هكذا وصفته بعد قراءتي لمجموعته ( الحصان الخشبي ) الصادرة عن دار الشؤون الثقافيةالعامة سنة 2010 ، والتي سبقتها مجاميعه الشعرية الثلاث : ( قلادة أخطاء ) و ( تمرينفي النسيان ) ثم
( قرابين ) ومخطوطاته الجاهزة للطبع فيالرواية ( طقوس الأثم ) و ( صحراء التتر ) في الشعر.
إضافة إلى مقالاته وقراءاته فيهما ،مع نشاطهالمثابرفي الصحافة ، والمهرجانات الأدبية والثقافية
داخل العراق وخارجه .
و ( الحصان الخشبي ) هو أحد عناوين قصائده، وقد انتقاه الشاعر ليكون دليلا لمغزى مجموعته بقصائدها الثمانية عشرة المتباينة بأطوالها، سيما قصيدتيه الأخيرتين : ( شامة الفرات 1 ) و ( شامة الفرات2 ) إذ غطتا العديد منالصفحات . هذه القصائد التي تتدفق حرة كالينابيع وهي تختار أشكال مساربها كما تريد، حيث يتردد في أسماعنا إيقاع شعريته بين التفعيلة ، وما يلتحم معها من النبرات شجانهفي الشدو والأنين . كما هو في قصيدته الأولى( أغنية إلى صديق ) التي اعتمد المجردةلأ
إيقاعها على وزن ( المتقارب ) فحسب :
لماذا تخليت عني ؟
وها قد تهاوى حصاني
فأسرجت ظني
لماذا المسافات ما بيننا كالتمني
لماذا ..
لماذا تخليت عني ؟
أما بقية قصائده ، فلقد ترك الشاعر لسياقهاحرية اختيار إيقاعاته مما يتلاحم من تفعيلة الأوزان الصافية ، و بما يوفره توتر مشاعرهمن دونها . ففي قصيدته ( هجرة الوطن ) ، مثلا ، يتم التلاحم
بين مقطعها الأول بإيقاع تفعيلة ( المتقارب) مع إيقاع الشعرية الداخلي :
هكذا ..
نوصد الباب والأغنيات ْ
هكذا ..
يرحل القلب صوب الشتات
ثم يتغير إيقاعها في مقاطعه اللاحقة :
خذ معك
خذ ما حفظته من مراث ٍ
خذ الصورة التي جمعتها
لوعة ً .... لوعة ً
ويحصل ذلك التبدل الإيقاعيأيضا في قصيدته ( نشيج الرماد ) في انتقال بدايتها من الوزن ( الخفيف ) إلى إيقاع الشجنالمتحرر من ضوابط الوزن والقافية :
تجهش الروحُ
والغاني تذوب ُ
كل نفس
إلى هواها تؤوب ...
.....................
ليقول في آخرالقصيدة : على قارعة الوطن
سنجتمع ثانية
يا - حمدي -
لنعد خساراتنا
بما تحقق غنائيته الساخنة من الألتحام الإيقاعيالمنسجم بين مقاطعها دون نشاز. وهو يمهد لانتقاله وهكذا تجري قصائده بحفيف أمواجها المتتابعة بشعريتهاالمتماسكة شجنا ًعميقا آسرا ً وجمال أداء ،
مع ما وفره لأيقاع مسيرتها ذلك التلاحمالعفوي بين إيقاع الأوزان الشعرية الصافية والإيقاع النثري بنبراته المتسقة .
وهكذا انطلق الشاعر ( منذر عبد الحر )معأقرانه من الموهوبين والواهبين الذين اجترحوا إبداع قصيدة النثر وهم يملكون مقومات إبداعها ليزيحوا بإبداعهم المائز أولائكالمتشاعرين الذين أوهموا, أنفسهم أن قصيدة النثر لعبة شكل ، أو الذين خُدعوا بظاهربساطتها ، فغرقوا في تياراتها الخفية الخادعة . وهم جميعا لا يملكون ، أصلا ، الموهبةالواعية ، ومراسها الطويل .
وها هو الشاعر ( منذر عبد الحر ) يتقدممبتسما كعادته ، وواثقا بنفسه ممتطيا صهوة زمانه الخشبي
ليجعله فرسا سابحا ، وزوادته حبه لوطنهومدينته ( بصرة الخير والجمال ) وأصدقاؤه , وذكرياته ،
وحتى النجمة في الحندس ، والعشبة المتلألئةبالندى تحت شمس الصباح ، ليصل بأحلامه إلى ما
دونته قصيدته الأخيرة ( شامة الفرات ) في نهايتها:
(لاحت )
صورةغريبة للقرية
شارعهاالوحيد يغفو
بلاحفاة
ولاراحلين ....
ليجعلنا معه حالمين .. ! وهو على صهوة حصانهالخشبي !
تعليق