إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

القصة باختصار

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • القصة باختصار

    ...وآقـًُـعـًٍة الـُـطـٌـفُ...





    الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام )


    يحق لكل أُمة ان تقف إكباراً وإجلالاً لعظمائها التاريخيين الذين ساهموا في التقدم الفكري وتطوره لديها وقلبوا موازين القوى على عقب وغيّروا مجرى التاريخ، ويحق لنا نحن المسلمين أن نقف إكباراً وإجلالاً للذي أعطى للإنسانية درساً رائعاً في الحرية والحفاظ على حقوق الإنسان، ألا وهو الإمام الحسين (عليه السلام) ونعيش تلك الأجواء التي عاشها هذا الإمام والتي دفعته للثورة على الفساد والظلم وانتهاك حقوق الإنسان.


    نسبه (عليه السلام)


    هو الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وأُمه فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول رب العالمين ونبي المسلمين الصادق الأمين، وأخوه الحسن بن علي (عليهما السلام) الذي صالح معاوية بن ابي سفيان الخليفة الأموي الذي حكم الدولة الإسلامية (41 هـ -60 هـ) الموافق (660 م - 680 م).



    ولادته
    وُلد الحسين عليه السلام يوم الخميس، الثالث من شهر شعبان سنة 4هـ ويعتبر السبط الثاني لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أخيه الحسن عليه السلام وجاءت به أمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) في اليوم السابع من مولده الشريف وسماه الرسول (صلى الله عليه وآله)، حسيناً باسم ابن النبي هارون (شبـير) كما سمى ريحانته الأول حسناً باسم النبي هارون (شبر) وعق عنه كبشاً وحلق رأسه وأمر أن يُتصدق بوزنه فضة.



    كنيته
    أبو عبد الله.



    لقبه
    الشهيد.



    نشأته المباركة
    نشأ وترعرع في بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل (في بيوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفع ويذكر فيها اسمه يُسبِحُ له فيها بالغُدوِ والآصال) (سورة النور: الآية 36)، هنيئاً لهذا المولد المبارك الذي نشأ في مدرسة النبوة والإمامة في كنف جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) وأمه الزهراء البتول (عليها السلام) وأبيه أمير المؤمنين علي ٍ (عليه السلام) وأخيه الحسن (عليه السلام) فتوارث عنهم الهيبة والوفاء والسؤدد والجلال.



    الإمام الحسين عليه السلام في الأحاديث النبوية الشريفة
    1 - ( ابناي هذان إمامان إن قاما وإن قعدا ).

    [ الإرشاد للمفيد- ص119 ] .

    2 - ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ).

    [ سبل السلام ج4 ص125، ابن حجر العسقلاني فقه السنة ج3ص 417 سيد سابق ].

    3 - عن جابر ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) :

    ( إن الجنة لتشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحَبَهُمُ الله وأمرني بحبهم ،علي ابن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي عليهم السلام الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام ).

    4 - قال الترمذي إن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين وقال (من أحبني وأحب هذين واباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).

    [ مسائل علي بن جعفر: ص50 ].

    5 - ( حسينٌ مني وأنا من حسين ، أحبَ اللهُ من أحبَ حسيناً،حسينٌ سبط ٌ من الأسباط ).

    [ الناصريات: الشريف المرتضى، ص 90 ].

    6- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (والذي نفسي بيده ان مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى (عليه السلام) منا، ثم ضرب بـيده منكب الحسين (عليه السلام) وقال من هذا من هذا).

    [ عيون المعجزات: حسين عبد الوهاب، ص56 ].



    الحسين (عليه السلام) في حياة أبـيه
    عاش مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) خمس سنوات وقام بدورٍ عظيم كما جاء في بعض الروايات في حركة الفتوحات الإسلامية وتوسيع البلاد الإسلامية بعد وفاة جده وأُمه في زمن أبيه الإمام علي (عليه السلام) إذ وجهه لقيادة الجيوش الإسلامية لفتح بلاد فارس وأفريقيا وكان ناصراٌ لأبيه وقائداٌ لجيشه كما كان أبوه من قبل قائدا لجيش المسلمين في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).

    وكان قائداٌ في جيوش والده في حروبه التي قضى على الفتن التي أندلعت في البلاد الإسلامية كمعركة الجمل وصفين والنهروان وهذه الفتن التي تحدث الإمام علي (عليه السلام) عنها في خطبته في نهج البلاغة:

    ( فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلواٌ في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها أما والذي فلق الحبة وبرء النسمة و لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز).

    [ نهج البلاغة ج1 ص37 ].




    صلح الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام )




    بُويع الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) بعد استشهاد أبـيه (عليه السلام)
    (1) بالخلافة والإمامة يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 40 هـ وكان عمره الشريف سبعاً وثلاثين سنة وبقي بالخلافة أربعة أشهر وثلاثة أيام فرّتب العمال وأمّرَ الأمراء، وخطب الناس صبيحة يوم استشهاد والده (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:

    (لقد قُبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأولون بعمل ولم يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجهه برايته فيكنفه جبرائيل من يمينه وميكائيل عن شماله ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه... إلى آخر الخطبة.

    فقام عبد الله بن العباس وقال: معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس فقالوا: ما أحبه إلينا وأَوجَبَ حقه علينا.. وبادروا بالبيعة له، ولكن الكوفيين ما وفوا بعهدهم وخانوه، وكان معاوية يُسل إلى أمراء عسكره ويخدعهم ويُرَّغِبهم في المسير إليه فانْسَلَ بعضهم في جوف الليل إلى معسكر معاوية، والإمام الحسن علِم بخذلان القوم له وفساد نياتهم، وليس له أعوان وأنصار إلا القليل من خاصته و محبيه وشيعة أبيه (عليه السلام)
    (2) فرأى الإمام الحسن (عليه السلام) إن الصلح مع معاوية أولى حقناً لدماء المسلمين وحفاظاً على الوحدة الإسلامية بعد جده رسول الله صلى الله عليه وآله (3) وأبيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).



    ما الحكمة في الصلح ؟
    قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ابني هذا سيد أهل الجنة (يقصد الإمام الحسن) وسيُصلحِ الله به بـيـن فئتين عظيمتين من المؤمنين.

    وعند استقراء الأحداث التالية للصلح تتكشف الحقيقة وتتبين للتأريخ حكمة الإمام الحسن (عليه السلام) في الصلح إذ إن الصلح كشف زيف معاوية بن أبي سفيان وما كان يدعيه من الدين والحفاظ على وحدة المسلمين وادعائه المطالبة بدم عثمان المقتول ظلما ًوعندما انتهت الخلافة إليه نسي ذلك المقتول ظلماً ولم يُطالب بقتلته أصلاً، ولا يفوتنا أن نذكر للتاريخ ان صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية كأنما سحب البساط من تحت قدمي معاوية الذي دفع الأموال الطائلة للمراهنة على إسقاط حِجِية أهل البيت النبوي (عليهم السلام) في خلافته للمسلمين وبذلك كان هذا الصلح هو التمهيد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وكما قال المؤرخون السياسيون ان ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي حسنية المنشأ حسينية التنفيذ لأن الإمام الحسن (عليه السلام) بهذا الصلح أعطى فرصة كبيرة للمسلمين المغشوشين بمعاوية ليتعرفوا على زيغه وبُعده عن الإسلام والقرآن إذ أن هذا الصلح قد عَرّى معاوية وكشفه للرأي العام بصورته الحقيقية عندما خطب بأهل العراق بعد توقيع الصلح وأصبح خليفةً للمسلمين قائلاً :

    (إني والله ما قاتلتكم لتصّلوا أو لتصوموا أو لتحجّوا أو لتزكوا ولكني قاتلتكم لأتأمَّرَ عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ها وقد أعطيت الحسن المواثيق وها هي تحت قدمي).

    أُنظر بعين البصيرة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صالَحَ المشركين في صلح الحديبية وكان قويا ومن موقع القوة ولكنه احترم الميثاق والعهد مع المشركين وها هو معاوية الباغي يعطي المواثيق والعهود للإمام الحسن (عليه السلام) الذي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وها هو يتبجح ويقول بلا استحياء ولا خجل (وقد أعطيت الحسن المواثيق والعهود وها هي تحت قدمي) وهذا دليلٌ دامغ للذي يعُدُ معاوية من المؤمنين، ومن الجدير بالذكر أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يكونوا قط دعاة حرب بل دعاة سلام، هذا أولاً، وثانياً: ان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعدون كتلة واحدة أو بتعبيرٍ آخر اعتبارهم شخصاً واحداً ،كُلُ واحدٍ منهم قد أدّى دوره الشرعي ،ذلك بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أكد على ان الأئمة من بعده اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ،وفي أحاديث أُخرى ذكر أسماءهم أيضاً.



    ما هي شروط الصلح ؟
    اجبر الإمام الحسن (عليه السلام) على أن يُصالح ولكن بشروط، ومن هذه الشروط :

    1- يلي الخلافة معاوية أولاً بشرط السير بسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وفق الكتاب والسُنة ومعنى ذلك ان معاوية لم يكن من السائرين بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ثم يلي الأمر الإمام الحسن (عليه السلام) ومن بعده الإمام الحسين (عليه السلام).

    2- أن لا يتعقب معاوية أتباع الإمام علي (عليه السلام) ولا يقطع العطاء عنهم. ولكن معاوية لم يف بهذه الشروط إذ دس السم للأمام الحسن(عليه السلام) عن طريق زوجة الإمام جعدة بنت الأشعث وأمر الناس بالبيعة لولده الفاسق يزيد وبالنسبة للشرط الآخر أنه قطع العطاء عن كل من له صلة للأمام علي(عليه السلام) ويعد من شيعة علي(عليه السلام) إذ تعقب أصحاب الأمام علي(عليه السلام) واحداً واحداً وقتلهم كحجر بن عدي الذي أشهد عليه جملة من الذين باعوا أنفسهم للشيطان شهادات زور في خلعه الطاعة ومفارقة الجماعة ونفذ العقاب عليه بالقتل بجرم مُلفق.. وغيره من الصحابة قتلهم بهذه الطريقة
    (4).

    فيما يلي مقطع من خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه مع معاوية قال فيها:

    (أيها الناس إنكم لو طلبتم ما بـيـن جابلقا وجابرسا
    (5) رجلاً جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما وجدتم غيري وغير أخي(6) وان معاوية نازعني حقاً هو لي فتركته لصلاح الأمة وحقن دمائها وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وقد رأيت أن أُسالمه وأن يكون ما صنعت حجة على من يتمنى هذا الأمر وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) (7).

    ------------------------
    1-الأرشاد للمفيد صـ 307
    2- المجلس السنيه . لسيد محسن الأمين العاملي . جـ5 صـ216. صـ217
    3-المناقب .لابن شهر آشوب . جـ4 . صـ31 (نقل بتصرف)
    4-المناقب . جـ4 صـ35
    5-جابلقا وجابرسا: وهما منطقتان إحدهما في المشرق والاخرى في المغرب
    6-اخيه . يقصد اخيه الحسين (عليه السلام)
    7-الطبري . تاريخ الأمم والملوك .جـ6 صـ149 و155

  • #2
    نبذة مختصرة عن حياة المسلمين في ظل خلافة معاوية بن أبي سفيان


    وهكذا نجد معاوية بن أبي سفيان الذي أمه هند آكلة الأكباد أصبح خليفة لرسول الله (صلى الله عليه وآله) وراح يسوس الناس سياسةً خاصة، وأصبحت شعاراً خاصاً به وعَرَّفَ بهذه السياسة وهي قوله:

    (لو ان بيني وبين الناس شعرة ما انقطعت أبداً،قيل له: وكيف ذلك؟ قال: كنت إذا حدَّوها أرخيتها، وإذا أرخَوْها مَدََدْتها) وهو من كان يقول: (لازلت ُ أطمع في الخلافة منذ قال لي رسول الله (صلى الله عليه وآله) : يا معاوية، إذا ملكتَ فأحسنْ)

    (1).

    ومن المحزن حقاً أن يشجع (خليفة المسلمين) المساواة في والتبذل والدعارة ويمنعها في المعاملة وتطبيق أسس الشريعة السمحاء، فلم يساو (الخليفة) بـيـن المسلمين في العطاء، ولكنه ساوى بين ندمائه في الموبقات ليرفع عن نفسه حواجز التبذل والاستهتار. وروى الجاحظ في كتابه التاج في أخلاق الملوك ما نصه:

    (أما معاوية بن أبي سفيان ومروان بن الحكم وعبد الملك بن مروان وسليمان وهشام ومروان بن محمد فكان بينهم وبين الندماء ستارة وكان لا يظهر أحد من الندماء على ما يفعله الخليفة إذا طرب للمغني حتى ينقلب ويمشي ويحرك كتفيه ويرقص ويتجرد حتى لا يراه إلا خواص جواريه.. وأما الباقون من خلفاء بني أميه فلم يكونوا يتحاشون ان يرقصوا ويتجردوا ويحضروا عراة بحضرة الندماء والمغنين. وعلى ذلك لم يكن أحد منهم في مثل حال يزيد بن عبد الملك والوليد بن يزيد في المجون والرفث بحضرة الندماء والتجرد ما يباليان ما صنعا)
    (2).

    ومن سمات حكم معاوية أنه امتاز بكثرة المظالم والغدر وتصفية المعارضة. وللأسف نجد بين الكتاب من يدافع عن معاوية الذي شق عصا المسلمين ويعتبره سياسيا من الطراز الأول، نعم كان سياسيا من الطراز الأول في الغدر والغش والتدليس وتصفية المعارضين بالسم المدسوس بالعسل حتى اشتهر عنه هذا القول: (لله جنود من عسل) عندما دس السم في العسل وقدمه رسوله إلى مالك الاشتر وغيره من قتلوا بهذه الطريقة الغادرة لذلك نجد الإمام علي (عليه السلام) يقول: (ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر) فالغدر والفجورليسا من صفات علي (عليه السلام) الذي تربى في بيت الوحي .وذكر مسلم في صحيحه بأن عبيد الله ابن زياد عامل الأمويين المخلص لهم بالولاء عاد معقل بن يسار المزني في مرضه الذي مات فيه. فقال معقل: إني محدثك حديثا سمعته من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، لو علمت ان لي حياة ما حدثتك فهذا الكلام يبرز لنا صورة الديكتاتورية التي كانت سائدة في ذلك الوقت أي في زمن الأمويين اني سمعت رسول الله يقول : ما من عبد يسترعيه الله رعيته يموت وهو غاش لرعيته إلا حرّم الله عليه الجنة (3).



    مميزات عهد معاوية
    وامتاز عهد معاوية ومن تلاه من حكام بني أمية أنهم استعملوا ولاة سوء في تصريف شوؤن المسلمين فضلا عن القواد الذين استعملوهم فلم يكونوا أقل قسوة من الولاة كبسر بن أبي أرطأة.

    فمن هؤلاء الولاة الذين اشتهروا في التأريخ كأشهر حكام جائرين وضربوا المثل بالقسوة و البطش وكانوا يقتلون بالشبهة بحيث أنهم خرجوا عن أهم مقومات الدين الإسلامي الحنيف في التحقيق والتثبت من التهمة وهم كثيرون منهم: عمرو بن العاص و زياد بن سميه و الحجاج بن يوسف الثقفي.

    فهذه الأمور قد زادت الشقه بين المسلمين (عموم الشعب) وبين الحاكم (خليفة المسلمين معاوية بن أبي سفيان) حتى قام معاوية يمهّد لولده يزيد المشهور بالموبقات خلافا لمواصفات الحاكم الإسلامي الذي يجب ان يكون متمتعا برجاحة العقل والاتزان والإيمان والالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية وأن يكون متفقها بها ولكن معاوية قد ضرب هذه الأمور عرض الجدار وراح يأخذ البيعة لولده يزيد بالقوة من الناس من كافة الأمصار الإسلامية. فلما هلك معاوية تربع على عرش الخلافة الإسلامية يزيد بن معاوية فضجت البلاد الإسلامية استنكاراً بهذا (الخليفة) الذي رفضه الملايين لأنه لم يكن أهلا للخلافة كما هو مشهور.


    ------------
    1-العقد الفريد . جـ5 صـ106 لأبن عبد ربه الأندلسي
    2-التاج في أخلاق الملوك صـ32 للجاحظ
    3-صحيح مسلم جـ1 . صـ67

    تعليق


    • #3

      مبايعة أهل الكوفة للإمام الحسين (عليه السلام) ودعوتهم له
      بعد موت معاوية ابن أبي سفيان وتربع يزيد على عرش الخلافة الإسلامية بعث إلى ولاته في الأمصار الإسلامية ان يأخذوا له البيعة من الناس وهكذا نجد والي المدينة الوليد ابن عقبة ابن أبي سفيان يطلب من الحسين(عليه السلام) مبايعة يزيد بالخلافة فقال له الحسين (عليه السلام):

      (أيها الأمير إنا أهل بيت النبوة ومعدن الرسالة ومختلف الملائكة بنا فتح وبنا ختم ويزيد رجل فاسق شارب خمر قاتل النفس المحترمة معلن للفسق ومثلي لا يبايع مثله ولكن نصبح وتصبحون وننظر وتنظرون أينا أحق للخلافة و البيعة). عند ذلك جاء الطلب من قبل رجال الوالي يطلبون حضور الحسين (عليه السلام) لمبايعة يزيد فقال لهم: أصبحوا ثم ترون ونرى.


      خروج الحسين (عليه السلام) من المدينة إلى مكة
      عندما وصلت الأمور إلى هذا الحد خرج الحسين(عليه السلام) من المدينة ليلة الأحد ليومين بقيا من رجب سنه 60هـ
      (1) وفي حديث آخر قال (عليه السلام) في وداع قبر جدة رسول الله (صلى الله عليه واله) عندما عزم على الرحيل من المدينة، وفي الحقيقة أن خطابه (عليه السلام) لجده(صلى الله علية واله وسلم) يبين فيه الهدف من خروجه (عليه السلام): (بأبي أنت وأمي يا رسول الله لقد خرجت من جوارك كرها وفرق بيني وبينك وأخذت قهرا ان نبايع يزيد شارب الخمور وراكب الفجور وان فعلت كفرت وان أبيت قتلت فها انا خارج من جوارك كرها فعليك مني السلام يا رسول الله(2).

      ويتجلى الهدف الأساسي لخروج الحسين (عليه السلام) في وصيته التي تركها عند أخيه محمد بن الحنفية، وهذا نصها:

      بسم الله الرحمن الرحيم ..هذا ما أوصى به الحسين بن علي إلى أخيه محمد بن الحنفية: إن الحسين يشهد أن لا اله إلا الله وحده لا شريك له وان محمد ا عبده ورسوله، جاء بالحق من عند الحق وان الجنة حق والنار حق والساعة آتية لا ريب فيها. وان الله يبعث من في القبور، أني لم اخرج أشرا ولا بطرا ولا مفسدا ولا ظالما. وإنما خرجت لطلب الإصلاح في أمة جدي(صلى الله عليه وآله) أريد أن آمر بالمعروف وانهي عن المنكر وأسير بسيرة جدي وأبي علي بن أبي طالب فمن قبلني بقبول الحق فالله أولى بالحق ومن رد عليّ هذا أصبر حتى يقضي الله بيني وبين القوم بالحق وهو خير الحاكمين وهذه وصيتي إليك يا أخي وما توفيقي إلا بالله عليه توكلت واليه أنيب
      (3). وختمها بخاتمه الشريف.

      وصول الحسين (عليه السلام) إلى مكة
      خرج الإمام (عليه السلام) من المدينة متوجها إلى مكة، فدخلها وهو يتلو قوله تعالى: ( ولما توجّه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل) (4)، كان ذلك ليلة الجمعة لثلاث بقين من شعبان وأقام عليه السلام في مكة باقي شهر شعبان وشهر رمضان وشهر شوال وذي القعدة وثماني ليالي من ذي الحجة(5).

      كتب ورسل أهل الكوفة إلى الحسين (عليه السلام)
      لما وصل إلى أهل الكوفة نبأ موت معاوية و معارضه الإمام الحسين (عليه السلام) لحكم يزيد و مجيئه إلى مكة اجتمع نفر في دار سليمان بن صرد الخزاعي(6). واتفقوا على أن يرسلوا إلى الإمام الحسين (عليه السلام) من هذا الوفد أبو عبد البر الجدلي يحمل كتابا إلى الحسين (عليه السلام) يطلبون إليه الحضور للبيعة جاء في الكتاب: (وانه ليس علينا إمام غيرك فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الهدى و الحق...) (7). إلى آخر الكتاب.

      فوصل الكتاب إلى الحسين (عليه السلام) لعشر من شهر رمضان وهو في مكة ثم بعثوا إليه أيضا كتبا أخرى بيد هاني بن هاني السبيعي و سعيد بن عبد الله الحنفي و هذا نصها: (بسم الله الرحمن الرحيم.. للحسين بن علي عليهما السلام من شيعته من المؤمنين والمسلمين أما بعد فحيهلا فإن الناس ينتظرونك لا رأي لهم غيرك فالعجل العجل والسلام)(8) ثم أرسل معهما شبث بن ربعي وحجار بن أبجر و يزيد بن الحارث ويزيد بن رويم وعروة بن قيس وعمر بن الحجاج الزبيدي ومحمد بن عمير التميمي كتابا أيضا إلى الحسين (عليه السلام) وهذا نصه: (أما بعد فقد أخضر الجناب وأينعت الثمار و طمث الجمام فإذا شئت فأقدم على جند لك مجندة والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته وعلى أبيك من قبل)(9). ثم توالت الكتب و الرسائل على الحسين (عليه السلام) حتى بلغت اثني عشر ألف كتاب.

      جواب الحسين (عليه السلام) إلى أهل الكوفة
      لم يجب الإمام على تلك الكتب التي وصلته إلا بعد أن صلى ركعتين بين الركن والمقام وسأل الله الخيرة في ذلك ثم كتب كتابا إلى أهل الكوفة و هو جواب على كتبهم وأرسله مع هاني و سعيد بن عبد الله و هذا نصه: (بسم الله الرحمن الرحيم من الحسين بن علي إلى الملأ من المؤمنين و المسلمين. أما بعد فأن هانياً و سعيداً قدما عليّ بكتبكم و كانا آخر من قدم عليّ من رسلكم و قد فهمت كل الذي اقتصصتم وذكرتم و مقالة جلّكم أنه ليس علينا إمام فأقبل لعل الله يجمعنا بك على الحق و الهدى، وأنا باعث إليكم أخي وابن عمي و ثقتي من أهل بيتي مسلماً بن عقيل وأمرته أن يكتب إليّ بحالكم وأمركم ورأيكم فأن كتب إليّ أنه قد أجمع رأي ملأكم و ذوي الفضل و الحجى منكم على مثل ما قدمت علي به رسلكم وقرأت كتبكم فأني أقدم إليكم وشيكا إن شاء الله تعالى فلعمري ما الإمام إلا الحاكم بالكتاب القائم بالقسط الدائن بدين الحق الحاسر نفسه على ذلك لله والسلام) (10).

      كتاب مسلم بن عقيل إلى الحسين (عليه السلام)
      لما وصل مسلم بن عقيل (عليه السلام) الكوفة نزل دار المختار بن أبي عبـيدة الثقفي فأقبل الناس تختلف إليه بالبيعة للحسين(عليه السلام) جماعة جماعة وهو يقرأ عليهم كتاب الحسين (عليه السلام) فيبكون ثم قام عابس بن أبي شبيب الشاكري (رضوان الله عليه) فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: (أما بعد فأني لا أخبرك عن الناس ولا أعلم ما في أنفسهم وما أغرك منهم و الله أحدثك عما انا موطن نفسي عليه والله لأجـيـبـنكم إذا دعوتم و لأقاتلن معكم عدوكم و لأضربنّ بسيفي دونكم حتى ألقى الله لا أريد بذلك إلا ما عند الله) (11) . لو تفحصنا خطاب عابس (رضي الله عنه) للمسنا فيه الشك في نوايا القوم لذلك قال لمسلم بن عقيل (عليه السلام): ( و الله أحدثك عما أنا موطن نفسي عليه). ونجد ذلك أيضا في قول حبيب بن مظاهر الأسدي (رضي الله عنه) الذي عاصر النبي (صلى الله عليه وآله) و رآه وسمع منة و قاتل مع أمير المؤمنين علي (عليه السلام) في جميع حروبه و هو من خواصه و حملة علومه.

      ولما رأى مسلم بن عقيل (عليه السلام) إقبال الناس عليه و مبايعتهم للحسين(عليه السلام) كتب للحسين يقول فيه: (أما بعد فأن الرائد لا يكذب أهله وأن جميع أهل الكوفة معك وقد بايعني منهم ثمانية عشر ألفا فعجل الإقبال حين تقرأ كتابي هذا و السلام عليك ورحمة الله وبركاته) (12) وبعثه مع قيس بن مسهر الصيداوي.. ولم يكتف الحسين (عليه السلام) بأهل الكوفة فقد وجه كتابا إلى أهل البصرة يدعوهم لنصرته ونصرة دينه وما كان جواب أهل البصرة بأقل اندفاع و استبشار من أهل الكوفة فهذا جزء من كتاب يزيد بن مسعود إلى الحسين (عليه السلام) من أهل البصرة حيث يدعوه إلى المجيئ قائلا: ( فأقدم سعدت بأسعد طائر فقد ذللت لك أعناق بني تميم وتركتهم أشد تتابعا في طاعتك من الإبل الظماء لورود الماء يوم خمسها وقد ذللت لك رقاب بني سعد وغسلت درن صدورها بماء سحابة مزن حين استهل برقها والسلام).

      الحزب الأموي وموقفه من الثورة
      لما وصلت أنباء إعلان الإمام الحسين (عليه السلام) لثورته على الحكم الأموي إلى كوادر الحزب الأموي كانت ردود الفعل مختلفة حسب وجهات نظر أعضاء الكوادر الحزبية الأموية إلى اتجاهين:

      الاتجاه الأول: وهو الذي يمثل جانب اللين و الفتور لأن بعض الكوادر الحزبية الأموية كانت تمثل الجانب المعتدل في الحزب لأنها تعلم في قرارة نفسها أن يزيد لا يستحق الخلافة وغير جدير بها و لذا تراها غير متحمسة لحكمه، من أمثال النعمان بن بشير واليه على الكوفة الذي وصفه أحد كوادر الحزب الأموي المتشدد قائلا: إن هذا الذي أنت عليه فيما بينك وبين عدوك ـ يقصد الحسين (عليه السلام) ـ رأي المستضعفين.. فأجابه النعمان قائلا: أن أكون من المستضعفين في طاعة الله أحب إليّ من أكون من الأعزين في معصية الله
      (13).

      الاتجاه الثاني: وهو الاتجاه المتطرف و المتعصب و المتشدد الذي يسير وراء مصالح الأمويين وليس لديه أي واقعية أو الإحساس بها فنرى رد فعله عنيفا جدا لأنه اتخذ موقفا صارما ضد الثورة ولهذا نرى هذا الكادر الأموي سارع بالكتابة إلى يزيد بن معاوية عندما دخل الكوفة مسلم بن عقيل (عليه السلام) وإقبال الناس لمبايعة الحسين(عليه السلام). ويتزعم هذا الاتجاه عبد الله بن مسلم بن سعيد الحضرمي.

      عبـيد الله بن زياد يتوجه إلى الكوفة
      وع
      ندما وصلت الكتب إلى يزيد بن معاوية وقرأها وفهم محتواها دعا سرجون مولى معاوية وأقرأه الكتب التي تتحدث عن مرونة النعمان بن بشير مقابل توتر الأوضاع في الكوفة وإقبال الناس على مسلم بن عقيل (عليه السلام) لمبايعة الحسين، فقال سرجون ليزيد:

      أرأيت لو نشِر معاوية لك أكنت آخذا برأيه؟

      قال: نعم.


      فأخرج عهد عبـيـد الله بن زياد على الكوفة فإنه رأي أبيك.

      فأخذ يزيد بهذا الرأي وكان عبيد الله واليا على البصرة فضم إليه الكوفة وبعث إليه بعهده إلى الكوفة مع عمرو الباهلي فأقبل عبيد الله بن زياد مسرعاً إلى الكوفة لا يلوي على شيء حتى دخلها ومعه بضعة عشر رجلاً متـنكراً بزي أهل الحجاز فظن الناس انه الحسين (عليه السلام) لأنهم ينتظرون قدومه. فأخذ لا يمر على أحد من الناس إلا وسلموا عليه وقالوا مرحباً بك يا ابن رسول الله قدمت خير مقدم وهو لا يكلمهم حتى جاء القصر فسمع النعمان بن بشير فأغلق القصر عليه ولما انتهى إلى القصر فأطل النعمان بن بشير من بـيـن شرفتي القصر قائلا:

      (أنشدك الله إلا تـنحيت عني ما أنا بمسلم لك أمانتي ومالي في قتلك من أرب) ظاناً انه الحسين (عليه السلام) فأزال عبيد الله اللثام عن وجهه وقال:

      (افتح لا فتحت فقد طال ليلك و شيدت قصرك و ضيعت مصرك)
      (14).

      عندها عرف النعمان و الناس أنه عبيد الله بن زياد ففتح النعمان باب القصر ودخل ثم نودي الصلاة جامعة فاجتمع الناس فخرج إليهم وصعد المنبر وخطب فيهم خطبة شديدة اللهجة وأوضحت سياسته المتشددة جاء فيها:

      (فأنا لمحسنكم ومطيعكم كالوالد البر وسوطي وسيفي على من ترك أمري وخالف عهدي)
      (15).

      وهكذا استطاع عبيد الله بن زياد ان يزرع الخوف والفرقة بين أهل الكوفة الذين صدّقوا الكذبة التي أشاعها بينهم بأن جيش الشام قادم وأنه سيدمرهم و سيقضي عليهم ويهدم دورهم ويحرق زرعهم إن خالفوا أمر (أمير المؤمنين) يزيد كما استطاع أن يجذب إليه الطامعين من أهل الكوفة من زعمائها الذين رغبوا بالأموال والدنيا وانصرفوا عن الحسين (عليه السلام) وثورته على الفساد والاستغلال فبهذه الطريقة نجح عبيد الله بن زياد أي سياسة الترغيب والترهيب في السيطرة على الكوفة وجعلها مدينة اتحدت كلمتها على حرب الحسين (عليه السلام) ابن بنت نبيهم خوفا من بطش الأمويين الذين عرفوا بسياسة الأرض المحروقة أي يقتلون الجميع بلا استثناء إذا كان هناك خطراً يهددهم.




      ----------------------
      1-الوثائق الرسميه لثورة الامام الحسين ( عليه السلام) للشيخ عبد الكريم الحسيني القزويني . صـ43
      2-تاريخ الطبري . صـ220. جـ4
      3-مقتل أبي مخنف صـ15
      4-الوثائق الرسميه لثورة الامام الحسين عليه السلام صـ46
      5-سورة القصص آية 22
      6-الوثائق الرسميه لثورة الامام الحسين عليه السلام صـ48
      7-تاريخ الطبري . جـ4 صـ233
      8-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ49
      9-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ50
      10-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ50
      11- الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ51
      12-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ52
      13- الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ53 نقلاً من كتاب الطبري جـ4 صـ364
      14- الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ57
      15-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ60



      ---------------------------------
      التعديل الأخير تم بواسطة ترانيم السماء; الساعة 25-10-2015, 11:12 PM.

      تعليق


      • #4
        مقتل مسلم بن عقيل (عليه السلام)
        بعد أن استطاع عبيد الله بن زياد أن يوحد الصفوف لمصلحة البيت الأموي فتشجع للبحث عن معارضه الشديد الذي بدأت الجماهير الكوفية تعرض عنه مندفعة نحو المال أو السلامة من بطش الوالي الجديد (الديكتاتور) وحس خلال الدور ورصد أفواه السكك حتى حصل على معلومات عن المكان المتواجد فيه مسلم بن عقيل (عليه السلام) فبعث عبيد الله بن زياد بسبعين فارسا مع محمد بن الأشعث فأحاطوا بمسلم من كل جانب فقاتلهم مسلم وحده مقاتله الشجعان و كافحهم مكافحة الأبطال حتى أكثر فيهم القتل واستنجدوا بعبيد الله بن زياد أن يبعث إليهم بالخيل و الرجال فأنجدهم وأخذوا يرمونه بالنار والحجارة من فوق الدور وعمدوا إلى مكيدة فحفروا له حفيرة ووضعوا عليها الحطب والتراب وبينما هو يهجم عليهم وهم يفرون من بين يديه إذ سقط مسلم في تلك الحفيرة. فهجموا عليه وضربوه بالسيف على شفته العليا وأخذوا السيف منه وكتفوه وأخذوه إلى عبيد الله بن زياد.

        فقال مسلم: (إنا لله وإنا إليه راجعون). ثم بكى فقيل له ان من يطلب مثل الذي تطلب إذا نزل به مثل الذي نزل به لم يبك.

        فقال مسلم (عليه السلام): (إني و الله ما لنفسي ابكي ولها من القتل ارثي وان كنت لم أحب لها طرفة عين تلفاً ولكن ابكي لأهلي المقبلين إليَّ الحسين وآل الحسين ).

        وسيق إلى عبيد الله بن زياد ودار بينهما كلام طويل منه هذه الفقرة التي قال عبيد الله بن زياد لمسلم: ( إيه ابن عقيل أتيت الناس وهم جمعاً وأمرهم ملتئم فشتت أمرهم بينهم وفرقت كلمتهم وحملت بعضهم على بعض فأجابه مسلم: (كلا لست لذلك أتيت ولكنكم أظهرتم المنكر ودفعتم المعروف وتأمرتم على الناس بغير رضاً منهم وحملتموهم على غير ما أمركم الله به وعملتم فيهم بأعمال كسرى وقيصر فأتيناهم لنأمر فيهم بالمعروف وننهى عن المنكر وندعوهم إلى حكم الكتاب والسنة وكنا أهلاً لذلك.

        فقال له عبيد الله بن زياد: وما أنت و ذلك يا فاسق لمَ لم تعمل بذلك إذ أنت في المدينة تشرب الخمر أجابه مسلم بن عقيل (عليه السلام):

        (أنا اشرب الخمر!! أما والله إن الله ليعلم أنك غير صادق وان أحق بشرب الخمر مني وأولى بها من يلغ في دماء المسلمين ولغاً فيقتل النفس التي حرم الله قتلها ويسفك الدم الذي حرم الله على الغضب والعداوة وسوء الظن وهو يلهو ويلعب كأن لم يصنع شيئاً) (16).

        بعد ذلك أمر عبيد الله بن زياد بكر بن حمران ان يصعد به إلى أعلى القصر ويضرب عنقه ويرمي بجثمانه من أعلى القصر. فصعد به إلى أعلى القصر وهو يكبّر ويستغفر الله ويسبحه ويصلي على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وهو يقول: ( اللهم احكم بيننا وبين قوم غرونا وكذبونا وخذلونا) ثم صلى ركعتين وضرب عنقه ورمي بجسده من أعلى القصر. وكان مقتله يوم الثلاثاء لثماني ليال مضين من ذي الحجة من يوم عرفة سنه 60 هـ وهو اليوم الذي خرج فيه الحسين (عليه السلام) من مكة قاصداً العراق.





        أعمال عبـيد الله بن زياد
        عندما نصف أعمال ابن زياد بأنها إجرامية لأنها مخالفة لكل شريعة وملة وهذا ما يطلق عليه اليوم بحقوق الإنسان فالذي فعله ابن زياد أنه بعد أن قتل مسلم بن عقيل هذه القتلة الشنيعة وقام بقتل هاتي بن عروة سيد قبيلة مذحج العربية وسط الكوفة في سوق الجزارين، ثم قام بعد ذلك بربط رجل مسلم وهاني بحبل وسحبوهما في السوق فرثاهما الشاعر بقوله:

        فإن كنت لا تدري ما الموت فانظري***إلى هاني في السوق وابن عقيل

        بعد ذلك حزّ رأسيهما وبعثهما إلى يزيد بن معاوية. وكان جواب يزيد بن معاوية في كتاب أرسله هذا نصه: (أما بعد فانك لم تعد ان كنت كما أحب عملت عمل الحازم وصُلت صَولة الشجاع الرابط الجأش فقد أغنيت وكفيت وصدقت ظني فيك، وقد دعوت رسوليك فسألتهما وناجيتهما فوجدتهما في رأيهما وفضلهما كما ذكرت فاستوصِ بهما خيراً وأنه قد بلغني ان الحسين بن علي قد توجه نحو العراق فضع المناظر والمسالح واحترس على الظن وخذ على التهمة ان لا تقتل إلا من قاتلك واكتب إليَّ في كل ما يحدث من الخبر والسلام عليك ورحمة الله) (17).

        الحسين (عليه السلام) قرر الخروج من مكة
        وصلت أنباء إلى الحسين (عليه السلام) أن يزيداً قد زود عمرو بن سعيد بن العاص بخيل ورجال وأمره ان يقبض على الحسين ولو أبى لناجزه ودس أيضاً ثلاثين رجلاً مع الحاج ان يغتالوا الحسين (عليه السلام) على أي حال اتفق ولو كان متعلقا بأستار الكعبة فخاف (عليه السلام) ان يغتال في الحرم فتهتك حرمة المسجد وحرمة الشهر الحرام فقال: ( والله لأن اقتل خارجاً منها بشبر أحب إليَ من ان اقتل داخلاً منها بشبر .وإنكم والله لو كنت في ثقب هامة من هذه الهوام ستخرجون حتى يقضوا فيَ حاجتهم ووالله ليعتدنَ كما اعتدت اليهود في السبت) (18).
        فعزم على الخروج من مكة وكان يوم الثامن من ذي الحجة يوم التروية بينما يتوجه الحجاج إلى عرفة قصر الإمام الحسين (عليه السلام) الطرق فجعلها عمرة مفردة لأنه لم يتمكن من أكمال حجه مخافة ان يقبض عليه فطاف وصلى وسعى بين الصفا والمروة وقصر من شعره وأحل إحرامه ثم أمر أخوته وأولاده وبني أعمامه وأصحابه أن يسيروا بالظعائن و الحريم متوجها إلى العراق.





        الحسين (عليه السلام) والفرزدق الشاعر

        في أثناء توجه الحسين (عليه السلام) نحو العراق لقيه الفرزدق الشاعر سأله الحسين (عليه السلام): ما خلفت الناس؟ فقال الفرزدق: من خيير سألت؟ قلوبهم معك وسيوفهم مع بني أمية والقضاء ينزل من السماء والله يفعل ما يشاء.. فقال الحسين(عليه السلام): صدقت لله الأمر والله يفعل ما يشاء(19). وتكرر مثل هذا اللقاء مع آخرين، وكلما يقترب من الكوفة كانت تتناهى إلى سمعه أنباء الكوفة غير السارة كمقتل هاني ومسلم وقيس بن مسهر وحظر التجوال الذي فرضه عبيد الله بن زياد في الكوفة وأطرافها وفي طريقه إلى العراق التقى بزهير بن القين وانضم الأخير إلى أصحاب الحسين(عليه السلام).



        الحسين (عليه السلام) والحر بن يزيد الرياحي

        عند اقتراب الحسين (عليه السلام) من الكوفة التقى الحر بن يزيد الرياحي في جيش مؤلف من ألف فارس وكان العطش قد أضر بهم وكان وقت الظهيرة فقال الحسين(عليه السلام) لفتيانه: (اسقوا القوم ارووهم من الماء وأرشفوا الخيل ترشيفًا) وكان الحسين (عليه السلام) يروي القوم بيده أيضاً ثم قال للحر: (ألنا أم علينا ؟ فقال الحر: بل عليك يا أبا عبد الله، فقال الحسين (عليه السلام): لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم) (20) عند ذلك كثر الكلام بين الحسين(عليه السلام) والحر حتى قال الحر أخيراً: إني لم اُمر بقتالك ولكن أمرت ان لا أفارقك حتى أقدمك الكوفة فإذا أبيت فخذ طريقا لا يدخلك الكوفة ولا يردك إلى المدينة حتى أكتب إلى الأمير عبيد الله فلعل الله أن يرزقني العافية من أن أبتلي بشيء من أمرك فخذ هنا فتياسر عن طريق العذيب والقادسية، فأمر الحسين (عليه السلام) أصحابه بالسير والتياسر والحر يسايره، حتى وصلوا كربلاء يوم الخميس وهو اليوم الثاني من محرم سنة 61 هـ وقال: أهذه كربلاء قالوا: نعم يا ابن رسول الله صلى الله عليه واله قال (عليه السلام): (هذا موضع كرب وبلا انزلوا، ههنا مناخ ركبنا ومحط رحالنا ومقتل رجالنا ومسفك دمائنا) (21) فنزلوا جميعاً في جانب ونزل الحر وأصحابه من جانب آخر


        -----------------
        16-الوثائق الرسميه الثورةالحسين عليه السلام صـ64
        17-الوثائق الرسميه الثورة الحسين عليه السلام صـ65
        18-الوثائق الرسميه الثورة الحسين عليه السلام صـ 70
        19-الوثائق الرسميه الثورة الحسين عليه السلام صـ70
        20-الوثائق الرسميه الثورة الحسين عليه السلام صـ76 نقلاً عن تاريخ الطبري جـ4 صـ271
        21-الوثائق الرسميه الثورة الحسين عليه السلام صـ76 نقلاً عن الطبري صـ276



        تعليق


        • #5
          خطبة الحسين (عليه السلام) في كربلاء
          وهي أول خطبة للحسين (عليه السلام) في مدينة (كربلاء) بعد وصوله إليها، فانه أقبل على أصحابة ليرى رأيهم وما هي عليه ضمائرهم فقال (عليه السلام) : ( الناس عبيد الدنيا ،والدين لعق على ألسنتهم، يحوطونه ما درَّت معائشهم فإذا مُحّصوا بالبلاء قلَّ الديّانون) (22) ثم حمد الله وأثنى عليه... إلى أن قال: ألا ترون إلى الحق لا يعمل به، والى الباطل لا يُتناهى عنه، ليرغب المؤمن في لقاء الله محقاً، فأني لا أرى الموت سعادة مع الظالمين، والحياة مع الظالمين إلا برما) (23) بعد أن انتهى(عليه السلام) من خطبته التف حوله أصحابه فقال زهير بن القين (رض) : ( قد سمعنا هداك الله يا بن رسول الله مقالتك والله لو كانت الدنيا باقية، وكنا فيها مخلدين، إلا أن فراقها في نصرك ومواساتك لآثرنا الخروج معك على الإقامة فيها) (24). ثم تكلم برير بن خضير (رحمه الله): (والله يا ابن رسول الله لقد منَّ الله بك علينا ان نقاتل بين يديك وتقطع فيك أعضاؤنا ثم يكون جدك شفيعنا يوم القيامة ) (25).. وهكذا تكلم باقي أصحابه بهذه المعنويات العالية التي جعلت الحسين (عليه السلام) يدعو لهم خيراَ ويجزيهم عن الإسلام خيراً.

          خروج عمر بن سعد بن أبي وقاص وبإمرته أربعة ألاف فارس لحرب الحسين (عليه السلام)
          كتب عبيد الله بن زياد عهداً لعمر بن سعد بن أبي وقاص على ولاية الري وجرجان، ولما تطورت الأحداث في الكوفة ووصول الحسين (عليه السلام) ونزوله كربلاء قال عبيد الله بن زياد لعمر بن سعد: سر إلى الحسين فإذا فرغنا منه رجعت إلى عملك فقال له عمر بن سعد: ان رأيت ان تعفيني، فقال عبيد الله: نعم على ان ترد عهدنا. فقال عمر بن سعد: أمهلني اليوم حتى أنظر، وانصرف يستشير نصحاءه فنهوه عن الخروج إلى حرب الحسين (عليه السلام) وجاء إليه ابن أخته حمزة بن المغيرة بن شعبة. فقال أنشدك الله يا خال أن تسير إلى الحسين (عليه السلام) فتأثم بربك وتقطع رحمك فو الله لأن تخرج من دنياك ومالك وسلطان الأرض كلها لو كان لك خير لك من ان تلقى الله بدم الحسين (عليه السلام) فقال عمر: فأني افعل إن شاء الله (26). وبات ليلته قلقاً مضطرباً لأن نفسه في صراع بين الدنيا وقتل الحسين (عليه السلام) وسمع يقول:

          فـــو الله مــا ادري وان لحـــائــــــر..........أفـــكر فـي أمري على خطـــريـــــن

          أأترك ملــك الــري والـري رغبــتي .........أم ارجع مذمــوما بقـــتل حســــــين

          وفـي قـــتله النــار التـي ليس دونها..........حجاب وملك الري قــرة عيني
          (27)



          فجاء إلى عبيد الله وقال له انك وليتني الري وتسامع الناس به فإن رأيت أن تنفذ لي ذلك فافعل وابعث إلى الحسين من أشراف الكوفة من لست بأغنى ولا أجزاً عنك في الحرب وسمى له أشخاصاً فقال له ابن زياد: لا تعلمني بأشراف الكوفة أن سرت عندنا وإلا فابعث إلينا بعهدنا. فلما رآه قد أصر على رأيه قال: أني سائر (28). فسار إلى الحسين (عليه السلام) ومعه أربعة آلاف فارس حتى نزل كربلاء في اليوم الثالث من محرم 61 هـ(29) وعند وصوله طلب من عدة أشخاص من جيشه ان يذهبوا إلى الحسين (عليه السلام) ويسألوه عما جاء به وماذا يريد فأبوا ذلك لأنهم جميعاً ممن كاتبوا الحسين (عليه السلام) بالتوجه إليهم فقال عمر بن سعد بعد أن صاح بهم فنادى قرة بن قيس الحنظلي ويحك إلق حسيناً وأساله ما جاء به وماذا يريد فجاء إلى الإمام الحسين (عليه السلام) وسلم عليه وأبلغه رسالة عمر بن سعد فقال الحسين (عليه السلام): (كتب إليَّ أهل مصركم، هذا ان أقدم فأما إذ كرهوني فأنا أنصرف عنهم) (30) فانصرف إلى عمر بن سعد وأخبره بما قال الحسين (عليه السلام) فقال عمر بن سعد: إني لأرجو ان يعافيني الله من حربه وقتاله. كان يأمل عمر بن سعد كثيراً ان لا تقع الحرب بينه وبين الحسين (عليه السلام) وكان يحاول ان يؤخر ذلك مهما استطاع من قوة حتى بعث كتاباً إلى ابن زياد يخبره بما قاله الحسين (عليه السلام) من انه أتته رسل القوم يطلبون منه القدوم وهو يطلب إذا كرهه القوم وبدا لهم غير ذلك فهو منصرف عنهم. عندما قرأ ابن زياد الفقرة الأخيرة حتى استشهد بالبيت :

          الآن إذ عـــلــقـــــت مخــــالبـــنـا بــه ........ يرجو النجاة ولات حين مناص (31)

          فأرسل ابن زياد إلى عمر بن سعد ان يعرض على الحسين (عليه السلام) البيعة ليزيد كرهاَ أو يقتل بأيدي أهل الكوفة شر قتلة ومن جانب آخر قام عبيد الله ابن زياد يستنفر الناس في الكوفة ويخرجهم لحرب الحسين (عليه السلام) بالقوة حيث نادى بالناس (ألا برئت الذمة ممن وجد في الكوفة ولم يخرج لحرب الحسين) حتى وصل الأمر أنه اُدخل عليه رجل شامي جاء إلى الكوفة لدين له في ذمة رجل من أهل العراق ، فقال ابن زياد: (اقتلوه ففي قتله تأديب لمن لم يخرج بعد فقتل ) (32) أما سجن ابن زياد فقد ملأه بشيعة الحسين (عليه السلام) المخلصين أمثال المختار بن أبي عبيد الثقفي وسليمان بن صرد الخزاعي والمسيب بن نجبه ورفاعه بن شداد وإبراهيم بن مالك الأشتر (33) الذين كانوا ممن وطّن نفسه على الاستشهاد بين يدي الحسين(عليه السلام) فقد سجنهم خشية ان يتسللوا لنصرة الحسين(عليه السلام) وكما ذكرت بلغ عددهم اثنا عشر ألفاً
















          تعداد الجيش الذي زحف إلى كربلاء لحرب الحسين (عليه السلام)
          ذكرت الكتب التاريخية عن كميه تعداد الجيش الأموي الذي أرسله عبيد الله ابن زياد إلى الحسين وهي حسب الترتيب الزمني:


          كتيبة الحر بن يزيد التميمي 1000 مقاتل
          عمر بن سعد قائد الجيش 4000 مقاتل
          شمر بن ذي الجوشن 4000 مقاتل
          يزيد بن ركاب الكلبي 2000 مقاتل
          الحصين بن نمير التميمي 4000 مقاتل
          مغاير بن رهينه المازني 3000 مقاتل
          نصر بن حرشه 2000 مقاتل
          كعب بن طلحه 3000 مقاتل
          شبث بن ربعي الرياحي 1000 مقاتل
          حجار بن أبجر 1000 مقاتل
          المجموع 25000 مقاتل





          وظل ابن زياد يرسل الإمدادات بالخيل والرجال حتى تكامل عددهم إلى ثلاثين ألفاً ما بين فارس وراجل (34) على رواية الإمام الصادق (عليه السلام) كما ان بقية الجيوش الأموية كانت في حالة إنذار واستنفار عام كما يقال.

          أما تعداد جيش الحسين (عليه السلام) فهم على طائفتين:

          1- من بني هاشم وعددهم 16 مقاتلاً.

          2- من الأنصار وهم من مختلف القبائل والأجناس وعددهم 94 مقاتلا.

          فصفّهم الحسين (عليه السلام) إلى جهات ثلاث، جهة الميمنة وعليها زهير بن القين ومعه 20 مقاتلا وجهه الميسرة وعليها حبيب بن مظاهر وقيل هلال بن نافع البجلي ومعه عشرون فارساً. أما القلب؛ فهو (عليه السلام) وقف وأهل بيته وبقيه أصحاب وأعطى رايته بيد أخيه العباس (عليه السلام) وعند حلول اليوم السابع من محرم عام61 هـ أمر عمر بن سعد عمرو بن الحجاج ومعه 500 فارس أن يحولوا بين الحسين وأصحابه (عليهم السلام) وبين الماء ولم يسقوا منه قطرة


          -----------------------------
          22-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ82 نقلاً عن الطبري جـ4 صـ278
          23-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ96 راجع تاريخ الطبري جـ4 صـ296
          24-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ109 عن الطبري جـ4 صـ308
          25-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ111
          26-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ111
          27-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ112 عن مقتل الحسين للأمين صـ90 والطبري صـ301
          28-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ112 عن مقتل الحسين للأمين صـ90 والطبري صـ301
          29-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ115 نقلاً عن الطبري جـ4 صـ283
          30-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ115 نقلاً عن الكامل لابن الأثير جـ3 صـ283
          31-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ116 عن تاريخ الطبري صـ310
          32-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ117 عن تاريخ الطبري صـ310
          33-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ117 نقلاً عن تأريخ الطبري صـ310

          34-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ118 من تاريخ الطبري صـ113






          تعليق


          • #6
            ليلة العاشر من محرم وزحف الجيش الأموي نحو خيام الحسين (عليه السلام)
            عندما وصل كتاب ابن زياد إلى عمر بن سعد يحثه على قتال الحسين (عليه السلام) أو يتخلى عن قيادة الجيش وبذلك يحرم من إمارة الري المزعومة التي وعده بها عبـيد الله ابن زياد فخشي ان تفوته الفرصة وتذهب من يده قيادة الجيش ويحرم من عهده ولاية الري فلهذا نراه أخيراً أخذ يتحمس كثيرا لقتال الحسين (عليه السلام) بينما الحسين (عليه السلام) جالس عصر يوم التاسع من محرم بعد صلاة العصر أمام خبائه ومحتب بسيفه وقد وضع رأسه بين ركبتيه. وإذا بعمر بن سعد ينادي يا خيل الله اركبي وابشري وركب الناس معه وزحفوا نحو خيام الحسين (عليه السلام). وعند سماع الحسين أصوات الرجال وضجة الخيل نادى أخيه العباس (عليه السلام) وطلب منه ان يستقصي الخبر فأخذ العباس (عليه السلام) مجموعة من الفرسان وعددهم عشرون فارسا فيهم زهير بن القين وحبيب بن مظاهر(رضوان الله عليهما) وخرج بهم إلى الجيش الزاحف وقال لهم: ما بدا لكم وما تريدون؟ قال الجيش الأموي: جاء أمر الأمير بأن نعرض عليكم ان تنزلوا على حكمه أو ننازلكم أي نقاتلكم قال لهم العباس(عليه السلام) : فلا تعجلوا حتى أرجع إلى أبي عبد الله فأعرض عليه ما ذكرتم وجاء إلى أخيه الحسين (عليه السلام) مسرعا وأخبره عند ذلك قال له الحسين(عليه السلام):

            ( يا أخي ارجع إليهم، فإن استطعت ان تؤخرهم إلى غدوة وتدفعهم عنا هذه العشية لعلنا نصلي لربنا الليلة وندعوه ونستغفره فهو يعلم أني كنت أحب الصلاة له وتلاوة كتابه وكثر الدعاء والاستغفار) (35). رجع العباس (عليه السلام) إلى الجيش الأموي وقال لعمر بن سعد ما قاله الحسين (عليه السلام).

            توقف عمر بن سعد عن إعطاء هذه المهلة وسأل من حوله متردداً هل يعطيهم المهلة أم لا حتى قال أحد أصحابه وهو الحجاج بن سلمة الزبيدي: (سبحان الله والله لو كانوا من الديلم ثم سألوك هذه المنزلة لكان ينبغي لك ان تجيبهم ـ فكيف وهم آل محمد عند ذلك قال قيس بن الأشعث: أجبهم لعمري لنصبحنك بالقتال فأجابوهم إلى ذلك الحسين (عليه السلام) يضع أصحابه تحت الاختبار. وعندما أيقن الحسين (عليه السلام) من ان لا محيص من القتال ورأى الإصرار من القوم على قتاله فأجرى عملية اختبار وامتحان على أصحابه وأهل بيته من أبناء إخوته وعمومته ليطمئن قلبه إنهم يصمدون عند الوثبة وإنهم لن يخذلوا ولن يتركوه وحده فألقى خطابا فيهم مساء يوم التاسع من محرم وبعد ان اثني على الله قال:

            (أما بعد فاني لا اعلم أصحاباً أولى ولا خير من أصحابي ولا أهل بيت أبر وأوصل من أهل بيتي فجزاكم الله عني جميعاً خيراً، إلا واني أظن يومنا من هؤلاء الأعداء غداً، إلا وأني قد أذنت لكم، فانطلقوا جميعاً في حل ليس عليكم مني ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملا ثم ليأخذ كل رجل منكم بيد رجل من أهل بيتي، ثم تفرقوا في سوادكم ومدائنكم حتى يفرج الله فان القوم إنما يطلبوني ولو قد أصابوني لهوا عن طلب غيري) فهب بنو هاشم وقالوا بلسان واحد (لم نفعل ذلك لنبقى بعدك لا أرانا الله أبداً) (36) أما أصحابه فقاموا يتسابقون في إجابته (عليه السلام) مصرين على القتال دونه حتى الشهادة وهذا زهير بن القين يجيبه بقوله:

            ( والله يا ابن رسول الله، لوددت اني قتلت حتى اقتل كذي ألف قتلة وان الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيه من أهل بيتك) (37) فبات الحسين (عليه السلام) تلك الليلة مع أصحابه فرحين مسرورين غير وجلين ولا خائفين بما يلاقوا من صبيحتهم هذه مقبلين على الله بكل مشاعرهم وأفكارهم فهم بين راكع وساجد وقاعد وبين تال للقرآن ومستغفر ولهم دوي كدوي النحل ) (38).




            -----------------------
            35-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ120 نقلاً عن ابصار العين في أبصار الحسين محمد السماوي صـ10
            36-تأريخ الشيعه صـ34 محمد حسين المظفري
            37-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ124 انظر تفصيل ذلك في مقتل الحسين للسيد للأمين صـ94 صـ95 السيد عبد الرزاق المقرم صـ241 الطبري جـ4 صـ310
            38-الوثائق الرسميه لثورة الحسين عليه السلام صـ144 من الطبري صـ320 جـ4




            تعليق


            • #7
              يوم العاشر محرم الحرام يوم اللقاء بين العسكرين

              طلع فجر اليوم العاشر من المحرم صلى الحسين (عليه السلام) بأصحابه صلاة الفجر ثم قال لهم:

              (إن الله تعالى أذن في قتلكم وقتلي في هذا اليوم فعليكم بالصبر والقتال) (1) فنظم الحسين (عليه السلام) جيشه الصغير وعدهم للحرب ثم نظر إلى العدو فرآهم كالسيل فأخذ يبكي وعندما سئل عن سبب البكاء قال:

              (إني أبكي لجيش يدخل النار بسببي وهكذا أخذ الحسين (عليه السلام) يستعد للقاء عدوه ولكنه اخذ على نفسه ان لا يبدأهم القتال فرفع الحسين (عليه السلام) يده متضرعا إلى الله قائلاً:

              (اللهم أنت ثقتي في كل كرب ورجائي في كل شدة. أنت لي في كل أمر نزل بي ثقة وعدة كم من هم يضعف فيه الفؤاد وتقل فيه الحيلة ويخذل فيه الصديق ويشمت فيه العدو. أنزلته بك وشكوته إليك رغبة لي إليك عمن سواك فكشفته وفرجته فأنت ولي كل نعمة وصاحب كل حسنة ومنتهى كل رغبة) (2).

              ثم راح بعدها يكلم الجيش الزاحف نحوه ويعظهم ويرشدهم ويحاول ان يؤثر في أنفسهم ولكن لا مجيب منهم كأنما ختم الله على قلوبهم فلم تدخل الموعظة قلوبهم، حتى قال لهم (عليه السلام):

              (يا شبث بن ربعي ويا حجار بن ابجر ويا قيس بن الأشعث ويا يزيد بن الحارث الم تكتبوا إلي أن أقدم قد اينعت الثمار واخضر الجناب وإنما تقدم على جند لك مجندة)؟

              فقالوا: لم نفعل.

              قال الحسين (عليه السلام): سبحان الله بلى والله لقد فعلتم. ثم قال: أيها الناس إذا كرهتموني فدعوني انصرف عنكم إلى مأمن من الأرض، فقال قيس بن الأشعث: أولا تنزل على حكم بني عمك؟ فإنهم لن يروك إلا ما تحب ولن يصل إليك منهم مكروه . فقال الحسين(عليه السلام): أنت أخو أخيك أتريد ان يطلبك بنو هاشم أكثر من دم مسلم ابن عقيل؟ لا والله لا أعطيهم بيدي إعطاء الذليل ولا أفر فرار العبيد عباد الله إني عذت بربي وربكم ان ترجمون أعوذ بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب) (3).

              ثم بدأ أصحاب الحسين (عليه السلام) يعظون القوم واحداً تلو الآخر فبدأ زهير بن القين وتلاه برير بن خضير ولكن دون جدوى وكأنهم قوم قد اتخذوا قرارهم ولن يتراجعوا عنه. وعندما رأى الحسين (عليه السلام) هذا الصد من القوم وكأنهم يضعون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا صوت الحق قال لهم وكأنه ينقل إليهم الصورة المعاكسة لتصرفاتهم وسلوكهم، صورته هو وأصحابه الثابتة على الحق والفضيلة والبعيدة عن كل صور الطمع والانحراف عن الدين وكان رداً قطع ألسنتهم وأوضح منهجه القويم إمامهم فقال (عليه السلام) :

              (إلا وان الدعي ابن الدعي قد ركز بين اثنتين بين السلة والذلة وهيهات منا الذلة، يأبى الله لنا ذلك ورسوله والمؤمنون ، وحجور طابت وطهرت، وأنوف حمية، ونفوس أبية، من ان تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام، أل وإني زاحف بهذه الأسرة على قلة العدد وخذلان الناصر) (4).


              موقف الحر بن يزيد الرياحي
              عندما سمع الحر خطبة الحسين (عليه السلام) مع ذلك الجيش الضال انشرح قلبه إلى الإيمان والخير وأشرقت نفسه بالنور والهداية فأسرع إلى قائد الجيش الأموي ( عمر بن سعد) قائلاً:

              أمقاتل أنت هذا الرجل؟

              فأجابه عمر: إي والله قتالاً أيسره أن تسقط الرؤوس وتطيح الأيدي.

              فأقبل الحر يرتعد من موقفه المشين تجاه الحسين (عليه السلام) حتى سأله صاحبه المهاجرين الأوس: يا ابن يزيد والله إن أمرك لمريب ولو قيل مَن أشجع أهل الكوفة لما عدوتك، فما هذا الذي أراه منك؟ فقال له الحر (إني والله أخير نفسي بين الجنة والنار ووالله لا أختار على الجنة شيئاً ولو قطعت وحرقت ثم ضرب فرسه ولحق بالحسين (عليه السلام).

              ولما قرب من الحسين (عليه السلام) أعلن توبته فغفر له الحسين (عليه السلام) فعله وقال له: أنت الحر كما سمتك أمك أنت الحر إن شاء الله في الدنيا والآخرة.

              ثم طلب من الحسين (عليه السلام) أن يكون أول من يقاتل إلى جنب الحسين (عليه السلام) فاستأذن الحسين (عليه السلام) ليكلم القوم وتكلم ولكن لا فائدة ترجى من قوم قد استحوذ عليهم الشيطان وانغمسوا في الشهوات.


              ودقت طبول الحرب
              عندما لم تفلح كل الجهود الخيرة في إرشاد هؤلاء الهمج الرعاع الذين دفعتهم شهواتهم لمحاربة ابن بنت نبيهم وهذه جرأة كبيرة وتحدي لكل القيم والمبادئ الإنسانية إذ وقف أبن سعد بكل وقاحة وشقاوة متحدياً صبيحة العاشر من المحرم واضعاً سهمه في كبد قوسه ورمى به نحو معسكر الحسين (عليه السلام) قائلاً:

              (اشهدوا لي عند الأمير بأني أول من رمى ) (5).

              فأقبلت بعده السهام من الجيش الأموي نحو الحسين(عليه السلام) كأنها المطر. عندئذ لم ير أبداً من قتالهم حتى يفيئوا إلى أمر الله فأذن لأصحابه بالقتال قائلاً لهم : قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لابد منه فإن هذه رسل القوم إليكم) (6).

              فبدأ الاصطدام المسلح بين الحق والباطل، وبدا على أصحاب الحسين (عليه السلام) الشجاعة والبسالة المنقطعة النظير فتعجب القوم من ذلك.

              وهكذا بدأ أصحاب الحسين عليهم السلام بالتناقص شيئاً فشيئاً حتى قتلوا جميعاً وتلاهم بنو هاشم أجمعهم حتى بقي أخو الحسين (عليه السلام) العباس بن علي (عليه السلام) البطل الشجاع الذي أخذ القربة ليجلب الماء لأهل بيته ومن خبث القوم أنهم لم يستطيعوا مواجهته ومبارزته عمدوا إلى طريقتهم المعتادة ألا وهي الغدر فاختبأوا خلف نخلة وقطعوا يمينه ومن ثم شماله وأصابوا القربة وأحاطوا به من كل جانب حتى قطعوه إرباً أربا. وبقي الحسين (عليه السلام) وحيداً فجاءت إليه أخته زينب بنت علي (عليها السلام) قائله له:

              خذ رضيعك هذا وأطلب له الماء وجاء الحسين (عليه السلام) بالطفل الرضيع إلى القوم وقال لهم: إن كان لي جرماً عندكم فما ذنب هذا الطفل فخذوه واسقوه بأنفسكم فرموه بسهم وقتلوه على يد أبـيه، فهذه من صفات الخسة والنذالة التي تمتع بها هؤلاء القوم.




              --------------------------------
              1-نفس المصدر صـ158 نقلاً عن الطبري جـ4 صـ327
              2-نفس المصدر صـ162 عن الكامل لابن الأثير جـ3 صـ286
              3-المصدر نفسه صـ166 نقلاً عن الطبري جـ4 صـ330 والكامل جـ3 صـ287
              4-الوثائق الرسميه صـ174 نقلاً عن كتاب الاحتجاج للطبرسي جـ2 صـ24
              5-الوثائق الرسميه صـ180 عن اللهوف في قتل الطفوف لابن طاووس صـ42 نقلاً عن الطبرسي صـ335 وتقلا عن الكامل جـ3 صـ289
              6-الوثائق الرسميه صـ181 عن اللهوف صـ42




              تعليق


              • #8
                الحسين (عليه السلام) يحمل على الجيش الأموي لوحده
                ولما لم يجد الحسين (عليه السلام) بدا إلا الدفاع عن دين جده محمد والمحامات عن حرمه وعياله بعد فقد الناصر والمعين فانه (عليه السلام) برز إلى الأعداء مصلتاً سيفه وداعيا الناس إلى البراز فلم يزل يقتل كل من يبرز إليه حتى قتل جمعاً كثيراً.

                ثم حمل على الميمنة والميسرة قال عبد الله بن عمار: (فو الله ما رأيت مكسورا قط قتل ولده وأهل وبيته وأصحابه اربط جأشا ولا أمضى جنانا ولا أجراً مقدماً منه، والله ما رأيت قبله ولا بعده مثله، إذ كانت الرجًّالة لتنكشف من عن يمينه وشماله انكشاف المعزي إذا شد فيها الذئب) (7) فأكثر (عليه السلام) فيهم القـتل، حتى خشي عمر بن سعد ان يفنى جيشه ان بقي الحسين على حاله فصاح بجيشه:

                (هذا ابن الانزع البطين، هذا ابن قتّال العرب، احملوا عليه من كل جانب، فأتته أربعة آلاف) (8) وحال الرجال بينه وبين حرمه وأرادوا التعرض لها فصرخ بقبح فيهم الحسين (عليه السلام) منددا بقبيح أفعالهم هذه قائلا لهم:

                (يا شيعة آل أبي سفيان ان لم يكن لكم دين وكنتم لا تخافون المعاد فكونوا أحراراً في دنياكم، وارجعوا إلى أحسابكم إن كنتم عرباً كما تزعون، امنعوا رحلي وأهلي من طغاتكم وجهالكم (9) فعندئذ قصد القوم بنفسه، واشتد القتال بينه وبينهم، وقد نال العطش منه (عليه السلام) فحمل على الفرات فكشفهم عنه وأقحم الفرس في الماء وأراد ان يشرب منه، فناداه رجل من القوم: اتلتذ بالماء يا حسين وقد هتكت حرمك؟ فرمى الماء من يده وقصد خيامه وحرمه، ليرعاها ويحميها ما دام على قيد الحياة، لأنه يعلم انها بعد سويعات، ستبقى من دون حمي ولا نصير، فنادى نداء وداع وفراق لا أمل فيه بلقاء وعودة وناداهن بقلب محزون مفجوع (يا أم كلثوم، ويا زينب، ويا سكينة، ويا رقية ويا عاتكة ويا صفية عليكن مني السلام فهذا آخر الاجتماع. وقد قرب منكن الافتجاع).

                فأحطن به بنات الرسالة من كل جانب هذي تشمه وأخرى تأخذ بردائه وثالثة تستنجده، ورابعة تقول:

                يا أخي: (ردنا إلى حرم جدنا).

                فقال لها الحسين (عليه السلام): (يا أختاه هيهات هيهات، لو ترك القطا لنام).

                فقالت أم كلثوم: (يا أخي كأنك استسلمت للموت؟).

                فقال الحسين (عليه السلام): (يا أخيه كيف لا يستسلم من لا ناصر له ولا معين).

                ثم سأل (عليه السلام) عن ابنته سكينة فقيل له انها في خيمتها تبكي، فجاء إليها وضمها إلى صدره.

                ثم ودّعهم وأمرهم بالصبر قائلا: (استعدو للبلاء، واعلموا ان الله تعالى حاميكم وحافظكم وسينجيكم من شر الأعداء ويجعل عاقبة أمركم إلى خير ويعذب عدوكم بأنواع العذاب ويعوضكم عن هذه البلية بأنواع النعم والكرامة فلا تشكوا ولا تقولوا بألسنتكم ما ينقص من قدركم) (10).

                ثم خرج من عندهم مودعا إياهم ثم توجه إلى ساحة القتال فاخذ يقاتل القوم قتالا شديدا ومستميتا يائسا من الحياة فكانت ضرباته شديدة على الأعداء بحيث كانوا ينكشفون من إمامه خوفا من صولاته العنيفة حتى وصل إلى الماء فنادى رجل من بني أبان بن دارم (ويلكم! حولوا بينه وبين الماء) (11).

                ثم تكاثروا عليه وأحاطوا به فشد (عليه السلام) عليهم حتى كشفهم فجاءه سهمان فوقع أحدهما في عنقه والآخر في فمه فانتزعهما وبسط كفيه فامتلاتا دماً ثم قال: اللهم إني أشكو إليك ما يفعل بابن بنت نبيك اللهم احصهم عدداً واقتلهم بدداً ولا تذر على الأرض منهم أحداً) (12).

                ثم نادى عمر بن سعد يخاطب الجيش الأموي:

                (ويحكم اهجموا عليه مادام مشغولا بنفسه وحرمه والله ان فرغ لكم لا تمتاز ميمنتكم عن ميسرتكم فحملوا عليه يرمونه بالسهام حتى تخالفت السهام بين أطناب الخيام وشك سهم ببعض أزر النساء فدهشن وأرعبن وصحن ودخلن الخيمة وهن ينظرن إلى الحسين (عليه السلام) كيف يصنع فحمل(عليه السلام) عليهم كالليث الغضبان فلا يلحق أحداً إلا بعجه بسيفه فيقتله والسهام تأخذه من كل ناحية وهو يتقيها بصدره ونحره (13) حتى أثخن بالجراح من كثر ما أصيب والدماء تنزف منه فرماه أبو الحتوف الجعفي بسهم في جبهته فنزعه وسالت الدماء على وجهه الشريف ثم توالوا عليه ضرباً بالسيوف وطعنا بالرماح ورميا بالسهام ورضخاً بالحجارة فلم يتمالك (عليه السلام) وضعف عن القتال فوقف ليستريح عله يجد قوة ويزداد نشاطا ليحامي عن رسالته ومقدساته فرضخه رجل بحجر على جبهته فسال الدم على وجهه فاخذ الثوب ليمسح الدم عن عينه فرماه آخر بسهم ذي ثلاث شعب فوقع في قلبه فاخرج السهم من قفاه وانبعث الدم كالميزاب (14).

                فقال (عليه السلام): (بسم الله وبالله وعلى ملة رسول الله إلهي انك تعلم أنهم يقتلون رجلاً ليس على وجه الأرض ابن نبي غيره هون علي ما نزل بي انه بعين الله) ثم إنه (عليه السلام) لطخ به رأسه ولحيته وقال هكذا أكون حتى ألقى الله وجدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأنا مخضب بدمي وأقول يا جد قتلني فلان وفلان) (15).

                ثم صاح (عليه السلام) بأعلى صوته: (يا أمة السوء بئس ما خلفتم محمداً في عترته، اما انكم لا تقتلون رجلاً بعدي فتهابون قتله، بل يهون عليكم ذلك عند قتلكم إياي، وأيم الله اني لأرجو ان يكرمني الله بالشهادة ثم ينتقم لي منكم من حيث لا تشعرون.

                فقال له الحصين: بماذا ينتقم الله منا يا ابن فاطمة؟ أجابه الحسين (عليه السلام): يلقي باسكم بينكم ويسفك دمائكم ثم يصب عليكم العذاب صبا (16).

                مع الحسين (عليه السلام) في لحظاته الأخيرة
                وبقي الحسين (عليه السلام) على هذا الحال طويلاً من النهار لا يجرأ أحد من القوم على قتله لما له في نفوسهم من القدسية والرهبة وكان بعضهم يتقي ويتحاشى من قتله ويود ان يكفيه غيره.

                فنادى شمر فيهم: (ويحكم ماذا تـنـتـظرون بالرجل وقد أثخنته السهام فاحملوا عليه واقتلوه ثكلتكم أمهاتكم) فحملوا عليه من كل جانب وصوب قال هلال بن نافع وهو في الجيش الأموي: (كنت واقفاً نحو الحسين (عليه السلام) وهو يجود بنفسه فو الله ما رأيت قتيلا قط مضمخاً بدمه، أحسن منه وجهاً ولا أنور ولقد شغلني نور وجهه عن الفكرة في قتله، فاستقى الماء في هذا الحال، فأبوا ان يسقوه) (17).

                لم يترك الحسين (عليه السلام) شيئاً إلا وبذله في طاعة الله ورضوانه إذ انه لم يبخل بالمال ولا بالجاه ولا بالولد ولا بالأخ ولم يبق لديه إلا نفسه وها هي روحه متاهب للصعود إلى بارئها عز وجل في سبيله فلم يملك إلا أنفسا تصعد وتنزل وهي في طريقها إلى لقاء ربها وهو طريح على الرمضاء قد كللته قطع السيوف والرماح والحجارة واثخنته الجراح واعياه النزف وجهد الحرب والعطش ومع هذا الحال وإذا به يسبح في روح الله وروحانيته فيناجي ربه بكل مشاعر قلبه ثم جاء إليه الخولي بن يزيد الاصبحي ليحتز رأسه فأرعد وضعف، فقال له سنان بن انس: فت الله في عضديك وابان يديك، ثم نزل إلى الحسين (عليه السلام) فذبحه واحتز رأسه.

                وفي رواية ان الذي احتز رأسه شمر بن ذي الجوشن...

                وانتهت الواقعة بحرق خيام الحسين (عليه السلام) واقتياد نسائه وأطفاله اسارى إلى عبيد الله بن زياد في الكوفة ومن ثم إلى يزيد بن معاوية في الشام.



                ----------------------------
                7-الوثائق الرسميه صـ238 نقلاً عن الطبري جـ5 صـ452
                8-الوثائق الرسميه صـ239 عن ناقب ابن شهر آشوب صـ223
                9-الوثائق الرسميه صـ239 عن الطبري جـ5 صـ450
                10-الوثائق الرسميه صـ241 عن مقتل الحسين للمقرم صـ348
                11-الوثائق الرسميه صـ244 عن الطبري جـ5 صـ452
                12-الوثائق الرسميه صـ244 عن الطبري جـ5 صـ449
                13-الوثائق الرسميه صـ244 عن مقتل الحسين للمقرم صـ350
                14-الوثائق الرسميه صـ245 عن مقتل الخوارزمي جـ2 صـ34
                15-الوثائق الرسميه صـ245 عن مقتل الخوارزمي جـ2 صـ34
                16-الوثائق الرسميه صـ245 عن مقتل الخوارزمي جـ2 صـ34
                17-الوثائق الرسميه صـ250نقلا عن مقتل الحسين للمقرم صـ256




                تعليق


                • #9
                  النتائج
                  لكل حرب أسباب ونتائج وتساؤلات فمن أهم النتائج ظهرت لمعركة الطف هي :
                  ( 1 ) تعرية بني أمية أمام الرأي العام على أنهم حكام فسقة لا يهابون بنت صاحب الخلافة الذي يتحدثون باسمه.

                  ( 2 ) صحوة الناس الغارقة في الشهوات بحيث وجدوا ان مقدساتهم انتهكت ورموزهم الدينية قد قتلوا وتربع الظالمين على عرش الخلافة الإسلامية وأشاعوا المحرمات بين الناس.

                  ( 3 ) مقاومة الظالمين لم تبق سوى شعار يرفعه الناس إذ تحول إلى ثورات متتالية ضد بني أمية المغتصبين للخلافة والمتخذين عباد الله خولا , والمستهزئين بأحكام الله.

                  ( 4 ) أعطت واقعة الطف درسا للناس جميعا بأن أي شعب إذا أراد الحياة والحرية والكرامة له يحاسب حاكميه ويعترض عليهم ولا يصبر على الظلم قط .

                  ( 5 ) أعطى الحسين (عليه السلام) في ثورته درسا للبشر ان يكون أحرار في دنياهم فيتخذوا القرارات التي تخدم عقيدتهم دون ضغط خارجي مهما كان نوع هذا الضغط .

                  ( 6 ) بسبب تسلط (معاوية بن أبي سفيان) على رقاب الشعوب الإسلامية طيلة عشرين عاماً، وأذاقهم الخوف والحرمان وقرّب إليه المنافقين والمتهتكين وأبعد كل من اتصف بالأخلاق الفاضلة وأصحاب القيم النبيلة، عاش الناس في سبات عميق وتكيّفوا على هذه الحالة السلبية، بحيث اصطبغوا بصبغة البعد عن الدين والأخلاق وغطوا في نوم ثقيل حتى تربع ابنه (يـزيد) على عرش الخلافة الإسلامية، والناس لازال الخوف يسايرهم، وكل واحد منهم اتخذ في قرارة نفسه قراراً أن يحفظ نفسه إلى حين، فهذه الثورة الحسينية قد حركت نفوس الناس وجعلتهم يفكرون في ماضيهم ومستقبلهم كأنما هي في بركة ماء راكد والحسين (عليه السلام) رمى فيها حجراً فتحرك الماء وتلاطم وكانت النتيجة.

                  ( 7 ) بهذه الثورة ميز الحسين (عليه السلام) بـيـن الحق والباطل، بين الكفر والإيمان، بين الهدى والضلال، إذ صارت كربلاء محكاً ميّز المؤمن عن غيره.

                  ( 8 ) بهذه النتيجة المأساوية لواقعة الطف قد أعطت للناس آنذاك القيام بالمقارنة بين الحسين (عليه السلام) وبين يزيد بن معاوية من حيث النسب والشرف والدين والورع والتقوى.

                  ( 9 ) الحسين (عليه السلام) بثورته هذه قد كسر الحاجز الذي وضعه حكام بني أمية من خلال دسهم للأحاديث المكذوبة على لسان الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) منها: ( لا يخرجن أحدكم على إمام زمانه ولو كان فاسقاً).




                  ~¤§][®][ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآل ِمُحَمَّدٍ وَعَجِّلْ فَرَجَهُمْ][®][§¤~


                  لا تنسونا من الدعاء الله يحفظكم بجاه محمد وآلـ محمد صلوات الله وسلامي عليهم

                  تعليق

                  المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
                  حفظ-تلقائي
                  Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
                  x
                  يعمل...
                  X