بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
الواثبيــن لظلــم آل محمـد ومحمـد ملقـىً بـلا تكفينِ
والقائـليـن لفـاطـم آذيتـنـا في طـول نوح دائمٍ وحنينِ
فاطمة بنت النبي المصطفى، زوجة عليّ المرتضى، أم الائمة الشهداء وحجة الله على الحجج، آصرة النبوة بالامامة، صاحبة السرّ المستودع المختص، بضعة المختار، من سرّها فقد سرّ رسول الله، ومن آذاها فقد آذى رسول الله، ومن آذى رسول الله فقد آذى الله ومن آذى الله ورسوله فعليه لعنة الله أبد الآبدين. فاطمة يرضى الله لرضاها ويغضب لغضبها.
استشهدت وهي راضية عن قوم أكرمين وساخطة واجدة على قوم ظالمين.
اختصها الباري من دون العالمين بميزة قرنت رضاه برضاها وغضبه بغضبها. وانها أم أبيها، ليس لها كفء إلا الامام عليّ عليه السلام كونها قطب الرحى الذي يدور حوله الايمان.
الزهراء، لم تلبث بعد رسول الله إلا أياماً معدودة في حزن أفصح عن مدى الآلام والمصائب التي صُبت عليها من ظلم القوم لها ولزوجها وللإسلام مازلنا نعاني منه حتى الساعة.
كل هذا وغيره يمكن تحسسه من عبارات اللوعة التي خاطب بها عليّ رسول الله صلى الله عليهما والهما بعد فراغه من دفن الزهراء: "وستنبئك ابنتك بتظافر أمتك على هضمها فأحفها السؤال واستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً، وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين".
جاليتنا المستكينة... تجد بين غطة وغطة، وغيبة واختفاء بروز إثارةٍ وتجاسرٍ ضد معتقداتها ومرتكزات المذهب. حريّ بنا وقبل تناول ظلم البعض المتكرر لاهل البيت عليهم السلام، واصراره على التجريح بمقامات الاطهار المقدسين، ان نتأمل الاستفهامات التالية:
1- هجم القوم على بيت فاطمة فنادت: وا محمداه.
2- وجأ عمر بن الخطاب جنبي فاطمة فنادت: وا أبتاه.
3- لوعوها بالسوط فنادت: يا رسول الله لبئس ما خلفوك به.
4- دخلوا عليها دارها بغير إستئذان فنادت: يا ابتاه يا رسول الله.
5- احرقوا باب دارها، فصاحت: يا رسول الله.
6- اسقطوا جنينها من احشائها فنادت: يا ابتاه.
7- لم تستصرخ زوجها بطل العرب والعجم، فتى الحروب لا سيف الا سيفه.
8- روايات أكدت بكاءها لفقده مع علمها بـ "كلّ من عليها فان" وخبرها بموت الجميع.
9- أقامت العزاء مستمراً على ابيها النبي الاطهر حتى أوصت بدفنها ليلاً وسراً مع انها سيدة النساء وابنة خاتم الانبياء وسيد الخلائق.
10- قال ابن عباس أنه قال: لما حضرت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الوفاة بكى حتى بلت دموعه لحيته فقيل له: يا رسول الله ما يبكيك؟ فقال: أبكي لذريتي وما تصنع بهم شرار أمتي من بعدي. كأني بفاطمة وقد ظلت من بعدي وهي تنادي: يا أبتاه فلا يعينها أحد من أمتي. فسمعت ذلك فاطمة عليه السلام فبكت، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله لا تبكين يا بنية. فقالت: لست أبكي لما يصنع بي من بعدك ولكني أبكي لفراقك يا رسول الله، فقال لها: أبشري يا بنت محمد بسرعة اللحاق بي فأنك أول من يلحق بي من أهل بيتي.
جاء في مسند أحمد الجزء الثاني الصفحة 489 أن الزهراء أخذت قبضة من تراب قبر النبي فوضعتها على عينيها ثم قالت:
ماذا على من شمّ تربة أحمدٍ أن لا يَشمّ مدى الزمان غواليا
صُبّتْ عليّ مصائبٌ لو أنها صُبَتْ على الأيام عُدْنَ لياليا
كما ثبت من طرق عديدة ان أمير المؤمنين عليّ عليه السلام بنى للزهراء بيتاً خاصا لتبكي وتندب أباها أسماه بيت الأحزان.
ومن وصاياها لأمير المؤمنين في اخر لحظاتها: "أوصيك أن لا يشهد أحد جنازتي من هؤلاء الذين ظلموني وأخذوا حقي فأنهم أعدائي وأعداء رسول الله صلى الله عليه وآله وأن لا يصلي عليّ أحد منهم ولا من أتباعهم وادفني في الليل إذا هدأت العيون ونامت الأبصار".
رغم هذه التأكيدات الكثيرة، لا تزال في اوساطنا بؤرة للاثارة ديدنها التأجيج بشكل منظم ينبئ عن سوء نية وإجترار لمقولات تشكك بوجود بيت الأحزان تحت ستار أن البكاء لا يتناسب مع مكانة الزهراء وما استفاض من رواية عن أحزانها غير صحيح.!
ما عادت تهم المغالطات وعملية استجزاء لبعض الروايات للتشكيك. فالكم الهائل من الروايات ثابت مع ان المشكك يسميها (المرويات) للتقليل من شأنها والطعن بها كرواية محمد بن سهل البحراني عن أبي عبد الله عليه السلام في حديث "البكاؤون الخمسة": "وأما فاطمة، فبكت على رسول الله (صلى الله عليه واله) حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا لها قد آذيتنا بكثرة بكائك، فكانت تخرج إلى المقابر- مقابر الشهداء- فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف" ويشدد على اضافة جملة يكررها عن امثال هذه الرواية فيقول: [التي يقرأها بعض قراء العزاء والتي تصور الزهراء وكأنها لا شغل لها إلا البكاء].!
وقفتنا هنا تؤكد ان المسألة ليست مسألة تصور وظنون حسب رغبة الخيال والهوى والاتجاه والتوجيه،! انما هي حقيقة تركت اثرها في الواقع وحفرت في جبين الزمن وأعطت أبعاداً هامة بمداليل لها علاقة وطيدة بالتكليف والإعتقاد الذي يتقوم بهما الايمان ويتمايز عن الكفر والنفاق.
عليه، فانه لمن الجرأة على مقامات أهل بيت النبي الاقدس، والتجاسر في إطلاق تصور يخالف ما جرى على الاطهار من ظلم وحيف بدوافع لا تخرج من أطر نفسية ومصلحة معينة وغلٍ غير مبرر. بل هي مجانفة صريحة للدليل فيما ترسمه من صور واشكالات منها القول: [أني لا أتصور الزهراء إنسانة لا شغل لها في الليل والنهار إلا البكاء، ولا أتصورها إنسانة ينزعج منها أهل المدينة لكثرة بكائها حتى لو كان الفقيد على مستوى رسول الله،!].
ثم تُغلّف هذه النظرة لترمى في زاوية مشروعية البكاء وعدم تجاوز خطه الاحمر وعلى منزلة الزهراء عليها السلام وانها تعي الحزن وحدوده ولم تغفل عن الايات القرآنية التي تحث على الصبر والمصابرة والتأسي بالعظماء، وان ما تعكسه الروايات انما هو جزع محرم لا يليق بالزهراء!!.
وهنا نتساءل: هل يعقل ان يدنو الجزع من مقام سيدة نساء العالمين وقطب الكون وهي المصطفاة حتى يمكن لمن شاء ان يتخذ مما حل بالزهراء من ظلم وما صدر عنها من بكاء على الاسلام وما كانت هي اعلم به مما سيجري على امة ابيها ورسالته، فيقول انه جزع محرم؟ بكاؤها عليها السلام يتضمن كل ابعاد المصيبة وجميع الظلامات التي احاطت برسالة الاسلام ووصايا رسول الله صلى الله عليه واله وكذا في انه اظهار للرفض الذي توجهه الزهراء كخط رسالي رباني ضد من اجتهد ليحرف الرسالة ويحتكر الاسلام لمصالحه ورغباته. ومنه ايضا تحقق بكاء الامام السجاد عليه السلام لبيان وتعريف الناس بمظلومية أبيه الإمام الحسين عليه السلام لإبقاء جذوة رفض الظلم والظالمين ملتهبة في النفوس.
جاء في البحار الجزء 43 الصفحة 156 و157 انه: ذات يوم دخلت أم سلمة على فاطمة (عليها السلام) فقالت لها: كيف أصبحت عن ليلتك يا بنت رسول الله؟ قالت: أصبحت بين كمدٍ وكرب: فقد النبي، وظلم الوصي، هتك والله حجاب من أصبحت إمامته مقبضة على غير ما شرع الله في التنزيل، وسنها النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في التأويل، ولكنها أحقاد بدرية وترات أحدية.
وعن علي (عليه السلام) قال: غسلت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في قميصه، فكانت فاطمة تقول: أرني القميص، فإذا شمته غشي عليها، فلما رأيت ذلك غيبته.
ولما قبض النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إمتنع بلال من الأذان، قال: لا أؤذن لأحد بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإن فاطمة (عليها السلام) قالت ذات يوم: إني أشتهي أن أسمع صوت مؤذن أبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بلال، فبلغ ذلك بلالاً، فأخذ في الأذان. فلما قال: الله أكبر، الله أكبر، ذكرت أباها وأيامه فلم تتمالك من البكاء، فلما بلغ الى قوله: أشهد أن محمداً رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) شهقت فاطمة (عليها السلام) وسقطت لوجهها وغشي عليها. فقال الناس لبلال: أمسك يا بلال، فقد فارقت ابنة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الدنيا، وظنوا أنها قد ماتت، فقطع أذانه ولم يتمه، فأفاقت فاطمة (عليها السلام) وسألته أن يتم الأذان فلم يفعل، وقال لها: يا سيدة النسوان، إني أخشى عليك مما تنزلينه بنفسك إذا سمعت صوتي بالأذان، فأعفته عن ذلك.
الان.. نقف على قضية نفي احزان الزهراء وانكار بيت حزنها وبكائها على ابيها وعلى الاسلام، فيمكن ان يسفه هذا الانكار ما ثبت من خطاب أمير المؤمنين علي عليه السلام لما انتهى من دفنها وهاج به الحزن، فأرسل دموعه على خديه وحول وجهه إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وآله يخاطبه:
"السلام عليك يا رسول الله، السلام عليك من ابنتك وحبيبتك وقرة عينك وزائرتك والبائتة في الثرى ببقيعك، المختار الله لها سرعة اللحاق بك، قَلّ يا رسول الله عن صفيتك صبري وضعف عن سيدة النساء تجلدي، الا أن في التأسي لي بسنتك والحزن الذي حل بي لفراقك موضع التعزي، ولقد وسدتك في ملحود قبرك بعد أن فاضت نفسك على صدري وغمضتك بيدي وتوليت أمرك بنفسي. نعم وفي كتاب الله أنعم القبول، إنا لله وإنا إليه راجعون قد استرجعت الوديعة وأخذت الرهينة واختلست الزهراء فما أقبح الخضراء والغبراء يا رسول الله.
أما حزني فسرمد وأما ليلي فمسهد لا يبرح الحزن من قلبي أو يختار الله لي دارك التي فيها أنت مقيم، كمد مقيّح وهمّ مهيّج، سرعان ما فرق الله بيننا وإلى الله أشكو وستنبئك ابنتك بتظاهر أمتك عليّ وعلى هضمها حقها فاستخبرها الحال فكم من غليل معتلج بصدرها لم تجد إلى بثه سبيلاً وستقول ويحكم الله وهو خير الحاكمين.
سلام عليك يا رسول الله، سلام مودع ولا قال، فأن أنصرف فلا عن ملالة وأن أقم فلا عن سوء ظنيّ بما وعد الله الصابرين والصبر أيمن وأجمل ولولا غلبة المستولين علينا لجعلت المقام عند قبرك لزاماً والتلبث عنده معكوفاً ولأعولت إعوال الثكلى على جليل الرزية فبعين الله تدفن بنتك سراً ويهتضم حقها قهراً ويمنع أرثها جهراً ولم يطل العهد ولم يخلق منك الذكر فإلى الله يا رسول الله المشتكى وفيك أجمل العزاء فصلوات الله عليها وعليك ورحمة الله وبركاته".
من هنا يمكن معرفة ان بكاء الزهراء عليها السلام وحزنها كان بحد ذاته مشروعاً رسالياً تعكس حجمه وعظمته ردة فعل السلطة تجاه الزهراء واعتراضها على بكائها وعلى البيت الذي بناه لها امير المؤمنين في البقيع. ويمكننا ان نعتبره مشروعاً لتحفيز النفوس المؤمنة برسالة الاسلام ضد الطغيان وورفض الانحراف الذي لحق الاسلام بُعيد رحيل المصطفى الى ربه جل وعلا.
السؤال المهم في قضية بكاء السيدة الزهراء عليها السلام: هل كانت تبكي بطريقة الصراخ الذي لا يتناسب مع منزلة إمرأة عاقلة تعرف انه لا يجوز لها شرعاً اسماع صوتها للغرباء؟ وتؤذي الاخرين وتزعجهم؟ وهي الزهراء العالمة؟
ان التشكيك وطرح مثل هذه الاشكالات والشبهات ليس له تفسير الا الدفاع عن السلطة التي ظلمت الزهراء وهضمتها حقها وهي سلطة منحرفة عن رسالة النبي صلى الله عليه واله.
كما انه قد سبقت هذه الاثارة اثارات متعددة اعتمدها اعداء المذهب للتشنيع بمعتقداتنا ومرتكزاتنا الدينية. وللاسف جاراهم عليها بعض المحتمين بمظلة التشيع المختبئين ببعض العناوين فقد ثوروا ولا زالوا مسألة الحزن ولبس السواد والبكاء على الامام الحسين عليه السلام من قبل. وشككوا حتى في نوائب الملحمة الحسينية كالعطش ومشاركة بعض الشخصيات، بل الامر انهم راحوا يحولون الفاجعة الى لقاء للتفكه واثارة السخرية وتوقفوا طويلا لزعزعة عقائد الناس عن امور كعصمة الامام وقدراته وولايته ومنهم من ذهب ابعد من ذلك. فيما روي عن النبي وآله الطاهرين عن بكاء أبينا آدم عليه السلام حتى عد اول البكائين في تأريخ الانسانية. ونوح عليه السلام ابو البشر الثاني وتسميته نوح لانه ناح اربعين عاما على اثر عتاب رباني توجه اليه حتى سمي نوح بعد ان كان اسمه عبد الجبار. وايوب ويونس واوضح الصور القرآنية جاءت تقص ما جرى ليعقوب ويوسف عليهما السلام.
روى الشيخ الصدوق في أماليه صفحة204 والنيسابوري في روضة الواعظين صفحة451 وابن شهراشوب في المناقب الجزء الثالث الصفحة104 والخصال للشيخ الصدوق الصفحة272 عن الامام الصادق عليه السلام قال:
"البكاؤون خمسة: آدم ويعقوب ويوسف وفاطمة بنت محمد وعلي بن الحسين عليهم السلام. فأما آدم فبكى على الجنة حتى صار في خديه أمثال الأودية، وأما يعقوب فبكى على يوسف حتى ذهب بصره وحتى قيل له: "تا الله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين" وأما يوسف فبكى على يعقوب حتى تأذى به أهل السجن فقالوا له: إما أن تبكي الليل وتسكت بالنهار وإما أن تبكي النهار وتسكت بالليل، فصالحهم على واحد منهما.
وأما فاطمة فبكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتى تأذى بها أهل المدينة فقالوا
لها قد آذيتنا بكثرة بكائك! فكانت تخرج إلى المقابر فتبكي حتى تقضي حاجتها ثم تنصرف.
وأما علي بن الحسين فبكى على الحسين عليه السلام عشرين سنة أو أربعين سنة، ما وضع بين يديه طعام إلا بكى حتى قال له مولى له: جعلت فداك يا ابن رسول الله إني أخاف عليك أن تكون من الهالكين، قال: إنما أشكو بثي وحزني إلى الله وأعلم من الله ما لا تعلمون، إني ما أذكر مصرع بني فاطمة إلا خنقتني لذلك عبرة".
كما ان يعقوب عليه السلام بكى على ولده يوسف حتى ابيضت عيناه من الحزن ولم يغفل عن بكائه ساعة حتى قال له أبناؤه كما في الاية الشريفة: "تالله تفتؤ تذكر يوسف حتى تكون حرضاً أو تكون من الهالكين" يوسف/85
هذا مع ان يعقوب كان نبياً يوحى اليه ويعلم ان ولده يوسف لايزال حيا ويعلم انه سيجمعه الله به وان ليعقوب عليه السلام عشرة ابناء وهو معزز في قومه ولم يجر عليه اي شيء مما جرى على السيدة الزهراء من أذى وضرب واهانة. وقد صرح القرآن الكريم بما يعلمه يعقوب عليه السلام فقال:
"عسى الله أن يأتيني بهم جميعاً" و "إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون" و "يابني اذهبوا فتحسسوا من يوسف وأخيه ولا تيأسوا من روح الله".
هذا فيما ان الشاعر دعبل الخزاعي أنشد قصيدته المشهورة بحضرة الإمام علي الرضا عليه السلام جاء فيها:
أفاطم لـو خلت الحسين مجدلاً وقد مات عطشاناً بشط فرات
إذن للطمت الخـد فـاطم عنده وأجريت دمع العين في الوجنات
وقد أقره الإمام الرضا على قوله ولم يعترض علي قوله للطمت الخد فاطم وانها عليعا السلام لا تلطم خدها ولا تفعل ذلك!! بل اقره الامام وتفاعل مع قصيدته وقد زاد لقصيدة دعبل البيتين التاليين:
وقبر بطوس يا لها مـن مصيبة ألحت على الأحشاء بالزفرات
إلى الحشر حتى يبعث الله قـائماً يفرج عنـا الهم والـكربـات
اضافة الى ما ورد في قول الامام الحجة (عجل الله تعالى فرجه الشريف) في زيارة الناحية المقدسة يندب جده الامام الحسين عليه السلام بقوله: "فلأندبنّك صباحاً ومساءً ولأبكينّ عليك بدل الدموع دماً"
هذا فيما يؤكد التأريخ والرواية ان الامام السجاد عليه السلام بكى ليله ونهاره علانية وفي اللقاءات والاسواق يندب الامام الحسين عليه السلام.
اما المفكر الاسلامي اية الله العظمى السيد محمد باقر الصدر قدس الله نفسه فقد خصص عنوان أئمة اهل البيت في كتاب له باسم: (أهل البيت تعدد أدوار ووحدة هدف) مختزلاً تفصيلاته بالعنوان.
اما أئمة اهل البيت عليهم السلام فقد كانوا حجج الله على الخلق وأمهم فاطمة الزهراء حجة الله عليهم بحسب الرواية عن الامام الحسن العسكري عليه السلام، لذا يمكن اطلاق البكاء الصادر عنهم واعتباره يصب في ذات الهدف المرسوم في ادوارهم عليهم السلام وفق المشيئة والحكمة الربانية، وعليه امرونا بإحياء أمرهم واحياء مناسباتهم ومنها واقعة كربلاء ومأساتها كي تبقى ثورة الامام الحسين عليه السلام متقدة على هامات التأريخ البشري حتى يقضي الله امراً كان مفعولاً على يدي الامام المنقذ حجة الله في خلقه عليه السلام.
روى المجلسي في بحار الأنوار الجزء43 الصفحة 177: "اجتمع شيوخ أهل المدينة وأقبلوا إلى أمير المؤمنين علي فقالوا له: يا أبا الحسن إن فاطمة تبكي الليل والنهار فلا أحد منا يتهنأ بالنوم في الليل على فرشنا ولا بالنهار لنا قرار على أشغالنا وطلب معايشنا وإنا نخبرك أن تسألها إما أن تبكي ليلاً أو نهاراً- (لما اخبرها علي)- فقالت: يا أبا الحسن ما أقل مكثي بينهم وما أقرب مغيبي من بين أظهرهم فوالله لا أسكت ليلاً ولا نهاراً أو ألحق بأبي رسول الله. فقال لها علي: إفعلي يا بنت رسول الله ما بدا لك.
ثم إنه بنى لها بيتاً في البقيع نازحاً عن المدينة يسمى بيت الأحزان وكانت إذا أصبحت قدمت الحسن والحسين أمامها وخرجت إلى البقيع باكية فلا تزال بين القبور باكية، فإذا جاء الليل أقبل أمير المؤمنين إليها وساقها بين يديه إلى منزلها".
قال السيد شرف الدين في النص والإجتهاد الصفحة301:
الآن لندقق بخطبة فاطمة الزهراء عليها السلام في نساء المهاجرين والأنصار:
قال سويد بن غفلة: لما مرضت فاطمة المرضة التي توفيت فيها إجتمع إليها نساء المهاجرين والأنصار يعدنها. فقلن لها: كيف أصبحت من علتك يا ابنة رسول الله؟ فحمدت الله وصلت على أبيها ثم قالت: أصبحت- والله- عائفة لدنياكن قالية لرجالكن لفظتهم بعد أن عجمتهم وشنئتهم بعد أن سبرتهم فقبحا لفلول الحد واللعب بعد الجد، وقرع الصفاة وصدع القناة، وخطل الآراء وزلل الأهواء "لبئس ما قدمت لهم أنفسهم أن سخط الله عليهم وفي العذاب هم خالدون" لا جرم لقد قلدتهم ربقتها وحملتهم أوقتها وشننت عليهم عارها فجدعا وعقرا وسحقا للقوم الظالمين.
ويحهم أنى زحزحوها عن رواسي الرسالة، وقواعد النبوة والدلالة ومهبط الروح الأمين، والطبين بأمور الدنيا والدين ألا ذلك هو الخسران المبين. وما الذي نقموا من أبي الحسن نقموا منه- والله- نكير سيفه وقلة مبالاته بحتفه وشدة وطأته ونكال وقعته وتنمره في ذات الله عزوجل، والله لو تكافوا عن زمان نبذة رسول الله إليه لاعتلقه، ولسار بهم سيرا سجحا لا يكلم خشاشه ولا يتعتع راكبه ولأوردهم منهلا صافياً رويا فضفاضا تطفح ضفتاه، ولا يترنق جانباه ولأصدرهم بطانا ونصح لهم سرا وإعلانا ولم يكن يحلى من الغنى بطائل ولا يحظى من الدنيا بنائل غير ري الناهل وشبعة الكافل، ولبان لهم الزاهد من الراغب والصادق من الكاذب. "ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون". "والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين" ألا هلم واستمع وما عشت أراك الدهر عجبا، وإن تعجب فعجب قولهم! ليت شعري إلى أي سناد استندوا وعلى أي عماد اعتمدوا وبأية عروة تمسكوا؟ وعلى أية ذرية أقدموا واحتنكوا؟ لبئس المولى ولبئس العشير وبئس للظالمين بدلا استبدلوا- والله- الذنابا بالقوادم والعجز بالكاهل. فرغما لمعاطس القوم يحسبون أنهم يحسنون صنعا ألا: "إنهم هم المفسدون ولكن لا يشعرون". ويحهم! "أ فمن يهدي إلى الحق أحق أن يتبع أمن لا يهدي إلا أن يهدى فمالكم كيف تحكمون"
أما: لعمري! لقد لقحت فنظرة ريثما تنتج ثم احتلبوا ملأ القعب دما عبيطا وذعافا مبيدا هنالك يخسر المبطلون ويعرف التالون غب ما أسسه الأولون. ثم طيبوا عن دنياكم أنفسا، واطمأنوا للفتنة جأشا وأبشروا بسيف صارم وسطوة معتد غاشم وهرج شامل واستبداد من الظالمين يدع فيئكم زهيدا وجمعكم حصيدا فيا حسرة لكم وأنى بكم وقد عميت عليكم "أنلزمكموها وأنتم لها كارهون".
قال سويد بن غفلة: فأعادت النساء قولها على رجالهن فجاء إليها قوم من وجوه المهاجرين والأنصار معتذرين، وقالوا: يا سيدة النساء لو كان أبو الحسن ذكر لنا هذا الأمر من قبل أن نبرم العهد (اي نبايع ابي بكر) ونحكم العقد لما عدلنا إلى غيره. فقالت: إليكم عني، فلا عذر بعد تعذيركم ولا أمر بعد تقصيركم] انتهى راجع المصادر التالية: معاني الأخبار ينتهي سند الخطبة إلى فاطمة بنت الحسين (عليهما السلام). بحار الانوار للمجلسي الجزء العاشر، احتجاج الطبرسي، أمالي الشيخ الطوسي، دلائل الإمامة للطبري، كشف الغمة للأربلي، شرح النهج ابن أبي الحديد، أعلام النساء لعمر رضا الجزء الرابع.