بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
استخدم النبي وعترته الطاهرة عليهم أفضل الصلاة والسلام جميع الاساليب التي من شأنها أن تُحبب للنفوس البشرية الأخلاق والدين والتقرب لرب العالمين سبحانه وتعالى، وهو الاسلوب الذي اتبعه القرآن الكريم لقوله تعالى: ﴿لَقَدْ مَن اللهُ عَلَى الْمُؤمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾[1].
وكان ذلك -تارة- بالتدرج شيئاً فشيئاً بالأحكام الشرعية لحين الوصول الى الحكم النهائي (كتحريم الخمر مثلاً)، وتارة الاضاءة على نتائج العمل الصالح وما سيُجزى عليه العامل في الدنيا والآخرة من دفع مكروه واطالة عُمرٍ وأجر وثواب (كالذي يدفع الصدقات مثلاً) عَنْ دَاوُدَ بْنِ فَرْقَدٍ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ صَلَوَاتُ اَللَّهِ عَلَيْهِ يَقُولُ: ((إِنَّ اَلْعَمَلَ اَلصَّالِحَ لَيَذْهَبُ إِلَى اَلْجَنَّةِ فَيُمَهِّدُ لِصَاحِبِهِ كَمَا يَبْعَثُ اَلرَّجُلُ غُلاَمَهُ فَيُفْرِشُ لَهُ ثُمَّ قَرَأَ ﴿وَمَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ﴾[2]))[3]، وتارةً اخرى بتشجيع المكلف بأن يرفع منزلته ومقامه ووالديه في الجنة اذا واظب على عمل او دعاء وما شابه…
والهدف من ذلك أن يكون الإنسان قويماً صالحاً طيباً نافعاً مأموناً..
وكل ذلك يحصل عليه من خلال التدرج شيئاً فشيئاً حتى يصل الى الكمال..
ومن هنا كان التمهيد لنا بشهر رجب وشعبان لكي نصل الى القمة العظمى في شهر رمضان والحصول على التقوى العملية الثابتة.
فكان شهر رجب الأصب هو البداية..
قال الباري عز وجل في القرآن الكريم: ﴿إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ﴾[4]. ومن هذه الشهور الاثني عشر ثلاثة منها تُعرف بأشهر العبادة وأشهر النور، لما تحويه من خصوصيّات عباديّة لا توجد في غيرها من الشهور، وهي أشهر: رجب الأصبّ، شعبان المعظّم تتشعّب فيه الخيرات، ورمضان المبارك ففي أوّل يوم منه تُغلّ المردة من الشياطين، ويُغفر في كلّ ليلة لسبعين ألفاً، فإذا كان ليلة القدر غفر الله لمثل ما غفر في رجب وشعبان وشهر رمضان إلى ذلك اليوم كما هو وارد.
وأولها سمي برجب الأصب لأنّه شهر صبّت الرحمة الإلهية فيه صبّاً على العباد كما ورد رسول الله صلى الله عليه وآله.
إنّ أوّل هذه الأشهر وباكورتها هو شهر رجب، الذي يصحّ فيه القول: إنّ شهر رجب هو أوّل أشهر العبادة في السنة القمريّة، ولا أقلّ من أنّه باكورة أشهر العبادة الثلاثة، بل العبادة فيه مقدِّمة للشهرين التاليين بعده.
قال الشيخ الطوسي في "مصباح المتهجّد": (وهو -أيْ شهر رجب- شهر عظيم البركة شريف. كانت الجاهليّة تعظّمه، وجاء الإسلام بتعظيمه، وهو الشهر الأصمّ، سُمّي بذلك لأنّ العرب لم تكن تُغير فيه ولا ترى الحرب وسفك الدماء، فكان لا يُسمع فيه حركة السلاح، ولا صهيل الخيل، ويسمّى أيضاً الشهر الأصبّ؛ لأنه يصبّ الله فيه الرحمة على عباده، ويُستحبّ صومه)[5].
عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ((مَنْ عَرَفَ حُرْمَةَ رَجَبٍ وَشَعْبَانَ وَوَصَلَهُمَا بِشَهْرِ رَمَضَانَ شَهْرِ اللَّهِ الْأَعْظَمِ شَهِدَتْ لَهُ هَذِهِ الشُّهُورُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ))[6].
ولذلك، كانت الأعمال في شهر رجب الأصبّ لها خصوصيّة مقدميّة وهي: أنّ الاستعداد لضيافة الله تعالى في شهر رمضان يبدأ منه، وتختم هذه الضيافة بفرحة الصائمين بعيدهم المبارك
فهو شهر الغفران المتميز بكثرة الثواب لمن أحياه بالعبادة والتهجد والدعاء والذكر، حيث يُضاعف فيه الأجر، وقد ورد التأكيد على عدة اعمال في هذا الشهر عسى أن ننال وإياكم قسماً منها.
______________________________________________
[1] سورة آل عمران، الآية: 164.
[2] سورة الروم، الآية: 44.
[3] الأمالي للمفيد، ص 195.
[4] سورة التوبة، الآية: 36.
[5] مصباح المتهجد، الطوسي، ص797.
[6] مستدرك الوسائل، ج 7، ص 545.
تعليق