إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مناظرات الإمام الصادق (عليه السلام) وتلامذته مع المخالفين ومع الملحدين .

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مناظرات الإمام الصادق (عليه السلام) وتلامذته مع المخالفين ومع الملحدين .


    بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين و صلى الله على محمد واله الطيبين الطاهرين واللعنة الدائمة الأبدية على أعدائهم أجمعين الى قيام يوم الدين .

    عظم الله أجورنا وأجوركم أيها القراء الكرام وأجور المؤمنين والمؤمنات ومراجع الدين العظام و بقية الله في الأرض الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) بذكرى استشهاد الإمام المسموم المظلوم جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام) .

    عرفت الفترة التي عايشها الإمام الصادق (عليه السلام ) بفترة ازدهار موجات الإلحاد والتصوف ، والفرق الضالة ، والتضليل الإعلامي المدروس الذي تبنته المدرسة العباسية للوقوف أمام الخط الأصيل للإسلام والمتمثل في أهل البيت (عليهم السلام) ، يضاف إلى ذلك ظهور مدارس الرأي والقياس التي تحولت فيما بعد إلى مذاهب وفرق ، وفي هذا الجو الصاخب من الموجات المتضاربة والحركات المتعارضة وظهور طاغي وظاهر للزنادقة والملاحدة ، سارع الإمام الصادق لهذا الأمر وتصدى له بقوة وقام بإعداد وتهيئة مجموعة من الثلة المؤمنة المخلصة من تلاميذه العلماء الأكفاء لدفع ورفع الشبهات والمغالطات متسلحين بأسلحة العقيدة الحقة والفكر الصحيح والمنهج الحق الذي تعلموه على يدي الإمام الصادق (عليه السلام) فاشعل الإمام ثورة الردود العقائدية الصحيحة للرد على هذه الموجات الإلحادية والفرق الضالة والقضاء على ذلك المد الرهيب من الأفكار المنحرفة والشاذة .
    فمواجهة الإمام الصادق (عليه السلام) وطلابه لتلك الهجمات الفكرية الشرسة المنحرفة والقضاء عليها ، كان أشبه بمواجهة جيش جرار للعدو مسلح بالأسنة والسيوف والرماح والدروع في ساحات القتال والانتصار عليهم .
    وفعلا لقد انتصر الإمام الصادق (عليه السلام) وأصحابه في كل مناظرة جرت مع المخالفين أو الملحدين في شتى المجالات العقائدية وفي كافة الحوارات .
    فقضى الإمام الصادق وأصحابه على الأفكار الضالة والمسمومة التي طرحها الملحدين وأزال الخطر المحدق بالإسلام والمسلمين . ورد الشبهات والمغالطات التي يطرحها المخالفين لأهل البيت (سلام الله تعالى عليهم أجمعين) .
    واليكم أخوتي وأخواتي القراء الأفاضل الكرام جانب من مناظرات ومجادلات الإمام الصادق وأصحابه مع الملحدين والمخالفين في الأمور العقائدية وأمور الدين .

    *** مناظرات الإمام الصادق (عليه السلام) :
    1/ مع الفرق والمذاهب الإسلامية :

    مناظرة الإمام الصادق (ع) وأبي حنيفة في القياس :
    وفد ابن شبرمة مع أبي حنيفة على الإمام الصادق فقال لابن شبرمة. «مَن هذا الذي معك؟» فأجابه قائلاً : رجل له بصر، و نفاذ في أمر الدين.فقال له الإمام جعفر الصادق : « لعله الذي يقيس أمر الدين برأيه؟» فأجابه: نعم.والتفت الإمام جعفر الصادق إلى أبي حنيفة قائلاً له: «ما اسمك ؟» فقال: النعمان.فسأله الإمام جعفر الصادق: «يا نعمان ! هل قست رأسك ؟»فأجابه : كيف أقيس رأسي؟.فقال له الإمام جعفر الصادق: « ما أراك تحسن شيئاً. هل علمت ما الملوحة في العينين ؟ والمرارة في الاُذنين ، والبرودة في المنخرين والعذوبة في الشفتين؟فأنكر أبو حنيفة معرفة ذلك ووجّه الإمام جعفر الصادق إليه السؤال التالي: « هل علمت كلمة أوّلها كفر، وآخرها إيمان ؟» فقال:لا .والتمس أبو حنيفة من الإمام جعفر الصادق أن يوضّح له هذه الاُمور فقال الإمام جعفر الصادق: «أخبرني أبي عن جدّي رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) أنه قال: إن الله بفضله ومنّه جعل لابن آدم الملوحة في العينين ليلتقطا ما يقع فيهما من القذى ، وجعل المرارة في الاذنين حجاباً من الدوابّ فإذا دخلت الرأس دابّة ، والتمست إلى الدماغ ، فإن ذاقت المرارة التمست الخروج، وجعل الله البرودة في المنخرين يستنشق بهما الريح ولولا ذلك لانتن الدماغ ، وجعل العذوبة في الشفتين ليجد لذة استطعام كل شيء».والتفت أبو حنيفة إلى الإمام الإمام جعفر الصادق قائلاً : أخبرني عن الكلمة التي أوّلها كفر وآخرها إيمان ؟فقال له الإمام جعفر الصادق: «إن العبد إذا قال: لا إله فقد كفر فإذا قال إلاّ الله فهو الإيمان » .وأقبل الإمام على أبي حنيفة ينهاه عن العمل بالقياس حيث قال له: « يا نعمان حدثني أبي عن جدّي رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) إنه قال : أول من قاس أمر الدين برأيه إبليس ، قال له الله : اسجد لآدم فقال: ( أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) » .و التقى أبو حنيفة مرّة اُخرى بالإمام الصادق فقال له الإمام : «ما تقول في محرم كسر رباعية ظبي ؟».فأجابه أبو حنيفة: ياابن رسول الإسلام ما أعلم ما فيه.فقال له الإمام جعفر الصادق : « ألا تعلم أن الظبي لا تكون له رباعية ، وهو ثني أبداً ؟!» .
    ثم التقى أبو حنيفة مرّة ثالثة بالإمام جعفر الصادق ، وسأله الإمام جعفر الصادق عن بعض المسائل ، فلم يجبه عنها.وكان من بين ما سأله الإمام جعفر الصادق هو : « أيّهما أعظم عند الله القتل أو الزنا ؟» فأجاب : بل القتل.فقال الإمام جعفر الصادق: « كيف رضي في القتل بشاهدين، ولم يرضَ في الزنا إلاّ بأربعة ؟»ثم وجّه الإمام جعفر الصادق إلى أبي حنيفة السؤال التالي : «الصلاة أفضل أم الصيام؟» فقال: بل الصلاة أفضل .فقال الإمام جعفر الصادق : « فيجب ـ على قياس قولك ـ على الحائض قضاء ما فاتها من الصلاة في حال حيضها دون الصيام، وقد أوجب الله قضاء الصوم دون الصلاة؟!» .ثم سأله جعفر الصادق: « البول أقذر أم المني ؟» فقال له : البول أقذر .فقال جعفر الصادق: « يجب على قياسك أن يجب الغسل من البول; لأنه أقذر، دون المنيّ ، وقد أوجب الله الغسل من المنيّ دون البول ».
    ثم قال الإمام جعفر الصادق: « ما ترى في رجل كان له عبد فتزوّج ، وزوّج عبده في ليلة واحدة فدخلا بأمراتيهما في ليلة واحدة، ثم سافرا وجعلا إمرأتيهما في بيت واحد وولدتا غلامين فسقط البيت عليهم فقتلت المرأتان ، وبقي الغلامان أيهما في رأيك المالك ؟ وأيّهما المملوك وأيّهما الوارث ؟ وأيّهما الموروث ؟».وهنا أيضاً صرّح أبو حنيفة بعجزه قائلاً : إنما أنا صاحب حدود .وهنا وجّه اليه الإمام جعفر الصادق السؤال التالي : « ما ترى في رجل أعمى فقأ عين صحيح، وقطع يد رجل كيف يقام عليهما الحدّ ؟». فقال الإمام أبو حنيفة: أنا رجل عالم بمباعث الأنبياء.ثم سأله الإمام الصادق: « أخبرني عن قول الله لموسى وهارون حين بعثهما إلى فرعون (لعلّه يتذكّر أو يخشى) ـ ولعلّ منك شكّ ؟ فقال: نعم. فقال له الإمام جعفر الصادق : « وكذلك من الله شكّ إذ قال : لعله ؟ ! » فقال : لا علم لي .ثم قال الإمام جعفر الصادق: « تزعم أنك تفتي بكتاب الله ، ولست ممّن ورثه، وتزعم أنك صاحب قياس، وأوّل من قاس إبليس لعنه الله ولم يُبنَ دينُ الاسلام على القياس وتزعم أنك صاحب رأي، و كان الرأي من رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) صواباً ومن دونه خطأ، لأنّ الله قال: (فاحكم بينهم بما أراك الله) ولم يقل ذلك لغيره، وتزعم أنك صاحب حدود، ومن أُنزلت عليه أولى بعلمها منك وتزعم أنك عالم بمباعث الانبياء، وخاتم الانبياء أعلم بمباعثهم منك.لولا أن يقال دخل على ابن رسول الإسلام (صلى الله عليه وآله) فلم يسأله عن شيء ماسألتك عن شيء. فقس إن كنت مقيساً.وهنا قال أبو حنيفة للإمام جعفر الصادق : لا أتكلم بالرأي والقياس في دين الله بعد هذا المجلس.وأجابه الإمام جعفر الصادق: « كلاّ إنّ حبّ الرئاسة غير تاركك كما لم يترك من كان قبلك ».

    ======================

    2/ مع الملحدين:

    أ- رُوي أن ثلاثة من الدهريه اتفقوا على أن يعارض كل واحد منهم ربع القرآن ، وكانوا بمكة ، وتعاهدوا على ان يجيئوا بمعارضته في العام القابل (1) .
    وكان من هؤلاء الثلاثة عبد الكريم بن أبي العوجاء ، وهو من الملاحدة المشهورين الذي اعترف بدسه الأحاديث الكاذبة على أحاديث النبي (صلى الله عليه واله) .
    وكان ابن أبي العوجاء في بداية أمره موحداً مؤمناً حسن السيرة والسلوك يتردد على مدرسة الحسن البصري ، فلما انحرف عن التوحيد ، اعتزل حوزة الحسن البصري . وانتهى أمره بالقتل لأنه ملحد ، قتله محمد بن سليمان عامل الكوفة من قبل المنصورالعباسي .
    كان ابن أبي العوجاء يوماً هو وعبد الله بن المقفع في المسجد الحرام ، فقال ابن المقفع : ترون هذا الخلق ، وأومأ بيده إلى موضع الطواف . ما منهم أحد أوجب له اسم الإنسانية إلا ذلك الشيخ الجالس يعني أبا عبد الله جعفر بن محمد (عليه السلام) ، أما الباقون فرعاع وبهائم .
    فقال ابن أبي العوجاء : وكيف أوجب هذا الاسم لهذا الشيخ دون هؤلاء ؟
    فقال : لأني رأيت عنده ما لم اره عندهم .
    فقال أبن أبي العوجاء : لا بد من اختبار ما قلت فيه منه .
    فقال ابن القفع : لا تفعل ، فإني أخاف أن يفسد عليك ما في يدك .
    فقال : ليس ذا رأيك ، لكن تخاف أن يضعف رأيك عندي في احلالك إياه هذا المحل الذي وصفت .
    فقال ابن المقفع : أما إذا توسمت علي ، فقم إليه وتحفظ من الذل ، ولا تثن عنانك إلى استرسال فيسلمك إلى عقال .
    فقام أبن أبي العوجاء إلى الصادق (عليه السلام) فلما رجع منه قال : ويلك يا أبن المقفع ، ما هذا ببشر، وإن كان في الدنيا روحاني يتجسد إذا شاء ظاهراً ، ويتروح إذا شاء باطناً ، فهو هذا .
    فقال له : كيف ذلك ؟
    فقال : جلست إليه ، فلما لم يبق عنده أحد غيري ، ابتداني فقال : إن يكن الأمر على ما يقول هؤلاء ، وهو على ما يقولون ـ يعني أهل الطواف ـ فقد سلموا وعطبتم ، وإن يكن الأمر كما تقولون وليس هو كما تقولون ، فقد استويتم وهم .
    فقلت : يرحمك الله ، وأي شيء نقول ، وأي شيء يقولون ؟ ما قولي وقولهم إلا واحد .
    فقال : وكيف يكون قولك وقولهم واحد ، وهم يقولون إن لهم معاداً وثواباً وعقاباً ، ويدينون بأن للسماء إلهاً وإنها عمران ، وأنتم تزعمون ان السماء خراب ليس فيها أحد .
    قال : فأغتنمتها منه ، فقلت له : ما منعه إن كان الأمر كما يقولون أن يظهر لخلقه يدعوهم إلى عبادته حتى لا يختلف فيه اثنان . ولم يحتجب عنهم ، ويرسل إليهم الرسل ، ولو باشرهم بنفسه كان أقرب إلى الإيمان به ؟
    فقال لي : ويلك كيف احتجب عنك من أراك قدرته في نفسك ، نشؤك (2) بعد أن لم تكن ، وكبرك بعد صغرك ، وقوتك بعد ضعفك ، وضعفك بعد قوتك ، وسقمك بعد صحتك ، وصحتك بعد سقمك ، ورضاك بعد غضبك ، وغضبك بعد رضاك ، وحزنك بعد فرحك ، وفرحك بعد بغضك ، وبغضك بعد حبك ، وعزمك بعد إنابتك(3) ، ورغبتك بعد رهبتك ، ورهبتك بعد رغبتك ، ورجاؤك بعد يأسك ، ويأسك بعد رجاؤك ، وخاطرك لما لم يكن في وهمك وغروب ما أنت معتقده عن ذهنك .
    وما زال يعد علي قدرته التي هي في التي لا أدفعها ، حتى ظننت انه سيظهر فيما بيني وبينه (4) .
    ودخل أبن أبي العوجاء على الصادق (عليه السلام) يوماً فقال : أليس تزعم أن الله تعالى خالق كل شيء ؟
    فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : بلى .
    فقال : أنا أخلق .
    فقال له : كيف تخلق ؟
    فقال : أحدث في الموضوع ، ثم ألبث عنه ، فيصير دواب ، فكنت أنا الذي خلقتها .
    فقال ابو عبد الله (عليه السلام) : أليس خالق الشيء يعرف كم خلقه ؟
    قال : بلى .
    قال : أفتعرف الذكر من الأنثى وتعرف عمرها ؟ فسكت ابن أبي العوجاء .
    ثم أنه عاد في اليوم الثاني إلى الصادق (عليه السلام) فجلس وهو ساكت لا ينطق .
    فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : كأنك جئت تعيد بعض ما كنا فيه .
    فقال : أردت ذلك يا ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) .
    فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : ما أعجب من هذا !!! تنكر الله وتشهد أني ابن رسول الله (صلى الله عليه واله) ؟ فقال : العادة تحملني على ذلك .
    فقال له الصادق (عليه السلام) : فما يمنعك من الكلام ؟
    قال : إجلال لك ومهابة ، ما ينطق لساني بين يديك ، فإني شاهدت العلماء ، وناظرت المتكلمين ، فما تداخلني هيبة قط مثلما تداخلني من هيبتك .
    فقال الصادق (عليه السلام) : يكون ذلك ، ولكن أفتح عليك سؤالاً ، ثم أقبل عليه فقال له : أمصنوع أنت أم غير مصنوع ؟
    فقال له ابن أبي العوجاء : أنا غير مصنوع .
    فقال له الصادق (عليه السلام) : فصف لي لو كنت مصنوعاً كيف كنت تكون ؟ فبقي عبد الكريم مليا لا يحير جوابا وولع بخشبة كانت بين يديه وهو يقول :
    طويل عريض ، عميق قصير ، متحرك ساكن ، كل ذلك من صفة خلقه .
    فقال له الصادق (عليه السلام) فأن كنت لم تعلم صفة الصنعة من غيرها ، فاجعل نفسك مصنوعا لما تجد في نفسك مما يحدث من هذه الأمور .
    فقال له عبد الكريم : سألتني عن مسألة لم يسالني أحد عنها قبلك ، ولا يسالني أحد بعدك عن مثلها.
    فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : هبك علمت أنك لم تسال في ما مضى ، فما علمك أنك لم تسأل في ما بعد ؟ على أنك يا عبد الكريم نقضت قولك ، لأنك تزعم أن الأشياء من الأول سواء ، فكيف قدمت وأخرت ؟
    ثم قال : يا عبد الكريم أنزيدك وضوحاً ؟ أرأيت لو كان معك كيس فيه جواهر، فقال لك قائل : هل في الكيس دينار؟ فنفيت كون الدينار في الكيس ، فقال لك قائل : صف لي الدينار ، وكنت غير عالم بصفته ، هل لك أن تنفي كون الدينار في الكيس وأنت لا تعلم ، قال لا .
    فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : فالعالم أكبر وأطول وأعرض من الكيس ، فلعل في العالم صنعة من حيث لا تعلم ، صفة الصنعة من غير الصنعة .
    فانقطع عبد الكريم ، وأجاب بعض أصحابه ، وبقي معه بعض .
    فعاد في اليوم الثالث فقال : أقلب السؤال ، فقال أبو عبد الله (عليه السلام) : سل عما شئت.
    فقال : ما الدليل على حدوث الأجسام ؟
    فقال (عليه السلام) : أني ما وجدت صغيراً ولا كبيراً إلا وإذا ضم إليه مثله صار أكبر ، وفي ذلك زوال وانتقال عن الحالة الأولى ، ولو كان قديماً ما زال ولا حال ، لأن الذي يزول ويحول يجوز أن يوجد ويبطل ، فيكون بوجوده بعد عدمه دخول في الحدث ، وفي كونه في الأولى دخوله في العدم ، ولن تجتمع صفة الأزل والعدم في شيء واحد.
    فقال عبد الكريم : هبك علمت بجري الحالين والزمانين على ما ذكرت ، واستدلت على حدوثها ، فلو بقيت الأشياء على صغرها ، من أين لك أن تستدل على حدوثها ؟
    فقال الصادق (عليه السلام) : إنما نتكلم على هذا العالم الموضوع ، فلو رفعناه ووضعنا عالم آخر، كان لا شيء أدل على الحدث من رفعنا إياه ووضعنا غيره ، ولكن أجبت من حيث قدرت إنك تلزمنا وتقول : إن الأشياء لو دامت على صغرها لكان في الوهم لأنه متى ما ضم شيء منه إلى مثله كان أكبر، وفي جواز التغيير عليه خروج من القدم ، كما بان في تغيير دخوله في الحدث أن ليس وراءه يا عبد الكريم ، فانقطع ابن أبي العوجاء .
    ولما كان في العام القابل ، التقى الإمام في الحرم ، فقال له بعض شيعته إن أبي العوجاء قد أسلم .
    فقال الصادق (عليه السلام) : هو أعمى من ذلك ، لا يسلم ، فلما بصر بالصادق (عليه السلام) قال : سيدي ومولاي .
    فقال له الإمام (عليه السلام) ما جاء بك إلى هذا الوضع ؟
    فقال : عادة الجسد وسنة البلد ولنبصر ما الناس فيه من الجنون والحلق ورمي الحجارة .
    فقال له الصادق (عليه السلام) : أنت بعد على عتوك وضلالك يا عبد الكريم .
    فذهب يتكلم ، فقال له الإمام (عليه السلام) : لا جدال في الحج ، ونفض رداءة من يده ، وقال :
    إن يكن الأمر كما تقول ، وليس كما تقول ، وهو كما نقول ، نجونا وهلكت (5).
    وسأل أبن أبي العوجاء الصادق (عليه السلام) يوماً في تبديل الجلود في النار.
    فقال : ما تقول هذه الآية : (كلما نضجت جلودهم بدلناهم جلوداً غيرها) (6) ؟
    هب هذه الجلود عصت فعذبت فما بال الغير يعذب ؟
    قال أبو عبد الله (عليه السلام) : ويحك هي هي ، وهي غيرها .
    قال: أعقلني هذا القول .
    فقال له الصادق (عليه السلام) : أرأيت أن رجلاً عهد إلى لبنة فكسرها ثمَّ صب عليها الماء وجبلها (7) ثمَّ ردها إلى هيئتها الأولى ، ألم تكن هي هي وهي غيرها ؟ فقال : بلى أمتع الله بك (8) .

    ب - وكان من كلامه عليه السّلام في التوحيد ، ما يروى عن هشام بن الحكم ، قال : كان بمصر زنديق يبلغه عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أشياء ، فخرج الى المدينة ليناظره فلم يصادفه بها ، وقيل : إِنه خارج بمكّة ، فخرج الى مكّة ونحن مع أبي عبد اللّه عليه السّلام فصادفنا ونحن مع أبي عبد اللّه في الطواف وكان اسمه عبد الملك وكنيته أبو عبد اللّه ، فضرب كتفه كتف أبي عبد اللّه عليه السّلام ، فقال له : ما اسمك ؟
    قال : عبد الملك .
    قال : فما كنيتك ؟
    قال : أبو عبد اللّه،
    فقال أبو عبد اللّه الصادق عليه السلام : فمن هذا الملك الذي أنت عبده ؟ أمن ملوك الأرض أم ملوك السماء ؟ واخبرني عن ابنك عبد إِله السماء أم عبد إِله الأرض ؟ قل ما شئت تخصم . فلم يحر جواباً .
    ثمّ أن الصادق عليه السّلام قال له : اذا فرغت من الطواف فأتنا ، فلما فرغ أبو عبد اللّه عليه السّلام أتاه الزنديق فقعد بين يديه عليه السّلام ونحن مجتمعون عنده ، فقال أبو عبد اللّه الصادق للزنديق : أتعلم أن للأرض تحتاً وفوقاً ؟
    قال : نعم .
    قال : فدخلت تحتها ؟ قال : لا.
    قال : فما يدريك ما تحتها ؟ قال : لا أدري إِلا أني أظن أن ليس تحتها شيء .
    فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : فالظنّ عجز فلِم لا تستيقن .
    ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : أفصعدت الى السماء ؟ قال : لا.
    قال : أفتدري ما فيها ؟ قال : لا .
    قال : عجباً لك لم تبلغ المشرق ولم تبلغ المغرب ، ولم تنزل الى الأرض ولم تصعد الى السماء ، ولم تجز هناك فتعرف ما خلفهنّ ، وأنت جاحد بما فيهنّ ، فهل يجحد العاقل ما لا يعرف ؟ قال الزنديق : ما كلّمني بها أحد غيرك .
    فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : فأنت من ذلك في شكّ فلعلّه هو ولعلّه ليس هو ، فقال الزنديق : ولعلّ ذلك .
    فقال أبو عبد اللّه عليه السّلام : أيّها الرجل ليس لمن لا يعلم حجّة على من يعلم ، ولا حجّة للجاهل ، يا أخا أهل مصر تفهم عنّي فإنّا لا نشكّ في اللّه أبداً ، أما ترى الشمس والقمر والليل والنهار يلجان فلا يشتبهان ويرجعان ، قد اضطرّا ليس لهما مكان إِلا مكانهما فإن كانا يقدران على أن يذهبا فلِم يرجعان ؟ وإن كانا غير مضطرّين فلِم لا يصير الليل نهاراً والنهار ليلاً ؟ اضطرّا واللّه يا أخا أهل مصر الى دوامهما والذي اضطرّهما أحكم منهما واكبر (أي أكبر في القوّة والقدرة وما شابه ذلك) فقال الزنديق : صدقت .
    ثمّ قال أبو عبد اللّه عليه السّلام : يا أخا أهل مصر إِن الذي تذهبون اليه وتظنّون أنه الدهر إِن كان الدهر يذهب بهم فلِم لا يردّهم ؟ وإِن كان يردّهم لِم لا يذهب بهم ؟ القوم مضطرّون يا أخا أهل مصر، لِم السماء مرفوعة والأرض موضوعة ؟ لِم لا تنحدر السماء على الأرض ؟ لِم لا تنحدر الأرض فوق طباقها ؟ ولا يتماسكان ولا يتماسك مَن عليها ؟
    قال الزنديق : أمسكهما اللّه ربّهما سيّدهما .
    قال : فآمن الزنديق على يدي أبي عبد اللّه عليه السّلام ، فقال حمران بن أعين : جعلت فداك إِن آمنت الزنادقة على يدك فقد آمن الكفّار على يد أبيك .
    فقال المؤمن الذي آمن على يدي أبي عبد اللّه عليه السلام : اجعلني من تلامذتك ، فقال أبو عبد اللّه : يا هشام بن الحكم خذه اليك ، فعلّمه هشام ، وكان معلّم أهل الشام وأهل مصر الايمان ، وحسنت طهارته حتّى رضي بها أبو عبد اللّه عليه السّلام .
    ج - وجاء الى الإمام الصادق زنديق آخر وسأله عن أشياء نقتطف منها ما يلي :
    قال له : كيف يعبد اللّه الخلق ولم يروه ؟ قال أبو عبد اللّه عليه السلام : رأته القلوب بنور الايمان ، وأثبتته العقول بيقظتها إِثبات العيان ، وأبصرته الأبصار بما رأته من حسن التركيب وإِحكام التأليف ، ثمّ الرسل وآياتها ، والكتب ومحكماتها، واقتصرت العلماء على ما رأت من عظمته دون رؤيته .
    قال : أليس هو قادر أن يظهر لهم حتّى يروه فيعرفونه فيُعبد على يقين ؟
    قال عليه السلام : ليس للمحال جواب (أي إِنما الرؤية تثبت للأجسام وإِذا لم يكن تعالى جسماً استحالت رؤيته ، والمحال غير مقدور لا من جهة النقص في القدرة ، بل النقص في المقدور) .
    قال الزنديق : فمن أين أثبت أنبياءً ورسلاً ، قال عليه السلام : إِنّا لمّا أثبتنا أنَّ لنا خالقاً صانعاً متعالياً عنّا وعن جميع ما خلق ، وكان ذلك الصانع حكيماً لم يجز أن يشاهده خلقه ولا أن يلامسوه ولا أن يباشرهم ويباشروه ويحاجّهم ويحاجّوه ، ثبت أن له سفراء في خلقه وعباده يدلّونهم على مصالحهم ومنافعهم وما به بقاؤهم وفي تركه فناؤهم ، فثبت الآمرون والناهون عن الحكيم العليم في خلقه ، وثبت عند ذلك أن لهم معبّرين وهم الأنبياء وصفوته من خلقه ، حكماء مؤدّبين بالحكمة ، مبعوثين عنه ، مشاركين للناس في أحوالهم على مشاركتهم لهم في الخلق والتركيب ، مؤيّدين من عند الحكيم العليم بالحكمة والدلائل والبراهين والشواهد من إِحياء الموتى وإِبراء الأكمه والأبرص .
    ثمّ قال الزنديق : من أيّ شيء خلق الأشياء ؟
    قال عليه السّلام : من لا شيء ، فقال : كيف يجيء شيء من لا شيء ؟
    قال عليه السلام : إِن الأشياء لا تخلو إِما أن تكون خلقت من شيء أو من غير شيء فإن كانت خلقت من شيء كان معه ، فإن ذلك الشيء قديم ، والقديم لا يكون حديثاً ، ولا يتغيّر ولا يخلو ذلك الشيء من أن يكون جوهراً واحداً ولوناً واحداً ، فمن أين جاءت هذه الألوان المختلفة والجواهر الكثيرة الموجودة في هذا العالم من ضروب شتّى ؟ ومن أين جاء الموت إِن كان الشيء الذي اُنشئت منه الأشياء حيّاً ؟ أو من أين جاءت الحياة إِن كان ذلك الشيء ميّتاً ؟ ولا يجوز أن يكون من حيّ وميّت قديمين لم يزالا ، لأن الحيّ لا يجيء منه ميّت وهو لم يزل حيّاً ، ولا يجوز أيضاً أن يكون الميّت قديماً لم يزل لما هو به من الموت ، لأن الميّت لا قدرة به ولا بقاء.
    أقول : إِن هذا الأمر على دقّته قد أوضحه الامام بأحسن بيان وردّده بين اُمور لا يجد العقل سلواها عند الترديد ، وحقّاً إِن كان الشيء الذي خلقت الأشياء منه قديماً لزم أن يكون مع اللّه تعالى شيء قديم غير مخلوق له ، ولو فرض أنه مخلوق له عاد الكلام الأول أنه من أيّ شيء كان مخلوقاً ، هذا غير أن القديم لا يكون حادثاً ، والميّت لا يكون منه الحيّ ، والحيّ لا يكون منه الميّت ، والحياة والممات لا يتركّبان ، ولو تركّبا عاد الكلام السابق ، فإن الموت لا يصلح أن يكون في الأشياء الحيّة ، ولا بقاء ولا دوام ليكون باقياً إِلى أن خلق اللّه منه الأشياء الحيّة ، فلا بدّ إِذن من أن يكون تعالى قد خلق الأشياء من لا شيء .
    ثمّ قال : من أين قالوا إِن الأشياء أزليّة ؟
    قال عليه السّلام : هذه مقالة قوم جحدوا مدبّر الأشياء فكذّبوا الرسل ومقالتهم ، والأنبياء وما أنبأوا عنه ، وسمّوا كتبهم أساطير، ووضعوا لأنفسهم ديناً بآرائهم واستحسانهم ، وإِن الأشياء تدلّ على حدوثها من دوران الفلك بما فيه وهي سبعة أفلاك ، وتحرّك الأرض ومن عليها ، وانقلاب الأزمنة ، واختلاف الحوادث التي تحدث في العالم من زيادة ونقصان ، وموت وبلى ، واضطرار الأنفس الى الإقرار بأن لها صانعاً ومدبّراً ، ألا ترى الحلو يصير حامضاً ، والعذاب مرّاً ، والجديد بالياً ، وكلّ الى تغيّر وفناء .
    أقول : إِن الاستدلال بانقلاب الأزمنة ودوران الفلك من أدقّ الأدلّة العلميّة على حدوث العالم ، الذي قصرت عنه أفهام كثير من الفلاسفة العظام كما أنه جعل الفلك الدائر فلكاً واحداً ثمّ تفسيره بالأفلاك السبعة لا ينطبق إِلا على نظرية الهيئة الحديثة إِذ يراد به النظام الشمسي ، ومثله تصريحه بحركة الأرض التي لم يكن يحلم بها أحد من السابقين ، وهي من مكتشفات العلم الحديث .
    وللصادق عليه السلام نظير ذلك مع الجعد بن درهم ، وكان من أهل الضلال والبدع ، وقتله والي الكوفة يوم النحر لذلك ، قال ابن شهر اشوب : قيل إِن الجعد بن درهم جعل في قارورة ماءً وتراباً فاستحال دوداً وهواماً فقال لأصحابه : أنا خلقت ذلك لأني كنت سبب كونه ، فبلغ ذلك جعفر بن محمّد عليهما السلام ، فقال: ليقل كم هي ؟ وكم الذكران منه والاناث إِن كان خلقه ، وكم وزن كلّ واحدة منهنّ ، وليأمر الذي سعى الى هذا الوجه أن يرجع الى غيره . فانقطع وهرب .

    يتبع




  • #2
    *** من فوائد علم الإمام الصادق (عليه السلام) :
    1/ محاورة فلسفة الموت والفناء في نظر الامام الصادق (عليه السلام) مع أحد تلامذته :
    لقد دار حديث عن الموت بين الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وتلميذه المفضل بن عمر، وهو من أخلص تلاميذه (عليه السلام).
    قال المفضل : فلما كان اليوم الرابع ، بكرت إلى مولاي ، فاستؤذن لي ، فأمرني بالجلوس ، فجلست ، فقال عليه السلام : من التحميد والتسبيح والتعظيم والتقديس ، للاسم الأقدم والنور الأعظم العلي العلام ذي الجلال والإكرام ، ومنشئ الأنام ، ومفني العوالم والدهور ، وصاحب السر المستور ، والغيب المحظور ، والاسم المخزون والعلم المكنون .
    وصلواته وبركاته على مبلغ وحيه ، مؤدي رسالته ، الذي بعثه بشيراً ونذيراً ، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً ، ليهلك من هلك عن بينه ، ويحيى من حي عن بينة ، فعليه وعلى آله من بارئه الصلوات الطيبات ، والتحيات الزاكيات الناميات ، وعليه وعليهم السلام .
    الموت والفناء وانتقاد الجهال وجواب ذلك :
    وقد شرحت لك يا مفضل من الأدلة على الخلق ، والشواهد على صواب التدبير والعمد في الإنسان والحيوان والنبات والشجر وغير ذلك ، ما فيه عبرة لمن اعتبر. وأنا أشرح لك الآن الآفات الحادثة في بعض الأزمان التي اتخذها أناس من الجهال ذريعة إلى جحود الخلق والخالق ، والعمد والتدبير ، وما أنكرت المعطلة والمنافية من المكاره والمصائب ، وما أنكروه من الموت والفناء .
    ومما ينتقده الجاحدون للعمد والتقدير للموت والفناء ، فإنهم يذهبون إلى انه ينبغي ان يكون الناس مخلدين في هذه الدنيا ، مبرئين من هذه الآفات ، فينبغي أن يساق هذا الأمر إلى غايته ، فينظر ما محصوله .
    أفرأيت ، لو كان كل من دخل العالم ويدخله يبقون ، لا يموت أحد منه ، ألم تكن الأرض تضيق بهم ، حتى تعوزهم المساكن والمزارع والمعائش ، فإنهم والموت يفنيهم أولاً فأولاً ، يتنافسون في المساكن والمزارع ، حتى تنشب بينهم في ذلك الحروب وتسفك فيهم الدماء ، فكيف كانت تكون حالهم لو كانوا يولدون ولا يموتون ، وكان يغلب عليهم الحرص والشره وقساوة القلوب ، فلو وثقوا بأنهم يموتون لما قنع الواحد منهم بشيء يناله ، ولا أفرج لأحد عن شيء من أمور الدنيا ، كما قد يمل الحياة من طال عمره ، حتى يتمنى الموت والراحة من الدنيا ...
    فإن قالوا : إنه ينبغي أنه يرفع عنهم المكاره والأوصاب حتى لا يتمنوا الموت ولا يشتاقوا إليه ، فقد وصفنا ما كان يخرجهم إليه من العتو والأشر، الحامل لهم على ما فيه فساد الدنيا والدين .
    وإن قالوا : إنه كان ينبغي ان لا يتوالدوا لكيلا تضيق عنهم المساكن والمعائش .
    قيل لهم : إذا كان يحرم أكثر هذا الخلق دخول العالم والاستمتاع بنعم الله تعالى ومواهبه في الدارين جميعاً ، إذن لم يدخل العالم إلا قرن واحد ، لا يتوالدون ولا يتناسلون ...
    فإن قالوا : إنه كان ينبغي أن يخلق في ذلك القرن الواحد من الناس مثل ما خلق ويخلق إلى انقضاء العالم .
    يقال لهم : رجع الأمر إلى ما ذكرنا من ضيق المساكن والمعائش عنهم ، ثم لو كانوا لا يتوالدون ولا يتناسلون ، لذهب بالقرابات وذوي الأرحام والانتصار بهم عند الشدائد ، وموضع تربية الأولاد والسرور بهم ، نفي هذا دليل على أن كل ما تذهب إليه الأوهام ـ وما جرى به التدبير ـ خطأ وسفه من الرأي والقول .
    ولعل طاعناً يطعن على التدبير من جهة أخرى فيقول : كيف يكون ها هنا تدبير ، ونحن نرى الناس في هذه الدنيا أن القوي يظلم ويغضب ، والضعيف يظلم ويسام الخسف ، والصالح فقير مبتلى ، والفاسق معافى موسع عليه ، ومن ركب فاحشة أو انتهك محرماً لم يعالج بالعقوبة .
    فلو كان في العالم تدبير ، لجرت الأمور على القياس القائم ، فكان الصالح هو المرزوق ، والطالح هو المحروم ، وكان القوي يمنع من ظلم الضعيف ، والمنتهك للمحارم يعالج بالعقوبة .
    فيقال في جواب ذلك : إن هذا لو كان هكذا لذهب موضع الإحسان الذي فضل الله به الإنسان على غيره من الخلق ، وحمل النفس الى البر والعمل الصالح احتساباً للثواب ، وثقة بما وعد الله عنه ، ولصار الناس بمنزلة الدواب التي تساس بالعصا والعلف ، ويلمح لها بكل واحدٍ منهما ساعة فساعة فتستقيم على ذلك ، ولم يكن أحد يعمل على يقين بثواب أو عقاب ، حتى كان هذا يخرجهم عن حد الإنسية إلى حد البهائم ، ثم لا يعرف ما غاب ، ولا يعمل غلا على الحاضر من نعيم الدنيا ، وكان يحدث من هذا أيضاً أن يكون الصالح إنما يعمل للرزق والسعة في هذه الدنيا ويكون الممتنع من الظلم والفواحش إنما يكف عن ذلك لترقب عقوبة تنزل به من ساعته ، حتى تكون أفعال الناس كلها تجري على الحاضر، لا يشوبه شيء من اليقين بما عند الله ، ولا يستحقون ثواب الآخرة والنعيم الدائم فيها ، مع إن هذه الأمور التي ذكرها الطاعن من الغنى والفقر والعافية والبلاء ليست بجارية على خلاف قياسه ، بل قد تجري على ذلك أحياناَ .
    فقد ترى كثير من الصالحين يرزقون المال لضروب من التدبير ، ولكيلا يسبق إلى قلوب الناس أن الكفار هم المرزوقون ، والأبرار هم المحرومون ، فيؤثرون الفسق على الصلاح ، وترى كثيراً من الفساق يعالجون بالعقوبة إذا تفاقم طغيانهم وعظم ضررهم على الناس وعلى أنفسهم ، كما عولج فرعون بالغرق وبختنصر بالتيه وبلبيس بالقتل.
    وإن أمهل بعض الأشرار بالعقوبة وأخّر بعض الأخيار بالثواب إلى الدار الآخرة لأسباب تخفى على العباد ، لم يكن هذا مما يبطل التدبير ، فإن مثل هذا يكون من ملوك الأرض ولا يبطل تدبيرهم ، بل يكون تأخيرهم ما أخروه ، وتعجيلهم ما عجلوه داخلاً في صواب الرأي والتدبير ، وإذا كانت الشواهد تشهد وقياسهم يوجب أن للأشياء خالقاً حكيماً قادراً ، فما يمنعه أن يدبر خلقه ، فإنه لا يصلح في قياسهم أن يكون الصانع يهمل صنعته إلا بإحدى ثلاث خلال ، إما عجز وإما جهل وإما شرارة ، وكل هذا محال في صنعته عز وجل وتعالى ذكره . وذكر أن العاجز لا يستطيع أن يأتي بهذه الخلائق الجليلة العجيبة ، والجاهل لا يهتدي لما فيها من الصواب والحكمة ، والشرير لا يتطاول لخلقها وإنشائها . وإذا كان هذا هكذا ، وجب أن يكون الخالق لهذه الخلائق يدبرها لا محالة ، وإن كان لا يدرك كنه ذلك التدبير ومخارجه ، فإن كثيراً من تدبير الملوك لا تفهمه العامة ولا تعرف أسبابه ، لأنها لا تعرف دخيلة الملوك وأسرارهم ، فإذا عرف سببه وجد قائماً على الصواب والشاهد المحنة .
    تلك كانت نظرية الصادق (عليه السلام) بشأن الموت وحكمته ، وكانت له نظريات أخرى في الحركة والوجود ، وكلها تشهد له بنفاذ النظرة ، وصفاء المذهب ، وسلامة المنطق ، وجلاء البصر والبصيرة ، والقدرة على استكناه حقائق الأشياء ، والاستعداد التلقائي لاستيعاب فلسفة الحياة والكون واستنباط ما استتر من خفاياها وما غفلت عنه كبار العقول المفكرة .
    حقاً ، لقد كان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) واحد عصره ، وقمة القمم في علوم الدين والدنيا في عصور كثرة ممتدة .

    2/ معنى الآية (لا تدركه الأبصار) ونفي رؤية الله تعالى مطلقا :
    ذهب بعض أبناء الفِرق الاسلاميّة الى أنه جلّ شأنه يُرى بالبصر في الآخرة فقط ، أو في الدنيا والآخرة معاً وما زال أهل البيت - لا سيّما الامام الصادق عليه السلام - يبطلون هذه النسبة ويمنعون عليه تعالى الرؤية ، وسوف نورد بعض الحجج من كلامه (ع) .
    قال هشام : كنت عند الصادق عليه السّلام إِذ دخل عليه معاوية بن وهب وعبد الملك بن أعين فقال له معاوية بن وهب : يا ابن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) ما تقول في الخبر الذي روي أن رسول اللّه (صلّى اللّه عليه وآله) رأى ربه ، على أي صورة رآه ؟ وعن الحديث الذي رووه أن المؤمنين يرون ربّهم في الجنّة على أيّ صورة يرونه ؟ فتبسّم عليه السّلام ثمّ قال : يا معاوية ما أقبح بالرجل يأتي عليه سبعون سنة أو ثمانون سنة يعيش في مُلك اللّه ويأكل من نعمه ثمّ لا يعرف اللّه حقّ معرفته ، ثمّ قال عليه السّلام : يا معاوية إِن محمّداً صلّى اللّه عليه وآله لم يَر الربّ تبارك وتعالى بمشاهدة العيان وأن الرؤية على وجهين : رؤية القلب ، ورؤية البصر ، فمن عنى برؤية القلب فهو مصيب ومن عنى برؤية البصر فقد كفر باللّه وبآياته لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله : من شبّه اللّه بخلقه فقد كفر ، ولقد حدّثني أبي عن أبيه عن الحسين بن علي عليهم السّلام قال : سئل أمير المؤمنين عليه السّلام فقيل : يا أخا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله هل رأيت ربّك ؟ فقال : وكيف أعبد من لم أره ، لم تره العيون بمشاهدة العيان ، ولكن رأته القلوب بحقائق الايمان ، فإذا كان المؤمن يرى ربّه بمشاهدة البصر فإن كلّ من جاز عليه البصر والرؤية فهو مخلوق ، ولا بدّ للمخلوق من الخالق ، فقد جعلته إِذن محدثاً مخلوقاً ، ومن شبّهه بخلقه فقد اتخذ مع اللّه شريكاً ، ويلَهُم أَوَلم يسمعوا بقول اللّه تعالى « لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير» ( الأنعام / 103) وقوله « لن تراني ولكن انظر الى الجبل فإن استقرّ مكانه فسوف تراني فلمّا تجلّى ربّه للجبل جعله دكّاً » ( الأعراف / 143) وإِنما طلع من نوره على الجبل كضوء يخرج من سمّ الخياط فدكدكت الأرض وصعقت الجبال فخرّ موسى صعقاً - أي ميّتاً - فلمّا أفاق وردّ عليه روحه قال : سبحانك تبت اليك من قول مَن زعم أنك تُرى ورجعت الى معرفتي بك أن الأبصار لا تدركك ، وأنا أول المؤمنين وأول المقرّين بأنك تَرى ولا تُرى وأنت بالمنظر الأعلى.
    ثمّ قال عليه السّلام : إِن أفضل الفرائض وأوجبها على الإنسان معرفة الربّ ، والإقرار له بالعبوديّة ، وحدّ المعرفة أن يعرف أنه لا إِله غيره ، ولا شبيه له ولا نظير ، وأن يعرف أنه قديم مثبت موجود غير فقيد ، موصوف من غير شبيه ولا مبطل ، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير ، وبعده معرفة الرسول والشهادة
    بالنبوّة ، وأدنى معرفة الرسول الإقرار بنبوّته وأن ما أتى به من كتاب أو أمر أو نهي فذلك من اللّه عزّ وجل ، وبعده معرفة الإمام الذي تأتمّ به بنعمته وصفته واسمه ، في حال العسر واليسر، وأدنى معرفة الإمام أنه عِدل النبي إِلا درجة النبوّة ووارثه وأن طاعته طاعة اللّه وطاعة رسول اللّه والتسليم له في كلّ أمر ، والردّ اليه والأخذ بقوله .
    ثمّ أنه أورد على معاوية ذكر الأئمة وأسمائهم ، ثمّ قال: يا معاوية جعلت لك أصلاً في هذا فاعمل عليه ، فلو كنت تموت على ما كنت عليه لكان حالك أسوأ الأحوال ، فلا يغرّنك قول من زعم أن اللّه تعالى يُرى بالبصر .
    ثمّ ذكر لمعاوية أعاجيب ما نسبوه من المكروه والباطل للأنبياء ولأبويه النبيّ وعليّ عليهم السّلام جميعاً .



    =================================

    *** من مناظرات أصحاب الإمام الصادق (عليه السلام) مع المخالفين :

    1/ مناظرة مؤمن الطاق مع ابن أبي خدرة :
    عن الاعمش قال : اجتمعت الشيعة والمحكّمة عند أبي نعيم النخعي بالكوفة ، وأبو جعفر محمد بن النعمان مؤمن الطاق حاضر، فقال ابن أبي خدرة : أنا اقرر معكم أيتها الشيعة أن أبا بكر أفضل من علي وجميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بأربع خصال لا يقدر على دفعها أحد من الناس ، هو ثان مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) في بيته مدفون ، وهو ثاني اثنين معه في الغار، وهو ثاني اثنين صلى بالناس آخر صلاة قبض بعده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، وهو ثاني اثنين الصديق من الامة .
    قال أبو جعفر مؤمن الطاق رحمة الله عليه : يا ابن أبي خدرة وأنا اقرر معك أن عليا (عليه السلام) أفضل من أبي بكر وجميع أصحاب النبي (صلى الله عليه وآله) بهذه الخصال التي وصفتها ، وأنها مثلبة لصاحبك والزمك طاعة علي صلى الله عليه من ثلاث جهات من القرآن وصفا ، ومن خبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصا ، ومن حجة العقل اعتبارا ، ووقع الاتفاق على إبراهيم النخعي ، وعلى أبي إسحاق السبيعي ، وعلى سليمان بن مهران الاعمش .
    فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : أخبرني يا ابن أبي خدرة عن النبي (صلى الله عليه وآله) أترك بيوته التي أضافها الله إليه ، ونهى الناس عن دخولها إلا باذنه ميراثا لاهله وولده ؟
    أو تركها صدقة على جميع المسلمين ؟ قل : ما شئت .
    فانقطع ابن أبي خدرة لما أورد عليه ذلك ، وعرف خطأ ما فيه ،
    فقال أبو جعفر مؤمن الطاق : إن تركها ميراثا لولده وأزواجه فانه قبض عن تسع نسوة ، وإنما لعائشة بنت أبي بكر تسع ثمن هذا البيت الذي دفن فيه صاحبك ولم يصبها من البيت ذراع ، وإن كان صدقة فالبلية أطم وأعظم فإنه لم يصب له من البيت إلا ما لادنى رجل من المسلمين ، فدخول بيت النبي (صلى الله عليه وآله) بغير إذنه في حياته وبعد وفاته معصية إلا لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) وولده ، فإن الله أحل لهم ما أحل للنبي (صلى الله عليه وآله) وسلم .
    ثم قال : إنكم تعلمون أن النبي (صلى الله عليه وآله) أمر بسد أبواب جميع الناس التي كانت مشرعة إلى المسجد ما خلا باب علي (عليه السلام)، فسأله أبو بكر أن يترك له كوة لينظر منها إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسلم فأبى عليه ، وغضب عمه العباس من ذلك فخطب النبي (صلى الله عليه وآله) خطبة وقال : إن الله تبارك وتعالى أمر لموسى وهارون أن تبوءا لقومكما بمصر بيوتا ، وأمرهما أن لا يبيت في مسجدهما جنب ولا يقرب فيه النساء إلا موسى وهارون وذريتهما ، وإن عليا مني هو بمنزلة هارون من موسى ، وذريته كذرية هارون ، ولا يحل لاحد أن يقرب النساء في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله) ولا يبيت فيه جنبا إلا علي وذريته (عليهم السلام) .
    فقالوا بأجمعهم : كذلك كان.
    قال أبو جعفر: ذهب ربع دينك يا ابن أبي خدرة وهذه منقبة لصاحبي ليس لاحد مثلها ومثلبة لصاحبك .
    وأما قولك ثاني اثنين إذ هما في الغار أخبرني هل أنزل الله سكينته على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى المؤمنين في غير الغار؟
    قال : ابن أبي خدرة : نعم.
    قال أبو جعفر: يا ابن خدرة ذهب نصف دينك ، (يعني لماذا لم يُنزل الله سكينته على أبي بكر كما أنزلها على النبي(ص) ، فهذه منقصة له وليست فضيلة) .
    وأما قولك ثاني اثنين الصديق من الامة أوجب الله على صاحبك الاستغفار لعلي بن أبي طالب (عليه السلام) في قوله عز وجل " والذين جاؤا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالايمان (الحشر/ 11) إلى آخر، والذي ادعيت إنما هو شيء سماه الناس ، ومن سماه القرآن وشهد له بالصدق والتصديق أولى به ممن سماه الناس ، وقد قال علي (عليه السلام) على منبر البصرة : أنا الصديق الاكبر آمنت قبل أن آمن أبو بكر و صدقت قبله.
    قال الناس : صدقت .
    قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يا ابن أبي خدرة ذهب ثلاث أرباع دينك .
    وأما قولك في الصلاة بالناس كنت ادعيت لصاحبك فضيلة لم تقم له ، وإنها إلى التهمة أقرب منها إلى الفضيلة ، فلو كان ذلك بأمر رسول الله (صلى الله عليه وآله) لما عزله عن تلك الصلاة بعينها ، أما علمت أنه لما تقدم أبو بكر ليصلي بالناس خرج رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتقدم وصلى بالناس وعزله عنها ، ولا تخلو هذه الصلاة من أحد وجهين ، إما أن تكون حيلة وقعت منه فلما حس النبي (صلى الله عليه وآله) وسلم بذلك خرج مبادرا مع علته فنحّاه عنها لكي لا يحتج بعده على امته فيكونوا في ذلك معذورين ، وإما أن يكون هو الذي أمره بذلك وكان ذلك مفوضا إليه كما في قصة تبليغ براءة فنزل جبرئيل (عليه السلام) وقال : لا يؤديها إلا أنت أو رجل منك فبعث عليا (عليه السلام) في طلبه وأخذها منه وعزله عنها وعن تبليغها ، فكذلك كانت قصة الصلاة ، وفي الحالتين هو مذموم لانه كشف عنه ما كان مستورا عليه ، وذلك دليل واضح لانه لا يصلح للاستخلاف بعده ، ولا هو مأمون على شيء من أمر الدين .
    فقال الناس : صدقت .
    قال أبو جعفر مؤمن الطاق : يا ابن أبي خدرة ذهب دينك كله وفضحت حيث مدحت .
    فقال الناس لابي جعفر : هات حجتك فيما ادعيت من طاعة علي (عليه السلام) .
    فقال أبو جعفر مؤمن الطاق :
    أما من القرآن وصفا فقوله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله و كونوا مع الصادقين " (سورة براءة: 119) فوجدنا عليا (عليه السلام) بهذه الصفة في القرآن في قوله عز وجل " والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس " (سورة البقرة: 177) يعني في الحرب والتعب " اولئك الذين صدقوا واولئك هم المتقون "
    فوقع الاجماع من الامة بأن عليا (عليه السلام) أولى بهذا الامر من غيره لأنه لم يفر عن زحف قط كما فر غيره في غير موضع .
    فقال الناس : صدقت .
    وأما الخبر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) نصا فقال : أني تارك فيكم الثقلين ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي فإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض ، وقوله (صلى الله عليه وآله) : مثل أهل بيتي فيكم كمثل سفينة نوح من ركبها نجا ، ومن تخلف عنها غرق، ومن تقدمها مرق، ومن لزمها لحق ، فالمتمسك بأهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) هاد مهتد بشهادة من الرسول (صلى الله عليه وآله) ، والمتمسك بغيرهم ضال مضل . قال الناس : صدقت يا أبا جعفر .
    وأما من حجة العقل فإن الناس كلهم يستعبدون بطاعة العالم ، ووجدنا الاجماع قد وقع على علي (عليه السلام) أنه كان أعلم أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وكان جميع الناس يسألونه ويحتاجون إليه ، وكان علي (عليه السلام) مستغينا عنهم ، هذا من الشاهد والدليل عليه من القرآن قوله عز وجل " أفمن يهدي إلى الحق أحقُّ أن يُتَّبع أمّن لا يَهِدّي إلا أن يُهدى فما لكم كيف تحكمون " (سورة يونس / 35) .
    فما اتفق يوم أحسن منه ودخل في هذا الامر عالم كثير.

    2/ مناظرة الفضال مع أبي حنيفة :
    مر فضال بن الحسن بن فضال الكوفي بأبي حنيفة وهو في جمع كثير يملي عليهم شيئا من فقهه وحديثه ، فقال لصاحب كان معه : والله لا أبرح أو أخجل أبا حنيفة .
    فقال صاحبه الذي كان معه : إن أبا حنيفة ممن قد علت حالته و ظهرت حجته .
    قال : مه هل رأيت حجة ضال علت على حجة مؤمن !
    ثم دنا منه فسلم عليه فردها ، ورد القوم السلام بأجمعهم .
    فقال : يا أبا حنيفة إن أخا لي يقول :
    إن خير الناس بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله) علي بن أبي طالب (عليه السلام) وأنا أقول : أبو بكر خير الناس وبعده عمر فما تقول أنت رحمك الله ؟
    فأطرق مليا ثم رفع رأسه فقال : كفى بمكانهما من رسول الله (صلى الله عليه وآله) كرما وفخرا أما علمت أنهما ضجيعاه في قبره فأي حجة تريدا أوضح من هذا !
    فقال له فضال : إني قد قلت ذلك لأخي فقال : والله لئن كان الموضع لرسول الله (صلى الله عليه وآله) دونهما فقد ظلما بدفنهما في موضع ليس لهما فيه حق ، وإن كان الموضع لهما فوهباه لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لقد أساءا وما أحسنا إذ رجعا في هبتهما ونسيا عهدهما .
    فأطرق أبو حنيفة ساعة ثم قال له : لم يكن له ولا لهما خاصة ، ولكنهما نظرا في حق عائشة وحفصة فاستحقا الدفن في ذلك الموضع بحقوق ابنتيهما .
    فقال له فضال : قد قلت له ذلك فقال : أنت تعلم أن النبي (صلى الله عليه وآله) مات عن تسع نساء ونظرنا فاذا لكل واحدة منهن تسع الثمن ، ثم نظرنا في تسع الثمن فإذا هو شبر في شبر، فكيف يستحق الرجلان أكثر من ذلك؟
    وبعد ذلك فما بال عائشة وحفصة يرثان رسول الله (صلى الله عليه وآله) وفاطمة بنته تمنع الميراث ؟
    فقال أبو حنيفة : يا قوم نحوه عني فإنه رافضي خبيث !!! (الاحتجاج للطبرسي / ص 205)
    وهكذا القوم كلما عجزوا عن الجواب بدأوا بالسباب ، ولكن ماذا سيجيبون الله في يوم القيامة ؟؟؟

    3/ مناظرات هشام بن الحكم :
    أ- قال أبو عبيدة المعتزلي لهشام بن الحكم : الدليل على صحة معتقدنا وبطلان معتقدكم كثرتنا وقلتكم مع كثرة أولاد علي وادعائهم !
    فقال هشام : لست إيانا أردت بهذا القول إنما أردت الطعن على نوح (عليه السلام) حيث لبث في قومه ألف سنة إلا خمسين عاما يدعوهم إلى النجاة ليلا ونهارا ، وما آمن معه إلا قليل .
    فبهت عن الجواب ، لأنه يعلم أن القرآن الكريم يقول وأكثرهم للحق كارهون.
    ب - وسأل هشام بن الحكم جماعة من المتكلمين فقال : أخبروني حيث بعث الله محمد (صلى الله عليه وآله) بعثه بنعمة تامة أو بنعمة ناقصة ؟
    قالوا : بنعمة تامة .
    قال: فأيما أتم أن يكون في أهل بيت واحد نبوة وخلافة ؟ أو يكون نبوة بلا خلافة ؟
    قالوا : بل يكون نبوة وخلافة .
    قال : فلماذا جعلتموها في غيرها ، فاذا صارت في بني هاشم ضربتم وجوههم بالسيوف !؟ فافحموا (كتاب المناقب / ج 1 ص 236 - 237).

    4/ مناظرة الهيثم بن حبيب مع أبي حنيفة :
    عن علي بن الحسن التيملي ، قال : وجدت في كتاب أبي : حدثنا محمد بن مسلم الاشجعي ، عن محمد بن نوفل قال : كنت عند الهيثم بن حبيب الصيرفي فدخل علينا أبو حنيفة النعمان بن ثابت فذكرنا أمير المؤمنين (عليه السلام) ودار بيننا كلام فيه فقال أبو حنيفة : قد قلت لأصحابنا : لا تقرّوا لهم بحديث غدير خم فيخصموكم ، فتغير وجه الهيثم بن حبيب الصيرفي وقال له : لم لا يقرون به أما هو عندك يا نعمان ؟ قال : هو عندي وقد رويته .
    قال : فلم لا يقرون به وقد حدثنا به حبيب بن أبي ثابت عن أبي الطفيل عن زيد بن أرقم أن عليا (عليه السلام) نشد الله في الرحبة مَن سَمِعَه ؟
    فقال أبو حنيفة : أفلا ترون أنه قد جرى في ذلك خوض حتى نشد علي الناس لذلك ؟
    فقال الهيثم : فنحن نكذب عليا أو نرد قوله ؟
    فقال أبو حنيفة : ما نكذب عليا ولا نرد قولا قاله ، ولكنك تعلم أن الناس قد غلا فيهم قوم !
    فقال الهيثم : يقوله رسول الله (صلى الله عليه وآله) ويخطب به ، ونشفق نحن منه ونتقيه ، لغلو غال أو قول قائل !!! ( أمالى المفيد: ص 14) .

    5/ مناظرة أبي كهمس مع إبن أبي ليلى :
    عن ابن فضال ، عن أبي كهمس قال : دخلت على أبي عبد الله فقال لي : شهد محمد بن مسلم الثقفي القصير عند ابن أبي ليلى بشهادة فرد شهادته ؟
    فقلت : نعم .
    فقال : إذا صرت إلى الكوفة فأتيت ابن أبي ليلى ، فقل له : أسألك عن ثلاث مسائل لا تفتني فيها بالقياس ، ولا تقول قال أصحابنا ، ثم سله عن الرجل يشك في الركعتين الاوليين من الفريضة ، وعن الرجل يصيب جسده أو ثيابه البول كيف يغسله ؟ وعن الرجل يرمي الجمار بسبع حصيات فيسقط منه واحدة كيف يصنع ؟ فاذا لم يكن عنده فيها شيء فقل له : يقول لك جعفر بن محمد : ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف بأحكام الله منك ، وأعلم بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) منك .
    قال أبو كهمس : فلما قدمت أتيت ابن أبي ليلى قبل أن أصير إلى منزلي فقلت له : أسألك عن ثلاث مسائل لا تفتني فيها بالقياس ، ولا تقول قال أصحابنا.
    قال :هات ؟
    قال : قلت : ما تقول في رجل شك في الركعتين الاوليين من الفريضة ؟
    فأطرق ثم رفع رأسه إلي فقال : قال أصحابنا ، فقلت : هذا شرطي عليك ألا تقول قال أصحابنا ، فقال : ما عندي فيها شيء .
    فقلت له : ما تقول في الرجلين يصيب جسده أو ثيابه البول كيف يغسله ؟
    فأطرق ثم رفع رأسه فقال : قال أصحابنا !! فقلت هذا شرطي عليك .
    فقال : ما عندي فيها شيء .
    فقلت : رجل رمى الجمار بسبع حصيات فسقطت منه حصاة كيف يصنع فيها ؟
    فطأطأ رأسه ، ثم رفعه فقال : قال أصحابنا !!!! فقلت : أصلحك الله هذا شرطي عليك فقال : ليس عندي فيها شيء .
    فقلت : يقول لك جعفر بن محمد : ما حملك على أن رددت شهادة رجل أعرف منك بأحكام الله وأعرف منك بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ؟
    فقال لي : ومن هو؟ فقلت : محمد بن مسلم الطائفي القصير.
    قال : فقال : والله إن جعفر بن محمد (عليهما السلام) قال لك هذا ؟
    فقلت : والله إنه قال لي جعفر هذا .
    فأرسل إلى محمد بن مسلم فدعاه فشهد عنده بتلك الشهادة فأجاز شهادته (رجال الكشي / ص 109).

    6/ مناظرة محمد بن حكيم مع شريك :
    عن محمد بن حكيم وصاحب له قالا : رأينا شريكا واقفا في حائط من حيطان فلان ، قال أحدنا لصاحبه : هل لك في خلوة من شريك ؟ فأتيناه فسلمنا عليه فرد علينا السلام .
    فقلنا يا أبا عبد الله مسألة فقال : في أي شيء ؟
    فقلنا : في الصلاة : فقال : سلوا عما بدا لكم .
    فقلنا : لا نريد أن تقول قال فلان وقال فلان ، إنما نريد أن تسنده إلى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال : أليس في الصلاة ؟ فقلنا : بلى فقال : سلوا عما بدا لكم .
    فقلنا : في كم يجب التقصير؟
    قال : كان ابن مسعود يقول : لا يغرنكم سوادنا هذا ، وكان يقول : فلان...
    قال قلت : إنا استثنينا عليك ألا تحدثنا إلا عن نبي الله (صلى الله عليه وآله) .
    قال : والله إنه لقبيح لشيخ يُسأل عن مسألة في الصلاة عن النبي لا يكون عنده فيها شيء ، وأقبح من ذلك أن أكذب على رسول (صلى الله عليه وآله).
    قلت : فمسألة اخرى فقال : أليس في الصلاة ؟
    قلنا : بلى ، قال : سلوا عما بدا لكم .
    قلنا : على من تجب صلاة الجمعة ؟ قال : عادت المسألة جذعة ما عندي في هذا عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) شيء .
    قال : فأردنا الانصراف قال : إنكم لم تسألوا عن هذا إلا وعندكم منه علم .
    قال : قلت : نعم أخبرنا محمد بن مسلم الثقفي ، عن محمد بن علي عن أبيه ، عن جده عن النبي (صلى الله عليه وآله)... فقال : الثقفي الطويل اللحية ؟ فقلنا : نعم .
    قال : أما إنه لقد كان مأمونا على الحديث ، ولكن كانوا يقولون إنه خشبي - وهم طائفة من الروافض يقال لكل واحد منهم الخشبي - !!! .
    ثم قال : ماذا روى؟
    قلنا : روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن التقصير يجب في بريدين ، وإذ اجتمع خمسة أحدهم الامام فلهم أن يجمعوا (رجال الكشى ص 111).

    ========================
    الهوامش :
    1 - المناقب لابن شهر أشوب .
    2 - نشأ في نسخة اخرى .
    3 - الإنابة : الرجوع . وفي نسخة أخرى ابانك ، وفي نسخة اناءك وهي الإبطاء .
    4 ـ (الكافي) كتاب التوحيد منه ، باب حدوث العالم وإثبات المحدث.
    5 - توحيد الصدوق ، باب حدوث العالم .
    6 - الآية 56 في سورة النساء .
    7 - أي طبعها ولينها .
    8 - البحار (ج4 : ص141) .

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X