العتبة العباسية المقدسة تُعلنُ
الحدادَ وتلبسُ السواد ..
يحقّ لدنيا الوفاء والنبل والسموّ أن تتّشح بالسواد في ذكرى
وفاة السيدة الطاهرة أم البنين ( عليها السلام ) ،
ويحقّ لدنيا الإيثار والعقيدة الصلبة والتفاني والولاء الصادق أن تلبس أثواب
الأسى في يوم فارقت السيدة أم البنين ( سلام الله عليها ) هذه الدنيا .
فكيف إذن لا تعمّ مظاهرُ الحزن أرجاءَ عتبةِ ولدها الفذّ وفلذة كبدها
المبجّل ورمز فخرها على مرّ العصور بأنْ لم تلد الأمهاتُ أباً للفضل سواه ،
تلك هي عتبة أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) في ذكرى وفاة
أمّه الطاهرة ( عليها السلام ) .
فقد شهدت العتبة العباسية المقدسة إعلاناً لحالة الحداد وتوشّحت
أروقتها بالسواد إحياءً لهذه الذكرى الأليمة ،
إضافة لإعدادها برنامجاً عزائيّاً خاصّاً يتضمّن العديد من الفقرات العزائية ،
منها إقامتها لمجالس العزاء والرثاء والمحاضرات الدينية التي تبيّن
مكانة السيدة الجليلة أم البنين ( سلام الله عليها )
عند أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) ،
وكيف أصبحت أنموذجاً يحتذى به في العطاء والكرم والجود ،
وصورة للمرأة الصالحة المؤمنة بحكم الله تعالى عزّوجلّ فاستحقّت
ما نالته من مكانة ،
وقال الشيخ المامقاني في كتابه ( تنقيح المقال ) :
( ويُستفاد من قوّة إيمانها أنّ بِشْراً كلّما نعى إليها أحدَ أولادها الأربعة ،
قالت - ما معناه - : أخبرني عن الحسين ،
فأخذ ينعى لها أولادّها واحداً واحداً ،
حتى نعى إليها العباس ( عليه السلام ) فقالت :
يا هذا قطّعتَ نياط قلبي أولادي ومن تحت الخضراء كلّهم فداء
لأبي عبدالله الحسين ( عليه السلام ) ،
فها هي كما ترى قد هان عليها قتل بنيها الأربعة إن سلم
الحسين ( عليه السلام ) ويَكشِفُ هذا عن أنّ لها مرتبةً في الديانة رفيعة ..) ،
وقال النقدي في كتابه ( زينب الكبرى ) :
( كانت من النساء الفاضلات العارفات بحقّ أهل البيت ( عليهم السلام ) ،
كما كانت فصيحة بليغة لَسِنَةً ذاتَ تُقىً وزهدٍ وعبادة .. )
ونقل المازندراني في ( معالي السمطين ) نقلاً عن كتاب
( كنز المصائب ) قائلاً :
( إنّ ولدها العباس ( عليه السلام )
أخذ عِلْماً جَمّاً في أوائل عمره عن أبيه وأمه .. ) .
كما ستُقيم العتبة العباسية المقدسة احتفاءً بهذه المناسبة مسابقةَ
الجود العالمية للقصيدة العامودية بحقّ أبي الفضل العباس ( عليه السلام ) ،
إضافة لإصدارها عدداً خاصّاً من مجلة ( صدى أمّ البنين " عليها السلام " )
يضمّ العديد من البحوث والدراسات الخاصة بها ( سلام الله عليها ) ،
كما قامت شبكة الكفيل العالمية وضمن نشاطاتها الدورية بفتح باب
التسجيل عن طريق نافذة الزيارة بالإنابة لزيارة قبرها ( عليها السلام ) .
يُذكر أنّ الإمام عليّاً ( عليه السلام ) قال لأخيه عقيل بن أبي طالب
وكان عالماً بأنساب العرب : إخطب لي امرأة قد ولدتها الفحول من العرب ،
لأتزوجها فتلد لي غلاماً فارساً .
فقال له : أين أنت من أمّ البنين الكلابية ؟ ،
فإنّه ليس في العرب أشجع من آبائها .
فهي فاطمة بنت حزام بنت خالد بن ربيعة الكلابية العامرية ،
من بيت عريق في العروبة والشجاعة ،
وليس في العرب أشجع من آبائها وذات أصل كريم ،
- على تعبير عقيل بن أبي طالب " رضوان الله عليه " - .
وأمّها ثمامة بنت سهل بن عامر ،
تنازلت وطالبت عدم ندائها باسمها ( فاطمة ) مخافة أن يتذكّر
أبناء السيدة الزهراء ( عليها السلام ) أمّهم فيتجدّد حزنهم
ويعود عليهم مصابهم ،
فكان أمير المؤمنين الإمام علي ( عليه السلام )
يناديها بكنيتها ( أمّ البنين ) .
استُشهدت السيدة أمّ البنين ( عليها السلام )
في ( 13 من جمادى الآخرة يوم الجمعة عام 64 )
بعد مقتل الحسين ( عليه السلام ) - على ما تذهب إليه بعض الروايات -
حزناً وكمداً عليه وعلى أهل بيته وأصحابه ،
ومكان دفنها في المدينة المنورة ( البقيع ) .
وهي حليلة شخص الإيمان الذي استضاءت بأنواره وتربّت في روضة
أزهاره واستفادت من معارفه وتأدّبت بأدبه وتخلّقت بأخلاقه ..,
فإنّها زوجة وليّ الله تعالى وحجّته وخليفته وأخي رسوله
( صلّى الله عليه وآله )
ووالد ريحانتي رسول الله الإمامين المعصومين الحسن والحسين
( صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين ) ,
فزوجها هو إمام المتقين وقائد الغرّ المحجّلين الإمام علي
بن أبي طالب ( عليه السلام ) .
ولها من الأولاد من صلب أمير المؤمنين أربعة هم :
حامل لواء الإمام الحسين ،
العباس بن علي ( عليهما السلام ) ويُكنّى بـ( أبي الفضل )
ويُلقّب بـ( قمر بني هاشم ) وهو أكبر أولادها .
والسيد عبد الله والسيد جعفر والسيد عثمان ( سلام الله عليهم أجمعين )
وقد استُشهدوا جميعاً في نصرة أخيهم الإمام الحسين ( عليه السلام )
في كربلاء يوم عاشوراء .
ولم يذكر المؤرخون دور أمّ البنين وعملها بعد واقعة كربلاء ،
نعم إنّما ذُكر بكاؤها وندبتها في البقيع .
فسلامٌ عليها يوم وُلدت ويوم ماتت ويوم تُبعث حية ،
ورزقنا الله اتّباعها وشفاعتها بقضاء حوائجنا الدنيوية والأخروية ،
آمين ربّ العالمين ...
لمزيد من التفاصيل عن الموضوع
اضغط هنا
تعليق