إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ

[الاشتر]

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهم صل على محمد وآل محمد

سيرة عطرة ملؤها نشر العلم وتأسيس مدرسة الإسلام، وهي الحديث عن ولادة وحياة امام من اهل بيت النبوة صلوات الله وسلامه عليهم اجمعين، ألا وهو الامام الباقر عليه السلام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام، وأمه أم عبد الله بنت الامام الحسن المجتبى عليه السلام فهو المولود من أبوين علويين، فكانت الولادة في سنة 57 للهجرة والحياة استمرت الى سنة 114 للهجرة، في ظل حكم بني أمية الطغاة الذين يكنون العداء لأهل البيت عليهم السلام ويرون فيهم المُنغِّص لحكمهم ويحاولون بكل الطرق كي يتخلصوا منه، فكان عليه السلام في ظل هذا الحكم وكان التنكيل له والتضييق عليه جار على قدم وساق.
نعم سمي الباقر لأنّ الرسول صلى الله عليه واله سماه كما ورد ((دَخَلَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللهِ اَلْأَنْصَارِيُّ بَعْدَ مَا كُفَّ بَصَرُهُ عَلَى مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ اَلسَّلاَمُ فَقَبَّلَ يَدَهُ ثُمَّ أَهْوَى إِلَى رِجْلِهِ فَتَنَحَّى عَنْهُ وَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ فَقَالَ: «وَلَى رَسُولِ اللهِ اَلسَّلاَمُ» ثُمَّ قَالَ جَابِرٌ: قَالَ لِي رَسُولُ اللهِ: تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى رَجُلاً مِنْ وُلْدِي يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ يَهَبُ اللهُ لَهُ اَلنُّورَ وَاَلْحِكْمَةَ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ. وَاَلنَّاسُ يَرْوُونَ عَنْ جَابِرٍ أَنَّهُ قَالَ: يُوشِكُ أَنْ تَبْقَى حَتَّى تَلْقَى لِي وَلَداً مِنَ اَلْحُسَيْنِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ يُقَالُ لَهُ مُحَمَّدٌ يَبْقُرُ اَلْعِلْمَ بَقْراً، فَإِذَا لَقِيتَهُ فَأَقْرِئْهُ مِنِّي اَلسَّلاَمَ))^[1].
فعاش الامام طفولته في ظل جده وأبيه عليهما السلام أربع سنوات، كانت المرارة فيها من جور وعداء ومكر معاوية وابنه يزيد للإمام الحسين عليه السلام، وكان في عمر البراعم أربع سنين فعاش وقائع فاجعة كربلاء، ورأى كيف انّ جده الامام الحسين عليه السلام مقطع الاوصال وقد احتوشته الاعداء وقتلت اهل بيته واصحابه، فهذا الم اعتصر قلب الامام الباقر كما هو معتصر لقلب ابيه الامام السجاد عليهما السلام، فتميزت طفولته بمظلومية شديدة.
وبقي مع أبيه الى سنه 95 للهجرة نحو 34 سنة وأشهر، ثم استلم أعباء الإمامة وهو ابن 38 سنة 95 للهجرة الى شهادته في ذي الحجة السابع منه سنة 114 للهجرة نحو تسع عشرة سنة. تميزت هذه الفترة بأنّ الامام سلام الله عليه بقر العلم فيها بقرا، وأسكت كل اهل زمانه، بل انقاد لحجته فطاحل علماء زمانه كانوا بمحضره لا يستطيع احد منهم ان يتكلم بكلمة اعتراضا على ما يقول، ومدرسته تنوعت مساربها في العلم والافاق المعرفية، وهذا الاتساع كان كبير وما يميزه علوم الشريعة من فقه وتفسير وحديث وكلام ورواة كثر لمدرسته، وكانوا من مشارب شتى اصحاب اذكار واعتقادات متعددة لكن الامام وحدهم وجعلهم تحت راية فكر واعتقاد واحد من خلال الاسلام المحمدي الاصيل، وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ اَلْعَطَاءِ اَلْمَكِّيِّ ، قَالَ: (مَا رَأَيْتُ اَلْعُلَمَاءَ عِنْدَ أَحَدٍ قَطُّ أَصْغَرَ مِنْهُمْ عِنْدَ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ اَلْحُسَيْنِ لِتَوَاضُعِهِمْ لَهُ وَلِمَعْرِفَتِهِمْ لِحَقِّهِ وَلِعِلْمِهِ وَاِقْتِبَاسِهِمْ مِنْهُ. وَلَقَدْ رَأَيْتُ اَلْحَكَمَ بْنَ عُيَيْنَةَ عَلَى حَالَتِهِ فِي اَلنَّاسِ وَسِنِّهِ وَهُوَ بَيْنَ يَدَيْهِ يَتَعَلَّمُ مِنْهُ، وَيَأْخُذُ مِنْهُ كَالصَّبِيِّ بَيْنَ يَدَيِ اَلْمُعَلِّمِ)^[2].
استطاع سلام الله عليه ملاحقة القضايا الفكرية، وكان تعدد المدارس وتعدد الافكار هو تحدي بالنسبة الى الامام بسبب دخول بدع وشبهات كثيرة باطلة على الاسلام كالغلو والارجاء والجبر والتفويض وغيرها، وكانت له مناظرات واحتجاجات مع اصحاب هذه الافكار وبقيت بصماتها الى هذا اليوم واجاب الامام عن كثير منها، فترك لنا سلام الله عليه ثروة علمية فكرية هائلة تهدف الى الاخلاق الحميدة والصفات الكريمة والى تقويم السلوك.
فسلام الله عليهم يوم ولد ويوم استشهد ويوم يبعث حيا.

_______________________________

[1] المناقب، ج 2، ص 285.
[2] شرح الأخبار، ج3، ص277.

[صدى المهدي]

احسنتم ويبارك الله بكم
شكرا لكم كثيرا
مأجورين