عذراء خَفِرة عكست صحائف المرايا نور رؤاها..
رأته آتياً من بعيد تظهر ملامحه شيئاً فشيئاً، كلّما حاول الاقتراب ارتسمت في وهج الشمس ظلال خطوته..
خفق قلبها..
اقترب أكثر فرأت فيه أنقاض عبد تسيدته أهواؤه..
تدخل العقل (الذي ورِثَ بعضاً من ملامح لقمان) استعاد من ذاكرته حديثاً لسيّد المرسلين وخاتمهم؛ يبدّد حيرة القلب المُتعَب:
"إذا جاءكم مَن ترضون خلقه ودينه فزوّجوه...".(1)
إذن انتهى الخطاب، هذا هو القول الفصل..
هي لا تقبل عبد الأهواء هذا، إنّ ما ترتضيه هو سيّد لنفسه ولأهوائه..
شاغب قلبها بعض الشيء (يبدو أنّ هناك شرخاً صغيراً يتسلّل منه الشيطان)..
لكنه وسيم، بريق عينيه يخطف القلوب، فرصة إن ضاعت فهي الخسارة..
عاد العقل ليُهدِّئ من روع هذا القلب المتمرد الذي يبحث عن المتاعب دائماً، بحث فوجد في الدّرر النورانية لسبط النبيt الذي ورث هيبته وسؤدده:
"زوّجها من رجل تقي، فإنه إن أحبها أكرمها، وإن أبغضها لم يظلمها".(2)
آه.. نعم وضحت الرؤية، انقشع السّواد بقتامته..
نعم إنّ التقي يكون حبّه لله تعالى تائه الحدود، تطفو معالم سماحته على محيّاه، وكرمه يتفجر من كفيه سخاءً، في دينه صلب كالماس،
جوهره تبر مصفّى، نقيّ الشّيم، يباري الخلود في عفّته ونجابته، ميوله قدسيّة، ينطق في قلبه إهاب الجمال،
ينعكس نور ذلك الجمال في جبينه الوضّاء فيشرق فيه نور الرحمان، ويتجلّى في ذلك الوجه برضا ملك الملوك..
وشم حبّ هذا التقي على قلبها، فأخذت دقاته تسجد لله تعالى مع كلّ خفقة، أصبح عابداً ناسكاً في محراب تقيها،
تارة يتهجد بكلّ خشوع وتارة أخرى يرتل أحاديث المقدّسين المعصومين عليهم السلام؛ ليغوص في عمق بحور التقى،
أغلق القلب بابه على محبوبه الأسطوري.
في يوم طرق الباب مَن يستحق أن يُفتح له، وأتى كومضة شهاب لا يعرف إلّا سبل السمو طريقاً..
نعم إنه هو، وأخيراً ها قد أتى، وهو يحمل في طيات ملابسه عطر تراب السواتر..
أحقاً هذا، لم يكن القلب مصدّقاً فالشوق اللهيف وطول الانتظار أربكه، هل حقاً حظي بأمير حقيقي،
أمير يستحق أن يكون متربعاً في المحراب الذي انتظره فيه طويلاً..
تبسّم العقل وأومأ إليه أن انظر إلى هذا التقي، فمَن يحفظ وطنه بروحه يُؤتمن على زوجته فلا يظلمها.
..............................
- ميزان الحكمة: ج8، ص74.
- ميزان الحكمة: ج4، ص188.
تعليق