بسم الله الرحمن الرحيم
الكراهة والبغض والحقد افعال نفسية تكتنز في القلب، ويكون صاحبها شديد العداوة لمن يحمل عليه مثل هذه الأخلاق، فلا عجب أنّ قريش حملت هذه الثلاثة على ابي طالب عم النبي وأبي امير المؤمنين علي بن ابي طالب عليه السلام.
هو عمران بن عبد المطلب الذي كفّل رسول الله صلى الله عليه واله وحماه ودافع عنه ومهد له السبيل في ايصال الرسالة الى العالم، فلا غرابة عندما تكره قريش أبا طالب لأنّه وقف هذا الموقف وحاما النبي محمد صلّی الله عليه وآله وسلم.
فهم يريدون قتله لأنّه يهدد وجودهم، ويهدد دينهم، ويهدد تسلطهم على المجتمعات وزعزعة افكارهم البالية التي ضيعت الناس.
فحفلت مجاميعهم الحديثيّة والتاريخيّة بألوان من الدجل والتزوير، وأفانين من الكذب والبهتان، والأفائك والأباطيل، حتّى لقد نسبوا إلى أبي طالب عليه السلام الكفر ـوالعياذ بالله-.
أمّا الامر الآخر للحقد على أبي طالب هو أنّه أبو علي بن ابي طالب عليه السلام الذي كما وصف عمر بن سعد الحسين عليه السلام لعسكره لكي يحرضهم عليه فقال لهم: هذا ابن قتّال العرب هذا ابن الأنزع البطين، فهو قتال العرب بسيفه قتل كبراءهم ورؤسائهم ومبغضهم ومعانديهم، قتلهم ببدر وأُحد والاحزاب وفي كل غزوات الرسول ما عدا تبوك، فلا غرابة أنّهم يحقدون على ابي طالب وهو سيد البطحاء، وقد أجمعت الشيعة على إسلامه وأنّه قد آمن بالنبي صلّی الله عليه وآله وسلم في أوّل الأمر، ولم يعبد صنماً قطّ، بل كان من أوصياء إبراهيم عليه السلام، واشتهر إسلامه من مذهب الشيعة حتّى أنّ المخالفين كلّهم نسبوا ذلك إليهم، وتواترت الأخبار من طرق الخاصّة والعامّة في ذلك وصنّف كثير من علمائنا ومحدّثينا كتاباً مفرداً في ذلك كما لا يخفى على من تتبّع كتب الرجال، فينكرون ذلك، فقد ورد في كتبهم عن العباس بن عبد المطلب قلتُ للنبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: (ما أغنَيتَ عن عَمِّكَ فقد كان يَحوطُكَ ويَغضَبُ لكَ قال: هو في ضَحضاحٍ[1] ولولا أنا لكان في الدَّرْكِ الأسفَلِ منَ النارِ)[2].
أمّا ما ردت به الشيعة فهو كما ورد عَنْ عَبْدِ اَلرَّحْمَنِ بْنِ كَثِيرٍ اَلْهَاشِمِيِّ قَالَ سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اَللَّهِ اَلصَّادِقَ عَلَيْهِ السَّلاَمُ يَقُولُ: ((نَزَلَ جَبْرَئِيلُ عَلَى اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اَللَّهَ جَلَّ جَلاَلُهُ يُقْرِئُكَ اَلسَّلاَمَ وَيَقُولُ: إِنِّي قَدْ حَرَّمْتُ اَلنَّارَ عَلَى صُلْبٍ أَنْزَلَكَ وَبَطْنٍ حَمَلَكَ وَحَجْرٍ كَفَلَكَ فَقَالَ يَا جَبْرَئِيلُ بَيِّنْ لِي ذَلِكَ فَقَالَ: أَمَّا اَلصُّلْبُ اَلَّذِي أَنْزَلَكَ فَعَبْدُ اَللَّهِ بْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَأَمَّا اَلْبَطْنُ اَلَّذِي حَمَلَكَ فَآمِنَةُ بِنْتُ وَهْبٍ وَأَمَّا اَلْحَجْرُ اَلَّذِي كَفَلَكَ فَأَبُو طَالِبِ بْنُ عَبْدِ اَلْمُطَّلِبِ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ أَسَدٍ))[3].
ففي ذكرى وفاته نستنصر هذا الرجل هذا الولي هذا الوصي بالموقف الذي يجب ان يكون من خلال هذه الكلمات، ونبين حقيقة موقفه وهو رجل ولا كل الرجال، ففي يوم 26 رجب السنة 10 للبعثة[4]، وكما ورد ((أَنَّ أَبَا طَالِبٍ لَمَّا مَاتَ جَاءَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلاَمُ إِلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ فَآذَنَهُ بِمَوْتِهِ فَتَوَجَّعَ عَظِيماً وَحَزَنَ شَدِيداً ثُمَّ قَالَ: اِمْضِ فَتَوَلَّ غُسْلَهُ فَإِذَا رَفَعْتَهُ عَلَى سَرِيرِهِ فَأَعْلِمْنِي، فَفَعَلَ فَاعْتَرَضَهُ رَسُولُ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى رُءُوسِ اَلرِّجَالِ فَقَالَ لَهُ: وَصَلَتْكَ رَحِمٌ يَا عَمِّ وَجُزِيْتَ خَيْراً فَلَقَدْ رَبَّيْتَ وَكَفَلْتَ صَغِيراً وَنَصَرْتَ وَآزَرْتَ كَبِيراً، ثُمَّ تَبِعَهُ إِلَى حُفْرَتِهِ فَوَقَفَ عَلَيْهِ فَقَالَ: أَمَ وَاَللَّهِ لَأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ وَلَأَشْفَعَنَّ فِيكَ شَفَاعَةً يَعْجَبُ لَهَا اَلثَّقَلاَنِ))[5].
وعند وفاة أبي طالب عليه السلام نزل جبرئيلُ عليه السلام على رسول الله صلّى الله عليه وآله، وقال له: ((إن الله يقرئك السلام ويقول لك: اخرج من مكة فقد مات ناصرك))[6].
[1] الضحضاح: القلقل، وهنا المكان القليل العمق من النار.
[2] صحيح البخاري، ط سنة 1309، ج 2، ص: 209.
[3] الأمالي، للصدوق، ج 1، ص: 606.
[4] مصباح المتهجد، للطوسي، ص: 812.
[5] بحار الأنوار، المجلسي، ج 35، ص 163.
[6] بحار الأنوار، المجلسي، ج 22، ص 261.
تعليق