بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
يقول تعالى: ﴿وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾. [سورة الأعراف: 205].
الحياة مليئة بفرص الخير والتقدّم، كما تكثر فيها الأخطار والتحدّيات، وعلى الإنسان أن يكون يقظًا منتبهًا لاغتنام فرص الخير، وتحصيل أكبر قدر من المكاسب المادية والمعنوية، وأن يكون حذرًا ليجنّب نفسه المخاطر، ويتجاوز التحدّيات.
إنّها كمن يسير في طريق تتناثر فيه قطع الذهب، وتكثر فيه المطبّات والحفر، فعليه أن يفتح عينيه بتركيز جيّد، ليلتقط قطع الذهب، ولا يقع في الحفر.
خطر الغفلة
من هنا يأتي تركيز النصوص الدينية على خطر الغفلة، وهي: غيبة الشيء عن بال الإنسان، وعدم تذكّره له، وقد يكون ذلك لإهمال وإعراض، فإذا لم يلتفت الإنسان وينتبه لاكتشاف الفرص واغتنامها، فإنّها تفوته وتضيع عليه.
ورد عن الإمام علي : «اَلْغَفْلَةُ فَقْدٌ» ، أي إنّها تسبب فقدان المكاسب. وكذلك فإنّ الإنسان إذا تجاهل الأخطار والتحدّيات التي قد تواجهه في الحياة، فإنه يفاجأ بها على غير استعداد، فتصيبه الخسائر والنكسات.
هناك آيات وأحاديث كثيرة، تعتبر الغفلة سببًا رئيسًا لهلاك الهالكين، ووقوعهم في مهاوي الانحراف والفساد والضلال.
يقول تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾. [الأعراف: 179].
إنّ الأنعام لا تمتلك قدرات التفكير والتركيز والاستذكار التي يمتلكها الإنسان، فإذا لم يستفد الإنسان من تلك القدرات بسبب غفلته، فهو أضلّ من الأنعام.
ويقول تعالى: ﴿أُولَٰئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللَّهُ عَلَىٰ قُلُوبِهِمْ وَسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ ۖ وَأُولَٰئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾. [النحل: 108].
إنّ الغفلة تحرم الإنسان أن يستفيد من قدراته الذهنية والحسية، فهو لا يستخدم عقله وسمعه وبصره بالشكل المناسب، حين يغطّي عليها حجاب الغفلة، فتصبح وكأنّها في صندوق مغلق، لذلك ورد عن الإمام علي : «اِحْذَرُوا اَلْغَفْلَةَ فَإِنَّهَا مِنْ فَسَادِ اَلْحِسِّ»
ويقول تعالى: ﴿وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ﴾. [سورة الأعراف: 205].
إنّ الله تعالى ينهى الإنسان أن يكون ممن يقعون في أسر الغفلة، ويريد منه أن يكون يقظًا منتبهًا، حاضر الذهن في كلّ جانب من جوانب حياته.
وورد عن الإمام علي : «اَلْغَفْلَةُ أَضَرُّ اَلْأَعْدَاءِ»
لأنّ العدو يضرّ الإنسان بإصابته بالأذى، والاعتداء على مصالحه، والغفلة تسبب أكبر الأضرار للإنسان.
وعنه : «ضَادُّوا اَلْغَفْلَةَ بِالْيَقَظَةِ»
فاليقظة والانتباه مناعة للإنسان من حالة الغفلة.
وعنه : «كَمْ مِنْ غَافِلٍ وَثِقَ لِغَفْلَتِهِ».
إنّ الغفلة تجعل الإنسان يعيش حالة من الوثوق الوهمي، والاطمئنان الزائف، فيقع في المآزق.
المراجعة والمحاسبة وقاية من الغفلة
إنّ اندفاع الإنسان خلف رغباته، واسترساله مع بعض العادات التي ألِفَهَا، وانشغاله بالاهتمامات المحيطة به، كلّ ذلك قد يسبّب له الغفلة عمّا يجب استحضاره والالتفات عليه، وأفضل ما ينفع الإنسان لتجاوز الوقوع في الغفلة، اعتماد نهج المحاسبة والمراجعة.
ورد عن أمير المؤمنين علي : «حَاسِبُوا أَنْفُسَكُمْ قَبْلَ أَنْ تُحَاسَبُوا».
وعنه : «مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ وَقَفَ عَلَى عُيُوبِهِ» .
وعن الإمام علي بن موسى الرضا : «مَنْ حَاسَبَ نَفْسَهُ رَبِحَ وَمَنْ غَفَلَ عَنْهَا خَسِرَ» .
والمراجعة والمحاسبة مطلوبة من الإنسان في مختلف أبعاد شخصيته، وجوانب حياته، ومن أهمها البعد المعنوي والروحي، في العلاقة مع الله تعالى، بالتزام طاعته، واجتناب معصيته، وفي استذكار الآخرة، والعمل للنجاة والفوز فيها.
وهناك البعد الأخلاقي المتمثل في الصفات النفسية والسلوكية، حيث على الإنسان بين آنٍ وآخر، أن يتأمل في طبيعة صفاته النفسية والسلوكية، فينمّي منها ما كان حسنًا، ويسعى لتغيير نقاط الضعف والخطأ فيها.
وليس صحيحًا أن يسترسل الإنسان، وأن يستسلم لما هو عليه من صفات وسلوك، فذلك من مظاهر حالة الغفلة، إنه قادر بإرادته وعزمه أن يتغيّر إلى الأفضل والأحسن.
و نشير إلى أنّ من الأبعاد التي على الإنسان ألّا يغفل عنها، هي الصحة الجسمية، فجسم الإنسان معرّض للأمراض والأسقام.
وكما ورد عن الإمام علي : «لَيْسَ لِلْأَجْسَامِ نَجَاةٌ مِنَ اَلْأَسْقَامِ».
إنّ كثيرًا من الناس يرى نفسه بحصة جيّدة، فيسترسل في حياته، وكأنه في حصانة من المرض، وقد توقعه غفلته في المرض، حين لا يلتزم بأساليب الوقاية والحماية، ولا يتجنب أسباب الإصابة بالمرض.
ورد عن الإمام علي : «لاَ يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أَنْ يَثِقَ بِخَصْلَتَيْنِ: الْعَافِيَةِ وَالْغِنَى. بَيْنَا تَرَاهُ مُعَافًى إِذْ سَقِمَ، وَبَيْنَا تَرَاهُ غَنِيًّا إِذِ افْتَقَرَ».