كانت تشعل العود بعد العود لتسد رمق نبضها بدفء ناره حتى ماتت لتجمد اوردتها على الرصيف في زحمة بين الناس، بينما رياح الشتاء تعصف في الارجاء.
هكذا تُنقل لنا قصةُ بائعة الكبريت! ولكم أبكتني تلك الطفلة وشغلت مساحة شاسعة بالحزن من أيام طفولتي! وفي مدينتي في طريق العودة من العمل كنت اسابق الرياح الباردة لأصل الى بيتي واستمد من حرارة المدفأة بعض الطاقة واعيد الحيوية التي تضاءلت فيَّ من فرط قساوة الجو، وبينما الناس كانت حولي تهرول الى منازلها واصحاب المحلات التجارية اغلقوا ابوابهم، لأن قوة الرعد كانت تنبئ عن عاصفة مطرية ستغزو البلدة، وبدأ الظلام يتسرب للطرقات فالشمس اكتسحتها الغيوم المثقلة بوابل من المطر.
فسقط نظري على طفلة منزوية في زاوية مكشوفة السقف تحاول ترقيع ثوبها الممزق بيديها الصغيرتين لتمنع الرياح من ان تجتاح جسدها ولحظتُ عينيها بهما لمحة ترجي لكل من يمر علهُ يسعف آخر ما تبقى بها من روح.
صدمتُ، توقفت، وتألمت ونسيتُ ما اشعره من برد لأن حرارة قلبي فاقت برد المحيط من الدهشة!
بمجرد ان خطوت نحوها رأيتها انتعشت وابتسمت بفرحة.
وقامت اليَّ تركض فقالت لي: "يا عم هل لك ان ترشدني الى داري"؟
ابتسمت متعجباً "ولكنني لا اعرفك يا عزيزتي لأعرف دارك, لماذا انتِ هنا واين هم والديك فعليك ان تعودي لمنزلكم حالاً قبل يصيبك سوء من هذا الجو"!.
فبكت خائفة "أمي تركتني هنا لأكسب بعض المال الذي سنشتري به عشاء اليوم وإلا سنموت جوعاً, هكذا افهمتني وقالت انها ستعود لي حين يحل المساء, هل المساء بعيدٌ يا عم؟!"
إحتضنتها ولم استطع ان اكمل حديثي معها او أجيبها عما سألتني عنه فهناك ألم، ألم عصيب أفجع روحي فللبرد وخزة ووجع قاسٍ فكيف يحتمله هذا الجسد الهزيل ولكم تعاني من جوع حتى مكثت هي ومن ابقتها في هذه الازقة.
خلعت معطفي وألبسته لها وجلست بجانبها أؤنسها حتى تعود والدتها وأعطيها ما يكفيهم ليعودا الى دارهم بدلاً من التجول في الارجاء الحالكة.
وبعد مدة طويلة جاءت امرأة عباءتها رثة وفي وجهها خط الفقر بؤسه سألتني: "ماذا تفعل هنا بجانب طفلتي؟!".
فصددت اليها بتهكم: "هل تخافين عليها مني ام منكِ".
فانهمرت دموعها وقالت لي: اخاف عليها من الموت جوعاً, وهي ستموت حزناً وهمّاً ومابيدي خلا ان انظر اليها فعميت عيون الناس والدولة عنا!.
بائعة الكبرت أوقدت كبريتاً وهذه الطفلة أوقدت روحها شعلة تحرق ضمير الظالمين، بالأمس تركوها المارة، ما اختلف شيء بين الأمس واليوم خلا تغير في الزمان والمكان.
للكاتبة
سجى الكربلائي