...وآقـًُـعـًٍة الـُـطـٌـفُ...
الحسين بن علي بن أبي طالب ( عليهما السلام )
يحق لكل أُمة ان تقف إكباراً وإجلالاً لعظمائها التاريخيين الذين ساهموا في التقدم الفكري وتطوره لديها وقلبوا موازين القوى على عقب وغيّروا مجرى التاريخ، ويحق لنا نحن المسلمين أن نقف إكباراً وإجلالاً للذي أعطى للإنسانية درساً رائعاً في الحرية والحفاظ على حقوق الإنسان، ألا وهو الإمام الحسين (عليه السلام) ونعيش تلك الأجواء التي عاشها هذا الإمام والتي دفعته للثورة على الفساد والظلم وانتهاك حقوق الإنسان.
نسبه (عليه السلام)
هو الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وأُمه فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول رب العالمين ونبي المسلمين الصادق الأمين، وأخوه الحسن بن علي (عليهما السلام) الذي صالح معاوية بن ابي سفيان الخليفة الأموي الذي حكم الدولة الإسلامية (41 هـ -60 هـ) الموافق (660 م - 680 م).
ولادته
وُلد الحسين عليه السلام يوم الخميس، الثالث من شهر شعبان سنة 4هـ ويعتبر السبط الثاني لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أخيه الحسن عليه السلام وجاءت به أمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) في اليوم السابع من مولده الشريف وسماه الرسول (صلى الله عليه وآله)، حسيناً باسم ابن النبي هارون (شبـير) كما سمى ريحانته الأول حسناً باسم النبي هارون (شبر) وعق عنه كبشاً وحلق رأسه وأمر أن يُتصدق بوزنه فضة.
كنيته
أبو عبد الله.
لقبه
الشهيد.
نشأته المباركة
نشأ وترعرع في بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل (في بيوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفع ويذكر فيها اسمه يُسبِحُ له فيها بالغُدوِ والآصال) (سورة النور: الآية 36)، هنيئاً لهذا المولد المبارك الذي نشأ في مدرسة النبوة والإمامة في كنف جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) وأمه الزهراء البتول (عليها السلام) وأبيه أمير المؤمنين علي ٍ (عليه السلام) وأخيه الحسن (عليه السلام) فتوارث عنهم الهيبة والوفاء والسؤدد والجلال.
الإمام الحسين عليه السلام في الأحاديث النبوية الشريفة
1 - ( ابناي هذان إمامان إن قاما وإن قعدا ).
[ الإرشاد للمفيد- ص119 ] .
2 - ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ).
[ سبل السلام ج4 ص125، ابن حجر العسقلاني فقه السنة ج3ص 417 سيد سابق ].
3 - عن جابر ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) :
( إن الجنة لتشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحَبَهُمُ الله وأمرني بحبهم ،علي ابن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي عليهم السلام الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام ).
4 - قال الترمذي إن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين وقال (من أحبني وأحب هذين واباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
[ مسائل علي بن جعفر: ص50 ].
5 - ( حسينٌ مني وأنا من حسين ، أحبَ اللهُ من أحبَ حسيناً،حسينٌ سبط ٌ من الأسباط ).
[ الناصريات: الشريف المرتضى، ص 90 ].
6- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (والذي نفسي بيده ان مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى (عليه السلام) منا، ثم ضرب بـيده منكب الحسين (عليه السلام) وقال من هذا من هذا).
[ عيون المعجزات: حسين عبد الوهاب، ص56 ].
الحسين (عليه السلام) في حياة أبـيه
عاش مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) خمس سنوات وقام بدورٍ عظيم كما جاء في بعض الروايات في حركة الفتوحات الإسلامية وتوسيع البلاد الإسلامية بعد وفاة جده وأُمه في زمن أبيه الإمام علي (عليه السلام) إذ وجهه لقيادة الجيوش الإسلامية لفتح بلاد فارس وأفريقيا وكان ناصراٌ لأبيه وقائداٌ لجيشه كما كان أبوه من قبل قائدا لجيش المسلمين في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وكان قائداٌ في جيوش والده في حروبه التي قضى على الفتن التي أندلعت في البلاد الإسلامية كمعركة الجمل وصفين والنهروان وهذه الفتن التي تحدث الإمام علي (عليه السلام) عنها في خطبته في نهج البلاغة:
( فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلواٌ في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها أما والذي فلق الحبة وبرء النسمة و لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز).
[ نهج البلاغة ج1 ص37 ].
هو الحسين بن علي بن أبي طالب عليهما السلام وأُمه فاطمة بنت محمد بن عبد الله رسول رب العالمين ونبي المسلمين الصادق الأمين، وأخوه الحسن بن علي (عليهما السلام) الذي صالح معاوية بن ابي سفيان الخليفة الأموي الذي حكم الدولة الإسلامية (41 هـ -60 هـ) الموافق (660 م - 680 م).
ولادته
وُلد الحسين عليه السلام يوم الخميس، الثالث من شهر شعبان سنة 4هـ ويعتبر السبط الثاني لرسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أخيه الحسن عليه السلام وجاءت به أمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) في اليوم السابع من مولده الشريف وسماه الرسول (صلى الله عليه وآله)، حسيناً باسم ابن النبي هارون (شبـير) كما سمى ريحانته الأول حسناً باسم النبي هارون (شبر) وعق عنه كبشاً وحلق رأسه وأمر أن يُتصدق بوزنه فضة.
كنيته
أبو عبد الله.
لقبه
الشهيد.
نشأته المباركة
نشأ وترعرع في بيت النبوة وموضع الرسالة ومهبط الوحي والتنزيل (في بيوتٍ أذِنَ اللهُ أن تُرفع ويذكر فيها اسمه يُسبِحُ له فيها بالغُدوِ والآصال) (سورة النور: الآية 36)، هنيئاً لهذا المولد المبارك الذي نشأ في مدرسة النبوة والإمامة في كنف جده المصطفى (صلى الله عليه واله وسلم) وأمه الزهراء البتول (عليها السلام) وأبيه أمير المؤمنين علي ٍ (عليه السلام) وأخيه الحسن (عليه السلام) فتوارث عنهم الهيبة والوفاء والسؤدد والجلال.
الإمام الحسين عليه السلام في الأحاديث النبوية الشريفة
1 - ( ابناي هذان إمامان إن قاما وإن قعدا ).
[ الإرشاد للمفيد- ص119 ] .
2 - ( الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة ).
[ سبل السلام ج4 ص125، ابن حجر العسقلاني فقه السنة ج3ص 417 سيد سابق ].
3 - عن جابر ابن عبد الله الأنصاري رضي الله عنه: قال: قال رسول الله (صلى الله عليه واله) :
( إن الجنة لتشتاق إلى أربعة من أهلي قد أحَبَهُمُ الله وأمرني بحبهم ،علي ابن أبي طالب والحسن والحسين والمهدي عليهم السلام الذي يصلي خلفه عيسى بن مريم عليه السلام ).
4 - قال الترمذي إن النبي (صلى الله عليه وآله) أخذ بيد حسن وحسين وقال (من أحبني وأحب هذين واباهما وأمهما كان معي في درجتي يوم القيامة).
[ مسائل علي بن جعفر: ص50 ].
5 - ( حسينٌ مني وأنا من حسين ، أحبَ اللهُ من أحبَ حسيناً،حسينٌ سبط ٌ من الأسباط ).
[ الناصريات: الشريف المرتضى، ص 90 ].
6- عن أبي سعيد الخدري، قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) (والذي نفسي بيده ان مهدي هذه الأمة الذي يصلي خلفه عيسى (عليه السلام) منا، ثم ضرب بـيده منكب الحسين (عليه السلام) وقال من هذا من هذا).
[ عيون المعجزات: حسين عبد الوهاب، ص56 ].
الحسين (عليه السلام) في حياة أبـيه
عاش مع جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأمه فاطمة الزهراء (عليها السلام) خمس سنوات وقام بدورٍ عظيم كما جاء في بعض الروايات في حركة الفتوحات الإسلامية وتوسيع البلاد الإسلامية بعد وفاة جده وأُمه في زمن أبيه الإمام علي (عليه السلام) إذ وجهه لقيادة الجيوش الإسلامية لفتح بلاد فارس وأفريقيا وكان ناصراٌ لأبيه وقائداٌ لجيشه كما كان أبوه من قبل قائدا لجيش المسلمين في زمن الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله).
وكان قائداٌ في جيوش والده في حروبه التي قضى على الفتن التي أندلعت في البلاد الإسلامية كمعركة الجمل وصفين والنهروان وهذه الفتن التي تحدث الإمام علي (عليه السلام) عنها في خطبته في نهج البلاغة:
( فلما نهضت بالأمر نكثت طائفة ومرقت أخرى وقسط آخرون كأنهم لم يسمعوا كلام الله حيث يقول: تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لا يريدون عُلواٌ في الأرض ولا فساداً والعاقبة للمتقين بلى والله لقد سمعوها ووعوها ولكنهم حليت الدنيا في أعينهم وراقهم زبرجها أما والذي فلق الحبة وبرء النسمة و لولا حضور الحاضر وقيام الحجة بوجود الناصر وما أخذ الله على العلماء أن لا يقارّوا على كظة ظالم ولا سغب مظلوم لألقيت حبلها على غاربها ولسقيت آخرها بكأس أولها ولألفيتم دنياكم هذه أزهد عندي من عفطة عنز).
[ نهج البلاغة ج1 ص37 ].
صلح الإمام الحسن بن علي ( عليهما السلام )
بُويع الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) بعد استشهاد أبـيه (عليه السلام) (1) بالخلافة والإمامة يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 40 هـ وكان عمره الشريف سبعاً وثلاثين سنة وبقي بالخلافة أربعة أشهر وثلاثة أيام فرّتب العمال وأمّرَ الأمراء، وخطب الناس صبيحة يوم استشهاد والده (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
(لقد قُبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأولون بعمل ولم يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجهه برايته فيكنفه جبرائيل من يمينه وميكائيل عن شماله ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه... إلى آخر الخطبة.
فقام عبد الله بن العباس وقال: معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس فقالوا: ما أحبه إلينا وأَوجَبَ حقه علينا.. وبادروا بالبيعة له، ولكن الكوفيين ما وفوا بعهدهم وخانوه، وكان معاوية يُسل إلى أمراء عسكره ويخدعهم ويُرَّغِبهم في المسير إليه فانْسَلَ بعضهم في جوف الليل إلى معسكر معاوية، والإمام الحسن علِم بخذلان القوم له وفساد نياتهم، وليس له أعوان وأنصار إلا القليل من خاصته و محبيه وشيعة أبيه (عليه السلام) (2) فرأى الإمام الحسن (عليه السلام) إن الصلح مع معاوية أولى حقناً لدماء المسلمين وحفاظاً على الوحدة الإسلامية بعد جده رسول الله صلى الله عليه وآله (3) وأبيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).
ما الحكمة في الصلح ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ابني هذا سيد أهل الجنة (يقصد الإمام الحسن) وسيُصلحِ الله به بـيـن فئتين عظيمتين من المؤمنين.
وعند استقراء الأحداث التالية للصلح تتكشف الحقيقة وتتبين للتأريخ حكمة الإمام الحسن (عليه السلام) في الصلح إذ إن الصلح كشف زيف معاوية بن أبي سفيان وما كان يدعيه من الدين والحفاظ على وحدة المسلمين وادعائه المطالبة بدم عثمان المقتول ظلما ًوعندما انتهت الخلافة إليه نسي ذلك المقتول ظلماً ولم يُطالب بقتلته أصلاً، ولا يفوتنا أن نذكر للتاريخ ان صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية كأنما سحب البساط من تحت قدمي معاوية الذي دفع الأموال الطائلة للمراهنة على إسقاط حِجِية أهل البيت النبوي (عليهم السلام) في خلافته للمسلمين وبذلك كان هذا الصلح هو التمهيد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وكما قال المؤرخون السياسيون ان ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي حسنية المنشأ حسينية التنفيذ لأن الإمام الحسن (عليه السلام) بهذا الصلح أعطى فرصة كبيرة للمسلمين المغشوشين بمعاوية ليتعرفوا على زيغه وبُعده عن الإسلام والقرآن إذ أن هذا الصلح قد عَرّى معاوية وكشفه للرأي العام بصورته الحقيقية عندما خطب بأهل العراق بعد توقيع الصلح وأصبح خليفةً للمسلمين قائلاً :
(إني والله ما قاتلتكم لتصّلوا أو لتصوموا أو لتحجّوا أو لتزكوا ولكني قاتلتكم لأتأمَّرَ عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ها وقد أعطيت الحسن المواثيق وها هي تحت قدمي).
أُنظر بعين البصيرة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صالَحَ المشركين في صلح الحديبية وكان قويا ومن موقع القوة ولكنه احترم الميثاق والعهد مع المشركين وها هو معاوية الباغي يعطي المواثيق والعهود للإمام الحسن (عليه السلام) الذي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وها هو يتبجح ويقول بلا استحياء ولا خجل (وقد أعطيت الحسن المواثيق والعهود وها هي تحت قدمي) وهذا دليلٌ دامغ للذي يعُدُ معاوية من المؤمنين، ومن الجدير بالذكر أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يكونوا قط دعاة حرب بل دعاة سلام، هذا أولاً، وثانياً: ان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعدون كتلة واحدة أو بتعبيرٍ آخر اعتبارهم شخصاً واحداً ،كُلُ واحدٍ منهم قد أدّى دوره الشرعي ،ذلك بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أكد على ان الأئمة من بعده اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ،وفي أحاديث أُخرى ذكر أسماءهم أيضاً.
ما هي شروط الصلح ؟
اجبر الإمام الحسن (عليه السلام) على أن يُصالح ولكن بشروط، ومن هذه الشروط :
1- يلي الخلافة معاوية أولاً بشرط السير بسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وفق الكتاب والسُنة ومعنى ذلك ان معاوية لم يكن من السائرين بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ثم يلي الأمر الإمام الحسن (عليه السلام) ومن بعده الإمام الحسين (عليه السلام).
2- أن لا يتعقب معاوية أتباع الإمام علي (عليه السلام) ولا يقطع العطاء عنهم. ولكن معاوية لم يف بهذه الشروط إذ دس السم للأمام الحسن(عليه السلام) عن طريق زوجة الإمام جعدة بنت الأشعث وأمر الناس بالبيعة لولده الفاسق يزيد وبالنسبة للشرط الآخر أنه قطع العطاء عن كل من له صلة للأمام علي(عليه السلام) ويعد من شيعة علي(عليه السلام) إذ تعقب أصحاب الأمام علي(عليه السلام) واحداً واحداً وقتلهم كحجر بن عدي الذي أشهد عليه جملة من الذين باعوا أنفسهم للشيطان شهادات زور في خلعه الطاعة ومفارقة الجماعة ونفذ العقاب عليه بالقتل بجرم مُلفق.. وغيره من الصحابة قتلهم بهذه الطريقة (4).
فيما يلي مقطع من خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه مع معاوية قال فيها:
(أيها الناس إنكم لو طلبتم ما بـيـن جابلقا وجابرسا (5) رجلاً جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما وجدتم غيري وغير أخي(6) وان معاوية نازعني حقاً هو لي فتركته لصلاح الأمة وحقن دمائها وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وقد رأيت أن أُسالمه وأن يكون ما صنعت حجة على من يتمنى هذا الأمر وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) (7).
بُويع الإمام الحسن بن علي (عليه السلام) بعد استشهاد أبـيه (عليه السلام) (1) بالخلافة والإمامة يوم الجمعة الحادي والعشرين من شهر رمضان المبارك سنة 40 هـ وكان عمره الشريف سبعاً وثلاثين سنة وبقي بالخلافة أربعة أشهر وثلاثة أيام فرّتب العمال وأمّرَ الأمراء، وخطب الناس صبيحة يوم استشهاد والده (عليه السلام) فحمد الله وأثنى عليه وصلى على جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ثم قال:
(لقد قُبض في هذه الليلة رجلٌ لم يسبقه الأولون بعمل ولم يدركه الآخرون بعمل، لقد كان يجاهد مع رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيقيه بنفسه وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوجهه برايته فيكنفه جبرائيل من يمينه وميكائيل عن شماله ولا يرجع حتى يفتح الله على يديه... إلى آخر الخطبة.
فقام عبد الله بن العباس وقال: معاشر الناس هذا ابن نبيكم ووصي إمامكم فبايعوه، فاستجاب له الناس فقالوا: ما أحبه إلينا وأَوجَبَ حقه علينا.. وبادروا بالبيعة له، ولكن الكوفيين ما وفوا بعهدهم وخانوه، وكان معاوية يُسل إلى أمراء عسكره ويخدعهم ويُرَّغِبهم في المسير إليه فانْسَلَ بعضهم في جوف الليل إلى معسكر معاوية، والإمام الحسن علِم بخذلان القوم له وفساد نياتهم، وليس له أعوان وأنصار إلا القليل من خاصته و محبيه وشيعة أبيه (عليه السلام) (2) فرأى الإمام الحسن (عليه السلام) إن الصلح مع معاوية أولى حقناً لدماء المسلمين وحفاظاً على الوحدة الإسلامية بعد جده رسول الله صلى الله عليه وآله (3) وأبيه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين (عليه السلام).
ما الحكمة في الصلح ؟
قال رسول الله صلى الله عليه وآله: إن ابني هذا سيد أهل الجنة (يقصد الإمام الحسن) وسيُصلحِ الله به بـيـن فئتين عظيمتين من المؤمنين.
وعند استقراء الأحداث التالية للصلح تتكشف الحقيقة وتتبين للتأريخ حكمة الإمام الحسن (عليه السلام) في الصلح إذ إن الصلح كشف زيف معاوية بن أبي سفيان وما كان يدعيه من الدين والحفاظ على وحدة المسلمين وادعائه المطالبة بدم عثمان المقتول ظلما ًوعندما انتهت الخلافة إليه نسي ذلك المقتول ظلماً ولم يُطالب بقتلته أصلاً، ولا يفوتنا أن نذكر للتاريخ ان صلح الإمام الحسن (عليه السلام) مع معاوية كأنما سحب البساط من تحت قدمي معاوية الذي دفع الأموال الطائلة للمراهنة على إسقاط حِجِية أهل البيت النبوي (عليهم السلام) في خلافته للمسلمين وبذلك كان هذا الصلح هو التمهيد لثورة الإمام الحسين (عليه السلام) وكما قال المؤرخون السياسيون ان ثورة الإمام الحسين (عليه السلام) هي حسنية المنشأ حسينية التنفيذ لأن الإمام الحسن (عليه السلام) بهذا الصلح أعطى فرصة كبيرة للمسلمين المغشوشين بمعاوية ليتعرفوا على زيغه وبُعده عن الإسلام والقرآن إذ أن هذا الصلح قد عَرّى معاوية وكشفه للرأي العام بصورته الحقيقية عندما خطب بأهل العراق بعد توقيع الصلح وأصبح خليفةً للمسلمين قائلاً :
(إني والله ما قاتلتكم لتصّلوا أو لتصوموا أو لتحجّوا أو لتزكوا ولكني قاتلتكم لأتأمَّرَ عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون، ها وقد أعطيت الحسن المواثيق وها هي تحت قدمي).
أُنظر بعين البصيرة ان رسول الله (صلى الله عليه وآله) صالَحَ المشركين في صلح الحديبية وكان قويا ومن موقع القوة ولكنه احترم الميثاق والعهد مع المشركين وها هو معاوية الباغي يعطي المواثيق والعهود للإمام الحسن (عليه السلام) الذي جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) وها هو يتبجح ويقول بلا استحياء ولا خجل (وقد أعطيت الحسن المواثيق والعهود وها هي تحت قدمي) وهذا دليلٌ دامغ للذي يعُدُ معاوية من المؤمنين، ومن الجدير بالذكر أنّ أئمة أهل البيت (عليهم السلام) لم يكونوا قط دعاة حرب بل دعاة سلام، هذا أولاً، وثانياً: ان أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يعدون كتلة واحدة أو بتعبيرٍ آخر اعتبارهم شخصاً واحداً ،كُلُ واحدٍ منهم قد أدّى دوره الشرعي ،ذلك بوصية رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي أكد على ان الأئمة من بعده اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ،وفي أحاديث أُخرى ذكر أسماءهم أيضاً.
ما هي شروط الصلح ؟
اجبر الإمام الحسن (عليه السلام) على أن يُصالح ولكن بشروط، ومن هذه الشروط :
1- يلي الخلافة معاوية أولاً بشرط السير بسيرة الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله) وفق الكتاب والسُنة ومعنى ذلك ان معاوية لم يكن من السائرين بسيرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) ومن ثم يلي الأمر الإمام الحسن (عليه السلام) ومن بعده الإمام الحسين (عليه السلام).
2- أن لا يتعقب معاوية أتباع الإمام علي (عليه السلام) ولا يقطع العطاء عنهم. ولكن معاوية لم يف بهذه الشروط إذ دس السم للأمام الحسن(عليه السلام) عن طريق زوجة الإمام جعدة بنت الأشعث وأمر الناس بالبيعة لولده الفاسق يزيد وبالنسبة للشرط الآخر أنه قطع العطاء عن كل من له صلة للأمام علي(عليه السلام) ويعد من شيعة علي(عليه السلام) إذ تعقب أصحاب الأمام علي(عليه السلام) واحداً واحداً وقتلهم كحجر بن عدي الذي أشهد عليه جملة من الذين باعوا أنفسهم للشيطان شهادات زور في خلعه الطاعة ومفارقة الجماعة ونفذ العقاب عليه بالقتل بجرم مُلفق.. وغيره من الصحابة قتلهم بهذه الطريقة (4).
فيما يلي مقطع من خطبة الإمام الحسن (عليه السلام) في صلحه مع معاوية قال فيها:
(أيها الناس إنكم لو طلبتم ما بـيـن جابلقا وجابرسا (5) رجلاً جده رسول الله (صلى الله عليه وآله) ما وجدتم غيري وغير أخي(6) وان معاوية نازعني حقاً هو لي فتركته لصلاح الأمة وحقن دمائها وقد بايعتموني على أن تسالموا من سالمت وقد رأيت أن أُسالمه وأن يكون ما صنعت حجة على من يتمنى هذا الأمر وان أدري لعله فتنة لكم ومتاع إلى حين ) (7).
------------------------
1-الأرشاد للمفيد صـ 307
2- المجلس السنيه . لسيد محسن الأمين العاملي . جـ5 صـ216. صـ217
3-المناقب .لابن شهر آشوب . جـ4 . صـ31 (نقل بتصرف)
4-المناقب . جـ4 صـ35
5-جابلقا وجابرسا: وهما منطقتان إحدهما في المشرق والاخرى في المغرب
6-اخيه . يقصد اخيه الحسين (عليه السلام)
7-الطبري . تاريخ الأمم والملوك .جـ6 صـ149 و155
1-الأرشاد للمفيد صـ 307
2- المجلس السنيه . لسيد محسن الأمين العاملي . جـ5 صـ216. صـ217
3-المناقب .لابن شهر آشوب . جـ4 . صـ31 (نقل بتصرف)
4-المناقب . جـ4 صـ35
5-جابلقا وجابرسا: وهما منطقتان إحدهما في المشرق والاخرى في المغرب
6-اخيه . يقصد اخيه الحسين (عليه السلام)
7-الطبري . تاريخ الأمم والملوك .جـ6 صـ149 و155
تعليق