بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
هي سورة المتعلقين بالمظاهر المادية.
وفيها تحذير من الإنخداع بالمظاهر المادية.
لأن الإنخداع بها واعتبارها وسيلة لتقييم الأمور فيه ضياع للأمة كما ضاعت الأمم السابقة (لاحظ تكرار ذكر الذهب والفضة وبريقها في الآيات]
لأن الأمم السابقة انخدعت واعتبرت أن متاع الحياة الدنيا وزخرفها هو النعيم الحقيقي وغاب عنهم أن النعيم الحقيقي إنما هو نعيم الآخرة الذي لا ينتهي.
(يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] آية 71.
مظاهر التكذيب كانت مظاهر مادية
وتتحدث السورة عن أن مظاهر التكذيب كانت مظاهر مادية
(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ] آية 31 في قصة ابراهيم، و(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ] آية 51 إلى 53 في قصة موسى مع فرعون.
وآيات السورة تركّز على أن الشرف الحقيقي ليس المال والجاه والمظاهر المادية إنما هو الدين (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ] آية 44.
وتحدثت الآيات عن عيسى ع لأنه رمز الزهد وعدم الإنخداع بالمظاهر المادية (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ] آية 63
جاء بالحكمة بدل المظاهر المادية الزائلة.
خطورة المظاهر المادية
السورة كلها تتحدث عن خطورة المظاهر المادية (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ] آية 67
لأن سر اختيار الصحبة في الدنيا يتوقف على المظاهر المادية لكن التقوى والحكمة هما اللتان تبقيان في الآخرة فعلينا اختيار الصحبة في الدنيا على أسس صحيحة من التقوى والحكمة لا ننخدع بالمظاهر المادية الزائفة التي ليس لها وزن ولا قيمة في الآخرة.
سبب تسمية السورة
وقد سميّت السورة بهذا الإسم لما فيها من تمثيل رائع لمتاع الدنيا الزائل بريقها الخادع بالزخرف اللامع الذي بنخدع به الكثيرون مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولهذا فالدنيا يعطيها الله تعالى للأبرار والفجّار وينالها الأخيار والأشرار أما الآخرة فلا يمنحها إلا لعباده المتقين فالدنيا دار الفناء والآخرة دار البقاء. بـــعــــــض مــا يـلـمـــع، يــقـتـل
ليس كل ما يلمع ذهباً.
في الحقيقة إن بعض ما يلمع يمكن أن يكون نصلا حاد السكين يتربص برقبتك، بينما أنت معجب ومنبهر بلمعانه وبريقه.
بل حتى لو كان هذا الذي يلمع ذهبا، قد يكون نصلا مدبا يريد حتفك. ليس كل ما يلمع خيرا بالضرورة، حتى لو كان ذهبا حقيقيا.
تأخذك سورة الزخرف إلى لمعان قد يسلب لبك وقلبك، وهو في حقيقته زيف أجوف، لكنك تسير خلفه كالمنوم، بل ربما أصبح السير خلف هذا الزيف المجوف أسلوب حياة يتبعه كثيرون، بل ويعتبرونه هو أسلوب الحياة الأمثل، الأسلوب الأكثر حداثة ومناسبة للعصر الحالي.
﴿أَفَنَضرِبُ عَنكُمُ الذِّكرَ صَفحًا أَن كُنتُم قَومًا مُسرِفينَ﴾[الزخرف: 5].
السرف ملازم للانبهار باللامع الأجوف، الدرب إلى الانبهار بالزيف يمر أولا بالسرف، بهذا الجوع نحو المزيد، بتجاوز ما هو أساسي وضروري نحو الطمع والجشع.
وبعدها تأخذنا السورة إلى علامات فارقة تصف هذا اللمعان المزيف
الأجوف.
﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخلُقُ بَناتٍ وَأَصفاكُم بِالبَنينَوَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِما ضَرَبَ لِلرَّحمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ﴾[الزخرف: 16-17].
التفاخر بالولد الذكر والحزن على ولادة الأنثى؛ علامة على جعل المعايير مرتبطة بالاقتصاد، بالضبط بالظاهر السطحي من الثروة، فكل ذكر كان يعد قوة عامل إضافية للعشيرة أو القبيلة بما أنه قادر على حمل السلاح.
أما الأنثى فلم تكن تضيف للقبيلة ثروة حسب تصورهم الضيق.
ولادة الذكر في هذا السياق كان مفخرة اقتصادية، مثل التفاخر اليوم بالسيارات الفارهة أو الملابس ذات العلامات التجارية الفاخرة أو الساعات أو غيرها.
هؤلاء تحولهم معاييرهم المغرقة في ماديتها إلى الاستسلام للواقع بكل ما يأتي به دون محاولة لتغييره.
﴿وَقالوا لَو شاءَ الرَّحمنُ ما عَبَدناهُم ما لَهُم بِذلِكَ مِن عِلمٍ إِن هُم إِلّا يَخرُصونَأَم آتَيناهُم كِتابًا مِن قَبلِهِ فَهُم بِهِ مُستَمسِكونَبَل قالوا إِنّا وَجَدنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِم مُهتَدونَوَكَذلِكَ ما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ في قَريَةٍ مِن نَذيرٍ إِلّا قالَ مُترَفوها إِنّا وَجَدنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِم مُقتَدونَ﴾
[الزخرف: 20-23].
ها هم المترفون يفضلون البقاء على إرث الآباء، بالتأكيد، ما دام هذا الإرث يضمن لهم ترفهم والبقاء فيه.
﴿وَقالوا لَولا نُزِّلَ هذَا القُرآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَريَتَينِ عَظيمٍ﴾[الزخرف: 31].
النجاح والشرف والعظمة حسب معاييرهم كانت تتطلب أن ينزل القرآن على رجل من كبار أثرياء قريش أو الطائف، في هذا السياق لم يكن لديهم مشكلة في وجود قرآن يتنزل أو رسول من الله يحمل رسالته، كانت مشكلتهم في أن هذا الرجل الذي تنزل عليه القرآن - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله - لم تنطبق عليه شروط العظمة والشرف حسب معاييرهم، لا مال كثير يخصه، ولا ذكور. إذن، كيف يختاره الله لهذه المهمة؟!
معايير التفاخر المادي كانت تعميهم لهذه الدرجة.
هل تعمينا نحن أيضا لنفس الدرجة؟ أم أقل؟ أم أننا نحاول أن نغض النظر عن ذلك.
﴿وَلَولا أَن يَكونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلنا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمنِ لِبُيوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيها يَظهَرونَوَلِبُيوتِهِم أَبوابًا وَسُرُرًا عَلَيها يَتَّكِئونَوَزُخرُفًا وَإِن كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلمُتَّقينَوَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمنِ نُقَيِّض لَهُ شَيطانًا فَهُوَ لَهُ قَرينٌ﴾
[الزخرف: 33-36].
{وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمن}.
{يَعشُ} هنا من العشو، العمى، كما في «العشو الليلي». من يعم عن ذكر الرحمن. لماذا عمي عن ذكر الرحمن؟ ما الذي أعماه؟
لأن بريق الفضة والزخرف وكل الزيف المبهرج الأجوف بلمعانه الأخاذ أعماهم عن ذلك، خطف أبصارهم وسلب عقولهم.
وعندما تسير في الطريق وأنت لا ترى، عليك ألا تتوقع الكثير. تحديدا عليك ألا تتوقع أنك تسير في الاتجاه الصحيح.
ولا يمكن أن يكون هناك حديث عن هذا الزخرف الكاذب دون أن نرى فرعون، نموذج الأنا العليا في أشد صورها طغيانا، وهو يستخدم المظاهر والترف كدليل لجعل قومه أشد انصياعا له.
﴿وَنادى فِرعَونُ في قَومِهِ قالَ يا قَومِ أَلَيسَ لي مُلكُ مِصرَ وَهذِهِ الأَنهارُ تَجري مِن تَحتي أَفَلا تُبصِرونَأَم أَنا خَيرٌ مِن هذَا الَّذي هُوَ مَهينٌ وَلا يَكادُ يُبينُفَلَولا أُلقِيَ عَلَيهِ أَسوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ أَو جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقتَرِنينَفَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطاعوهُ إِنَّهُم كانوا قَومًا فاسِقينَ﴾
[الزخرف: 51-54].
فرعون يقول لقومه: عندي كل هذه الأموال والأملاك، لو أن موسى جاء على الأقل بأسورة ذهبية، أو كان معه ملائكة.
منطق لا يكاد يصلح للحديث مع شخص ناضج.
تعامل مع قومه بهذا المنطق الذي يستخف بعقولهم.
لكنه نجح معهم، أطاعوه، لماذا؟ لأنهم أصلا كانوا فاسقين، قدموا شهواتهم وغرائزهم على عقولهم وجعلوا لها الأولوية.
لذا كان من الطبيعي أن يجدوا ما قاله فرعون مناسبا.
ولا زال الأمر يحدث كثيرا مع وسائل إعلام تعامل الجماهير بنفس الطريقة وتسيرها إلى حيث تريد، بل حتى على مستوى الأشخاص والأفراد، يحدث كثيرا أن نجد من يحاول خداعنا بنفس الطريقة، وكثيرا ما ينجح.
ربما كنا نحن أنفسنا نفعل ذلك أحيانا دون أن نكون واعين بما نفعل.
﴿قُل إِن كانَ لِلرَّحمنِ وَلَدٌ فَأَنا أَوَّلُ العابِدينَ﴾[الزخرف: 81].
لوكان المنطق الزخرف قوة وصلابة ويمكن أن يؤتي ثماره، لو كانت هذه الزخارف حقيقة لكنت أنا أول من يتبناها ويؤيدها.
لكنها مجرد زخارف، تعمي الأبصار عن حقيقة الأشياء.
لو تأملنا في تجاربنا الشخصية التي انتهت نهاية لا نريد تذكرها؛ لوجدنا أن الزخرف كان سببا أساسيا في دخولنا لها، وفي غفلتنا عن حقائق واضحة أدت إلى ما أدت إليه.
أحيانا زخرفت لنا الأحلام والأمنيات واقعا لم ندرسه بما فيه الكفاية، وأحيانا زخرفت لنا عواطفنا أشخاصا فجعلتنا نعمى عن صفات واضحة، جعلتنا ننتبه للشكل والعطر والابتسامة والمجاملة، ونغفل عما هو جوهري وأساسي.
وأحيانا تستخدم الزخارف للترويج لأيديولوجيات وأفكار، نبتلع الطعم ونجد أنفسنا في داخل بطن حوت عملاق.
حتى قال الله، قال الرسول» يمكن أن تستخدم كزخارف للأسف، يمكن أن تكون ضمن كلام منمق يهاجم حقائق العلم، أو يدعو للقتل والذبح باسم الدين.
لا يمكن لتجار الشر إلا أن يجدوا زخرفاً
ما ليروجوا لتجارتهم. يستخفون القوم؛ ليطيعوهم.
اللهم صل على محمد وآل محمد
هي سورة المتعلقين بالمظاهر المادية.
وفيها تحذير من الإنخداع بالمظاهر المادية.
لأن الإنخداع بها واعتبارها وسيلة لتقييم الأمور فيه ضياع للأمة كما ضاعت الأمم السابقة (لاحظ تكرار ذكر الذهب والفضة وبريقها في الآيات]
لأن الأمم السابقة انخدعت واعتبرت أن متاع الحياة الدنيا وزخرفها هو النعيم الحقيقي وغاب عنهم أن النعيم الحقيقي إنما هو نعيم الآخرة الذي لا ينتهي.
(يُطَافُ عَلَيْهِم بِصِحَافٍ مِّن ذَهَبٍ وَأَكْوَابٍ وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ] آية 71.
مظاهر التكذيب كانت مظاهر مادية
وتتحدث السورة عن أن مظاهر التكذيب كانت مظاهر مادية
(وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ] آية 31 في قصة ابراهيم، و(وَنَادَى فِرْعَوْنُ فِي قَوْمِهِ قَالَ يَا قَوْمِ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِن تَحْتِي أَفَلَا تُبْصِرُونَ * أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ * فَلَوْلَا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِّن ذَهَبٍ أَوْ جَاء مَعَهُ الْمَلَائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ] آية 51 إلى 53 في قصة موسى مع فرعون.
وآيات السورة تركّز على أن الشرف الحقيقي ليس المال والجاه والمظاهر المادية إنما هو الدين (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ] آية 44.
وتحدثت الآيات عن عيسى ع لأنه رمز الزهد وعدم الإنخداع بالمظاهر المادية (وَلَمَّا جَاء عِيسَى بِالْبَيِّنَاتِ قَالَ قَدْ جِئْتُكُم بِالْحِكْمَةِ وَلِأُبَيِّنَ لَكُم بَعْضَ الَّذِي تَخْتَلِفُونَ فِيهِ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَطِيعُونِ] آية 63
جاء بالحكمة بدل المظاهر المادية الزائلة.
خطورة المظاهر المادية
السورة كلها تتحدث عن خطورة المظاهر المادية (الْأَخِلَّاء يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلَّا الْمُتَّقِينَ] آية 67
لأن سر اختيار الصحبة في الدنيا يتوقف على المظاهر المادية لكن التقوى والحكمة هما اللتان تبقيان في الآخرة فعلينا اختيار الصحبة في الدنيا على أسس صحيحة من التقوى والحكمة لا ننخدع بالمظاهر المادية الزائفة التي ليس لها وزن ولا قيمة في الآخرة.
سبب تسمية السورة
وقد سميّت السورة بهذا الإسم لما فيها من تمثيل رائع لمتاع الدنيا الزائل بريقها الخادع بالزخرف اللامع الذي بنخدع به الكثيرون مع أنها لا تساوي عند الله جناح بعوضة ولهذا فالدنيا يعطيها الله تعالى للأبرار والفجّار وينالها الأخيار والأشرار أما الآخرة فلا يمنحها إلا لعباده المتقين فالدنيا دار الفناء والآخرة دار البقاء. بـــعــــــض مــا يـلـمـــع، يــقـتـل
ليس كل ما يلمع ذهباً.
في الحقيقة إن بعض ما يلمع يمكن أن يكون نصلا حاد السكين يتربص برقبتك، بينما أنت معجب ومنبهر بلمعانه وبريقه.
بل حتى لو كان هذا الذي يلمع ذهبا، قد يكون نصلا مدبا يريد حتفك. ليس كل ما يلمع خيرا بالضرورة، حتى لو كان ذهبا حقيقيا.
تأخذك سورة الزخرف إلى لمعان قد يسلب لبك وقلبك، وهو في حقيقته زيف أجوف، لكنك تسير خلفه كالمنوم، بل ربما أصبح السير خلف هذا الزيف المجوف أسلوب حياة يتبعه كثيرون، بل ويعتبرونه هو أسلوب الحياة الأمثل، الأسلوب الأكثر حداثة ومناسبة للعصر الحالي.
﴿أَفَنَضرِبُ عَنكُمُ الذِّكرَ صَفحًا أَن كُنتُم قَومًا مُسرِفينَ﴾[الزخرف: 5].
السرف ملازم للانبهار باللامع الأجوف، الدرب إلى الانبهار بالزيف يمر أولا بالسرف، بهذا الجوع نحو المزيد، بتجاوز ما هو أساسي وضروري نحو الطمع والجشع.
وبعدها تأخذنا السورة إلى علامات فارقة تصف هذا اللمعان المزيف
الأجوف.
﴿أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخلُقُ بَناتٍ وَأَصفاكُم بِالبَنينَوَإِذا بُشِّرَ أَحَدُهُم بِما ضَرَبَ لِلرَّحمنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجهُهُ مُسوَدًّا وَهُوَ كَظيمٌ﴾[الزخرف: 16-17].
التفاخر بالولد الذكر والحزن على ولادة الأنثى؛ علامة على جعل المعايير مرتبطة بالاقتصاد، بالضبط بالظاهر السطحي من الثروة، فكل ذكر كان يعد قوة عامل إضافية للعشيرة أو القبيلة بما أنه قادر على حمل السلاح.
أما الأنثى فلم تكن تضيف للقبيلة ثروة حسب تصورهم الضيق.
ولادة الذكر في هذا السياق كان مفخرة اقتصادية، مثل التفاخر اليوم بالسيارات الفارهة أو الملابس ذات العلامات التجارية الفاخرة أو الساعات أو غيرها.
هؤلاء تحولهم معاييرهم المغرقة في ماديتها إلى الاستسلام للواقع بكل ما يأتي به دون محاولة لتغييره.
﴿وَقالوا لَو شاءَ الرَّحمنُ ما عَبَدناهُم ما لَهُم بِذلِكَ مِن عِلمٍ إِن هُم إِلّا يَخرُصونَأَم آتَيناهُم كِتابًا مِن قَبلِهِ فَهُم بِهِ مُستَمسِكونَبَل قالوا إِنّا وَجَدنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِم مُهتَدونَوَكَذلِكَ ما أَرسَلنا مِن قَبلِكَ في قَريَةٍ مِن نَذيرٍ إِلّا قالَ مُترَفوها إِنّا وَجَدنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ وَإِنّا عَلى آثارِهِم مُقتَدونَ﴾
[الزخرف: 20-23].
ها هم المترفون يفضلون البقاء على إرث الآباء، بالتأكيد، ما دام هذا الإرث يضمن لهم ترفهم والبقاء فيه.
﴿وَقالوا لَولا نُزِّلَ هذَا القُرآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ القَريَتَينِ عَظيمٍ﴾[الزخرف: 31].
النجاح والشرف والعظمة حسب معاييرهم كانت تتطلب أن ينزل القرآن على رجل من كبار أثرياء قريش أو الطائف، في هذا السياق لم يكن لديهم مشكلة في وجود قرآن يتنزل أو رسول من الله يحمل رسالته، كانت مشكلتهم في أن هذا الرجل الذي تنزل عليه القرآن - صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله - لم تنطبق عليه شروط العظمة والشرف حسب معاييرهم، لا مال كثير يخصه، ولا ذكور. إذن، كيف يختاره الله لهذه المهمة؟!
معايير التفاخر المادي كانت تعميهم لهذه الدرجة.
هل تعمينا نحن أيضا لنفس الدرجة؟ أم أقل؟ أم أننا نحاول أن نغض النظر عن ذلك.
﴿وَلَولا أَن يَكونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلنا لِمَن يَكفُرُ بِالرَّحمنِ لِبُيوتِهِم سُقُفًا مِن فِضَّةٍ وَمَعارِجَ عَلَيها يَظهَرونَوَلِبُيوتِهِم أَبوابًا وَسُرُرًا عَلَيها يَتَّكِئونَوَزُخرُفًا وَإِن كُلُّ ذلِكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدُّنيا وَالآخِرَةُ عِندَ رَبِّكَ لِلمُتَّقينَوَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمنِ نُقَيِّض لَهُ شَيطانًا فَهُوَ لَهُ قَرينٌ﴾
[الزخرف: 33-36].
{وَمَن يَعشُ عَن ذِكرِ الرَّحمن}.
{يَعشُ} هنا من العشو، العمى، كما في «العشو الليلي». من يعم عن ذكر الرحمن. لماذا عمي عن ذكر الرحمن؟ ما الذي أعماه؟
لأن بريق الفضة والزخرف وكل الزيف المبهرج الأجوف بلمعانه الأخاذ أعماهم عن ذلك، خطف أبصارهم وسلب عقولهم.
وعندما تسير في الطريق وأنت لا ترى، عليك ألا تتوقع الكثير. تحديدا عليك ألا تتوقع أنك تسير في الاتجاه الصحيح.
ولا يمكن أن يكون هناك حديث عن هذا الزخرف الكاذب دون أن نرى فرعون، نموذج الأنا العليا في أشد صورها طغيانا، وهو يستخدم المظاهر والترف كدليل لجعل قومه أشد انصياعا له.
﴿وَنادى فِرعَونُ في قَومِهِ قالَ يا قَومِ أَلَيسَ لي مُلكُ مِصرَ وَهذِهِ الأَنهارُ تَجري مِن تَحتي أَفَلا تُبصِرونَأَم أَنا خَيرٌ مِن هذَا الَّذي هُوَ مَهينٌ وَلا يَكادُ يُبينُفَلَولا أُلقِيَ عَلَيهِ أَسوِرَةٌ مِن ذَهَبٍ أَو جاءَ مَعَهُ المَلائِكَةُ مُقتَرِنينَفَاستَخَفَّ قَومَهُ فَأَطاعوهُ إِنَّهُم كانوا قَومًا فاسِقينَ﴾
[الزخرف: 51-54].
فرعون يقول لقومه: عندي كل هذه الأموال والأملاك، لو أن موسى جاء على الأقل بأسورة ذهبية، أو كان معه ملائكة.
منطق لا يكاد يصلح للحديث مع شخص ناضج.
تعامل مع قومه بهذا المنطق الذي يستخف بعقولهم.
لكنه نجح معهم، أطاعوه، لماذا؟ لأنهم أصلا كانوا فاسقين، قدموا شهواتهم وغرائزهم على عقولهم وجعلوا لها الأولوية.
لذا كان من الطبيعي أن يجدوا ما قاله فرعون مناسبا.
ولا زال الأمر يحدث كثيرا مع وسائل إعلام تعامل الجماهير بنفس الطريقة وتسيرها إلى حيث تريد، بل حتى على مستوى الأشخاص والأفراد، يحدث كثيرا أن نجد من يحاول خداعنا بنفس الطريقة، وكثيرا ما ينجح.
ربما كنا نحن أنفسنا نفعل ذلك أحيانا دون أن نكون واعين بما نفعل.
﴿قُل إِن كانَ لِلرَّحمنِ وَلَدٌ فَأَنا أَوَّلُ العابِدينَ﴾[الزخرف: 81].
لوكان المنطق الزخرف قوة وصلابة ويمكن أن يؤتي ثماره، لو كانت هذه الزخارف حقيقة لكنت أنا أول من يتبناها ويؤيدها.
لكنها مجرد زخارف، تعمي الأبصار عن حقيقة الأشياء.
لو تأملنا في تجاربنا الشخصية التي انتهت نهاية لا نريد تذكرها؛ لوجدنا أن الزخرف كان سببا أساسيا في دخولنا لها، وفي غفلتنا عن حقائق واضحة أدت إلى ما أدت إليه.
أحيانا زخرفت لنا الأحلام والأمنيات واقعا لم ندرسه بما فيه الكفاية، وأحيانا زخرفت لنا عواطفنا أشخاصا فجعلتنا نعمى عن صفات واضحة، جعلتنا ننتبه للشكل والعطر والابتسامة والمجاملة، ونغفل عما هو جوهري وأساسي.
وأحيانا تستخدم الزخارف للترويج لأيديولوجيات وأفكار، نبتلع الطعم ونجد أنفسنا في داخل بطن حوت عملاق.
حتى قال الله، قال الرسول» يمكن أن تستخدم كزخارف للأسف، يمكن أن تكون ضمن كلام منمق يهاجم حقائق العلم، أو يدعو للقتل والذبح باسم الدين.
لا يمكن لتجار الشر إلا أن يجدوا زخرفاً
ما ليروجوا لتجارتهم. يستخفون القوم؛ ليطيعوهم.