إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

مَنْ هو الحسين (عليه السّلام) نسباً وحسباً ومقاماً في المجتمع ؟

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • مَنْ هو الحسين (عليه السّلام) نسباً وحسباً ومقاماً في المجتمع ؟

    بسم الله الرحمن الرحيم

    عظم الله لنا ولكم الأجــــــــــــر
    نسبُهُ :
    من المؤسف المؤلم حقاً أنْ يوجد بين شباب المسلمين اليوم مَنْ يعرفون الكثير عن أقطاب الشرق والغرب ، والكثير مِنْ أحوال الشخصيات الأجنبية وسيرتهم وحياتهم ، ولكن لا يعرفون إلاّ القليل ، وقد لا يعرفون شيئاً أصلاً عن أحوال نبيهم ، ورجال دينهم ، وقادة الإسلام . وهذا أوضح دليل على أنّ هؤلاء الشباب قد ابتعدوا عن الإسلام كثيراً مِنْ حيث يشعرون أو لا يشعرون .
    ٍفنقول لهؤلاء : وما الذي تعرفونه عن الحسين (عليه السّلام) صاحب تلك النهضة العظيمة ، والثورة المدهشة التي ستقرؤون بعض فصولها ، وتعرفون بعض تفاصيلها في مواضيع هذا الكتاب ؟ إذ من المعلوم أنّ الأعمال لا تقدّر إلاّ بمقدار أصحابها ، ولا تكتسب الأهمية والعظمة إلاّ مِنْ عظمة أهلها .
    فالحسين (عليه السّلام) هو أشرف إنسان في الدنيا مِنْ حيث النسب ؛ فهو الإمام ابن الإمام أخو الإمام أبو الأئمة (صلوات الله عليهم أجمعين) ؛ أبوه الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السّلام) ، وأخوه الإمام الحسن الزكي سيد شباب أهل الجنة (عليه السّلام) ، وابنه الإمام علي السجاد زين العابدين (عليه السّلام) ، ومن ذرّيّته ثمانية أئمة معصومين .
    أمّا أُمّه فهي فاطمة الزهراء (عليها السّلام) بنت محمد المصطفى (صلّى الله عليه وآله) سيدة نساء العالمين ، وجدّه لأبيه هو شيخ البطحاء ، وكافل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وناصر الإسلام أبو طاب (عليه السّلام) . وأمّا جدّه لاُمّه فهو خاتم الأنبياء والمرسلين ، وحبيب إله العالمين ، محمد بن عبد الله (صلّى الله عليه وآله) .
    هذا نسب الحسين (عليه السّلام) ، فأيّ إنسان في العالم جمع نسباً شريفاً كهذا النسب الشريف؟ أضف إلى هذا النسب الشريف مقامه الراقي عند الله تعالى، ومنزلته العليا في الإسلام ، فهو (عليه السّلام) :
    أولاً : ثالث أئمّة أهل البيت الاثني عشر الذين عناهم الله تعالى بقوله : ( وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصّلاَةِ وَإِيتَاءَ الزّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ )(1) . وثالث اُولي الأمر الذين أمرنا الله تعالى بإطاعتهم ، فقال : ( يَا أَيّهَا الّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَأَطِيعُوا الرّسُولَ وَأُولِي الأَمْرِ مِنْكُمْ )(2) .
    وفي إمامته وإمامة أخيه الحسن (عليهما السّلام) نص نبوي متواتر ، وهو قوله (صلّى الله عليه وآله) : (( الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا )) .
    ثانياً : فهو (عليه السّلام) أحد أهل البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراًَ ، كما هو صريح آية التطهير ، أي إنّه (عليه السّلام) خامس المعصومين الأربعة عشر (عليهم السّلام) ؛ محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين والأئمة التسعة مِنْ ذرية الحسين (صلوات الله عليهم أجمعين) .
    ثالثاً : هو (عليه السّلام) أحد العترة الذين قرنهم رسول الله بكتاب الله العزيز ، وأحد الثقلين اللذين خلّفهما في هذه الاُمّة ، حيث قال : (( إنّي مخلّف فيكم الثقلين ؛ كتاب الله وعترتي أهل بيتي . . . )) .
    رابعاً : أنّه (عليه السّلام) أحد الأربعة الذين باهل بهم النبي (صلّى الله عليه وآله) نصارى نجران ، وهو أحد المعنين بقوله تعالى : ( وأبنائنا وأبنائكم ) .
    وهكذا إلى غير ذلك ممّا لا يسع المقام إحصاءه مِنْ فضائله ومناقبه (عليه السّلام) .



  • #2
    ولادته :
    لقد ولد الحسين (عليه السّلام) في الثالث مِنْ شهر شعبان المبارك ، السنة الرابعة للهجرة في المدينة المنورة ، وسمّاه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) حسيناً ، كما سمّى أخاه مِنْ قبل حسناً ، ولمْ يسمَ بهذين الاسمين أحدٌ من العرب قبلهما ، وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يحبّهما حبّاً شديداً ، ويقول : (( هما ريحانتاي من الدنيا . اللّهم إنّي اُحبّهما ، واُحبّ مَنْ يحبّهما )) .
    وقد قام بنفسه بتربيتهما حتّى تركهما نموذجين مثاليين ، ومثلين كاملين للمسلم القرآني الذي يريده الإسلام ، فكانا بذلك القدوة العليا لكلّ إنسان في الدنيا ، وفي كلّ صفات الإنسانية وشرائطها ؛ ومِنْ ثمّ منحهما النبي (صلّى الله عليه وآله) مقام السيادة على كافة شباب الجنّة ، كما هو نص الحديث الشريف المتواتر : (( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة )) .
    ومعلوم أنّ السيادة في عرف الإسلام تعني : الأفضليّة والأكمليّة ، والتفوّق في العلم والعمل الصالح . ولا شك أنّ المراد بشباب الجنّة هو كلّ أهل الجنة قاطبة ما عدا جدّهما المصطفى وأبيهما علي المرتضى ، اللذين خرجا مِنْ تحت هذا العموم بأدلّة خاصة اُخرى ، فهما سيدا أهل الجنّة جميعاً ؛ لأنّ كلّ مَنْ في الجنة شباب ليس فيهم شيخ ولا كهل ولا عجوز ، حسب ما ورد في النصوص .
    وبناء على ما سبق يكون الحسين (عليه السّلام) قد عاش مع جدّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ست سنوات ، وعاش بعده أحدى وخمسين سنة ، فكان عمره الشريف يوم شهادته نحواً مِنْ سبع وخمسين سنة ، وقيل : ثمانية وخمسين سنة ؛ بناء على أنّ ولادته كانت سنة ثلاث من الهجرة ، قضاها في عبادة الله وطاعة رسوله وخدمة الناس ، وختمها بأعظم تضحية عرفها التاريخ حتّى الآن مِنْ حيث القدسيّة والشرف .
    كان (عليه السّلام) أكثر الناس علماً وأفضلهم عملاً ، وأسخاهم كفّاً وأحسنهم خلقاً ، وأوسعهم حلماً وأكرمهم نفساً ، وأرقهم قلباً وأشدّهم بأساً وشجاعة . هذه كلّها حقائق ثابتة بالإجماع ، ومتواترة بين المؤرّخين وأهل السير ، ويعترف له بها حتّى الأعداء .
    قالوا : تلقّى معاوية بن أبي سفيان كتاباً من الحسين (عليه السّلام) يعدّد له فيه جرائمه ومنكراته ، ورذائل صفاته ومفاسد أخلاقه ، وكان يزيد حاضراً عند أبيه ، واطّلع على كتاب الحسين وما يذم فيه أباه ، فغضب وقال : يا أبت ، لا تسكت عن الحسين وأجبه بمثل ما كتب إليك لتصغّر إليه نفسه .
    فقال له معاوية : ولكن يا بُني ، لا أجد في الحسين عيباً أذكره به ، ولا نقصا أعيّره به .
    ويكفي أنّ قاتل الحسين (عليه السّلام) وحامل رأسه وهو خولّى بن يزيد الأصبحي (لعنه الله) ، أو الشمر بن ذي الجوشن (عليه اللعنة) دخل بالرأس الشريف على ابن زياد مفتخراً بقوله : يا أمير ،
    أوقر ركابي فضةً أو ذهبا إنّـي قتلتُ السيدَ المحجّبا
    قـتلتُ خيرَ الناسِ أُمّاً وأبا وخيرَهم إنْ يذكرون حسبا

    فقال له ابن زياد (لعنه الله) : إذا علمت أنّه كذلك فلِمَ قتلته ؟! والله ، لا نلت منّي شيئاً .
    يقول الاُستاذ عباس العقاد في كتابه (أبو الشهداء) ما نصّه : وقد عاش الحسين سبعاً وخمسين سنة ، وله من الأعداء مَنْ يصدقون ويكذبون ، فلمْ يعبه أحدٌ منهم بمعابة ، ولمْ يملك أحد منهم أنْ ينكر ما ذاع مِنْ فضله .
    ويقول أيضاً في مقام آخر : فكان الحسين (عليه السّلام) ملء العين والقلب في خَلْقٍ وخُلُقٍ ، وفي أدب وسيرة ، وكانت فيه مشابهة مِنْ جدّه وأبيه .

    تعليق


    • #3
      أولاده :
      فالذكور منهم أربعة ، وهم : علي الأكبر (عليه السّلام) الشهيد ، وعلي السجاد الإمام زين العابدين (عليه السّلام) ، وعلي الأصغر وهو طفل رضيع ، وعبد الله وهو طفل رضيع أيضاً .
      وهؤلاء الأربعة لاُمّهات شتّى لا لأم واحدة ؛ فعلي الأكبر (عليه السّلام) أُمّه ليلى بنت مرّة بن مسعود الثقفي ، وعلي السجاد الإمام (عليه السّلام) أُمّه شاه زنان بنت
      الملك يزدجرد بن أردشين بن كسرى ملك الفرس ، وعبد الله أُمّه الرباب بنت امرئ القيس الكلبي ، وقد قتلوا جميعاً يوم عاشوراء ما عدا الإمام زين العابدين (عليه السّلام) الذي نجا بسبب مرضه ، ودفاع عمته زينب كما ستعرفه إنْ شاء الله .
      وأمّا الإناث منهم فأربعة ، وهي : سكينة وفاطمة الكبرى وفاطمة الصغرى ورقيّة ، وكلّهن مع الحسين (عليه السّلام) في كربلاء ما عدا فاطمة الكبرى ؛ فإنّ الحسين (عليه السّلام) تركها في المدينة لمرضها

      تعليق


      • #4
        إخوته :
        إنّ إخوة الحسين (عليه السّلام) كثيرون , غير أنّ اللذين كانوا معه في كربلاء هم ستة فقط ، وهم : العباس بن علي (عليه السّلام) وأشقّاؤه الثلاثة ؛ جعفر وعبد الله وعثمان ، أُمّهم فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابيّة المكنّاة بأمّ البنين (عليها السّلام) ، ثمّ محمد بن علي ، قيل : اسمه عبد الله (عليه السّلام) ، وكان يُكنى بأبي بكر ، وأُمّه ليلى بنت مسعود بن خالد التميمي ، ثمّ عمر بن علي (عليه السّلام) وأُمّه غير مشخّصة في التاريخ ، وقيل : إنّه كان أيضاً مع الحسين أخ له يُسمّى محمد الأصغر ، وأُمّه أمّ ولد .
        فهؤلاء ستة أو سبعة مِنْ إخوة الحسين (عليه السّلام) استشهدوا بين يديه يوم عاشوراء ، وكان أفضلهم وأجلهم أبو الفضل العباس (عليه السّلام) ، وهو أكبر الهاشميِّين سناً يوم كربلاء ما عدا الحسين (عليه السّلام) ، حيث كان عمره أربعاً وثلاثين سنة ؛ لذا اختاره الحسين (عليه السّلام) حاملاً لرايته العظمى ، وعبّر عنه بكبش الكتيبة .
        وكان (عليه السّلام) وسيماً جسيماً طويل القامة ، وجهه كفلقة قمر ؛ ومِنْ هنا كان يلقّب بقمر الهاشميِّين ، وهو آخر مَنْ قُتِلَ قبل الحسين (عليه السّلام) يوم عاشوراء . وكان لقتله صدمة عنيفة في نفس الحسين (عليه السّلام) عبّر عنها بقوله حين وقف على مصرعه : (( الآن انكسر ظهري ، وقلّت حيلتي ، وشمت بي عدوّي )) . وبان الانكسار في وجهه وبكى عليه .
        وقد نوّه بفضله (عليه السّلام) عدد من الأئمّة المعصومين (صلوات الله عليهم) ، ومنهم أبوه أمير المؤمنين (عليه السّلام) حيث قال فيه : (( إنّ ابني العباس زقّ العلم زقّاً )) .
        ثمّ الإمام زين العابدين (عليه السّلام) الذي قال عنه : (( رحم الله عمّي العباس ، لقد جاهد يوم كربلاء وأبلى بلاء حسناً حتّى قُطعت يداه ومضى شهيداً ، وقد أبدله الله عن يديه بجناحين يطير بهما في الجنّة مع الملائكة ، كما أعطى جعفر بن أبي طالب بموته )) .
        ثمّ الإمام جعفر بن محمد الصادق (عليه السّلام) القائل في جملة تصريح له : (( ألا وإنّ لعمّي العباس عند الله لدرجة يغبطه عليها جميع الشهداء يوم القيامة )) .
        وما دفنه الإمام زين العابدين (عليه السّلام) وحده بمكان مصرعه إلاّ تنويهاً بفضله ، وعلوّ مقامه بين بني هاشم . كما أنّ دفنه لحبيب بن مظاهر الأسدي (رحمه الله) في قبر منفرد كان لهذا الغرض ، أي التنويه بفضل وعلوّ مقام حبيب بين باقي الأصحاب (رضوان الله عليهم) .
        وبصورة عامّة فشهداء كربلاء جميعاً هم أفضل الشهداء في الدنيا مِنْ أوّلها إلى آخرها بعد الأنبياء والأئمة (عليهم السّلام) . هم أفضل الشهداء والقتلى الأولى . . . مدحوا بوحي في الكتاب المبين

        تعليق


        • #5
          ما هو عاشوراء مفهوماً وبداية ؟
          قوله عزّ من قائل : ( إِنّ عِدّةَ الشّهُورِ عِندَ اللّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتَابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السّماوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدّينُ الْقَيّمُ فَلاَ تَظْلِمُوا فِيهِنّ أَنْفُسَكُمْ )(3) .
          إنّ عاشوراء في التاريخ يعني اليوم العاشر مِنْ شهر محرّم الحرام ، وشهر المحرّم كما هو معلوم أحد الأشهر الاثني عشر في السنة القمريّة التي هي حسب منازل القمر في مداره السنوي حول الشمس ، وهذه الأشهر القمريّة لا تقلّ عن التسعة وعشرين ولا تزيد على الثلاثين يوماً ؛ وعليه فالسنة القمريّة تنقص عن السنة الشمسيّة بنحوٍ مِنْ ثلاثة عشر يوماً .
          ويبدأ الشهر القمري بظهور الهلال على وجه الأُفق الغربي عند غروب الشمس ، وينتهي بكمال العدّة أو برؤية الهلال ثانية . فهو أسهل ضبطاً ومعرفة من الشهر الشمسي بالنسبة إلى عامّة الناس ؛ ولهذا السبب اعتبرها الإسلام رسميّاً في أحكامه وشعائره مِنْ صيام وإفطار وحج وغيرها .
          وأمّا أسماء هذه الشهور فهي عربية قديمة قبل الإسلام ، فالعرب مِنْ أقدم العصور اعتمدوا على هذه الشهور القمريّة ، وسمّوها بهذه الأسماء المعروفة لمناسبات خاصّة وقتية ، ثمّ زالت تلك المناسبات وبقيت الأسماء .
          وفي نفس الوقت اعتبروا أربعةً منها حرماً ، أي محرّمة تبعاً لما في الشرائع السماوية السابقة . ومعنى اعتبار العرب لأربعة من الشهور المذكورة حُرُماً : أنّهم كانوا يتركون فيها الحرب والقتال ، والغزو والغارات ، وسفك الدماء لينصرفوا ويتفرّغوا فيها إلى شؤونهم التجارية والزراعية والأدبية وغيرها ، فيقيمون فيها الأسواق ، ويعقدون الأندية والاجتماعات ، ويتفاخرون بإنتاجهم الصناعي والأدبي .
          والأربعة الحرم عبارة عن الثلاثة السرد ؛ أي ذو القعدة وذو الحجة ومحرّم ، والواحد الفرد أي شهر رجب .
          وكما قدّمنا كان احترام العرب لهذه الشهور الأربعة تقليداً دينياً ؛ لذا لمّا ضعف الدافع والشعور الديني عند العرب الجاهليِّين ضعف تبعاً لذلك هذا التقليد ، وصاروا يبدلون بعض هذه الأشهر الحرم بغيرها إذا دعت حاجتهم إلى ذلك . كأنْ يحاربوا أو يغزوا في رجب مثلاً ويحترمون بدلاً عنه شعبان أو غيره , وهكذا ، وهذا ما يسمّونه بالنسيء الذي حرّمه الإسلام وندّد به في قوله تعالى : ( إِنّمَا النّسِي‏ءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ )(4) .
          فالغرض أنّ المحرّم هو أحد الشهور الأربعة الحرم ، أي المحترمة منذ القدم . وأمّا عاشوراء فهو يوم العاشر منه ، كانوا يعتبرونه أقدس أيّام السنة وأكثرها خيراً وبركة ؛ يطعمون فيه الفقراء ، ويتفقدون فيه المساكين والأرامل واليتامى ، ويعملون فيه الخير .

          تعليق


          • #6
            هذا مفهوم المحرّم ومفهوم عاشوراء مِنْ قديم الزمان وإلى أنْ جاء الاُمويّون إلى الحكم في العالم الإسلامي ، فهتكوا حرمة الأشهر الحرم في جملة ما هتكوا مِنْ الحرمات ، وارتكبوا في الشهر المحرّم وفي يوم عاشوراء خاصّة أبشع جريمة عرفها التاريخ ، فسفكوا فيه أقدس الدماء ، وقتلوا فيه أفضل وأشرف الذوات الإنسانية ، وذبحوا فيه الأطفال ، وقتلوا النساء ومثّلوا بالشهداء ، وأحرقوا الخيام على آل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، ورضّوا جثث أهل البيت (عليهم السّلام) بحوافر الخيول ، فتبدّل بفعلهم هذا معنى المحرّم وعاشوراء ، وتحوّل مفهومهما عند المسلمين إلى أيّام حداد وأسى ، وصار المحرّم موسماً خاصاً للاحتفال بذكرى اُولئك الأبطال الذين أقدموا على تحمّل المآسي العظام ؛ دفاعاً عن الحقّ والعدل وحقوق الإنسان .
            ففي الاحتفال بذكرى شهداء كربلاء وأبطل العاشر من المحرّم (سنة 61 هـ) أحسن الأثر في نفوس النشء الجديد ، والجيل الصاعد ، والشباب والواعي ؛ لأنّ ذكراهم ومواقفهم تلقن الشباب دروس العزّة والكرامة ، والشعور بالشرف الإنساني ، وتقوّي في نفسه روح التضحية والفداء في سبيل الحقّ والعدل .
            فنشر أنباء اُولئك الأبطال هو في رأي الخبراء أكبر خدمة اجتماعية وتربوية تقدّم للمجتمع ، ألا ترى العادة الجارية والتقليد السائد عند كافة الشعوب والأمم حيث يحتفلون بين حين وآخر بذكرى ثوراتهم الوطنية ، وأبطالهم الثائرين وقادتهم المحررين ، ويقيمون لهم التماثيل ، ويرفعون صورهم في الشوارع والساحات العامة ؛ تخليداً لذكراهم ؟
            لماذا ؟ نعم يعلّلون ذلك بأنّه أداء لحقّهم ، وتقدير لصنيعهم أوّلاً ، ثمّ تشجيع وتشويق للشباب والنشء الجديد نحو الاقتداء بهم ، والسير على مبدئهم وفي طريقهم ، والقيام بمثل أعمالهم .
            ويقول الخبراء : لولا هذه الذكريات لماتت روح التضحية في نفوس الناس ، وسادت روح الأنانية والفردية . فإذا كان كذلك ، أليس يجدر بثورة الحسين وموقفه يوم عاشوراء أنْ يُشاد بذكراها في كلّ زمان ومكان ؟!
            أيّ ثورة وطنية في العالم بلغت في عمقها وشمولها ونبل أهدافها وبركة نتائجها مبلغ ثورة الحسين (عليه السّلام) ؟! إنّها لمْ تخدم الشيعة فحسب ولا المسلمين فقط ، بل خدمت الإنسانية والحقّ العالمي .
            فالمحرّم إذاً في عرف العقلاء موسم سنوي لدورة دراسة تلقى فيها دروس مِنْ سيرة الحسين (عليه السّلام) وأصحابه ، حول موضوع الإنسانية المثالية ولوازمها ومتطلباتها .
            ويوم عاشوراء منه هو في الواقع يوم تظاهرة عالمية ؛ تأييداً للحقّ واستنكاراً للباطل ، ذلك الحقّ المطلق الذي تجسّد في سيرة الإمام الحسين (عليه السّلام) وتضحيته ، وذلك الباطل المطلق الذي تمثّل في جريمة الاُمويِّين وسلوكهم ، فهذه أبواب المدارس الحسينية مفتوحة فادخلوها بسلام آمنين .
            إنّ مدرسة الحسين (عليه السّلام) يجب أنْ تفتح في كلّ مكان ، وذكراه يجب أنْ تُقام في كلّ زمان تماماً كما صوّرهما هذا الأديب القائل :
            كأنّ كلّ مكانٍ كربلاء لدى عيني وكلّ زمانٍ يوم عاشورا
            ولقد حاول أعداء الصلاح والإصلاح ، ولا زالوا يحاولون أنْ يخلقوا بعض المبرّرات ؛ لكي يتّخذوا مِنْ أيّام المحرّم أعياداً ومناسبات فرح لا أساس لها من الواقع ،
            فمِنْ ذلك مثلاً : زعمهم أنّ هجرة الرسول الأكرم (صلّى الله عليه وآله) إلى المدينة المنورة كانت في أول يوم من المحرّم ، فهم لذلك يتّخذون مِنْ ذلك اليوم عيداً وأسموه عيد الهجرة ، مع العلم أنّ هجرة الرسول (صلّى الله عليه وآله) كانت أوائل شهر ربيع الأول حسب إجماع المؤرّخين .
            وقالوا : إنّ يوم عاشوراء يوم مقدّس ومبروك ، فهم لذلك اتّخذوه عيداً يظهرون فيه الفرح والسرور ، ويلبسون فيه الجديد وثياب الزينة ، ويقدّمون التهاني بعضهم لبعض ، مع العلم إنّ القدسية والبركة لا يستلزمان التعيّد وإظهار الزينة وتبادل التهاني !
            وعلى كلّ حالٍ ، لا يوجد أيّ مبرّر لاتّخاذ أيّام المحرّم أو بعضها أعياداً أبداً بعد أنْ وقعت فيه تلك المأساة الخالدة ، والكارثة الإنسانية العظمى التي راح ضحيتها العشرات مِنْ ذرّيّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ، وأبنائه وأهل بيته الطاهرين في تلك المجزرة الرهيبة التي لمْ يسبق لها نظير .

            تعليق


            • #7
              ففي حديث الإمام علي الرضا (عليه السّلام) قال : (( إنّ شهر المحرّم كان أهل الجاهلية فيما مضى يعظّمونه ويحترمونه ، ويحرّمون فيه الظلم والقتال لحرمته ، لكنّ هذه الأمّة ما عرفت حرمة شهرها ولا حرمة نبيها ؛ فقتلوا فيه ذرّيّته ، وسبوا فيه نساءه مِنْ بلد إلى بلد . . . )) .
              وفي حديث آخر عنه (عليه السّلام) قال : (( إنّ يوم عاشوراء يومٌ تبرّكت به وفرحت فيه بنو اُميّة وآل مروان ؛ لقتلهم الحسين (عليه السّلام) وأهل بيته ، فمَنْ اتّخذه يوم فرح وسرور جعل الله له يوم القيامة يوم حزن وخوف وكآبة ، ومَنْ اتّخذه يوم حزن ومصيبة جعل الله له يوم القيامة يوم فرح وسرور ، وقرّت بنا في الجنان عينه )) .
              ولقد عبّر بعض الشعراء عن منطق التدين والوجدان والضمير الإنساني ، حيث قال (رحمه الله) :
              مــا انـتظارُ الدمعِ ألاّ يستهلاّ iiأو مـا تـنـظرُ عاشوراءَ هلاّ
              كـيـف لا تـحزنُ في شهرٍ به iiأصـبـحت آلُ رسولِ الله قتلا
              كـيـف لا تـحزن في شهرٍ به أصـبحت iiفاطمةُ الزهراءُ ثكلا
              كـيـف لا تـحزن في شهرٍ به رأسُ خير الخلقِ في الرمحٍ معلاّ
              كـيـف لا تـحزن في شهرٍ به أُلـبس iiالإسـلام ذلاً ليس يبلا


              يـوم لا سؤددُ إلاّ وانقضىii iiوحـسـامٌ لـلعُلا إلاّ وفلاّ
              يوم خرّ ابنُ رسول الله عنii سـرجهِ لله خطبٌ ما أجلاّ
              يا iiقتيلاً أصبحت دارُ العُلا بعده قفراً وربعُ الجود محلا
              ما نعتك الخلقُ لكنْ قد نعتْii iiفيك إحساناً ومعروفاً وعدلا

              * * *
              وقال آخر يخاطب الحسين (عليه السّلام) :
              تبكيك عيني لا لأجل مثوبةٍ لـكنّما عـيني لأجلكَ iiباكيهْ
              تـبتلّ مـنكم كربلا بدمٍ iiولا تـبتلّ منّي بالدموعِ iiالجاريهْ

              * * *

              تعليق


              • #8
                لماذا فاق يوم الحسين (عليه السّلام) أيّام غيره من الشهداء ؟

                فـما رأى السبطُ للدين الحنيفِ شفاًii iiإلاّ إذا دمُـهُ فـي كـربـلا سُـفكا
                و مـا سـمـعنا عليلاً لا علاج له إلاّ iiبـنـفـسِ مـداويـهِ إذا هلكا
                نـفـسـي الفداءُ لفادي شرعَ والدِهِii iiبـنـفـسـهِ و بـأهـليهِ وما ملكا
                يـا مـيّـتـاً تـرك الألباب حائرةً iiوبـالـعـراءِ ثـلاثـاً جسمُهُ تركا
                فــي iiكـلّ عامٍ لنا بالعشرِ واعيةٌ تـطبّق iiالـدورَ والأرجاء والسككا
                وكـلّ مـسـلـمـةٍ ترمي بزينتِهاii حتّى السماءَ رمتْ عن وجهها الحُبكا

                يرد هذا التساؤل بكثرة وإلحاح ، وهو :
                أولاً : لماذا يعنى الشيعة بإحياء ذكرى شهادة الحسين (عليه السّلام) وثورته أكثر مِنْ غيره من الثوار والشهداء ؟
                ثانياً : لقد مضى على يوم الحسين (عليه السّلام) زمن طويل يقارب الأربعة عشر قرناً ، فلماذا يُعاد وتجدد ذكراه والاحتفال به في كلّ عام بكلّ جديّة واهتمام ؟
                فللإجابة على السؤال الأول نقول : لأنّ ثورة الحسين (عليه السّلام) أظهر مصداق للثورات التحررية في تاريخ العالم كلّها ، واستشهاده (عليه السّلام) أوضح وأجلى صورة للاستشهاد في سبيل الله تعالى وذلك هو ؛ لأنّ الحسين (عليه السّلام) قام بأداء أعظم فريضة مِنْ فرائض الإسلام ، وهي فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
                قام بأدائها على أصعب مراتبها وأشدّ صورها وارفع مستوياتها ؛ فالله سبحانه وتعالى احتفظ بيوم الحسين حياً خالداً ؛ ليكون حجّة على الناس وقدوة للمسلمين
                ومثلاً أعلا لكلّ رجال الدين والمسؤولين في كلّ زمان ومكان في القيام لهذا الفرض الأعظم .
                أمّا كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أعظم الفرائض الإسلاميّة ؛ فهو صريح الأحاديث الشريفة والنصوص المؤكّدة الصادرة عن المعصومين (عليهم السّلام) . ففي الحديث عن النبي (صلّى الله عليه وآله) : (( لا تزال اُمّتي بخير ما تآمروا بالمعروف وتناهوا عن المنكر ، فإذا تركوا ذلك تسلّط عليهم شرارهم ، ثمّ يدعون فلا يستجاب لهم )) .
                وفي حديث آخر عنه (صلّى الله عليه وآله) : (( إذا رأيتَ اُمّتي تهاب الظالم أنْ تقول له : أنت ظالم ، فتودّع منها )) . واشتهر عنه (صلّى الله عليه وآله) قوله: (( كلّكم راع وكلّكم مسؤول عن رعيته )) .
                وهاك استمع إلى هذا النص الجلي عنه (صلّى الله عليه وآله) حيث يقول : (( ما أعمال البرّ كلّها في جنب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إلاّ كقطرة في البحر المحيط )) . وأخيراً قوله (صلّى الله عليه وآله) : (( كيف بكم إذا فسق شبانكم ، وفسدت نساؤكم ، وتركتم الأمر المعروف والنهي عن المنكر ؟! )) .
                قالوا : أو يكون ذلك يا رسول الله ؟!
                قال : (( نعم وشرّ مِنْ ذلك . كيف بكم إذا أمرتم بالمنكر ونهيتم عن المعروف ؟! )) .
                قالوا : أو يكون ذلك يا رسول الله ؟!
                قال : (( نعم وشرّ مِنْ ذلك . كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً ؟! )) .
                ولا تنس قوله (صلّى الله عليه وآله) : (( سيد الشهداء عمّي حمزة بن عبد المطلب ، ورجل قام في وجه سلطان جائر ، فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله )) .
                وقوله (صلّى الله عليه وآله) : (( مَنْ رأى منكم منكراً فلينكره بيده ، ومَنْ لمْ يستطع فبلسانه ، وإنْ لمْ يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان )) .
                وفيما ورد عن الإمام أمير المؤمنين (عليه السّلام) قوله في عهده إلى نجله الإمام الحسن (عليه السّلام) قال : (( يا بُني ، وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ تَكُنْ مِنْ أَهْلِهِ ، وَأَنْكِرِ الْمُنْكَرَ بِيَدِكَ وَلِسَانِكَ ، وَبَايِنْ مَنْ فَعَلَهُ بِجُهْدِكَ ، وخض الغمراتِ إلى الحقِّ ، ولا تأخذُكَ في الله لومةُ لائمٍ )) .
                وقال (عليه السّلام) في وصيته قبيل وفاته : (( لا تتركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ؛ فيولّى شراركم ، ثمّ تدعون فلا يُستجاب لكم )) .
                وفيما ورد عن الإمام محمد الباقر (عليه السّلام) قوله : (( يأتي في آخر الزمان اُناس حمقى ، لا يوجبون أمراً بمعروف ولا نهياً عن منكر ، إلاّ إذا أمنوا الضرر يقبلون على الصلاة والصيام ممّا لا يكلّفهم شيئاً مِنْ أموالهم وأبدانهم ، ولو كلّفتهم الصلاة شيئاً في أموالهم وأبدانهم لتركوا الصلاة والصيام كما تركوا أشرف الأعمال ؛ أي الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر )) .
                وهكذا وإلى غير ذلك ممّا لا يسعنا في هذا المقام استقصاءه .
                ومن الواضح أنّ كلّ هؤلاء يعبّرون عمّا نطق به القرآن الكريم ، حيث أعطى هذه الفريضة أهميّة كبرى فوق كلّ الفرائض الاُخرى ، كما هو صريح قوله تعالى : ( كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلْنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ )(5) . انظر كيف حصرت الآية أفضلية هذه الأمّة على سائر الأمم في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، ثمّ في الإيمان بالله .
                وقال سبحانه وتعالى : ( وَالْعَصْر * إِنّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْر * إِلاّ الّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقّ وَتَوَاصَوْا بِالصّبْرِ )(6) . انظر كيف خصّص التواصي بالحقّ عن عمل الصالحات ، حيث يوحي بأنّ كلّ أعمال الصالحات في جهة ، والتواصي بالحقّ والصبر في جهة اُخرى . وقال سبحانه وتعالى في معرض بيان الأسباب التي أدّت إلى شقاء بعض الاُمم السالفة : ( كَانُوا لاَ يَتَنَاهُوْنَ عَن مُنكَرٍ فَعَلُوهُ )(7) .
                والخلاصة : إنّ فريضة الأمر بالمعروف أعظم الفرائض أهميّة في الإسلام ؛ وذلك لأنّ على قيام هذه الفريضة يتوقّف قيام الشريعة كلّها ، فهي فريضة المحافظة على النظام وضمان تطبيقه ، والرقابة الشعبية القائمة عليه ؛ ولذا لمْ تسقط عن أيّ مسلم ومسلمة في أيّ مستوى كان .
                (( الساكتُ عن الحقّ شيطانٌ أخرس )) .
                ولا خلاف ولا شك في أنّ كافة الأنبياء والأوصياء ، والعلماء من الصحابة والتابعين ، وكثير من المؤمنين قاموا بأداء هذه الفريضة العظمى ، وأدّوا هذا الواجب حسب ظروفهم وأحوالهم وامكانيّاتهم ، غير أنّ الحسين (عليه السّلام) قام بأداء هذا الواجب على نحو من الصعوبة والمشقّة لمْ يسبقه فيه سابق ولمْ يلحقه لاحق .
                أجل ، لقد وقف الأنبياء والأوصياء في وجه الطغاة والظالمين وكلّفهم ذلك تضحيات كبيرة في أموالهم وأبنائهم ، وأنفسهم وأهاليهم ، ولكن لمْ يتفق لأحد منهم أنْ ضحّى بكلّ هذه الأشياء وغيرها مجتمعة وفي آن واحد مثل الحسين (عليه السّلام) ؛ ضحّى بستة أو سبعة مِنْ إخوته ، وبثلاثة مِنْ أبنائه ؛ اثنان منهم أطفال رضّع ، وسبعة عشر شاباً مِنْ بني عمومته وأبناء إخوته ، وبنيف وسبعين رجلاً مِنْ خلّص أصحابه ، وأخيراً بحياته الزكية ، وبعياله وحرمه ، وخيامه وماله ومتاعه ، وكلّ ما ملكت يداه .
                ضحّى بكلّ هذه الأشياء وغيرها بشكل من القسوة والعنف والشدّة ، تقشعرّ منه الجلود ، ويستعصي على الشرح والبيان ، فهو (عليه السّلام) بكلّ حقّ وجدارة قدوة الآمرين بالمعروف ، والمثل الأعلى بين رجال التضحية والفداء :
                وما سمعنا عليلاً لا علاجَ iiلهُ إلاّ بـنفس مـداويهِ إذا iiهلكا
                نفسي الفداءُ لفادي شرعَ والدِهِ بـنفسِهِ وبـأهليهِ ومـا iiملكا

                فلا عجب بعد هذا إذا عرفنا السبب والعلّة ، حيث يُقال : إذا عُرِفَ السبب زال العَجَب . ومنه نعرف أسباب حرص المسلمين عامّة والشيعة منهم خاص على إحياء ذكرى الحسين (عليه السّلام) ونشرها ، ولفت الأنظار إليها بكلّ الوسائل والشعائر ؛ لأنّ الحسين (عليه السّلام) أعظم داعية للجهاد في سبيل الله ، وأظهر مثل للثبات والاستقامة على المبدأ ، وأرفع منار على طريق الشعور بالمسؤولية وأدائها .
                ولولا حرمة النحت والتماثيل في الإسلام لكان من المفيد جداً ـ بالإضافة إلى ذلك ـ أنْ نقيم التماثيل للحسين (عليه السّلام) في كلّ الساحات والشوارع ، بل في كلّ بيت ؛ لأنّنا كلّما تذكّرنا الحسين (عليه السّلام) تذكّرنا الله والدين ، والحقّ والعدل والإنسانية المثالية ، وكلّما نسينا أو تغافلنا عن الحسين (عليه السّلام) التبس علينا وجه الحقّ ، وفقدنا الموازين الإنسانية والمقاييس التي تفرّق وتشخّص الحقّ عن الباطل ، وعند ذلك الويل والشقاء حسب ما ورد في الحديث الشريف : (( كيف بكم إذا رأيتم المعروف منكراً والمنكر معروفاً ؟! )) .
                ولقد أحسن مَنْ قال :
                لقد تحمّل مِنْ أرزائها محناً لمْ يحتملها نبيٌّ أو وصيُّ نبي

                وقال الآخر :
                أحسينُ فيما أنت قد حُمّلتهُ أشغلت فكرَ العالمينَ جميعا
                وأمّا جوابنا عن السؤال الثاني فنقول : ليس كلّ حادثة تتأثر بطول العهد ومرور الزمن عليها فتفقد أهميتها وأثرها في النفوس ، أو يطويها الزمن في ملف المهملات . كلا ، بل ترى بالوجدان أنّ في العالم حوادث وشخصيات يستحيل على الزمن هضمها ، وعلى التاريخ استهلاكها وتصريفها .
                فمن الحوادث مثلاً : الثورات الشعبية الكبرى ، كالثورة الفرنسية وأمثالها التي يحتفل بذكراها رغم مرور الزمن الطويل عليها . ومن الشخصيات مثلاً : السيّد المسيح عيسى بن مريم (عليه السّلام) الذي لا يزال يحتفل بذكرى ميلاده كلّ عام رغم مرور ما يقارب الألفي سنة على ولادته . فإذاً خلود الشخصيات والحوادث أو عدم خلودها إنما يدور مدار آثار تلك الحوادث والشخصيات ، لا مدار مرور الزمن .
                وممّا لا شك فيه بين ذوي البصائر والمعرفة أنّ شخصية الحسين بن علي (عليه السّلام) وثورته ضدّ الدولة الاُمويّة هما في رأس قائمة الشخصيات العالمية والحوادث الجلية من حيث الآثار والنتائج ؛ لأنّها غيّرت أو أثّرت في مجرى تاريخ الأمّة الإسلاميّة ، وصانت الشريعة الإسلاميّة من التحريف والتزييف ، وحفظت كيان المسلمين من الزوال والذوبان ؛ ولذا فليس مِنْ مصلحة الإنسانية نسيان تلك الشخصية المثالية ، أو تناسي تلك الثورة المقدسة ؛ حيث إنّ في نسيان شخصية الحسين (عليه السّلام) نسيان للإنسانية المثلى في كلّ زمان ، كما أنّ في تناسي ثورته المقدّسة فقدان لأعظم درس في الحرية والعزّة والتضحية المقدسة .
                فإلى مزيد مِنْ تذكّر الحسين (عليه السّلام) ، وإلى مزيد مِنْ إحياء ذكرى ثورته المقدّسة أيها المؤمنون .


                (1) الأنبياء / 73 .
                (2) سورة النساء / 59 .(3) سورة التوبة / 36 .(4) سورة التوبة / 37 .(5) سورة آل عمران / 110 .

                تعليق


                • #9
                  احسنتي وبارك الله بكِ السلام عليك يامولاي ياابا عبد الله

                  sigpic




                  تعليق


                  • #10
                    عظم الله لنا ولكم الاجر
                    بوركتم وجزيتم خيرا
                    حسين منجل العكيلي

                    تعليق

                    المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                    حفظ-تلقائي
                    Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                    x
                    يعمل...
                    X