عاد إلى المنزل مبكراً عن موعده، فرآها غارقة في أعمال البيت ما بين الطبخ وغسيل الملابس وترتيب البيت وتنظيفه،
وما بين تلبية متطلبات الأطفال. تفاجأت بوجوده واحتارت وهي خجلة من هذه الفوضى،
فقد اعتاد على أن يراها في أحسن حال، لم يمهلها طويلاً، شمّر عن ساعديه
وبنظرة حانية إليها مزّق ستار الحيرة الذي ارتسم على تقاطيع وجهها قائلاً: لا تحتاري غاليتي،
سنتعاون وننهي هذه الفوضى، لا بأس عليك.
دخلت هي إلى المطبخ لتكمل أعمالها، وذهب هو إلى أطفاله يحاول أن يسكتهم ويلبّي احتياجاتهم،
وبينما هي تكمل الغسيل أكمل هو ترتيب البيت، وفي أقل من ساعة أكملا كلّ شيء وأصبح البيت يزهو.
نظر إلى أرجاء المنزل وكانت نظراته اليوم تختلف عن كلّ يوم، إذ تفحّص كلّ ركن فيه، وكلّ قطعة أثاث وكلّ لوحة..
شعر بأنّ له حكاية مع كلّ زواياه، عجيب هذا الشعور الذي أضفى لديه حباً وحميمية لبيته لم يألفها من قبل،
تحلّق حوله أطفاله يلعبون معه، ركز في تفاصيل وجوههم، صوت في أعماقه يهزّ قلبه هذا بيتك،
هؤلاء أطفالك ما أجملهم، شعور بالتملك الممزوج بالحرص والحب طغى على مشاعره، نعم إحساس الأبوة لا يوصف،
ولكن اليوم يختلف عن كلّ يوم، رنّ مسامعه صوت زوجته وهي تناديه للغداء.. أوه، يا الهي ما أجمل صوتها،
ما أبهاها، جلس على المائدة يتفحص النعمة التي أغدقها عليه ربّ العباد، بيت وزوجة وأطفال تغمرهم السعادة،
كم كان غافلاً عن هذه النعمة.
تذكّر كيف يعود في كلّ يوم منهكاً من العمل لا يكاد يرد السلام، ويجلس على المائدة كأنه آلة لا يهتم بوجود زوجته وأولاده،
فإن خاطبوه ردّ عليهم بالقليل من الكلام، وإن لم يخاطبوه أطبق الصمت على البيت بكلّ خشوع.
حادث نفسه: غالباً ما نعتاد على النعم التي لدينا لدرجة أننا لا نعدّها نعمة، ولكن اليوم يختلف عن كلّ يوم.