بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
اللهم صل على محمد وآل محمد
الغنى من الامور التي ألهمها الله عز وجل لعباده فالعبد محتاج اليه بوجوده هذا، لكن عليه أن يفهم معنى الغنى وكيفية الحاجة اليه وكيفية عدم الحاجة اليه.
فمفهوم الغنى هو أن يملك الانسان مالا أو متاعا أو جاها، فاذا ملك هذه الاشياء أو واحدة منها فهو غني من جهة لكنه فقير ومحتاج اليها من جهة أخرى، والغنى بامتلاك الحاجة في نفس الوقت هو الفقر اليها؛ وذلك لأنّ الاحتياج يعني الافتقار والمحتاج هو الفقير، أما الاستغناء عن هذه الحاجة يعني أنّ الحاجة قد رفعت وهو الغنى بعينه، وفي قبال الغنى الفقر وأصل الفقر في اللغة: هو المكسور الفقار؛ أي من نزلت به داهية أو مصيبة فكسرت فقارا يعني كسرت ظهره وهو معنى كنائي، فمن الفقر أولاً: وجود الحاجة الضرورية وهذا عام لكل انسان في دار الدنيا بل لكل الموجودات، لقوله تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ﴾[1]، وثانياً: من معاني الفقر عدم المقتنيات وهو مذكور في قوله تعالى: ﴿لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا ۗ وَمَا تُنفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[2]، وثالثاً: من معاني الفقر فقر النفس وهو الشَرَه كما ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ : ((كَادَ اَلْفَقْرُ أَنْ يَكُونَ كُفْراً..))[3] لأن ليس فيه قناعة، أما رابعاً: والاهم هو الفقر الى الله والمشار اليه من كلام النبي موسى عليه السلام لقول الله تعالى: ﴿فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ﴾[4]، وعلى هذا الاساس فكيف يتحقق غنى الانسان هل يتحقق هذا الغنى من خلال الشبع؛ أن تشبع هذه البطن وانواع الطعام وملذات الطعام الذي يتكون مما تنبت الأرض؟ أو من انواع اللحوم التي أحل الله اكلها من خلال الحيوانات مأكولة اللحم بحسب المسوّغ الشرعي؟ أم هو أن تنام على فراش مريح وعالي ولا يتأثر جسمك فيه بالآلام؟ أم أن تعيش في ظل هذه الكهرباء تعطيك الضياء وتعطيك التيار لتشغيل اجهزة كهربائية تنفعك في إدارة شؤون حياتك؟ أم أن تملك بيتا عالي البنيان كثير الغرف تجد فيه الراحة كل الراحة؟ أم أن يكون لك اموال وأرصدة وتجارات واملاك وعقارات؟ أم ان يكون لك اولاد تتبجح بهم امام بقية الناس؟ أو أن تكون لديك امرأة جميلة؟ هل هذا هو الغنى؟ علما أنّ هذه الامور كلها الى زوال، فهذا الجسم الذي تهتم بإطعامه سوف يفنى وينتهي ويصبح نتن عندما تموت، هذه الارض ستنتهي وتتبدل لقوله تعالى: ﴿يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ ۖ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ﴾[5]، هذه الوحوش والانعام كلها ستموت وتفنى ايضا الكهرباء التي تستخدمها في حياتك ستنتهي بانتهاء الأرض، البيوت ستهدم والمال تورثه لغيرك واحيانا غيرك يتصارع على هذا المال ويفنيه فيما لا يرضي الله عز وجل، الاولاد سيموتون المرأة جمالها سيخفت وتصبح عجوز وحزنها شديد لفقدك، وهكذا فما هو الغنى الذي نبحث عنه؟ والإجابة عند أطباء القلوب: فقد ورد عَنْ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ السَّلاَمُ قَالَ: ((قَالَ عِيسَى اِبْنُ مَرْيَمَ (عَلَيْهِ السَّلاَمُ) فِي خُطْبَةٍ قَامَ بِهَا فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ:
أَصْبَحْتُ فِيكُمْ وَإِدَامِيَ اَلْجُوعُ وَطَعَامِي مَا تُنْبِتُ اَلْأَرْضُ لِلْوُحُوشِ وَاَلْأَنْعَامِ وَسِرَاجِيَ اَلْقَمَرُ وَفِرَاشِيَ اَلتُّرَابُ وَوِسَادَتِيَ اَلْحَجَرُ لَيْسَ لِي بَيْتٌ يَخْرُبُ وَلاَ مَالٌ يَتْلَفُ وَلاَ وَلَدٌ يَمُوتُ وَلاَ اِمْرَأَةٌ تَحْزَنُ أَصْبَحْتُ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَأَمْسَيْتُ وَلَيْسَ لِي شَيْءٌ وَأَنَا أَغْنَى وُلْدِ آدَمَ))[6].
فليتضرع العبد الى الله لينقطع الى الله ليعمل بما يرضي الله ليبحث عن توطيد وتحديث العلاقة مع الله سبحانه وتعالى يكون أغنى عباده.
____________________________
[1] سورة فاطر، الآية: 15.
[2] سورة البقرة، الآية: 273.
[3]الكافي، ج 2، ص 307.
[4] سورة القصص، الآية: 24.
[5] سورة ابراهيم، الآية: 48.
[6] معاني الأخبار، ج 1، ص 252.
تعليق