموت عار على الفتى إذا ما نوى خيرا ، وجاهد مسلما
    وواسى الرجال الصالحين بنفسه وفارق مذموما وخالف مجرما
    أقدم نفسي لا أريد بقاءها لتلقى خميسا في الوغاء عرمرما
    فإن عشت لم ألم وإن مت لم أذم كفى بك ذلا أن تعيش مرغما"

    إن الحديث عن القدوات والعبء الثقيل الذي يحملونه، يعود إلى رجل يحمل على كاهله معاناة كل البشرية، في وقت ابتلع الظلام البلاد الاسلامية باسرها.
    فقد بدأ الحسين، عليه السلام، ابن علي بن أبي طالب عليه السلام وفاطمة عليها السلام رحلة [وفتح دفترا] كان يجد فيها كل العالم والبشرية، تفسيرا آخر، خاليا من أي تحريف، كما كان هو قد بلغه عن طريق الحقيقة وأراده ليكشفه للجميع.
    إن إلقاء نظرة على أوراق هذا الدفتر الضخم، يظهر بانه، الحسين عليه السلام، بدأ رحلته لا من أجل الحياة ولا للحكم على مدينة الصم والبكم، بل لتبيان آية الموت والشهادة، حينما لم تُشاهد أي علامة عن معنى الموت وحقيقته وسقط الجميع عندما نسوا الموت، في براثن فتنة الدنيا ولم تكن فيها أي موعظة ونصيحة، ذي فائدة وان الجهاز الدعائي للأجانب قد قلب بواسطة الموت، مفهوم الحياة رأسا على عقب بحيث أن أبناء البشرية، لا يتذكرون أي معنى واضحا للحياة، وأن الحياة لم تكن قائمة في الحقيقة بمفهومها الصحيح حتى يترتب عليها معنى صحيح ناهيك عن أن رجلا كالحسين عليه السلام، يريد أن يحرك في ذهنه، رغبة الحكم والإمارة على ذلك المستنقع العفن.
    وترافقت بدايات رحلة الإمام الحسين، عليه السلام، مع كلام في وصف جمالية الموت، وخاتمته موت أحمر في وسط الميدان!، على أمل أن ينكشف وجه الحقيقة في أرض حافلة بالكدر وغطت الحجب السميكة، كالسحاب الداكنة، الحقيقة، بينما كان الضلال والإنحراف [عن الحق] قد زعزع نفوس الناس وأذلهم وأوهنهم، فلم يبق من كتاب الله والنبي وسنته، إلا إسم على غير مسمى.
    وكان الحسين بن علي،عليهما السلام، يعرف جيدا بانه يجب أن تتضح مرة أخرى، منطلق رحلة الإنسان ووجهتها لكي يجد معها مغزى لصورة الحياة وسيرتها، لأنه سيتعذر سلوك الطريق وتحديد الوجهة في جادة الحياة وفي وقت التواجه مع الطرق الصحيحة والطرق الإنحرافية من دون أن تنجلي الغاية من السفر.
    إن ما كان الحسين عليه السلام، يعتبره ضالة أهالي عصره، لا طريق الحياة، بل طريقة الموت، لأن كيفية الحياة، ستتجلى على خلفية ذلك الوعي.
    إنه كان يفسر الموت، لأناس رماهم نسيانه، في مستنقع إسم بلا مسمى يدعى الحياة. وكان عليهم أن يتعلموا كيف يمكن السير على جادة الحياة تشوقا لنيل ذلك الموت الجميل.
    وفي ذلك البحر والعصر، أحاط سوء فهم هائل، بالمسلمين من جميع الجهات، إنهم إنطلقوا من دون سند يستندون إليه. وهو المجاز الذي يغطي وجه الحقيقة، وكأن الجميع وضعوا يدا بيد، لإلباس جسم الخداع والحيلة والمكر والكذب، ثياب الصلاح، عسى أن يقضوا أيام حياتهم على الأرض في سعادة [وهمية].
    وكل هذا، كان نتاج عصر أمسك فيه أكثر الحكام جهلا، بزمام الأمور وكانوا يحكمون الناس تحت واجهة أكثر رجال أهل الحقيقة، جدارة وكفاءة، وبالتالي جعلوا البؤس والشقاء من نصيب الجماهير عوضا عن الفلاح والسعادة.
    وفي هكذا زمن، إن كان الحسين، عليه السلام، يمكث في بيته، لكان مسؤولا. إنه نهض صابرا محتسبا، من مكانه.
    وكان واجبا على الحسين، عليه السلام، ليلبي دعوة حشود وينتفض، ويتجه نحو الناس ويتم الحجة، لئلا يتهامسوا في غد من أننا دعونا الحسين وامتلثنا لحكمه، لكنه لم يستجب!
    وسلام الله عليه وعلى جميع أنصاره الأوفياء.







    تعليق


    • #3
      الزيارة، تمهيد للتواصل



      إن زيارة الحسين، هي التواصل المستديم مع الحسين، عليه السلام، والإعلان عن الوقوف في صف الحسين، عليه السلام، وديمومة الحضور في قافلة الحسين، عليه السلام؛ والا فان من ينفصل وينعزل عن الحسين، عليه السلام، يكون قد انفصل عن القافلة وسيقع عاجلا أم آجلا في شرك "الشام" الأسود.




      إن زيارة الحسين، هي التواصل المستديم مع الحسين، عليه السلام، والإعلان عن الوقوف في صف الحسين، عليه السلام، وديمومة الحضور في قافلة الحسين، عليه السلام؛ والا فان من ينفصل وينعزل عن الحسين، عليه السلام، يكون قد انفصل عن القافلة وسيقع عاجلا أم آجلا في شرك "الشام" الأسود.
      وألم يقرأ المؤمنون بعد "عاشوراء" في زيارة "وارث" وهم يتوجهون إلى الإمام:
      "فَيا لَيْتَني كُنْتُ مَعكُم فَافوزَ مَعكُم"؛

      إن زيارة أبو عبد الله، عليه السلام، هي مسار توصل الزائر بذلك اليوم وتلك الفرصة المهدورة، اليوم الذي يتمنى الجميع لو كانوا حاضرين فيه ويستشهدون بين يدي الحسين، عليه السلام، في كربلاء.
      وإن كان الإنسان الشيعي، زائرا للإمام في كربلاء حقا، لن يبتلى في مختلف الميادين العقائدية والثقافية وفي التعاملات، بالبلاء الذي أبتلي به جيش الشام (الظالمون في كل عصر وزمان).
      ومن لا يصبح زائرا، فانه سيقع في براثن جيش الشام عاجلا أم آجلا. وهذا الإبتلاء هو بمعنى الإبتلاء في الميادين الثقافية والحضارية المشركة لأهل الغدر والختل في كل عصر ودورة.
      وأبان بن تغلب هو من كبار مشايخ الشيعة وصحابي الإمام جعفر الصادق (ع). يقول له الإمام (ع) يوما: يا أبان متى ذهبت لزيارة قبر الحسين، عليه السلام؟ فيقول أبان: لم أذهب للزيارة لفترة طويلة، فيقول الإمام: أنت من أكابر مشايخ الشيعة، وقد تركت الحسين، عليه السلام، ولا تذهب لزيارته.
      وهنا لا يقول الامام الصادق (ع)، إنك لم تزر الحسين بل يقول: يجب عليك بوصفك أحد أكابر الشيعة ألا تتخلى عن الحسين، عليه السلام.
      إن ترك الزيارة، هو بمثابة التخلي عن الحسين، عليه السلام، وأهمية هذا الأمر تتضاعف بالنسبة لأكابر القوم ومشايخهم.
      عن مُعاوية بن وَهْب، عن الإمام الصادق عليه السلام «قال: قال لي : يا معاويةُ لا تَدَع زيارةَ قبر الحسين عليه السلام لخوف، فإنَّ مَن ترك زيارَته رأى من الحَسْرَة ما يتمنّى أنَّ قبره كان عِنده".
      وإن كان هناك خوف أو حادثة أو حاكم ظالم، يحول دون زيارة "بيت الله الحرام"، فلن يبقى تكليف على المسلمين، وبوسعهم الامتناع عن السفر للزيارة، لكن هذا الأمر يجد وجها آخر فيما يخص زيارة الحسين، عليه السلام.
      ففي تقليد الإنسان الشيعي، ليس ثمة دليل أو مسوغ، لتعطيل ذلك. وأي خوف لا يجب أن يحول دون ارتباط الشيعة بأبي عبد الله الحسين، عليه السلام.
      إن قطع الإرتباط بأبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وانتفاضته، هو بمثابة قطع الشيعة ارتباطهم بأكبر واقعة، من المقرر أن تقع في آخر الزمان مع ظهور إمام العصر والزمان (عج).
      إن قطع هذا الإرتباط والتواصل، يعني وقوع شيعة الحسين، عليه السلام، في قبضة جيش "الشام".
      وقد أشارت المصادر إلى الكثير من القضايا والمسائل التي تستحق الدراسة، حول الصعوبات والأثمان التي دفعها شيعة أهل الولاية في سبيل الزيارة.
      وأثناء الزيارة، نقول آخر الكلام، إقتباسا من "زيارة الأربعين" متوجهين إلى الإمام الحسين، عليه السلام:
      "وَقَلْبي لِقَلْبِكُمْ سِلْمٌ وَأمْري لأمْرِكُمْ مُتَّبِعٌ وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ حَتّى يَأذَنَ اللهُ لَكُمْ، فَمَعَكُمْ مَعَكُمْ لا مَعَ عَدُوِّكُمْ ..."؛
      فالزائر يعلن هذه العبارة مخاطبا إمامه، وقد انتهت واقعة كربلاء و ووري الشهداء، الثرى. إذن أين تبرز معنى "وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ"؟
      أيها الحسين، إن قوتي معدة لنصرتكم، ونصرتي معدة لكم، حتى يأذن الله لكم بالعودة. وهذه الميزات الثلاث تتأتى من الأربعين وزيارة الأربعين، ويقول الإمام الصادق، عليه السلام: كل من تمتع بهذه الميزات الثلاث، فانه من شيعة الإمام الحسين، عليه السلام".
      وهل نظرتم إلى الراية الحمراء، التي ترفرف على قبة ضريح أبي عبد الله الحسين، عليه السلام؟ فمنذ الأيام الغابرة وقبل بعثة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، كانت العرب تتخلى عن الحرب في الأشهر الحرم، وكانت تبقي على جهوزيتها حتى نهاية الشهر. وكانوا ينصبون على أعلى الخيمة، راية حمراء، ليعلنوا: بان توقف الحرب، لا يعني انتهاء القتال. لأننا سنخرج السيوف من أغمادها مرة أخرى.
      إن الراية الحمراء الخفاقة فوق ضريح الإمام الحسين، عليه السلام، هي بهذا المعنى أيضا. وكأنه يتم الإعلان:
      إن الحرب والجهاد وعاشوراء لم تنته، ورغم أن القتال قد توقف في الظاهر مع سقوط الشهداء على ثرى كربلاء، لكن الثارات والقتال مع أهل الغدر والختل، لم ينته بعد.
      ومنذ أول زيارة أربعين في عام 61 للهجرة، فان زائر الأمام الحسين، عليه السلام، وشيعته يعلنون: وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ، حتى تحين تلك الساعة التي تُذلل فيه العقبات ويُجهز الجيش مرة أخرى لمواصلة القتال.
      إن نهاية النهضة، ليست سوى إزالة جميع علائم الظلم والإضطهاد والفساد من على الأرض وتأسيس الدولة الكريمة لحضرة الحق، على يد الثائر لدم الحسين، عليه السلام.
      وإن كان الحسين، عليه السلام، قد أعلن:
      "إن كانَ دينُ مُحمدٍ لَم يَستقِم إلا بِقتلي فَياسيوفَ خُذيني"؛ فان الزائر يعلن الشئ ذاته.
      ومن لا تكون زيارته حمراء، فليس زائرا. لأنه في كربلاء، يزور شهيدا ترفرف راية حمراء خفاقة على قبة ضريحة، فكيف لا تكون زيارته حمراء؟ ومن لم يؤد هكذا زيارة، يكون في الحقيقة قد زار نفسه وطلب رفع حوائجه لا أن يكون في طلب الحسين، عليه السلام! وكان عليه أن يقرأ من صميم قلبه: "وقلبي لقلبكم سلم".
      إن إبداء المودة والمحبة، يجب أن يمران من القلب. فالقلب وحده يكفل دوام المحبة الصادقة وبقائها.
      "وأمرِي لأمرِكُم مُتَّبِع!"؛
      ويربط الزائر في وقت الزيارة، شؤونه الدنيوية والأخروية والفردية والجماعية والعلنية والخفية، في جميع الساحات والميادين، بمطلب الإمام الحسين، عليه السلام. لذلك يمكن التساؤل:
      كيف يمكن لجميع المناسبات والتعاملات والعلاقات الإقتصادية والثقافية والسياسية للمسلمين، أن تكون مضطربة ومشوهة وفاسدة الى هذا الحد؟

      وعندما لا يُستخدم القلب ولا تتصل الأمور بالحسين وأبناء الحسين، عليه السلام، فان الزيارة وقراءة الزيارة ستكون بلا جدوى، وبالتالي فان العدو لا يرهبه هذا النوع من الزيارة.
      ويجب التساؤل: أيها الزائر، نصرتك معدة لمن ؟
      فإن كانت معدة للحسين، عليه السلام، وتنتظر لتذهب معه إلى الميدان في الزمن الجديد، فطوبا لك، وإلا فانك ستشهد الكبير من الخسران، لأنك تكون حينها قد تورطت من علم أو دون علم بالغدر والختل، لماذا؟
      فعندما يعلن أحدهم على لسانه أيها الحسين أن "قَلبي لقلبكم سِلم وأمرِي لأمرِكُم مُتَّبِع" لكنه يربط قلبه بمجال آخر عمليا ويمتثل لأمر آخر، فانه يكون قد أصيب بالختل والغدر. وهذا الشئ لا يقل عن فعل أهل الكوفة! الذين أرسلوا دعوة إلى الإمام الحسين، عليه السلام، لكنهم قدموا نصرتهم ل "جيش الشام".
      فالنهضة تجد معناها ومغزاها في قول أن " قَلبي لقلبكم سِلم" و " وَنُصْرَتي لَكُمْ مُعَدَّةٌ" وإن الزائر ينتبه مع إقامة الزيارة إلى أن:
      إن الحياة تتجلى معانيها في جغرافيا المناداة بالحق والجهاد العادل، وهذا هو سر تحرر أي إنسان من الذل والهوان.
      إن الزيارة هي بمثابة رفع راية النهضة والجهاد عالية خفاقة إلى أن يحين فصل الإذن بنهضة الثأر لدم الحسين، عليه السلام، وظهور الإمام المهدي المنتظر، عليه السلام.

      ويقول الإمام الرضا، عليه السلام،بشأن من يمارس الخداع والغدر مع الإمام المبين: إن من يغدر بالإمام، فانه يُحشر يوم القيامة وفمه أعوج




      تعليق


      • #4

        مقام الزيارة

        الزيارة الحمراء؛ معنى الحياة في عصر الغيبة
        وهنا لا بد من التساؤل: إن كانت عاشوراء وتضحيات الحسين، عليه السلام، وأصحابه في صحراء "كربلاء"، تفسر معنى الموت والغاية من الوجود، وإن الزيارة تفسر معنى الحياة وتواصلها بأسمى معاني الحكمة الإلهية وتمثل الخارطة العامة للخليقة، فلِمَ كل هذا الضياع والإرتباك والفوضى التي يواجهها المسلمون في حياتهم، وكأنهم معلقون بين الأرض والسماء؟




        وهنا لا بد من التساؤل:
        إن كانت عاشوراء وتضحيات الحسين، عليه السلام، وأصحابه في صحراء "كربلاء"، تفسر معنى الموت والغاية من الوجود، وإن الزيارة تفسر معنى الحياة وتواصلها بأسمى معاني الحكمة الإلهية وتمثل الخارطة العامة للخليقة، فلِمَ كل هذا الضياع والإرتباك والفوضى التي يواجهها المسلمون في حياتهم، وكأنهم معلقون بين الأرض والسماء؟
        إن الإنفعال والتغافل المتلازم مع الفساد المستشري في العلاقات والمناسبات الفردية والجماعية، والذي يطال الشرق الإسلامي، ليس حصيلة هيمنة المستعمرين على هذا الرقعة من الأرض والبلاد فقط، بل إن وجها من هذا الضياع، يعود إلى أداء وتصرفات الشموليين المتغطرسين، والوجه الآخر منه يتصل باداء المسلمين أنفسهم.
        ودور سائر الشعوب والأمم الملحدة والمشركة واليهود والنصارى، جلي، وكل ما يفعلونه يرتد عليهم. إن كلامنا موجه إلى العالم الإسلامي بصفة عامة وإلى عالم التشيع بصفة خاصة.
        فان فسر جوهر التشيع بالمودة لأهل البيت، عليهم السلام، وتجلى وازدهر بابداء المودة والعشق للحسين، عليه السلام، فان الزائر سيتسخرج معنى الحياة من الزيارة. الشئ الذي تبنته زينب الكبرى، عليها السلام.
        لقد ركز أعداء أهل البيت، عليهم السلام، جهدهم لكي تبقى واقعة عاشوراء حبيسة الجغرافيا الزمانية المتمثلة بعام 61 للهجرة والجغرافيا المكانية المتمثلة بصحراء نينوى، في حين أن سفير الحسين، كان منذ الأيام الأولى ومن أول زيارة للحسين، عليه السلام، في يوم الأربعين، بصدد كسر الحصار الزماني والمكاني الذي كان يطوق انتفاضة الحسين، عليه السلام، وأن يحرك إنتفاضة وأداء أهل بيت رسول الله، صلى الله عليه وآله وسلم، في مسار التاريخ، ولذلك يمكن القول:
        إن الزائر الذي يغادر كربلاء من دون اكتساب فائدة تذكر، ولا تؤثر إنتفاضة أهل بيت النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم على سلوكه وأسلوبه وأدبه وفكره، يكون وكأنه قد تخلى عن الحسين، عليه السلام في كربلاء وعاد إلى دياره.
        ويكون بذلك قد تناغم وساير أعداء أهل البيت، عليهم السلام، في معرفة وتعريف واقعة عاشوراء المروعة، في تلك الجغرافيا الزمانية والمكانية لعام 61 للهجرة، بينما لم يكن مقررا أن تبقى هذه الانتفاضة في ظرفها الزماني والمكاني الخاصين.
        إن من لم ينسلخ عن ذاته بعد زيارة كربلاء وقراءة زيارة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، ويعود إلى بيته ودياره من دون الحسين، عليه السلام، يشبه انتهاء موسم الحج في ذي الحجة وعودة مئات الألوف من حجاج بيت الله الحرام، دون أن نشهد تطورا خاصا يطرأ في مدن وديار المسلمين والمؤمنين!
        إن مقام ومكانة "الزيارة" أسمى وأجلّ من الكثير من المناسبات والصفقات التي نعكف على إنجازها منذ بداية العام وحتى نهايته ونولى أهمية لها وننفق من أجلها.
        ورغم أن الجميع، يشكرون الله ويحمدونه على نعمة نالوها وزوال نقمة عنهم، لكن الشكر الخاص لله، يجب مشاهدته في نيل التوفيق في قرائة زيارة من الزيارات الخاصة بالامام الحسين، عليه السلام.
        ونقرأ في زيارة هذا الإمام الشهيد في "عيد الفطر" و"عيد الأضحى":
        "وَالْحَمْدُ للهِ الْفَرْدِ الصَّمَدِ الْماجِدِ الاَحَدِ ... الَّذي مِنْ تَطَوُّلِهِ سَهَّلَ لي زِيارَةَ مَوْلايَ بِاِحْسانِهِ، وَلَمْ يَجْعَلْني عَنْ زِيارَتِهِ مَمْنُوعاً وَلا عَنْ ذِمَّتِهِ مَدْفُوعاً، بَلْ تَطَوَّلَ وَمَنَحَ"؛
        إن طلب شرف الزيارة، هو الطلب لنيل الحقيقة في الأرض، بينما يتجشم الزوار، عموما عناء سفر الزيارة، من أجل الأجر الأخروي ورفع حوائج الدنيا.
        ولم يمض الحسين، عليه السلام، على طريق الشهادة ويدخل ساحة الجهاد والنهضة، من أجل أن يستغفر الناس بعد شهادته من ذنوبهم وآثامهم وأن ينالوا الثواب الأخروي ويحصلوا على نصيب لهم في الجنة والحور العين والقصور!
        وكيف لنا أن ننسى هدفه وغايته وكل ما قدمه سبط رسول الله (ص) باخلاص، حتى نريد ان نجعل زيارته محدودة على رفع حوائج الدنيا وكسب ثواب الآخرة؟
        إن المسيحيين هم الذين يعتبرون قضية صلب السيد المسيح، عليه السلام، بانه كانت فداء ويقولون أن المسيح، ابن الرب قد صُلِب وافتدى ذنوب من في الأرض بحياته عندما صُلب!
        إن الفداء يعتبر من أهم معتقدات المسيحيين، أي إنقاذ البشرية بواسطة موت عيسى، عليه السلام. إنهم يؤمنون بان الفطرة الإنسانية قد خُلقت سليمة وطاهرة منذ البداية لكن وبسبب ذنب آدم وحواء (أكل الفاكهة الممنوعة)، فان هذا الذنب انتقل بين أبناء البشرية من جيل إلى جيل. وبما أنهم يؤمنون أنه يجب تقديم فداء لكل ذنب لكي يُغفر عنهم، وبما أنه لم تكن هناك فدية ترتقي إلى الصفح عن الذنب الكبير لادم وحواء، فان هذا الذنب بقي هكذا لدى الانسان.
        وفي منظور أتباع السيد المسيح، عليه السلام، بما أن الذنب الأولي قد انتقل بالوراثة، وبالتالي فان كل البشرية مذنبة وآثمة، فان الله خطط ليُخرج إبنه على هيئة إنسان من رحم مريم المقدسة، ليعيش مثل الإنسان ومن ثم يُصلب حتى يُصفح ويُغفر عن ذنوب كل من يؤمن به.
        ومن وجهة نظر المسيحيين، فان المسيح، هو أطهر الأفراد وأكثرهم براءة والقادر على أن يفدي ويضحي بنفسه لكي يُصفح بذلك عن مجمل ذنوب أتباعه، وبالتأكيد فان هذا التعبير والتفسير، صبياني بامتياز.
        وكأن المسلمون، من حيث يدرون أم لا يدرون، قد ابتلوا بهذه الشبهة (الفداء)، وأصبحوا على غرار المسيحيين، يظنون بان الحسين، عليه السلام، قد خُلق للصفح عن ذنوبهم ونيل حوائجهم الكبيرة والصغيرة.
        لكن الحسين، عليه السلام، أماط اللثام في كل موقع من مواقع حركته، منذ خروجه من المدينة وحتى وصوله الى صحراء كربلاء، عن حكمة رحلته وقال في موقع:
        "إن كانَ دينُ مُحمدٍ لَم يَستقِم إلا بِقتلي فَياسيوفَ خُذيني"؛
        إن عظمة نهضة الحسين، عليه السلام، هي خارج نطاق دركنا وتصورنا، لذلك فان لم تمنحنا الزيارة إمكانية الخروج من النطاق الجغرافي الترابي المحدود وجغرافيا الزمان المحدودة، ولا تسهم في بناء الصلة والنسبة بيننا وبين أرفع طرح إلهي كليّ، فان الزيارة لم تتم.
        إن الزيارة، هي أجمل مجاز لإظهار الولاء والمعرفة وأجلى مسار لإظهار قبول ولاية الإمام المعصوم، عليه السلام.
        إن القبول برعاية وإمارة وخلافة النبي الأكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، رهن باعلان الولاء والمحبة له ولأهل بيته، وقبول ولايتهم. فالولاية، رهن بالولاء. إن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم، يعرف جيدا، انه إن أبديت المحبة والعشق لهذه الذرية المكرمة، فان الناس، سيكونون مهيئين لقبول ولايتهم وإمامتهم التامة.

        إن مقام ومكانة زيارة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، لدى الله تعالى وأهل البيت والشيعة، تعود إلى رفعة ومقام ومنزلة الإمام الحسين، عليه السلام، من جهة، وإلى تضحياته وإيثاره الفذ في سبيل الله، من جهة أخرى، الشئ الذي لم يكن له مصداق ومثال ولن يكون، منذ خلقة آدم، عليه السلام، وحتى عصر "عاشوراء" وبعده حتى واقعة "الظهور" الكريمة.
        إن قيمة ومكانة هذه النهضة في كربلاء ترقى إلى درجة أنه روي عن أبي عبد الله الصادق عليه السلام قال:
        "أن أرض الكعبة قالت: من مثلي وقد بُنيَ بيت الله على ظهري، يأتيني الناس من كل فج عميق؟ وجعلت حرم الله وأمنه؟ فأوحى الله إليها كفي وقري، ما فَضْلُ ما فضلت به فيما أعطيت أرض كربلاء إلا بمنزلة الابرة غمست في البحر".
        ولم يحظ أي مكان وزمان، بهكذا شرافة منذ بدء الخليقة وإلى الان.
        وورد في الكثير من الروايات عن تفضيل أرض كربلاء على أرض مكة.


        \





        تعليق

        المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
        حفظ-تلقائي
        Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
        x
        يعمل...
        X