بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب:33). صدق الله العلي العظيم.
---------------
الإمام الحسن العسكري عليه السلام قام بأدوار متعددة، أسهمت إسهاماً كبيراً في الحفاظ على الرسالة المحمدية، وسنتناول في حديثنا هذا بعض تلك الأدوار، وأهمها، دوران هما: التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام، والتصدي للانحرافات العقدية والشبهات التي أُثيرت من لدُن بعض المفكرين والعلماء في ذلك الوقت؛ نتيجة لاختلاطهم بالثقافة الإغريقية، ولولا هذا الدور لتزعزعت ثقة الناس بالقرآن الكريم، وبالإسلام ومفاهيمه.
الدور الأول: التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام.
اشترك الإمام العسكري مع أبيه الهادي عليهما السلام في القيام بدور التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام، والسبب في القيام بهذا الدور، كي تتهيأ الأمة الإسلامية، ولا تتفاجئ بالغيبة، وبالتالي يؤدي ذلك إلى إنكار وجود الإمام المهدي عليه السلام، والإنسان بطبيعته إذا تلقى شيئاً بشكلٍ مفاجئ تحدث له ردود فعل متعددة تجاهه؛ ولذلك، نحتاج دائماً إلى التمهيد في جميع أمورنا، كي نتلقى ذلك الشيء الغريب بمقبولية أكبر، ومن هنا نجد أنّ الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام مهدا بشكلٍ فاعل ومؤثر لغيبة الإمام المهدي عليه السلام؛ كي لا ينحرف أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن خطهم وعن مدرستهم.
كيف مُهّد لغيبة الإمام عليه السلام.
لقد مُورِس التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام بشكلٍ جزئي في حياة الإمام الهادي عليه السلام وبشكل أكبر في حياة الإمام العسكري عليه السلام. ولذا، نجد أنّ الإمام الهادي عليه السلام يحتجب عن شيعته ومواليه، فلا يتصدى لإدارة الأمور الاقتصادية أو الإجابة عن أسئلتهم بشكلٍ مباشر، وإنما كان يركز على مبدأ الكفاءة الذاتية في العلم مع التقوى المتوفرة في تلامذته، فهو يرجع الناس إلى من توفرت فيهم مجموعة من المواصفات، كالعلم والتقوى والإيمان، والصبر؛ ليديروا أمور الناس وشؤونهم الخاصة والعامة، ومن أمثلة هؤلاء، أحد أصحاب الإمام الخلص، ومن وكلائه الموثَّقين، الذي كان يتخفى بصورة بائع للسمن، فيقوم بتوصيل الحقوق الشرعية، ويُعطي الإمام الأسئلة التي يحتاج الناس إلى أجوبتها، وقد كانت ممارسة الإمام الهادي عليه السلام لهذا الدور تمهيداً لكي يعتاد أتباع أهل البيت على الارتباط بالإمام المهدي عليه السلام من خلال الوكلاء، وبالتالي، يتهيئون لغيبته، وهذا الدور للإمام الهادي، وإن كان محدوداً وبشكل جزئي إلا أنّ آثاره ونتائجه كانت باهرة ومؤثرة في نطاق واسع.
ثم جاء بعده، الإمام العسكري عليه السلام الذي استطاع أن يمارس الدور بالتمهيدي لغيبة الإمام المهدي بصورة أكبر؛ وفي جوانب متعددة، كإخفاء ولادة الإمام المهدي عليه السلام وإخبار المخلصين من أصحابه بولادته، وإيضاح علاقة الناس بالإمام في غيبته الصغرى، ولم يقتصر الإمام العسكري عليه السلام على هذه الأمور، بل، أوضح وظائف ومهام في عصر الغيبة الكبرى، وأهمها، التأكيد على الارتباط بالعلماء كقيادة ومرجعية للأمة في الأمور الدينية، وذلك، من خلال بيان المؤهلات والخصال، التي يتميزون بها، ولذا، كان عليه السلام يقول: ‹‹فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه››، بل، لم يكتفِ عليه السلام بهذا القدر من بيان صفات العلماء، وإنما أكد على دورهم الكبير، والجهود الجبّارة التي يقومون بها، ولذا، قال عليه السلام: ‹‹لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته...لما بقي أحد إلا ارتدّ عن دين الله››، فهذه الرواية تُبين الدور العظيم، الذي يقوم به العلماء، والتركيز من لدُن الإمام العسكري عليه السلام على جهود هؤلاء العلماء الحثيثة في عصر الغيبة الكبرى، لحفظ الدين ومعالمه.
الفائدة من هذا التمهيد.
لقد كان هذا الدور التمهيدي لغيبة الإمام عليه السلام له فائدة عظيمة على المجتمع الموالي، بحيث توافرت فيه الأرضية المناسبة كي يعتاد الناس على غيبة الإمام عليه السلام، وبالتالي، تكون لديهم مقبولية كاملة وفهم واعٍ في الرجوع إلى العلماء والسفراء الذين أُوكلت إليهم الأمور، كما كانوا في عهد الإمامين العسكريين عليهما السلام. ولو لم يمارس الإمام العسكري عليه السلام هذا الدور التمهيدي، لأدى ذلك، إلى أن يُصدم أتباع أهل البيت عليهم السلام بواقع لم يعتادوا عليه في مسيرة الأئمة السابقين، وهذا بدوره سوف يؤثر على عقيدة هؤلاء الموالين في الإمامة، وقد يحرفهم ذلك عقدياً وفكرياً عن خط أهل البيت عليهم السلام.
الدور الثاني: الذود عن حمى الإسلام ودفع الشبهات.
مارس الإمام العسكري عليه السلام الذود عن حمى الإسلام ودفع الشبهات المثارة من قبل المشككين والمنحرفين، والذين كانوا يتفننون في وضعها وافتعالها، ولا ريب أنّ هذه الشبهات لها أثر كبير في نفسية من يقتنع بها؛ خصوصاً إذا صدرت مثل هذه الشبهات من ذوي الرتب العلمية والشخصيات الكبيرة، التي تملك مجموعة من التلامذة المتعددين، والذين لهم اعتبار علمي ثقيل.
الإمام يدفع شبهة الفيلسوف.
ولعل أبرز من عاش في عصر الإمام العسكري عليه السلام هو أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب الكندي، والذي يُعد من الفلاسفة الكبار، الذين تأثروا ببعض النظريات التي تشكك في صحة القرآن، مما أدى به الحال إلى التفكير في تأليف كتاب يحوي المتناقضات في القرآن الكريم، ونشره في المجتمع الإسلامي. ولقد كانت شخصية هذا الفيلسوف العلمية مهيمنة على تلامذته، بحيث لم يجرُئ أحد على الوقوف أمامه، ولذلك حاول الإمام عليه السلام استدراج بعض تلامذة هذا الفيلسوف، والاجتماع بهم، كي يُقوِّم فكرهم، وفي يوم من الأيام، قال الإمام لأحدهم: ‹‹أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟››، فقال التلميذ: نحن من تلامذته، ولا نستطيع الاعتراض عليه في هذا، أو في غيره. فقال الإمام عليه السلام: ‹‹أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟››، قال: نعم. فأوضح لهم الإمام عليه السلام أنّ العالم مهما بلغ من العلم إلا أنه قد يشتبه في بعض الأحيان، وأبان لهم هذا المعنى بشكلٍ موضوعي، ثم أعطاهم طريقة تُوقظ ذلك العالم من غفلته، فقال: قولوا له باعتبارك عالم كبير وفيلسوف من الفلاسفة، فهل إذا تكلمت بكلام ٍيمكن أن تقصد به معنى لا نفهمه، أولا؟ فلما سألوه أجابهم: إذا تكلمت بكلام فيمكن أن أقصد بكلامي بعض الوجوه الدقيقة التي لا تطلعون عليها؛ لأنّ كلامي يحوي على معاني قد تغيب عنكم باعتبار تفوق درجتي العلمية عليكم. فقالوا له: إذا كنت في هذه المرتبة العلمية، ويكون لكلامك وجوه واحتمالات قد تخفى حتى على المتخصصين في مدرستك، فلا يلتفتون إليها، فكيف بالقرآن الكريم، الذي له أوجه متعددة ومعاني مختلفة، ألا تحتمل أنك ركّزت على معنى ولم تلتفت لمعنى أخر غير الذي فهمته، ولعل الله أراد ذلك المعنى الذي لم تلتفت إليه. وحينها أخذ إسحاق بن يعقوب يفكر فيما يقوله تلميذه، ثم قال له: أعد عليّ ما قلته، فلما أعاد عليه كلام الإمام طلب منه إسحاق أن يعيد ما قاله مرة أخرى، إلى أن قال: من أين لك هذا؟ فقال له التلميذ: شيء خطر في ذهني. فقال الفيلسوف: مستحيل أن تكون هذه مجرد فكرة عابرة صادرة منك، ولابد أنّ هذه الفكرة جاءتك من شخص عالم، فمن هو ذلك العالم؟ فقال: أخذته من أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، وحينها، قال إسحاق بن يعقوب: الله أعلم حيث يجعل رسالته، ثم قام بإحراق كتابه. وبتصدي الإمام العسكري عليه السلام ومواجهته لمثل هذه الشبهات أعطى الحصانة المنيعة لكل فرد من المسلمين، ولو انتشر كتاب إسحاق بن يعقوب الكندي في وسط الأمة الإسلامية آنذاك، لكان مادة دسمة للمستشرقين في العصر الحاضر، كي يلصقوا تهمة تناقض القرآن إلى بعض علماء الإسلام. وهذه أهم الأدوار التي قام بها الإمام عليه السلام للتمهيد للإمام المهدي عليه السلام.
---------------
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا مع أهل البيت في الدنيا والآخرة، ويوفقنا للسير على طريقهم، ويحشرنا معهم ويثبتنا على ولايتهم. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وزاد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.
اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم وسهل مخرجهم
وصل اللهم على فاطمة وأبيها وبعلها وبنيها والسر المستودع فيها عدد ماأحاط به علمك
وعجل فرج يوسفها الغائب ونجمها الثاقب واجعلنا من خلص شيعته ومنتظريه وأحبابه يا الله
السلام على بقية الله في البلاد وحجته على سائر العباد ورحمة الله وبركاته
قال الله تبارك وتعالى: {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا}(الأحزاب:33). صدق الله العلي العظيم.
---------------
الإمام الحسن العسكري عليه السلام قام بأدوار متعددة، أسهمت إسهاماً كبيراً في الحفاظ على الرسالة المحمدية، وسنتناول في حديثنا هذا بعض تلك الأدوار، وأهمها، دوران هما: التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام، والتصدي للانحرافات العقدية والشبهات التي أُثيرت من لدُن بعض المفكرين والعلماء في ذلك الوقت؛ نتيجة لاختلاطهم بالثقافة الإغريقية، ولولا هذا الدور لتزعزعت ثقة الناس بالقرآن الكريم، وبالإسلام ومفاهيمه.
الدور الأول: التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام.
اشترك الإمام العسكري مع أبيه الهادي عليهما السلام في القيام بدور التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام، والسبب في القيام بهذا الدور، كي تتهيأ الأمة الإسلامية، ولا تتفاجئ بالغيبة، وبالتالي يؤدي ذلك إلى إنكار وجود الإمام المهدي عليه السلام، والإنسان بطبيعته إذا تلقى شيئاً بشكلٍ مفاجئ تحدث له ردود فعل متعددة تجاهه؛ ولذلك، نحتاج دائماً إلى التمهيد في جميع أمورنا، كي نتلقى ذلك الشيء الغريب بمقبولية أكبر، ومن هنا نجد أنّ الإمامين الهادي والعسكري عليهما السلام مهدا بشكلٍ فاعل ومؤثر لغيبة الإمام المهدي عليه السلام؛ كي لا ينحرف أتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام عن خطهم وعن مدرستهم.
كيف مُهّد لغيبة الإمام عليه السلام.
لقد مُورِس التمهيد لغيبة الإمام المهدي عليه السلام بشكلٍ جزئي في حياة الإمام الهادي عليه السلام وبشكل أكبر في حياة الإمام العسكري عليه السلام. ولذا، نجد أنّ الإمام الهادي عليه السلام يحتجب عن شيعته ومواليه، فلا يتصدى لإدارة الأمور الاقتصادية أو الإجابة عن أسئلتهم بشكلٍ مباشر، وإنما كان يركز على مبدأ الكفاءة الذاتية في العلم مع التقوى المتوفرة في تلامذته، فهو يرجع الناس إلى من توفرت فيهم مجموعة من المواصفات، كالعلم والتقوى والإيمان، والصبر؛ ليديروا أمور الناس وشؤونهم الخاصة والعامة، ومن أمثلة هؤلاء، أحد أصحاب الإمام الخلص، ومن وكلائه الموثَّقين، الذي كان يتخفى بصورة بائع للسمن، فيقوم بتوصيل الحقوق الشرعية، ويُعطي الإمام الأسئلة التي يحتاج الناس إلى أجوبتها، وقد كانت ممارسة الإمام الهادي عليه السلام لهذا الدور تمهيداً لكي يعتاد أتباع أهل البيت على الارتباط بالإمام المهدي عليه السلام من خلال الوكلاء، وبالتالي، يتهيئون لغيبته، وهذا الدور للإمام الهادي، وإن كان محدوداً وبشكل جزئي إلا أنّ آثاره ونتائجه كانت باهرة ومؤثرة في نطاق واسع.
ثم جاء بعده، الإمام العسكري عليه السلام الذي استطاع أن يمارس الدور بالتمهيدي لغيبة الإمام المهدي بصورة أكبر؛ وفي جوانب متعددة، كإخفاء ولادة الإمام المهدي عليه السلام وإخبار المخلصين من أصحابه بولادته، وإيضاح علاقة الناس بالإمام في غيبته الصغرى، ولم يقتصر الإمام العسكري عليه السلام على هذه الأمور، بل، أوضح وظائف ومهام في عصر الغيبة الكبرى، وأهمها، التأكيد على الارتباط بالعلماء كقيادة ومرجعية للأمة في الأمور الدينية، وذلك، من خلال بيان المؤهلات والخصال، التي يتميزون بها، ولذا، كان عليه السلام يقول: ‹‹فأما من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً لهواه، مطيعاً لأمر مولاه، فللعوام أن يقلدوه››، بل، لم يكتفِ عليه السلام بهذا القدر من بيان صفات العلماء، وإنما أكد على دورهم الكبير، والجهود الجبّارة التي يقومون بها، ولذا، قال عليه السلام: ‹‹لولا من يبقى بعد غيبة قائمكم عليه السلام من العلماء الداعين إليه، والدالين عليه، والذابين عن دينه بحجج الله والمنقذين لضعفاء عباد الله من شباك إبليس ومردته...لما بقي أحد إلا ارتدّ عن دين الله››، فهذه الرواية تُبين الدور العظيم، الذي يقوم به العلماء، والتركيز من لدُن الإمام العسكري عليه السلام على جهود هؤلاء العلماء الحثيثة في عصر الغيبة الكبرى، لحفظ الدين ومعالمه.
الفائدة من هذا التمهيد.
لقد كان هذا الدور التمهيدي لغيبة الإمام عليه السلام له فائدة عظيمة على المجتمع الموالي، بحيث توافرت فيه الأرضية المناسبة كي يعتاد الناس على غيبة الإمام عليه السلام، وبالتالي، تكون لديهم مقبولية كاملة وفهم واعٍ في الرجوع إلى العلماء والسفراء الذين أُوكلت إليهم الأمور، كما كانوا في عهد الإمامين العسكريين عليهما السلام. ولو لم يمارس الإمام العسكري عليه السلام هذا الدور التمهيدي، لأدى ذلك، إلى أن يُصدم أتباع أهل البيت عليهم السلام بواقع لم يعتادوا عليه في مسيرة الأئمة السابقين، وهذا بدوره سوف يؤثر على عقيدة هؤلاء الموالين في الإمامة، وقد يحرفهم ذلك عقدياً وفكرياً عن خط أهل البيت عليهم السلام.
الدور الثاني: الذود عن حمى الإسلام ودفع الشبهات.
مارس الإمام العسكري عليه السلام الذود عن حمى الإسلام ودفع الشبهات المثارة من قبل المشككين والمنحرفين، والذين كانوا يتفننون في وضعها وافتعالها، ولا ريب أنّ هذه الشبهات لها أثر كبير في نفسية من يقتنع بها؛ خصوصاً إذا صدرت مثل هذه الشبهات من ذوي الرتب العلمية والشخصيات الكبيرة، التي تملك مجموعة من التلامذة المتعددين، والذين لهم اعتبار علمي ثقيل.
الإمام يدفع شبهة الفيلسوف.
ولعل أبرز من عاش في عصر الإمام العسكري عليه السلام هو أبو يعقوب إسحاق بن يعقوب الكندي، والذي يُعد من الفلاسفة الكبار، الذين تأثروا ببعض النظريات التي تشكك في صحة القرآن، مما أدى به الحال إلى التفكير في تأليف كتاب يحوي المتناقضات في القرآن الكريم، ونشره في المجتمع الإسلامي. ولقد كانت شخصية هذا الفيلسوف العلمية مهيمنة على تلامذته، بحيث لم يجرُئ أحد على الوقوف أمامه، ولذلك حاول الإمام عليه السلام استدراج بعض تلامذة هذا الفيلسوف، والاجتماع بهم، كي يُقوِّم فكرهم، وفي يوم من الأيام، قال الإمام لأحدهم: ‹‹أما فيكم رجل رشيد يردع أستاذكم الكندي عمّا أخذ فيه من تشاغله بالقرآن؟››، فقال التلميذ: نحن من تلامذته، ولا نستطيع الاعتراض عليه في هذا، أو في غيره. فقال الإمام عليه السلام: ‹‹أتؤدي إليه ما ألقيه إليك؟››، قال: نعم. فأوضح لهم الإمام عليه السلام أنّ العالم مهما بلغ من العلم إلا أنه قد يشتبه في بعض الأحيان، وأبان لهم هذا المعنى بشكلٍ موضوعي، ثم أعطاهم طريقة تُوقظ ذلك العالم من غفلته، فقال: قولوا له باعتبارك عالم كبير وفيلسوف من الفلاسفة، فهل إذا تكلمت بكلام ٍيمكن أن تقصد به معنى لا نفهمه، أولا؟ فلما سألوه أجابهم: إذا تكلمت بكلام فيمكن أن أقصد بكلامي بعض الوجوه الدقيقة التي لا تطلعون عليها؛ لأنّ كلامي يحوي على معاني قد تغيب عنكم باعتبار تفوق درجتي العلمية عليكم. فقالوا له: إذا كنت في هذه المرتبة العلمية، ويكون لكلامك وجوه واحتمالات قد تخفى حتى على المتخصصين في مدرستك، فلا يلتفتون إليها، فكيف بالقرآن الكريم، الذي له أوجه متعددة ومعاني مختلفة، ألا تحتمل أنك ركّزت على معنى ولم تلتفت لمعنى أخر غير الذي فهمته، ولعل الله أراد ذلك المعنى الذي لم تلتفت إليه. وحينها أخذ إسحاق بن يعقوب يفكر فيما يقوله تلميذه، ثم قال له: أعد عليّ ما قلته، فلما أعاد عليه كلام الإمام طلب منه إسحاق أن يعيد ما قاله مرة أخرى، إلى أن قال: من أين لك هذا؟ فقال له التلميذ: شيء خطر في ذهني. فقال الفيلسوف: مستحيل أن تكون هذه مجرد فكرة عابرة صادرة منك، ولابد أنّ هذه الفكرة جاءتك من شخص عالم، فمن هو ذلك العالم؟ فقال: أخذته من أبي محمد الحسن العسكري عليه السلام، وحينها، قال إسحاق بن يعقوب: الله أعلم حيث يجعل رسالته، ثم قام بإحراق كتابه. وبتصدي الإمام العسكري عليه السلام ومواجهته لمثل هذه الشبهات أعطى الحصانة المنيعة لكل فرد من المسلمين، ولو انتشر كتاب إسحاق بن يعقوب الكندي في وسط الأمة الإسلامية آنذاك، لكان مادة دسمة للمستشرقين في العصر الحاضر، كي يلصقوا تهمة تناقض القرآن إلى بعض علماء الإسلام. وهذه أهم الأدوار التي قام بها الإمام عليه السلام للتمهيد للإمام المهدي عليه السلام.
---------------
نسأل الله تبارك وتعالى أن يجعلنا مع أهل البيت في الدنيا والآخرة، ويوفقنا للسير على طريقهم، ويحشرنا معهم ويثبتنا على ولايتهم. وآخر دعوانا أنِ الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وزاد وبارك على سيدنا ونبينا محمد وآله أجمعين الطيبين الطاهرين.
تعليق