إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

حِكَم سراج ال محمد الامام زين العابدين عليه السلام

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • حِكَم سراج ال محمد الامام زين العابدين عليه السلام


    حِكَم سراج ال محمد الامام زين العابدين عليه السلام


    بسم الله الرحمن الرحيم

    لقد أدلى الإمام زين العابدين(عليه السلام) بكثير من الحكم القيمة، والتعاليم الرفيعة التي انبعثت عن خبرته الكاملة لواقع الحياة، وتعمقه في شؤونها الاجتماعية، وخبرته بأحوال الناس، وأمورهم، وفيما يلي بعض ما أثر عنه:

    ذم التكبر:
    ذم الإمام (عليه السلام) التكبر، ونعى على المتكبر هذه الظاهرة السيئة لأنها باب لكل شر ومصدر لكل رذيلة، فالمتكبر لا يرى غيره يستحق الحياة، ومن ثم يقوم بالظلم والاعتداء على الناس، يقول (عليه السلام): (عجبت للمتكبر الفجور، الذي كان بالأمس نطفة ثم غداً هو جيفة). إن المتكبر على الناس الفخور بنفسه، لو تأمل ذاته قليلاً ونظر إلى بداية تكوينه، ونهاية مصيره لما تكبر على الناس، وفخر بما يتمتع به من مال أو بنين.

    من مأمنه يؤتى الحذر:
    ومن كلماته الحكمية الخالدة هذه الكلمات الذهبية الرائعة، قال (عليه السلام): (من مأمنه يؤتى الحذر، يكتفي اللبيب بوحي الحديث، وينبو البيان عن قلب الجاهل، ولا ينتفع بالقول، وإن كان بليغاً مع سوء الاستماع..) أما معطيات هذه الكلمات البليغة فهي:
    1- إن الحذر يؤتى من مأمنه: ومعنى ذلك أن من يقيم حرساً مكثفاً للحفاظ على حياته كما يفعل الملوك، والرؤساء، فإن ما يحذرونه يأتي - على الأكثر - من أولئك الحراس، فإنهم هم الذين يفتكون بهم كما وقع ذلك كثيراً مع بعض الملوك.
    2- إن اللبيب المتفتح ذهنه هو الذي يفهم الأمور من وحي الحديث، وقرائن الأحوال ولا يحتاج إلى التعمق والبسط في القول.
    3- إن البيان يبتعد عن قلب الجاهل، ولا يصل إليه لأنه قد ران علينا الجهل فصده عن فهم الأمور.
    4- إن بلاغة القول وحكمته لا ينتفع بهما مع سوء الاستماع، وإنما ينتفع بهما مع الإصغاء.

    التحذير من المراء:
    حذر الإمام (عليه السلام) من المراء، وهو المجادلة التي لا يقصد منها الوصول إلى الحق، وإنما المقصود المغالبة والاستعلاء قال (عليه السلام): (المراء يفسد الصداقة القديمة، ويحل العقدة الوثيقة، وأقل ما فيه أن تكون به المغالبة، والمغالبة من أمتن أسباب القطيعة) إن المراء مفتاح للشر، ويلقي بين الناس العداوة والبغضاء، ويسبب لهم كثيراً من المصاعب والمشاكل.

    الابتهاج بالذنب:
    إن الابتهاج بالذنب، والافتخار به ينم عن تمادي الشخص في الجريمة قال (عليه السلام): (إياك والابتهاج بالذنب، فإن الابتهاج بالذنب أعظم من ركوبه).

    أنواع الذنوب:
    أما أنواع الذنوب التي توجب سخط الله وعذابه فقد تحدث الإمام عنها، وحذر منها ليكون الإنسان في سلامة من دينه ودنياه، قال (عليه السلام): (الذنوب التي تغير النعم البغي على الناس، والزوال عن العادة في الخير، واصطناع المعروف، وكفران النعم، وترك الشكر، قال الله تعالى: (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
    والذنوب التي تورث الندم قتل النفس التي حرم الله، قال الله تعالى في قصة قتل قابيل حين قتل أخاه فعجز عن دفنه: (فأصبح من النادمين) وترك صلة القرابة حتى يستغنوا، وترك الصلاة حتى يخرج وقتها، وترك الوصية ورد المظالم، ومنع الزكاة حتى يحضر الموت، وينغلق اللسان.
    والذنوب التي تنزل النقم عصيان العارف، والتطاول على الناس، والاستهزاء بهم، والسخر بهم. والذنوب التي تدفع النعم إظهار الافتقار، والنوم عن العتمة، وعن صلاة الغداة، واستحقار النعم، وشكوى المعبود، والذنوب التي تهتك العصم شرب الخمر، واللعب بالقمار، وتعاطي ما يضحك الناس من اللغو والمزاح وذكر عيوب الناس، ومجالسة أهل الريب. والذنوب التي تنزل البلاء ترك إغاثة الملهوف، وترك معونة المظلوم، وتضييع الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر والذنوب التي تديل الأعداء المجاهرة بالظلم، وإعلان الفجور، وإباحة المحظور، وعصيان الأخيار، واتباع الأشرار. والذنوب التي تعجل الفناء قطيعة الرحم، واليمين الفاجرة، والأقوال الكاذبة والزنا، وسد طرق المسلمين، وادعاء الإمامة بغير حق، والذنوب التي تقطع الرجاء اليأس من روح الله، والقنوط من رحمة الله، والثقة بغير الله والتكذيب بوعد الله، والذنوب التي تظلم الهواء السحر والكهانة، والإيمان بالنجوم، والتكذيب بالقدر، وعقوق الوالدين، والذنوب التي تكشف الغطاء الاستدانة بغير نية الأداء، والإسراف في النفقة على الباطل، والبخل على الأهل والولد وذوي الأرحام، وسوء الخلق، وقلة الصبر، واستعمال الضجر، والاستهانة بأهل الدين والذنوب التي ترد الدعاء سوء النية وخبث السريرة، والنفاق مع الإخوان، وترك التصديق بالإجابة وتأخير الصلوات المفروضات حتى تذهب أوقاتها، وترك التقرب إلى الله عز وجل بالبر والصدقة، واستعمال البذاء والفحش في القول، الزور، وكتمان الشهادة، ومنع الزكاة والفرض والماعون وقساوة القلوب على أهل الفقر والفاقة، وظلم اليتيم والأرملة، وانتهار السائل ورده بالليل..).
    لقد حذر الإمام (عليه السلام) من اقتراف هذه الذنوب والجرائم التي توجب انحراف الإنسان في سلوكه، وتبعده عن خالقه، وقد ذكر الإمام آثارها الوضعية، وما يترتب عليها من المضاعفات السيئة في الدنيا قبل الدار الآخرة، ومن الحق أن هذا الحديث وأمثاله من أحاديث الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) - في هذا الموضوع - من المناجم الخصبة في تربية النفس، وتهذيبها، وتنظيم توازنها وسلوكها.

    حقيقة الموت:
    ووصف الإمام (عليه السلام) حقيقة الموت بالنسبة للمؤمنين والكافرين، بقوله: (الموت للمؤمن كنزع ثياب وسخة، وفك أغلال ثقيلة، والاستبدال بأفخر الثياب، وأوطأ المراكب، وللكافر كخلع ثياب فاخرة، والنقل من منازل أنيسة، والاستبدال بأوسخ الثياب، وأخشنها، وأوحش المنازل وأعظمها..).
    لقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى(عليهم السلام) أن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر، فإذا حل الموت بالمؤمن فإنه لا يجد فيه أية صعوبة، وإنما يجد الراحة الكبرى لأنه ينتقل إلى نعيم الآخرة تبوأ الفردوس حيثما يشاء، وأما الكافر فإذا نزل الموت بساحته فإنه يوم شقائه وبلائه، ويواجه الموت بحسرات وآلام لأنه ينتقل من جنة إلى سجن وعذاب دائم.

    أهم أنواع الزهد:
    سأل شخص الإمام زين العابدين (عليه السلام) عن الزهد، فقال (عليه السلام): الزهد عشرة أشياء، فأعلى درجة الزهد أدنى درجة الورع، وأعلى درجة الورع أدنى درجة اليقين، وأعلى درجة اليقين أدنى درجة الرضا، ألا وإن الزهد في آية من كتاب الله قوله: (لكيلا تأسوا على فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم) وألم هذا الحديث الشريف ببعض الحقائق العرفانية، منها:
    (أ) إن أسمى درجة من الزهد لا تعادل أدنى درجة من الورع عن محارم الله الناشئ عن ضبط النفس، والسيطرة عليها.
    (ب) إن ارقى درجة من الورع هي أدنى درجة من اليقين بالله تعالى الذي هو من أسمى مراحل الإيمان.
    (ج) إن أعلى مرتبة من اليقين هي أدنى درجة من الرضا بما قسم الله، فإنه جوهر الإيمان.
    (د) أن حقيقة الزهد قد ألمت به الآية الكريمة التي حذرت من الأسى والحزن على ما يفوت الإنسان من المنافع في دار الدنيا، كما حذرت من الفرح والابتهاج بما يكسبه الإنسان ويظفر من ملاذ هذه الحياة وخيراتها المادية، لأنها تؤول إلى التراب.

    أفضل الأعمال عند الله:
    سئل الإمام (عليه السلام) عن أفضل الأعمال عند الله، فقال: (ما من عمل أفضل عند الله تعالى بعد معرفة الله، ومعرفة رسوله أفضل من بغض الدنيا، وإن لذلك شعباً كثيرة، وإن للمعاصي شعباً، فأول ما عصي الله به الكبر، وهو معصية إبليس حين أبى، واستكبر، وكان من الكافلارين، والحسد وهو معصية ابن آدم حيث حسد أخاه فقتله، فتشعب من ذلك حب النساء، وحب الدنيا، وحب الرئاسة، وحب الراحة، وحب الكلام، وحب العلو، وحب الثروة، فصرن سبع خصال، فاجتمعن كلهن في حب الدنيا، فقال الأنبياء والعلماء بعد معرفة ذلك.. حب الدنيا رأس كل خطيئة، والدنيا دار بلاء..).
    إن حب الدنيا أساس البلاء، ومصدر الفتن، والأخطاء التي يمنى بها الإنسان، فإن تهالكه على الدنيا يجر له كثيراً من المعاصي والآثام، ويلقيه في شر عظيم، وقد ذكر الإمام (عليه السلام) بعض الآفات من حب الدنيا، والتي منها:
    1- التكبر.
    2- الحسد.
    3- حب النساء وحب الرياسة.
    4- حب الراحة.
    5- حب الكلام.
    6- حب العلو على الغير.
    7- حب الثروة.
    وهذه الآفات قد جعلت الإنسان يسلك في المنعطفات، وأغرقته في الآثام، وأبعدته عن طريق الحق.

    معرفة العدالة:
    ومن غرر حكميات الإمام (عليه السلام) هذا الحديث الشريف الذي حدد فيه عدالة الإنسان، ووثاقته، قال (عليه السلام):
    (وإذا رأيتم الرجل قد حسُن سمته، وهديه، وتمادى في منطقه، وتخاضع في حركاته، فرويداً لا يغرنكم، فما أكثر من يعجزه تناول الدنيا، وركوب الحرام منها، لضعف بنيته، ومهانته، وجبن قلبه، فنصب الدين فخاً له، فهو لا يزال يختل الناس بظاهره فإن تمكن من حرام اقتحمه، وإذا وجدتموه يعف عن المال الحرام فرويداً لا يغرنكم، فإن شهوات لاخلق مختلفة، فما أكثر من يتأبى عن الحرام وإن كثر، ويحمل نفسه على شوهاء قبيحة، فيأتي منها محرما، فإذا رأيتموه كذلك فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا عقدة عقله، فما أكثر من ترك ذلك أجمع ثم لا يرجع إلى عقل متين، فيكون ما يفسده بجهله أكثر مما يصلحه بعقله.. فإذا وجدتم عقله متيناً فرويداً لا يغرنكم حتى تنظروا أيكون هواه على عقله، أم يكن عقله على هواه؟ وكيف محبته للرياسة الباطلة وزهده فيها؟ فإن في الناس من يترك الدنيا للدنيا، ويرى أن لذة الرياسة الباطلة أفضل من رياسة الأموال والنعم المباحة المحللة، فيترك ذلك أجمع طلباً للرياسة، حتى إذا قيل له اتق الله أخذته العزة بالإثم فحسبه جهنم وبئس المهاد، فهو يخبط خبط عشواء، يقوده أول باطله إلى أبعد غايات الخسارة، ويمد به بُعد طلبه لما لا يقدر في طغيانه، فهو يحل ما حرم الله، ويحرم ما أحل الله لا يبالي ما فات من دينه إذا سلمت له الرياسة التي د شقي من أجلها فأولئك الذين غضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم عذاباً أليما.
    ولكن الرجل كل الرجل الذي جعل هواه تبعاً لأمر الله، وقواه مبذولة في قضاء الله، يرى الذل مع الحق أقرب إلى عز الأبد مع العز في الباطل، ويعلم أن قليل ما يحتمله من ضرائها يؤدي إلى دوام النعيم في دار لا تبيد، ولا تنفد، وأن كثيراً ما يلحقه من سرائها إن اتبع هواه يؤدي به إلى عذاب لا انقطاع له، ولا زوال، فذلك الرجل تمسكوا به، واقتدوا بسنته، وإلى ربكم توسلوا به، فإنه لا ترد له دعوة، ولا يخيب من طلبه..).
    واستهدف حديث الإمام (عليه السلام) معرفة العدالة التي هي من أجل الملكات النفسية لأن بها يسمو الإنسان، ويتحرر من أوضار المادة، ومغريات النفس وشهواتها بحيث لم يعد أي سلطان عليه من النزعات الشريرة، والفاسدة، وقد استند بعض الفقهاء إلى هذا الحديث إلى اعتبار أرقى مراتب العدالة لمن يتصدى إلى المرجعية العامة من الفقهاء.
    لقد دل الحديث - بوضوح - على أن معرفة الرجل العادل الكامل في ورعه وتقواه ينبغي أن تستند إلى الفحص الدقيق، والخبرة الكاملة، لا إلى النظرة الخاطفة، والتي منها ما يلي:
    (أ) حسن السمت: فإنه ليس دليلاً على العدالة والتقوى.
    (ب) إظهار الإصلاح: فإنه أيضاً ليس دليلاً على العدالة، لأنه قد يكن خداعاً منافقاً، اتخذ الدين وسيلة لنيل مآربه وأطماعه وشهواته بعد أن عجز عن الظفر بها في سائر الوسائل الأخرى.
    (ج) الامتناع عن المال الحرام: وهذا أيضاً ليس دليلاً على التقوى لأنه قد يحمل نفسه على ذلك، ويرغمها في سبيل تحقيق مآربه، وأغراضه التي لا صلة لها بالدين أصلاً.
    أما الوسائل التي ستكشف بها كمال الورع والوثاقة، والدين فهي:
    (أ) أن يغلب عقل الإنسان على هواه وشهوته.
    (ب) عدم حب للرياسة الباطلة، وزهده فيها، فإن ذلك من أوثق الإمارات على العدالة.
    (ج) اتباع أوامر الله، والانقياد الكامل لطاعته تعالى، بحيث يوجه جميع طاقاته للحصول على مرضاة الله والتقرب إليه، فهذا هو العادل الواقعي الذي تنبعث عدالته عن فكر وتأمل وإيمان.

    صفات المنافق والمؤمن:
    وأدلى الإمام (عليه السلام) بالحديث التالي مبيناً بعض صفات المنافقين، والمؤمنين، قال: (المنافق ينهى ولا ينتهي، ويأمر و يأتي، إذا قام للصلاة اعترض، وإذا ركع ربض، وإذا سجد نقر، يمسي وهمه العشاء ولم يصم، ويصبح وهمه النوم ولم يسهر.
    والمؤمن خلط علمه بحلمه، يجلس ليعلم، وينصت ليسلم، لا يحدث بالأمانة للأصدقاء، ولا يكتم الشهادة للبعداء، ولا يعمل شيئاً من الحق رياءً، ولا يتركه حياءً إن زكّي خاف مما يقولون: ويستغفر الله لما لا يعلمون، ولا يضره جهل من جهله..) لقد ألم حديث الإمام (عليه السلام) بأبرز صفات المنافقين والمؤمنين، أما صفات المنافقين فهي:
    (أ) إن المنافق ينهى عن المنكر، ولا ينتهي عنه، ويأمر بالمعروف، ولا يأتي به لأنه لم يكن يؤمن بذلك في أعماق نفسه، أما السبب في أمره ونهيه فهو للخداع والتضليل بأنه من خيار الناس.
    (ب) إنه إذا قام للصلاة اعترض على تشريعها، كما أنه إذا ركع في صلاته ربض أي هوى إلى الأرض كالغنم عند ربوضها، وأما سجوده فهو غير مستقر فيه، فمثله كمثل الطائر عند نقره الطعام.
    (ج) إنه كالبهيمة في أن همها علفها، فكذلك هو يصبح ويمسي ولا همّ له إلا الطعام.
    أما الصفات التي امتاز بها المؤمن فهي:
    (أ) إن شخصيته مركبة من عنصرين، وهما: العلم والحلم، فهو عالم وحليم ومن اجتمعت فيه هاتان الصفتان بلغ أعلى مراتب الكمال.
    (ب) إنه لا يجلس عند أحد إلا ليتعلم منه العلم والحكمة، ولا يجلس في مجالس اللهو والبطالة التي لا يستفيد منها شيئا.
    (ج) إنه إذا أنصت لأحد فإنما ليسلم منه، ويأمن شره والاعتداء عليه.
    (د) إذا استؤمن على شيء يكمته، ولا يفشيه لأحد حتى لأصدقائه.
    (هـ) إذا تحمل الشهادة يدلي بها، ولا يكتمها.
    (و) إذا عمل شيئاً من الحق، لا يعمله رياءً ولا سمعة، وإنما خالصا لوجه الله تعالى.
    (ز) إذا زكّي، ونعت ببعض الأوصاف الشريفة، فإن يخاف أن لا يكون قد اتصف بذلك، ويستغفر الله لمن أطلق عليه تلك الأوصاف.
    (ج) إنه لا يهتم بمن جهله، ولا يقيم له وزناً.. إن هذه الصفات الماثلة في المؤمن تدب على سموّ ذاته، وكمال شخصيته.

    نصائح رفيعة:
    وقدم الإمام (عليه السلام) لبعض أصحابه هذه النصيحة الرفيعة قائلاً له:
    (ليس لك أن تقعد مع من شئت فإن الله تبارك وتعالى يقول: (وإذا رأيت الذين يخوضون في آياتنا فاعرض عنهم حتى يخوضوا في حديث غيره، وإما ينسينك الشيطان فلا تقعد بعد الذكرى مع القوم الظالمين) وليس لك أن تتكلم بما شئت فإن الله تعالى يقول: (ولا تقف ما ليس لك به علم) ولأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (رحم الله عبداً قال خيرا فغنم أو صمت فسلم) وليس لك أن تسمع ما شئت، فإن الله تعالى يقول: (إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسؤولاً).
    إن الإنسان المسلم لو طبق على واقع حياته هذه النصائح الرفيعة لظفر بخير عميم وكان بمنجاة من الشقاء والشرور.

    المواساة والإحسان:
    كان الإمام (عليه السلام) يحث شيعته وأصحابه على المواساة والإحسان فيما بينهم لأنه خير ضمان لوحدتهم، واجتماع لكلمتهم، وقد أثر عنه كثير من الأخبار في ذلك وهذه بعضها:
    1- قال (عليه السلام): (إن أرفعكم درجات، وأحسنكم قصوراً وأبنية - يعني في الجنة - أحسنكم إيجاباً المؤمنين، وأكثركم مواساة لفقرائهم، إن الله ليقرب الواحد منكم إلى الجنة بكلمة طيبة يكلم بها أخاه المؤمن الفقير، بأكثر من مسيرة ألف عام يقدمه، وإن كان من المعذبين بالنار، فلا تحتقروا الإحسان إلى إخوانكم، فسوف ينفعكم حيث لا يقوم مقام غيره..) لقد حث الإمام (عليه السلام) على مواساة الفقراء والإحسان إليهم، وذكر ما يترتب عليه من الأجر الجزيل عند الله، وعد من المواساة الكلمة الطيبة التي يقدمها الإنسان المسلم لأخيه، لأنها مما توجب شيوع المودة والألفة بين المسلمين.
    2- قال الإمام (عليه السلام): (من بات شبعاناً وبحضرته مؤمن جائع طاو فإن الله تعالى يقول لملائكته: اشهدوا على هذا العبد أمرته فعصاني، وأطاع غيري، فوكلته إلى عمله، وعزتي وجلالي لا غفرت له أبداً..).
    ويعتبر هذا الحديث وأمثاله مما أثر عن أئمة أهل اليبت (عليهم السلام) من العناصر الرئيسية في بناء التكافل الاجتماعي الذي أسسه الإسلام، والذي يقضي - بصورة جازمة - على الفقر والحرمان.
    3- قال (عليه السلام): (من كان عنده فضل ثوب فعلم أن بحضرته مؤمناً يحتاج إليه، فلم يدفعه إليه أكبه الله على منخريه في النار).
    إن الإسلام بكل اعتزاز وفخر يعتبر الفقر كارثة اجتماعية مدمرة، يجب القضاء عليه بكل السبل والوسائل، وقد حشد جميع أجهزته لإبادته، وإنقاذ المجتمع منه.
    4- قال (عليه السلام): (إني لأستحيي من ريب أن أرى أخاً من إخواني، فاسأل الله له الجنة وأبخل عليه بالدينار والدرهم، فإذا كان يوم القيامة قيل لي: لو كانت الجنة لك لكنت با أبخل، وأبخل، وأبخل..).
    ويحكى هذا الحديث عن مدى تعاطف الإمام (عليه السلام) أمام قضايا البر والإحسان، وحثه عليهما.
    5- قال (عليه السلام): (من أطعم مؤمناً حتى يشبع، لم يدر أحد من خلق الله ما له من الأجر في الآخرة لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل إلا الله رب العالمين.. وأضاف الإمام قائلاً: من موجبات المغفرة إطعام المسلم السغبان، ثم تلا قوله تعالى: (أو إطعام في يوم ذي مسغبة * يتيماً ذا مقربة * أو مسكيناً ذا متربة).
    وفي هذا الحديث دعوة إلى إطعام الجائع، ودفع السغب عنه، وقد حث الإسلام على ذلك واعبره ضرورة إسلامية ملحة يسأل عنها الإنسان المسلم، ويحاسب عليها خصوصاً إذا كان الفقير في حاجة ماسة إلى الطعام.
    6- قال (عليه السلام): (من قضى لأخيه حاجة قضى الله له مائة حاجة، ومن نفّس عن أخيه كربة نفّس الله عنه كربه يوم القيامة، بالغاً ما بلغت، ومن أعانه على ظالم له، أعانه الله على إجازة الصراط عند دحض الأقدام، ومن سعى له في حاجة حتى قضاها له فسر بقضائها، كان كإدخال السرور على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن سقاه من ظمأ، سقاه الله من الرحيق المختوم، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن كساه من عري، كساه الله من إستبرق وحرير، ومن كساه من غير عري لم يزل في ضمان الله ما دام على المكسي من الثوب سلك، ومن كفاه ما أهمه أخدمه الله من الولدان، ومن حمله على راحلة بعثه الله يوم القيامة على ناقة من نوق الجنة يباهي به الملائكة، ومن كفنه عند موته كساه الله يوم ولدته أمه إلى يوم يموت، ومن زوجه زوجة يأنس بها، ويسكن إليها آنسه الله في قبره بصورة أحب أهله إليه، ومن عاده في مرضه حفته الملائكة تدعو له حتى ينصرف، وتقول: طبت، وطابت لك الجنة.. والله لقضاء حاجته أحب إلى الله من صيام شهرين متتابعين باعتكافهما في الشهر الحرام..).
    إن هذه التعاليم الرفيعة التي أعلنها الإمام (عليه السلام) مما توجب تضامن المسلمين وشيوع المودة والرحمة والتعاطف بينهم.
    7- قال (عليه السلام): (يحشر الناس يوم القيامة أعرى ما يكون، وأجوع ما يكون، وأعطش ما يكون، فمن كسى مؤمناً في دار الدنيا كساه الله من حلل الجنة، ومن أطعم مؤمناً في دار الدنيا أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقى مؤمناً في دار الدنيا شربة، سقاه الله من الرحيق المختوم..).
    إن الإسلام يحرص كل الحرص على إبادة الفقر والبؤس، ونفي الحاجة من المجتمع الإسلامي وقد ضمن الجزاء الأوفى في دار البقاء لمن يقوم بإسعاف أخيه وبره.
    8- قال (عليه السلام): (من أطعم مؤمناً من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة، ومن سقى مؤمناً عن ظمأ سقاه الله من الرحيق المختوم، وأيما مؤمن كسى مؤمناً من عرى، لم يزل في ستر الله وحفظه ما بقيت منه خرقة..).
    إن هذه المبادئ التي رفع شعارها الإمام (عليه السلام) تمثل جوهر الإسلام وواقعه ولو طبقها المسلمون على واقع حياتهم لكانوا سادة الأم والشعوب.

    صلة الأرحام:
    وحث الإمام (عليه السلام) على صلة الأرحام، وحذر من قطيعتها، وذلك لما يترتب عليها من المضاعفات السيئة، قال (عليه السلام): (من سره أن يمد الله في عمره، وأن يبسط له في رزقه فليصل رحمه، فإن الرحم لها لسان يوم القيامة، ذلق تقول: يا رب صل من وصلني، واقطع من قطعني، فالرجل ليرى بسبيل خير إذا أتته الرحم التي قطعها فتهوى به إلى أسفل قعر في النار..).
    لقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى (عليهم السلام) في الحث على صلة الأرحام، وإنها توجب العمر المديد للإنسان، والمزيد من الرزق، والأجر الجزيل في الدار الآخرة فإنها توجب تماسك المجتمع، وشيوع المودة والصفاء بين المسلمين، وذلك من أهم ما يدعو إليه الإسلام.

    الحب في الله:
    دعا الإمام (عليه السلام) المسلمين إلى التحاب، والمودة فيما بينهم في الله تعالى خالصة لا يشوبها شيء من شؤون المادة التي لا تلبث أن تتلاشى، قال (عليه السلام): (إذا جمع الله الأولين والآخرين نادى مناد يسمعه الناس يقول: أين المتحابون في الله؟ فيقوم عنق من الناس، فيقال لهم: اذهبوا إلى الجنة بغير حساب، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم عن العمل الذي جاوز به إلى الجنة، فيقولون: نحن المتحابون في الله، فيقولون: وأي شيء كان أعمالكم؟ فيقولون: كنا نحب في الله، ونبغض في الله فيقولون لهم: نعم أجر العاملين.
    إن الحب في الله يوحد، ولا يفرق، ويجمع ولا يشتت، إنه ناشئ عن الإيمان العميق بالله.

    الدعاء للمؤمن:
    ودعا الإمام (عليه السلام) المؤمنين إلى الدعاء لإخوانهم بظهر الغيب، والثناء عليهم قال (عليه السلام):
    (إن الملائكة إذا سمعوا المؤمن يدعو لأخيه بظهر الغيب أو يذكره بخير، قالوا: نعم الخ أنت لأخيك، تدعو له بالخير، وهو غايب عنك، وتذكره بخير، قد أعطاك الله مثلي ما سألت له، وأثنى عليك مثلي ما أثنيت عليه، ولك الفضل عليه، وإذا سمعوه يذكر أخاه بسوء ويدعو عليه، قالوا له: بئس الأخ أنت لأخيك، كف أيها المستر على ذنوبه وعورته، وأربع على نفسك، واحمد الله الذي ستر عليك، واعلم أن الله أعلم بعبده منك..) .
    إن هذه السنن والآداب الكريمة مما تعزز وحدة المسلمين وتضامنهم وتوجب شيوع المودة والإخاء فيما بينهم.

    جزاء أهل الفضل:
    وحث الإمام (عليه السلام) أصحابه ودعاهم إلى إسداء الفضل والمعروف إلى الناس، كما دعاهم إلى التحلي بالصبر والتآزر فيما بينهم قال (عليه السلام): (إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم أهل الفضل. فيقوم ناس قبل الحساب، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم إلى أين؟ فيقولون: إلى الجنة، فإذا سألوهم عما استحقوا ذلك، يقولون: كنا اذا جهل علينا حلمنا، وإذا ظلمنا صبرنا، وإذا أسيء إلينا غفرنا. فيقال لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، ثم ينادي مناد: ليقم أهل الصبر. فيقوم ناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة، فتتلقاهم الملائكة ويسألونهم مثل الأول. فيقولون: صبرنا أنفسنا على طاعة الله، وصبرناها عن معصية الله عز وجل، فيقولون لهم: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين، ثم ينادي مناد: ليقم جيران الله عز وجل، فيقوم ناس، فيقال لهم: انطلقوا إلى الجنة فتسألهم الملائكة عما استحقوا ذلك، وما مجاورتهم لله عز وجل؟ فيقوون: كنا نتزاور في الله، ونتجالس في الله، ونتبادل في الله، فيقولون: ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين..).
    وفي هذا الحديث الشريف دعوة إلى التحلي بمكارم الأخلاق، ومحاسن الصفات التي توجب رفع مستوى الإنسان، وبلوغه ذروة الشرف والكمال.

    الدعوة إلى الدين:
    وتقدم رجل إلى الإمام (عليه السلام) فسأله عن الدعوة إلى الدين؟ فقال (عليه السلام) له: (أدعوك إلى الله تعالى، وإلى دينه، وجماعه أمران: الأول: معرفة الله، والآخر العمل برضوانه، وإن معرفة الله أن تعرفه بالوحدانية، والرأفة، والرحمة، والعلم والقدرة، والعلو على كل شيء، وأنه النافع، الضار، القاهر لكل شيء، الذي لا تدركه الأبصار، وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن ما جاء به هو الحق من عند الله تعالى، وأن ما سواهما هو الباطل، فإذا أجابوا إلى ذلك فلهم ما للمسلمين، وعليهم ما على المسلمين..).
    إن الدعوة إلى الدين، والدخول في حظيرته يتركزان أن على معرفة الله تعالى، والإيمان بوحدانيته والاعتراف بنبوة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)، ومن اعترف بكلا الأمرين جرت عليه أحكام الإسلام من حقن دمه وصيانة أمواله ومعاملته كبقية المسلمين.

    التحذير من بعض المحرمات:
    وحذر الإمام (عليه السلام) من اقتراف بعض الحرمات لأنها مما توجب بُعد الإنسان عن ربه، وتلقيه في شر عظيم قال (عليه السلام): (اتقوا المحرمات كلها، واعلموا أن غيبتكم لأخيكم المؤمن من شيعة آل محمد(صلى الله عليه وآله) أعظم في التحريم من الميتة، قال الله تعالى: (ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه) وغن الدم أخف في التحريم عليكم أكله من أن يشي أحدكم بأخيه المؤمن من شيعة آل محمد (صلى الله عليه وآله) إلى سلطان جائر، فإنه يهلك نفسه وأخاه المؤمن، والسلطان الذي وُشي به إليه، وإن لحم الخنزير أخف تحريماً من تعظيمكم من صغر الله، وتسميتهم بأسمائنا أهل البيت، وتلقيبهم بألقابنا، وقد سماهم الله بأسماء الفاسقين، ولقبهم بألقاب الفاجرين، وأن ما أهل به لغير الله، أخف تحريماً عليكم من أن تعقدوا نكاحاً، أو صلاة جماعة، مع أعدائنا الغاصبين لحقوقنا، إذا لم يكن منكم تقية، قال الله تعالى: (فمن اضطر غير باغ ولا عاد فلا إثم عليه) ومن اضطره اللهو إلى تناول شيء من هذه المحرمات وهو معتقد لطاعة الله فلا إثم عليه.. لقد حذر الإمام (عليه السلام) من اقتراف جميع المحرمات، وأكد بصورة خاصة على اجتناب المحرمات التالية:
    (أ) الغيبة: لأنها توجب تصدع الوحدة الإسلامية، وشيوع الكراهية والبغضاء بين المسلمين، ومن المقطوع به أن من كان قلبه عامراً بالإيمان بالله فإنه يبتعد عنها، وكان الإمام (عليه السلام) يحذر منها في كثير من نصائحه، فقد قال له رجل: إن فلاناً ينسبك إلى الضلال والبدعة، فأنكر الإمام عليه ذلك وقال له: (ما رعيت حق مجالسة الرجل حيث نقلت كلامه إلينا، ولا رعيت حقي حيث أبلغتني عن أخي ما لست أعلمه، إن الموت يعمنا، والبعث محشرنا ويوم القيامة موعدنا، والله يحكم فينا، إياك والغيبة فإنها إدام كلاب أهل النار، واعلم أن من أكثر عيوب الناس شهد عليه الإكثار أنه إنما يطلبها بقدر ما فيه..).
    (ب) الوشاية بالمؤمن إلى السلطان الجائر: فإنها من أعظم الموبقات لأنها تؤدي إلى التدمير الشامل.
    (ج) إضفاء الألقاب الكريمة التي تلقب بها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) على الظالمين الذين أشاعوا الجور والفساد في ذلك العصر.
    (د) الاتصال بالظالمين والعمل معهم فإن ذلك يؤدي إلى تقوية مركزهم وإعلاء شأنهم.. هذه بعض محتويات كلام الإمام (عليه السلام).

    التحذير من الطمع:
    دعا الإمام (عليه السلام) إلى التحرر من ذل الطمع، قال (عليه السلام): (رأيت الخير كله قد اجتمع في قطع الطمع عما في أيدي الناس، ومن لم يرج الناس في شيء، ورد أمره إلى الله تعالى في جميع أموره، استجاب الله له كل شيء..).
    إن للطمع آفات خطيرة على الإنسان فهي تورده المهالك، وتلقيه في شر عظيم، والدعوة إلى التحرر منه إنما هي دعوة إلى الكمال، والسمو، والارتقاء.
    يتبع

  • #2
    شكر المحسن:
    وأكد الإمام (عليه السلام) على ضرورة شكر المحسن، حتى لا يضيع المعروف، قال (عليه السلام): (إن الله تعالى يحب كل قلب حزين، ويحب كل عبد شكور ويقول الله لعبد من عبيده يوم القيامة: أشكرت فلاناً؟ فيقول: بل شكرتك يا رب فيقول الله سبحانه: لم تشكرني إن لم تشكره.
    وأضاف الإمام بعد ذلك قائلاً: أشكركم أشكركم للناس..) .
    إن شكر المنعم والمحسن ضرورة إسلامية ملحة ليبقى المعروف والإحسان بين الناس، ويشجع المحسنون على عمل الخير والبر، وإسداء الخدمات الاجتماعية للناس.

    الأمر بالمعروف:
    ومن أبرز المبادئ الإسلامية الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، فقد تبنى ذلك الاسم بصورة إيجابية، من أجل أن تسود العدالة الاجتماعية بين الناس، ولا يبقى منكر، ولا اعتداء، ولا ظلم، على واقع الحياة العامة بين الناس، وقد تواترت الأخبار عن أئمة الهدى (عليهم السلام) على ضرورته ولزومه، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): (التارك للأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر كنابذ كتاب الله وراء ظهره، إلا أن يتقي تقاة، فقيل له: ما تقاته؟ قال: يخاف جباراً أن يفرط عليه، أو أن يطغى..).
    إن الخوف من الجبار العنيد يسقط وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر عن المكلف، وقد ذكر الفقهاء في رسائلهم العملية شروط القيام بهذا الواجب الإسلامي الخطير.

    فضل الكلام على السكوت:
    سال رجل الإمام (عليه السلام) عن السكوت والكلام، أيهما أفضل؟ فقال (عليه السلام): (لكل واحد منهما آفات، فإذا سلما من الآفات، فالكلام أفضل وانبرى إليه شخص فقال له:
    (كيف ذلك يا ابن رسول الله؟).
    فأجابه (عليه السلام):
    (إن الله سبحانه لم يبعث الأنبياء والأوصياء بالسكوت، إنما بعثهم بالكلام، ولا استحق الجنة بالسكوت، إنما ذلك كله بالكلام، وما كنت لأعدل القمر بالشمس..).

    سعادة الإنسان:
    وتحدث الإمام (عليه السلام) عما يوجب سعادة الإنسان في هذه الدنيا، فقال: (ومن سعادة المرء أن يكون متجره في بلاده، ويكون خلطاؤه صالحين، ويكون له ولد يستعين بهم).
    حقاً أن من ظفر بهذه الأمور فقد ظفر بخير الدنيا، وكان من السعداء فيها.

    الجامع بين الأديان:
    سأل رجل الإمام (عليه السلام) عن الإطار الجامع بين الأديان السماوية، فقال: (قول الحق، والحكم بالعدل، والوفاء بالعهد..) وتشترك الأديان السماوية في هذه البنود الثلاثة التي هي قوام الحياة الاجتماعية، والتي رفع شعارها جميع الأنبياء والمرسلين.

    خصال رفيعة:
    وتحدث الإمام (عليه السلام) عن بعض الصفات الرفيعة التي ينبغي أن يتصف بها المسلم، والتي يكمل بها إسلامه قال (عليه السلام):
    (أربع من كن فيه كمل إسلامه، ومحصت عنه ذنوبه، ولقي ربه عز وجل وهو عنه راض: ومن وفى لله عز وجل بما يجعل على نفسه للناس، وصدق لسانه مع الناس، واستحيا من كل قبيح عند الله وعند الناس، وحسن خلقه مع أهله..) إن من يتصف بهذه الصفات الرفيعة فهو المؤمن حقاً المستكمل إيمانه، الذي يلقى الله وهو عنه راض.

    علامات المؤمن:
    قال الإمام (عليه السلام): (علامات المؤمن خمسة: فقال له طاووس اليماني: وما هي يا ابن رسول الله؟ قال: الورع في الخلوة، والصدقة في القلة، والصبر عند المصيبة، والحلم عند الغضب، والصدق عند الخوف) إن هذه الصفات الخمس تدل على إيمان من يتصف بها، وإنه من عباد الله الصالحين الذين أترعت نفوسهم بالتقوى.

    الكلام الحسن:
    حث الإمام (عليه السلام) أصحابه على الكلام الحسن مع الناس، وذكر ما يترتب عليه من المنافع، قال: (القول الحسن يثري المال، وينمي الرزق، وينسأ في الأجل، ويحبب إلى الأهل، ويدخل الجنة..).
    وألم حديث الإمام (عليه السلام) بمعطيات القول الحسن، والكلم الطيب، والتي منها:
    (أ) أنه موجب لتنمية المال وسعة الرزق. ويظهر أثر ذلك - بوضوح - عند ذوي الصناعات، وأهل الحرف والتجار، فإن الناس تتعامل بالشراء والتجارة مع من يقابلهم بالكلام الطيب من هؤلاء الأصناف، ومن الطبيعي أن ذلك مما يوجب زيادة دخل الفرد منهم، كما أن الطباع تنفر عن بذيء الكلام وسييء الخلق، الأمر الذي يوجب كساد سلعته، وضيق رزقه.
    (ب) ومن ثمرات الكلام الطيب أنه ينسأ في الأجل، وذلك فيما إذا دفع ظلامة عن مؤمن أو أسدى له نفعاً، فإن الله تعالى يجازي صاحبه بزيادة العمر في الدنيا وجزيل الأجر في الآخرة.
    (ج) ومن فوائد الكلام الطيب أنه موجب لأن يكون صاحبه عزيزاً ومحبوباً عند أهله وعارفيه، فإن النفوس تهفو إلى صاحب الكلام الحسن، والخلق الكامل.
    (د) ومن منافعه أنه موجب للفوز بالجنة، وذلك فيما إذا كان صلاح ذات البين، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

    طبقات الناس:
    وتحدث الإمام (عليه السلام) مع زرارة بن أوفى عن طبقات الناس، فقال له: (يا زرارة، الناس في زماننا على ست طبقات: أسد، وذئب، وثعلب، وكلب، وخنزير، وشاة، فأما الأسد فملوك الدنيا يحب كل واحد مكنهم أن يغلب، ولا يُغلب، وأما الذئب فتجاركم يذمون إذا اشتروا ويمدحون إذا باعوا، وأما الثعلب فهؤلاء الذين يأكلون بأديانهم ولا يكون في قلوبهم ما يصفون بألسنتهم، وأما الكلب فهو الذي يهر على الناس بلسانه، ويكرمه الناس من شر لسانه، وأما الخنزير فهؤلاء المخنثون وأشباههم لا يدعون إلى فاحشة إلا أجابوا، وأما الشاة فالمؤمنون الذين تجز شعورهم، ويؤكل لحومهم، ويكسر عظمهم، فكيف تصنع الشاة بين أسد، وذئب، وثعلب، وكلب، وخنزير؟..).
    لقد نظر الإمام (عليه السلام) بعمق وشمول إلى المجتمع الذي عاش فيه فحلله إلى طبقات ست؛ وذكر خصائص كل طبقة بما ينطبق عليها، ولا يتخلف عنها.

    التواضع:
    أما التواضع فهو من محاسن الأخلاق التي يشرف بها الإنسان، وقد حث الإمام (عليه السلام) على التحلي به قال: (لا حسب لقرشي، ولا لعربي إلا بتواضع، ولا كرم إلا بتقوى، ولا عمل إلا بنية، ألا وإن أبغض الناس إلى الله عز وجل من يقتدي بسنة إمام، ولا يقتدي بأعماله..).

    اقتباس الحكمة:
    ودعا الإمام (عليه السلام) إلى اقتباس الحكمة، ولو صدرت من منافق لأنها من مصادر الفكر والوعي الذي يحرص الإسلام على تطوره، قال (عليه السلام): (لا تحتقر اللؤلؤة النفيسة أن تجلبها من الكبا الخسيسة، فإن أبي حدثني، قال: سمعت أمير المؤمنين (عليه السلام) يقول: إن الكلمة من الحكمة لتلجلج في صدر المنافق نزاعاً إلى فطانها، حتى يلفظ بها فيسمعها المؤمن فيكون أحق بها وأهلها فليقفها..).

    طينة المؤمن والكافر:
    وأدلى الإمام (عليه السلام) في حديث له عن الطينة التي خلق منها المؤمن والكافر، قال: (إن الله عز وجل خلق النبيين من طينة عليين؛ قلوبهم وأبدانهم، وخلق قلوب المؤمنين من تلك الطينة، وجعل خلق أبدان المؤمنين من دون ذلك. وخلق الكفار من طينة سجين؛ قلوبهم وأبدانهم فخلط بين الطينتين، فمن هذا يلد المؤمن الكافر، ويلد الكافر المؤمن، ومن ههنا يصيب الكافر الحسنة، فقلوب المؤمنين تحن إلى ما خلقوا منه، وقلوب الكافرين تحن إلى ما خلقوا منه..).
    لقد استفاضت النصوص في أن الله تعالى خلق الإنسان من طين، قال تعالى: (هو الذي خلقكم من طين) وقال تعالى: (وبدأ خلق الإنسان من طين) وقد خلق الأنبياء والمؤمنين من أقدس البقاع وأطهرها، ولذلك كانوا هداة وقدوة، ومنقذين ومحررين للناس، وخلق الكفار والمنحرفين من أحط بقعة وأقذرها، ومن ثمّ كانوا حجر عثرة في تقدم الإنسان وتطوير حياته الاجتماعية.. وقد قضت حكمة الله تعالى أن تختلط هاتان الطينتان فيخرج منهما ما يعاكس ويباين طبيعتهما، فقد يولد من النبيين والمؤمنين بعض الشقاة والملحدين كنبي الله نوح، فقد ولد منه ضال عن الطريق، منحرف عن العدل، كافر برسالة أبيه، وقد أغرقه الله مع الكافرين؛ فأشفق عليه نوح فناجى ربه في شأنه فأجاله تعالى: (إنه ليس من أهلك أنه عمل غير صالح) كما أن بعض الكافرين والضالين قد يولد منهم المؤمنون والصالحون، وكان ذلك من نتاج اختلاط الطينتين كما قال الإمام (عليه السلام).

    الصبر:
    وحث الإمام (عليه السلام) على الصبر، قال: (الصبر من الإيمان بمنزلة الرأس من الجسد، ولا إيمان لمن لا صبر له...).
    إن أعظم ما يتسلح به الإنسان أمام الأحداث والخطوب التي تداهمه هو التذرع بالصبر وإلجاء الأمور إلى الله تعالى، والرضا بما قسم، فإن ذلك جوهر الإيمان.

    من أخلاق المؤمن:
    وتحدث الإمام (عليه السلام) عن الصفات الشريفة التي يتصف بها المؤمن قال: (من أخلاق المؤمن الإنفاق على قدر الإقتار والتوسعة على قدر التوسع، وإنصاف الناس، وابتداؤه إياهم بالسلام عليهم..).
    إن من أخلاق المؤمن التوازن في حياته الاقتصادية، فلا يسرف عند الإقتار، ويتوسع عند السعة، كما أن أخلاق المؤمن إنصافه للناس، حتى من نفسه فإن ذلك دليل على ورعه، ومن أخلاقه ابتداؤه بالسلام على الناس فإنه ينم عن حسن أخلاقه، وعدم تكبره واستعلائه.

    العصبية:
    سئل الإمام (عليه السلام) عن العصبية التي هي من أخلاق الجاهلية، فقال: (العصبية التي يأثم عليها صاحبها أن يرى الرجل شرار قومه من خيار قوم آخرين، وليس من العصبية أن يحب الرجل قومه، ولكن من العصبية أن يعين قومه على الظلم) لقد حدد الإمام (عليه السلام) العصبية الرعناء التي يأثم عليها صاحبها بهذا التحديد الرائع، وهو أن يرى الرجل شرار قومه ومجرميهم من خيار الناس وصلحائهم، وأن يعينهم على الظلم والبغي والاعتداء، فإن في ذلك تنكراً للحق، وسحقاً للقيم، أما حب الإنسان لقومه فإنه ليس من العصبية في شيء.

    الاتقاء من الكذب:
    وكان الإمام (عليه السلام) يحذّر أبناءه من الكذب، ويقول لهم: (اتقوا الكذب، الصغير منه والكبير، في كل جد وهزل. فإن الرجل إذ كذب في الصغير اجترأ على الكبير، أما علمتم أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: ما يزال العبد يصدق حتى يكتبه الله صديقاً، وما يزال العبد يكذب حتى يكتبه الله كذاباً..).
    لقد حذر الإمام (عليه السلام) من الكذب في كل شيء، لأنه من أفحش الجرائم وأكثرها مقتاً عند الله، كما أمر بالتحلي بالصدق لأنه مصدر لكل فضيلة وعنوان لكل شرف، وكرامة.

    التثبت بالقول:
    ودعا الإمام (عليه السلام) أصحابه إلى التثبت في القول، وأن يكونوا على علم مما يقولونه خيراً كان أو شراً قال: (لا يقول رجل: في رجل من الخير ما لا يعلم إلا أوشك أن يقال فيه من الشر ما لا يعلم..).

    العفة:
    وحث الإمام (عليه السلام) أصحابه على التحلي بالعفة، واعتبرها من أفضل أنواع العبادة قال: (إن أفضل العبادة عفة البطن والفرج).

    القناعة:
    أما القناعة فإنها من أسمى الصفات الإنسانية، فإذا تحلى الإنسان بها فقد استراح من هموم الدنيا قال (عليه السلام) فيها: (من قنع بما قسم الله فهو من أغنى الناس..).
    إن القناعة كنز لا يفنى، فمن قنع بما قسم الله فهو من أثرى الناس وأغناهم ومن أعظمهم راحة، وأقلهم همّاً.

    من منجيات المؤمن:
    وأدلى الإمام (عليه السلام) بما ينجي المؤمن قال: (ثلاث منجيات للمؤمن: كف لسانه عن الناس، وعن اغتيابهم، وشغله بما ينفعه لدنياه وآخرته، وطول بكائه على خطيئته..).

    من سنن الأنبياء وحكمهم:
    وقصّ الإمام (عليه السلام) على أصحابه مجموعة من سنن الأنبياء وحكمهم، وقضاياهم، ليهتدوا بسيرتهم، ويستنيروا بسلوكهم، وفيما يلي بعض ما أثر عنه.

    وصية الخضر لموسى:
    روى الزهري أن الإمام زين العابدين (عليه السلام) قال: كان آخر ما أوصى به الخضر لموسى بن عمران أنه قال: لا تعيرن أحداً بذنب، وإن أحب الأمور إلى الله عز وجل ثلاثة: القصد في الجدة، والعفو في المقدرة، والرفق بعباد الله وما رفق أحد بأحد في الدنيا إلا رفق الله عز وجل به يوم القيامة، ورأس الحكمة مخافة الله).
    ما أروع معاني هذه الحكمة!! وما أسمى مقاصدها، فقد أوصت بكل ما يسعد به الإنسان ويشرفه على كل كائن حي.

    من وحي الله لموسى:
    وحكى الإمام (عليه السلام) لأصحابه إحدى مناجاة الله تعالى مع نبيه موسى (عليه السلام) قال: أوحى الله إلى موسى: حببني إلى خلقي، وحبب خلقي إلي، فقال موسى: يا رب كيف أفعل؟ قال: ذكرهم آلائي، ونعمائي ليحبوني، فلا ترد آبقاً عن بابي، أو ضالاً عن فنائي. إن ذلك أفضل لك من عبادة مائة سنة، يصام نهارها، ويقام ليلها، قال موسى: من هذا العبد الآبق منك؟ قال الله: المتمرد، قال: فمن الضال عن فنائك؟ قال: الجاهل بإمام زمانه، والغائب عنه بعدما عرفه، الجاهل بشريعة دينه، تعرفه شريعته, وما يعبد به ربه تعالى، ويتوصل به إلى مرضاته.
    لقد حث الإمام (عليه السلام) بهذا الحديث الدعاة إلى الله تعالى على بذل المزيد من الجهود لإنقاذ الناس من معاصي الله، وترغيبهم في طاعته، وأن لا ينفروهم من ذلك، وإن عملهم في هذا السبيل من أفضل الطاعات، وأحبها إلى الله.

    حكمة في الإنجيل:
    ونقل الإمام لأصحابه حكمة مشرقة من حكم الإنجيل، قال: مكتوب في الإنجيل، لا تطلبوا علم ما لا تعلمون، ولما تعملوا بما علمتم، فإن العلم إذا لم يعمل به لم يزد صاحبه إلا كفراً، ولم يزدد من الله إلا بُعداً.
    لقد دعا الإمام (عليه السلام) إلى العمل بالعلم، وأنه ليس من الحق في شيء أن يعلم الإنسان شيئاً ولا يعمل به، فإن ذلك لا يزيده إلا بُعداً من الله.

    موسى مع عابد:
    وحكى الإمام (عليه السلام) لأصحابه قصة موسى مع عابد، قال: مر موسى برجل رافع يده إلى السماء يدعو الله فغاب سبعة أيام، ثم رجع إليه فرآه رافعاً يده إلى السماء، فقال موسى: يا رب هذا عبدك رافع يده إليك يسألك المغفرة منذ سبعة أيام لا تستجيب له؟ فأوحى الله إليه: يا موسى لو دعاني حتى تسقط يداه، وينقطع لسانه ما استجبت له، حتى يأتيني من الباب الذي أمرته به.
    أما هذا الحديث فيدعو كل إنسان يتوجه بعبادته إلى الله أن يسلك في طاعته من الأبواب التي عينها، ولا يتعثر في سلوكه وطريقه.

    موسى مع الله:
    قال الإمام (عليه السلام): سأل موسى بن عمران ربه تعالى: من أهلك الذين تظلهم بظل عرشك يوم لا ظل إلا ظلك؟ فأوحى إليه سبحانه وتعالى: الطاهرة قلوبهم، والتربة أيديهم، الذين يذكرون جلالي، والذين يكتفون بطاعتي، كما يكتفي الصغير باللبن، والذين يأوون إلى مساجدي، كما تأوي النسور إلى أوكارها، والذين يغضبون لمحارمي إذا استحلت مثل النمر إذا حرد..).
    إن هذه الجماعة المؤمنة بربها من خيرة البشر في طهارة قلوبها، وفي سلامة ضمائرها ونياتها، فقد اتجهت بقلوبها وعواطفها نحو الله لا ترى غيره، ولا تؤمن إلا به، والله يجازيهم على ذلك فيظلهم بظله ويشملهم بلطفه، ويخصهم بفضله.

    وفاة النبي:
    وروى الإمام (عليه السلام) وفاة جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وما رافقها من الأحداث، ونسوق نص روايته. روى الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) عن أبيه أبي جعفر، قال: دخل على أبي علي بن الحسين (عليه السلام) رجلان من قريش، فقال: ألا أخبركما عن رسول الله؟ فقالا: بلى، فقال سمعت أبي يقول: كان قبل وفاة النبي (صلى الله عليه وآله) بثلاثة، بط عليه جبرئيل، فقال: يا أحمد أن الله تبارك وتعالى أرسلني إليك تفضيلاً لك، وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك يقول: كيف تجدك؟ فقال رسول الله: أدني يا جبريل مغموماً، وأجدني يا جبريل مكروباً، فلما كان اليوم الثالث هبط جبريل وملك الموت، وهبط معهما ملك من الهواء، يقال له إسماعيل، على سبعين ألف ملك. فسبقهم جبريل، فقال: يا محمد إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليك إكراماً لك وتفضيلاً وخاصة لك، يسألك عما هو أعلم به منك، يقول: كيف تجدك؟ فقال: يا جبريل أجدني مغموماً، وأجدني مكروباً.
    واستأذن ملك الموت على الباب، فقال جبريل: يا أحمد هذا ملك الموت يستأذن عليك، فقال: إئذن له، فأذن له جبريل، فأقبل بين يديه، فقال: يا أحمد إن الله تبارك وتعالى أرسلني إليك وأمرني أن أطيعك فيما أمرتني، إن أمرتني أن أقبض نفسك قبضها، وإن كرت، تركتها، فقال النبي: يا ملك الموت أتفعل ذلك؟ فقال: نعم، أمرت أن أطيعك في ما أمرتني به، فقال جبريل: يا أحمد إن الله تبارك وتعالى قد اشتاق إلى لقائك، فقال النبي: يا ملك الموت إمضِ لما أمرت به، فقال جبريل: يا أحمد هذا آخر وطأتي الأرض إنما كنت أنت حاجتي من الدنيا.
    فلما توفي النبي (صلى الله عليه وآله) جاءتهم التعزية، جاءهم آت يسمعون حسه، ولا يرون شخصه، فقال:السلام عليكم ورحمة الله وبركاته (كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة) إن في الله تبارك وتعالى عزاءً من كل مصيبة، وخلفاً من كل هالك، ودركاً من كل فائت، فبالله ثقوا، وإياه فارجوا، فإن المصاب من حرم الثواب، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
    قال جعفر: قال أبي: قال علي: أتدرون من هذا؟ هذا هو الخضر وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض البوادر من سنن الأنبياء وحكمه التي نقلها الإمام (عليه السلام) إلى أصحابه وتلاميذه.

    الولاء لأهل البيت:
    وأكد الإمام (عليه السلام) على ضرورة الولاء والمودة لأهل البيت (عليهم السلام) واعتبر ذلك عنصراً مهماً من عناصر الإسلام، فقد قال (عليه السلام) لأبي حمزة الثمالي:
    (أي البقاع أفضل؟..).
    وحار أبو حمزة في الجواب فقال:
    (الله ورسوله أعلم..).
    فأجابه (عليه السلام):
    (إن أفضل البقاع ما بين الركن والمقام، ولو أن رجلاً عمّر ما عمّر نوح في قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً، يصوم النهار، ويقوم الليل في ذلك الموضع، ثم لقي الله بغير ولايتنا لم ينفعه ذلك شيئاً ..
    لقد تواترت الأخبار عن الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وأوصيائه (عليهم السلام) في أن ولاية الأئمة ضرورة إسلامية يسأل عنها المسلم في يوم حشره ونشره، ويحاسب عليها كما يحاسب على سائر الواجبات الإسلامية، وقد ذهب بعض العلماء أنها شرط في صحة العمل، لا في قبولهن كشرائط الصحة في الواجبات.
    وعلى أي حال فقد ذكر الإمام (عليه السلام) في حديث آ×ر ما يظفر به محبو أهل البيت من الأجر الجزيل في دار الآخرة، والدنيا، فقد وفد عليه جماعة من شيعته عائدين إياه، قالوا له:
    (كيف أصبحت يا ابن رسول الله؟.).
    فأجابهم الإمام بلطف:
    (في عافية، والله المحمود على ذلك، وكيف أصبحتم أنتم جميعاً؟).
    فانبروا قائلين:
    (أصبحنا والله محبين..).
    فبشرهم بما يظفرون به من الجزاء الأوفى عند الله قائلاً:
    (من أحبنا لله أدخله الله ظلا ظليلاً، يوم لا ظل إلا ظله، ومن أحبنا يريد مكافأة كافاه الله عنا الجنة، ومن أحبنا لغرض دنياه آتاه اله رزقه من حيث لا يحتسب..).

    حق النبي وعلي على المسلمين:
    وأدلى الإمام (عليه السلام) في حديث له عن الحقوق العظيمة للنبي (صلى الله عليه وآله) ولوصيه وباب مدينة علمه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) على هذه الأمة، قال (عليه السلام): (إن كان الأبوان عظم حقهما على أولادهما لإحسانهما إليهم، فإحسان محمد وعلي صلوات الله عليهما وعلى أبنائهما إلى هذه الأمة أجل وأعظم، فهما أحق أن يكونا أبويها..).
    إن للنبي (صلى الله عليه وآله) ولوصيه من الحقوق على هذه الأمة ما هو أعظم بكثير من حقوق الآباء، فقد حررا إرادة الأمة، وأنقذاها من العبودية وظلمات الجهل ومنحاها الحياة الحرة الكريمة، ولكن - من المؤسف - أن هذه الأمة لم تشكر ألطافهما، فقد عمدت إلى إقصاء العترة الطاهرة عن مراكز الحكم والقيادة وعمد حكامها إلى إبادتها بشكل رهيب في صعيد كربلاء، يقول الإمام زين العابدين (عليه السلام): كان رسول الله ص مكفراً لا يشكر معروفه، ولقد كان معروفه على القرشي والعربي والعجمي، ومن كان أعظم معروفاً من رسول الله (صلى الله عليه وآله) على هذا الخلق؟ وكذلك نحن أهل البيت مكفرون لا يشكر معروفنا.

    سيادة أهل البيت على الناس:
    سأل رجل الإمام (عليه السلام) فقال له: بماذا فضلتم على الناس جميعاً، وسدتموهم؟ فقال (عليه السلام): اعلم أن الناس جميعا لا يخلون من أحد ثلاثة: أما رجل أسلم على أيدينا فهو مولى لنا، يرجع إلينا ولاؤه فنحن سادته، وأما رجل قاتلناه، فقتلناه فمضى إلى النار، وبقي ماله مغنماً لنا وإما رجل أخذنا منه جزيته وهو صاغر، ولا رابع فأي فضل لم نحزه، وشرف لم نحصله؟).
    أكبر الظن أن الإمام (عليه السلام) إنما ساق حديثه هذا إلى شخص لا يقر بفضل أهل البيت (عليهم السلام)، ولا يؤمن بسيادتهم المطلقة على جميع هذه الأمة، هذا وإن لهم من الفضائل والمواهب ما لا يحصى، وحسبهم فخراً أن الله أذهب عنهم الرجس، وطهرهم تطهيرا، وفرض مودتهم على جميع الأمة، وقرنهم الرسول (صلى الله عليه وآله) بمحكم التنزيل، وجعلهم سفن النجاة وأمن العباد

    تعليق

    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
    حفظ-تلقائي
    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
    x
    يعمل...
    X