بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وعندما تنقضي أربعينية شهادة الحسين بن علي، عليهما السلام، وأبنائه وأصحابه الميامين، تنحسر حماسة العزاء الحسيني شيئا فشيئا، وتعاد البيارق والأعلام إلى المساجد والتكايا ومواكب العزاء، إلى أن يحين عام آخر ومحرم آخر، ينصب فيه شيعة آل محمد (ص) خيم العزاء ويقيمون مجالس العزاء الحسيني ويضيئون شموع المآتم.
ففي عام 61 للهجرة، عندما كانت القافلة تعود من رحلة "الشام" الشاقة والمرهقة، هرعت إلى زيارة الشهداء في صحراء "نينوى" وصحراء "كربلاء" قبل أن تستقر في "المدينة". زيارة حضرة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وأصحابه الأوفياء.
بعبارة أخرى، فقد عاد الباقون من موكب الحسين، عليه السلام، إلى كربلاء، لتتسم عاشوراء ، ببهاء وجلال في يوم الزيارة والأربعين الحسيني، رغم أنف الأمويين الحاقدين.
ومع هذه الزيارة، تخرج عاشوراء من صحراء كربلاء، فيما كان الأعداء قد سخروا جل جهدهم للتغطية على النهضة وحصر العاشورائيين بصحراء كربلاء. وكانوا يظنون أن بوسعهم وضع نهاية للنهضة من خلال قمع قافلة الإمام بمدد المكر والختل.
فمع الأربعين و "زيارة الأربعين"، خرجت الزيارة والنهضة من حدود الزمان والمكان المغلقين والمحدودين بعام 61 للهجرة وجرت في أرضية التاريخ كالنهر الهادر. لذلك، استخدمت في مطلع هذا البحث عنوان "من قمة عاشوراء إلى بحر الظهور" لتتبارد إلى الأذهان صورة عن نهر عاشوراء الجاري في أرضية التاريخ.
وإن كانت نهضة عاشوراء الحسين، عليه السلام، بقيت في كربلاء، لما كان تتاح لها إمكانية تجاوز حدود الزمان والمكان.
ويتبين مجرى النهضة وعاشوراء الحسين، عليه السلام، من الأربعين والزيارة، لكي يمر هذا النهر الهادر عبر الصدور الرحبة للناس، ويغطي جميع الساحات الثقافية والحضارية لسكان الأرض.
وبذلك تكون إمكانية التصرف قد انتزعت من جميع الذين كانوا يسعون لدفع موضوع النهضة وغايتها إلى بوتقة النسيان والقدم. لذلك وكما ورد في الكثير من الأدعية والزيارات الخاصة بابي عبدالله الحسين، عليه السلام، وأواخر "زيارة الأربعين"، فان واقعة عاشوراء الدامية، تواصلت وترابطت مع أهم موضوع في حياة الإنسان، أي "حكمة التاريخ" و "الخطة الإلهية العامة" لخلق العالم والإنسان.
ومع مراجعة الفهم العام والفطري للإنسان في كل الأزمنة من الماضي والحاضر والمستقبل، والأمكنة الممكنة، يمكن الوصول إلى أن الإتجاه والنزعة العامة والجماعية للإنسان، تذكر بالفصل الأخير للحضور على سطح الأرض وفي الوقت ذاته أكثر فصوله تكاملا ونورانية، ذلك الشئ الذي ورد في الأدب الديني وفي جغرافيا تأسيس وتشكل الدولة الكريمة للإمام المبين، بعد السنوات العصيبة في آخر الزمان والوعد بتحققها.
إن الترابط النسبي (سلسلة الولاية والإمامة والوصاية) والسببي (نهضة الإمام الحسين الداعية للعدل) والثارات التي ينادي بها الإمام المهدي، عليه السلام، يعرض الترابط اللازم بين "نهضة عاشوراء" و "نهضة وقت الظهور" ويذكرّ الجميع به.
آية المودّة
لقد بين المفسرون الشيعة وأهل العامة أسباب نزول عديدة ل"آية المودة":
"قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ". ويقول الإمام الصادق (ع) في هذا الخصوص ما مضمونه أنه عندما عاد رسول الله (ص) من حجة الوداع إلى المدينة، جاء إليه أهل المدينة وقالوا يا رسول الله أن هجرتك إلى المدينة تعد شرفا عظيما منه الله علينا... إنه لصعب علينا أن يأتي إليك أناس لحل مشاكلهم ولا تملك مالا تدفعه إليهم وقد يلومونك، إننا نود أن نمنحك ثلث مالنا حتى إن جاء أناس إلى المدينة، أن يكون لديك شئ من المال لتعطيهم إياه.
ولم يرد عليهم رسول الله (ص) وانتظر حتى صدر الأمر عن الله تعالى ونزلت هذه الآية الكريمة:
"قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".
وقال الإمام الصادق في ختام الرواية إن المنافقين إنزعجوا مع سماع هذه الاية الكريمة وقالوا، إن الله لم ينزل هذه الاية الا أن يريد النبي فرض إبن عمه، علي، من أهل البيت علينا. لان النبي كان قد قال يوم امس:
"مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فعليّ مَولاه"؛ واليوم يقول "لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".
والأحاديث الشريفة في ذلك ملء الكتب، اذ روي عن ابن عباس قال: لمّا نزل قول الله تعالى: "قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى". قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): عَليٌّ وفاطِمَةٌّ والحَسَن والحُسَين".
وقد استند علماء الشيعة إلى روايات أهل البيت، عليهم السلام، والمستخرجة من مصادر التفسير والحديث لأهل السنة، للإستدلال حول مصداق "آية المودة".
وسُئل الإمام السجاد، عليه السلام، حول هذه الآية، فقال: هِيَ قِرابَتِنا أهلُ بَيْت مُحمدّ؛
وقد بينّ المعصومون، عليهم السلام، هذا الموضوع بصراحة لكي لا تبقى أي شبهة لدى الناس. فقد جاء في "تفسير القمي" عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق، عليه السلام قال حول هذه الاية: إن القصد من القربى هم أهل البيت.
وفي الأيام الأولى التي تلقت واقعة عاشوراء، لما جيء بعلي بن الحسين، عليهما السلام، أسيراً فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم!.
فقال له الامام علي بن الحسين : أقرأت القرآن؟.
قال : نعم.
قال : أقرأت الـ "حم"؟.
قال : نعم.
قال : أما قرأت : "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى".
قال : فانكم لأنتم هم؟.
قال : نعم.
وقد تكرر هذا المضمون والمحتوى من "آية المودة" وذكر مصاديق القربى، في الروايات، بحيث أن أيا من مذاهب أهل السنة والشيعة، لم ينكروا صحة الروايات والتطابق الحاسم للمصاديق.
حُب وبُغض آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم
لقد كان موضوع حب وبغض آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم والنتائج المترتبة عليه، قائما طوال سنوات وجود النبي الاكرم (ص) بين المسلمين وجرت نقاشات حوله.
إنهم كانوا يعلمون بان حُب أهل البيت، عليهم السلام، هي حُب الله، فقد ورد:
"وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ"؛
وقد نقل الزمخشري وهو من مشاهير مفسري أهل العامة وصاحب تفسير "الكشاف" في تفسير آية "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ"، الحديث التالي عن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات شهيداً, ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات مَغفورا له ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات تائبا ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، بشره ملك الموت بالجنة ،ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، يُزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، جعل الله زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات على السُنة والجماعة ، ألا ومن مات على بُغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بُغض آل محمد ، مات كافرأ ، ألا ومن مات على بغض آل محمد ، لم يشم رائحة الجنة".
ويُستشف من روايات كهذه بان حُب أهل البيت، عليهم السلام، يحظى في حد ذاته بقيمة واعتبار خارقين، بحيث جاء في بعض الروايات بأنه أفضل العبادات، بحيث نقل في رواية عن الإمام الصادق، عليه السلام:
"إنَّ فَوقَ كُلِ عِبادَة عِبادَةٌ وحُبُّنا أهْلَ البَيْتِ أفْضَلُ عِبادة".
ومن وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليهم وآله وسلم :
يَا أَبَا ذَرٍّ :.. واعْلَمْ : أَنَّ أَوَّلَ عِبَادَةِ اللَّهِ الْمَعْرِفَةُ بِهِ ، فَهُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ ، وَ الْفَرْدُ فَلَا ثَانِيَ لَهُ ، وَ الْبَاقِي لَا إِلَى غَايَةٍ . فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ شَيْءٍ ، وَهُوَ اللَّهُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
ثُمَّ الْإِيمَانُ : بِي ، وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَنِي إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ ، بَشِيراً وَ نَذِيراً ، وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً .
ثُمَّ حُبُّ أَهْلِ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً "؛
وفي رواية قال الإمام علي، عليه السلام:
"أحْسَنُ الحَسَناتِ حُبُّنا وأسْوَءُ السَّيئاتِ بُغْضُنا"؛
وقد وردت تعابير مختلفة حول أهمية ومكانة حجة أهل البيت، عليهم السلام، في كلام المعصومين، عليهم السلام لدرجة أنها اعتبرت أساس التدين وجوهر الإسلام والباقيات الصالحات وعلامة الإيمان، وفي المقابل، فان بُغضهم أعتبر بمنزلة الخروج عن الإيمان وعلامة النفاق.
عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الإسلام عُريان فلباسُه الحَياء، وزينَتُهُ الوفاء، ومُروءتُه العمل الصالح، وعِماده الوَرَع، ولكل شئ أساس وأساس الإسلام حُبنا أهل البيت"؛
فإن هذه العبارات والتوصيفات في الروايات والأحاديث قد وردت وثبتت في مصادر أهل العامة أيضا.
إن هذه المجموعة، تبيّن بان إبداء الحُب والمودة لآل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، هو أساس التدين، وإن من زار كربلاء وغادرها إلى مدينته ودياره، كمن نشر وبشر ب"العشق المقدس" تجاه أعز أسرة النبي الاكرم (ص) وكذلك نشر وبشر ب"الحقد المقدس" تجاه كل الذين يكنون البغضاء لهذه الأسرة أو أظهروها فعلا
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
وعندما تنقضي أربعينية شهادة الحسين بن علي، عليهما السلام، وأبنائه وأصحابه الميامين، تنحسر حماسة العزاء الحسيني شيئا فشيئا، وتعاد البيارق والأعلام إلى المساجد والتكايا ومواكب العزاء، إلى أن يحين عام آخر ومحرم آخر، ينصب فيه شيعة آل محمد (ص) خيم العزاء ويقيمون مجالس العزاء الحسيني ويضيئون شموع المآتم.
ففي عام 61 للهجرة، عندما كانت القافلة تعود من رحلة "الشام" الشاقة والمرهقة، هرعت إلى زيارة الشهداء في صحراء "نينوى" وصحراء "كربلاء" قبل أن تستقر في "المدينة". زيارة حضرة أبي عبد الله الحسين، عليه السلام، وأصحابه الأوفياء.
بعبارة أخرى، فقد عاد الباقون من موكب الحسين، عليه السلام، إلى كربلاء، لتتسم عاشوراء ، ببهاء وجلال في يوم الزيارة والأربعين الحسيني، رغم أنف الأمويين الحاقدين.
ومع هذه الزيارة، تخرج عاشوراء من صحراء كربلاء، فيما كان الأعداء قد سخروا جل جهدهم للتغطية على النهضة وحصر العاشورائيين بصحراء كربلاء. وكانوا يظنون أن بوسعهم وضع نهاية للنهضة من خلال قمع قافلة الإمام بمدد المكر والختل.
فمع الأربعين و "زيارة الأربعين"، خرجت الزيارة والنهضة من حدود الزمان والمكان المغلقين والمحدودين بعام 61 للهجرة وجرت في أرضية التاريخ كالنهر الهادر. لذلك، استخدمت في مطلع هذا البحث عنوان "من قمة عاشوراء إلى بحر الظهور" لتتبارد إلى الأذهان صورة عن نهر عاشوراء الجاري في أرضية التاريخ.
وإن كانت نهضة عاشوراء الحسين، عليه السلام، بقيت في كربلاء، لما كان تتاح لها إمكانية تجاوز حدود الزمان والمكان.
ويتبين مجرى النهضة وعاشوراء الحسين، عليه السلام، من الأربعين والزيارة، لكي يمر هذا النهر الهادر عبر الصدور الرحبة للناس، ويغطي جميع الساحات الثقافية والحضارية لسكان الأرض.
وبذلك تكون إمكانية التصرف قد انتزعت من جميع الذين كانوا يسعون لدفع موضوع النهضة وغايتها إلى بوتقة النسيان والقدم. لذلك وكما ورد في الكثير من الأدعية والزيارات الخاصة بابي عبدالله الحسين، عليه السلام، وأواخر "زيارة الأربعين"، فان واقعة عاشوراء الدامية، تواصلت وترابطت مع أهم موضوع في حياة الإنسان، أي "حكمة التاريخ" و "الخطة الإلهية العامة" لخلق العالم والإنسان.
ومع مراجعة الفهم العام والفطري للإنسان في كل الأزمنة من الماضي والحاضر والمستقبل، والأمكنة الممكنة، يمكن الوصول إلى أن الإتجاه والنزعة العامة والجماعية للإنسان، تذكر بالفصل الأخير للحضور على سطح الأرض وفي الوقت ذاته أكثر فصوله تكاملا ونورانية، ذلك الشئ الذي ورد في الأدب الديني وفي جغرافيا تأسيس وتشكل الدولة الكريمة للإمام المبين، بعد السنوات العصيبة في آخر الزمان والوعد بتحققها.
إن الترابط النسبي (سلسلة الولاية والإمامة والوصاية) والسببي (نهضة الإمام الحسين الداعية للعدل) والثارات التي ينادي بها الإمام المهدي، عليه السلام، يعرض الترابط اللازم بين "نهضة عاشوراء" و "نهضة وقت الظهور" ويذكرّ الجميع به.
آية المودّة
لقد بين المفسرون الشيعة وأهل العامة أسباب نزول عديدة ل"آية المودة":
"قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ". ويقول الإمام الصادق (ع) في هذا الخصوص ما مضمونه أنه عندما عاد رسول الله (ص) من حجة الوداع إلى المدينة، جاء إليه أهل المدينة وقالوا يا رسول الله أن هجرتك إلى المدينة تعد شرفا عظيما منه الله علينا... إنه لصعب علينا أن يأتي إليك أناس لحل مشاكلهم ولا تملك مالا تدفعه إليهم وقد يلومونك، إننا نود أن نمنحك ثلث مالنا حتى إن جاء أناس إلى المدينة، أن يكون لديك شئ من المال لتعطيهم إياه.
ولم يرد عليهم رسول الله (ص) وانتظر حتى صدر الأمر عن الله تعالى ونزلت هذه الآية الكريمة:
"قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".
وقال الإمام الصادق في ختام الرواية إن المنافقين إنزعجوا مع سماع هذه الاية الكريمة وقالوا، إن الله لم ينزل هذه الاية الا أن يريد النبي فرض إبن عمه، علي، من أهل البيت علينا. لان النبي كان قد قال يوم امس:
"مَنْ كُنْتُ مَولاهُ فعليّ مَولاه"؛ واليوم يقول "لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ".
والأحاديث الشريفة في ذلك ملء الكتب، اذ روي عن ابن عباس قال: لمّا نزل قول الله تعالى: "قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَّ الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى". قالوا: يا رسول الله، من قرابتك الذين وجبت علينا مودّتهم؟
قال (صلى الله عليه وآله وسلّم): عَليٌّ وفاطِمَةٌّ والحَسَن والحُسَين".
وقد استند علماء الشيعة إلى روايات أهل البيت، عليهم السلام، والمستخرجة من مصادر التفسير والحديث لأهل السنة، للإستدلال حول مصداق "آية المودة".
وسُئل الإمام السجاد، عليه السلام، حول هذه الآية، فقال: هِيَ قِرابَتِنا أهلُ بَيْت مُحمدّ؛
وقد بينّ المعصومون، عليهم السلام، هذا الموضوع بصراحة لكي لا تبقى أي شبهة لدى الناس. فقد جاء في "تفسير القمي" عن محمد بن مسلم عن الإمام الصادق، عليه السلام قال حول هذه الاية: إن القصد من القربى هم أهل البيت.
وفي الأيام الأولى التي تلقت واقعة عاشوراء، لما جيء بعلي بن الحسين، عليهما السلام، أسيراً فأقيم على درج دمشق قام رجل من أهل الشام فقال : الحمد لله الذي قتلكم وأستأصلكم!.
فقال له الامام علي بن الحسين : أقرأت القرآن؟.
قال : نعم.
قال : أقرأت الـ "حم"؟.
قال : نعم.
قال : أما قرأت : "قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى".
قال : فانكم لأنتم هم؟.
قال : نعم.
وقد تكرر هذا المضمون والمحتوى من "آية المودة" وذكر مصاديق القربى، في الروايات، بحيث أن أيا من مذاهب أهل السنة والشيعة، لم ينكروا صحة الروايات والتطابق الحاسم للمصاديق.
حُب وبُغض آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم
لقد كان موضوع حب وبغض آل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم والنتائج المترتبة عليه، قائما طوال سنوات وجود النبي الاكرم (ص) بين المسلمين وجرت نقاشات حوله.
إنهم كانوا يعلمون بان حُب أهل البيت، عليهم السلام، هي حُب الله، فقد ورد:
"وَمَنْ اَحَبَّكُمْ فَقَدْ اَحَبَّ اللهَ"؛
وقد نقل الزمخشري وهو من مشاهير مفسري أهل العامة وصاحب تفسير "الكشاف" في تفسير آية "قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَىٰ"، الحديث التالي عن النبي الاكرم، صلى الله عليه وآله وسلم:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم "ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات شهيداً, ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات مَغفورا له ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات تائبا ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات مؤمنا مستكمل الإيمان ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، بشره ملك الموت بالجنة ،ثم منكر ونكير ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، يُزف إلى الجنة كما تزف العروس إلى بيت زوجها ، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، جعل الله زوار قبره ملائكة الرحمة، ألا ومن مات على حُب آل محمد ، مات على السُنة والجماعة ، ألا ومن مات على بُغض آل محمد جاء يوم القيامة مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله ألا ومن مات على بُغض آل محمد ، مات كافرأ ، ألا ومن مات على بغض آل محمد ، لم يشم رائحة الجنة".
ويُستشف من روايات كهذه بان حُب أهل البيت، عليهم السلام، يحظى في حد ذاته بقيمة واعتبار خارقين، بحيث جاء في بعض الروايات بأنه أفضل العبادات، بحيث نقل في رواية عن الإمام الصادق، عليه السلام:
"إنَّ فَوقَ كُلِ عِبادَة عِبادَةٌ وحُبُّنا أهْلَ البَيْتِ أفْضَلُ عِبادة".
ومن وصايا الرسول الأكرم صلى الله عليهم وآله وسلم :
يَا أَبَا ذَرٍّ :.. واعْلَمْ : أَنَّ أَوَّلَ عِبَادَةِ اللَّهِ الْمَعْرِفَةُ بِهِ ، فَهُوَ الْأَوَّلُ قَبْلَ كُلِّ شَيْءٍ فَلَا شَيْءَ قَبْلَهُ ، وَ الْفَرْدُ فَلَا ثَانِيَ لَهُ ، وَ الْبَاقِي لَا إِلَى غَايَةٍ . فَاطِرُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَ مَا فِيهِمَا وَ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ شَيْءٍ ، وَهُوَ اللَّهُ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ، وَهُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ .
ثُمَّ الْإِيمَانُ : بِي ، وَالْإِقْرَارُ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَرْسَلَنِي إِلَى كَافَّةِ النَّاسِ ، بَشِيراً وَ نَذِيراً ، وَ داعِياً إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً .
ثُمَّ حُبُّ أَهْلِ بَيْتِيَ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَهُمْ تَطْهِيراً "؛
وفي رواية قال الإمام علي، عليه السلام:
"أحْسَنُ الحَسَناتِ حُبُّنا وأسْوَءُ السَّيئاتِ بُغْضُنا"؛
وقد وردت تعابير مختلفة حول أهمية ومكانة حجة أهل البيت، عليهم السلام، في كلام المعصومين، عليهم السلام لدرجة أنها اعتبرت أساس التدين وجوهر الإسلام والباقيات الصالحات وعلامة الإيمان، وفي المقابل، فان بُغضهم أعتبر بمنزلة الخروج عن الإيمان وعلامة النفاق.
عن أبي عبد الله، عليه السلام، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله: "الإسلام عُريان فلباسُه الحَياء، وزينَتُهُ الوفاء، ومُروءتُه العمل الصالح، وعِماده الوَرَع، ولكل شئ أساس وأساس الإسلام حُبنا أهل البيت"؛
فإن هذه العبارات والتوصيفات في الروايات والأحاديث قد وردت وثبتت في مصادر أهل العامة أيضا.
إن هذه المجموعة، تبيّن بان إبداء الحُب والمودة لآل محمد، صلى الله عليه وآله وسلم، هو أساس التدين، وإن من زار كربلاء وغادرها إلى مدينته ودياره، كمن نشر وبشر ب"العشق المقدس" تجاه أعز أسرة النبي الاكرم (ص) وكذلك نشر وبشر ب"الحقد المقدس" تجاه كل الذين يكنون البغضاء لهذه الأسرة أو أظهروها فعلا
تعليق