زحفت الملايين هاربة من شدة القصف، ووحشية الجيش.... عوائل... نساء... اطفال.. شيوخ، وعجائز، وشباب، يقول بعض من اشترك بالقتال الفعلي: لقد نفذ العتاد، وكل متعلقات الحياة من ماء وطعام. اصبحت مدينة كربلاء كانها مدينة اشباح، وبقينا في طويريج نتلقى الاخبار. لسنا جيشا كما يدعي الراديو العراقي، وليس فينا غريب، وحتى السلاح البسيط الذي في ايدي البعض منا هو من بقايا ما تساقط من ميليشيا الحزب ومنظماته.. إذا اين حكاية اليوم؟
بدأت منذ الخبر الاول للنزوح، كان هناك اصدقاء اثنين لم يفترقا ابداً يدا بيد ورغم كل ما حدث.. اشتد علينا ذات مرة قصف الهاونات مع قذائف الطائرات واصبحنا في مشهد مرعب جدا. افترق الشباب على العوائل والنساء والاطفال كل منهم قاد مجموعة كبيرة، ليوصلها الى بر الامان. ومجرد وجودهم بين العوائل خفف الخوف عنهم.. وغاب عنا (حسن) ذلك اليوم، ولم يرتح صديقه (حسين) الذي ما نام ليله ولا لحظة، ولم يكف عن السؤال عنه، توسط الشارع يسأل النازحين عسى احدهم يعرف حسن...
وفي صباح اليوم الثاني وصل الخبر هناك من رأى جثته خلف علوة المخضر في باب طويريج، وعلوة المخضر اصبحت ثكنة عسكرية.. صاح حسين: قلت له اياك والمناطق القريبة من الجيش، فالجيش خائف ويقتل بلا تعيين، ودون رحمة.. وما الذي ارجع حسن الى هناك؟ لابد ان عائلة احتاجته هناك؟ لابد انه ذهب لينقذ احدا؟ ربما طفل او ربما عجوز تركها اهلها... حسن وانا اعرفه جيدا.. أصر حسين الذهاب الى صديقه، وجلبه، وما ادراكم انه مقتول ربما جريح ... ربما استطيع انقاذه؟ الجميع هنا نصح حسين بعدم الذهاب، فالمنطقة محاصرة، والموت أكيد... حسين... نحن لسنا على استعداد ان نفقدكما سوية.. انتظر... الله كريم. ومع بداية الليل لم نرَ (حسين) ايضا.. فقدناه هو الآخر لابد انه ذهب اليه.. وبقينا الليل كله نترقب مجيء حسين.. ربما حين يرى المنطقة بعينيه سيكف عن الذهاب ويعود.... مجنون اذا تقدم صوب العلوة سيقتل هو ايضا. وفي الصباح جاء حسين وهو ينزف دما، لكنه يحمل حسن على كتفه شهيدا، وضعه امامنا، قال احدهم: ألم اقل لك انه شهيد.. فقال حسين وهو يبكي: لقد حملته جريحا، ابتسم بوجهي وقال: كنتُ اعرف انك ستأتي يا صديقي !!