بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وآل محمد
في وصية الإمام أبي الحسن موسى بن جعفر الكاظم عليه السلام لهشام بن الحكم قال: (يا هشام لكل شيء دليل، ودليل العاقل التفكر، ودليل التفكر الصمت، ولكل شيء مطية ومطية العقل التواضع وكفى بك جهلاً أن تركب ما نُهِيت عنه).
(يا هشام لكل شيء دليل)، فالدليل هو الذي يهتدى به، ففي الأصل كان الناس يذهبون في الصحراء ولم يكن في ذلك الوقت هذه الأجهزة الحديثة فكانوا يعتمدون على النجوم ليلاً أو يعتمدون على أدلَّاء شخصيين سبق لهم أن عرفوا هذه المناطق، ومن هذا المعنى أُخِذَت كلمة الدليل على الأشياء، كأن تقول لإنسان: ما هو دليلك على أن الله واحد؟ وعلى أن النبي معصوم؟،.
بعد أن ذكر الإمام عليه السلام ما يرتبط بالعقل من آيات القرآن الكريم وما يتصل به من آثار، أعطانا طريقة ودليلاً للعقل والعاقل حتى نستطيع تطبيق ذلك، عندما قال: (يا هشام لكل شيء دليل)، فالدليل هو الذي يهتدى به، ففي الأصل كان الناس يذهبون في الصحراء ولم يكن في ذلك الوقت هذه الأجهزة الحديثة فكانوا يعتمدون على النجوم ليلاً أو يعتمدون على أدلَّاء شخصيين سبق لهم أن عرفوا هذه المناطق، ومن هذا المعنى أُخِذَت كلمة الدليل على الأشياء، كأن تقول لإنسان: ما هو دليلك على أن الله واحد؟ وعلى أن النبي معصوم؟،.
إذاً فإن الدليل هو الذي يقودك إلى النتيجة السليمة والمقصد الصحيح.
فيذكر الإمام أن لكل شيء دليل أي عندما تريد أن تذهب إلى مسافة جغرافية فهناك دليل لها، وعندما تريد أن تذهب إلى معنى فكري فهناك دليل إليه أيضاً، ودليل العاقل أو دليل العقل هو التفكر، فكما جاء في نسخة الكافي للكليني رحمه الله (دليل العقل)، وفي تحف العقول لابن شعبة الحرَّاني (دليل العاقل) وكلا الشيخين عاشا في عصر واحد والنتيجة هي واحدة، فالعاقل بماذا يستدل على الأشياء والعقل بماذا يصل إلى الأشياء.
دليل العاقل أو دليل العقل هو التفكر أي أن تتأمل وتتفكر، فعلى سبيل المثال كما يحصل عند كثير من الناس عندما يطرح أحدهم مسألة ما في أحد المجالس سواء في الفقه أو السياسة أو التاريخ وغير ذلك فإننا نجد منهم من يتسرع في الإجابة ويعطي رأيه بدون تفكر أو بحث، وهذه ليست من علامات العقل، بإستثناء من خصهم الله سبحانه وتعالى بعلم خاص من عنده، إذاً حتى نعرف بوجود العقل فإن الدليل إليه هو التفكر، لذلك عندما نرى شخصاً أجوبته احتمالية وغير قطعية وغير إطلاقية فربما يكون هو العالِم الحقيقي.
كيف نعرف أن هذا الإنسان عنده تفكر أو لا؟
قول الإمام عليه السلام: (ودليل التفكر الصمت)، فدليل التفكر هو أن الإنسان يكثر صمته على خلاف ما نجده عادة في المجتمع وفي الدواوين من الكلام الكثير والتسابق إلى تصدر المجلس كما ويعيب بعضهم على من هو صامت في مجلسه، لكن المقياس الحسن هو كثرة الصمت لأنه عندما يشغل الإنسان لسانه دائماً بالكلام فمتى تكون لديه الفرصة حتى يفكر ويتأمل؟، ونجد أن هؤلاء الأشخاص غالباً تكون كلماتهم سطحية وثقافتهم غير عميقة.
نُقِل عن أحد كبار العلماء وهو سيد محمد باقر الصدر رضوان الله تعالى عليه بأنه لم يدرس دراسات كثيرة حتى أنه في ترجمته لا يذكرون بأنه درس عند فحول العلماء وعند فلان وفلان، فيُنقل عن أحد تلامذته بأن أحدهم سأله كيف حصل على كل ذلك العلم بالرغم من أنه لم يدرس هذه الدروس الكثيرة، فأجابه: بعد فضل الله عز وجل كنت كثير التفكر، فكان رضوان الله تعالى عليه يشغل فكره دائماً ببعض المسائل ولذلك نجد أنه من الطبيعي أن ينتج ويكون على هذه الدرجة من العلم، بعكس الشخص الذي لسانه دائماً يُشغِل فكره.
ينقل في كلمات مولانا الإمام الحسن المجتبى عليه السلام كما أنه منقول أيضاً عن الإمام أمير المؤمنين عليه السلام يمدح أخاً له: (كان لي أخ عظَّمه في عيني صغر الدنيا في عينه)، ويبدأ يصف ذلك الشخص ولم يذكر من هو ولذلك بقيت عدة احتمالات، ومن جملة ما يذكره الإمام في هذا الأخ المفضَّل الذي عظم في عيني الإمامين: (أنه كان إذا غُلِب على الكلام لم يُغلَب على الصمت) أي أنه إذا استمع يجمع عقول الآخرين ويزداد بالتفكر والتأمل، فالتفكر هو صناعة الفكرة، بعكس الإنسان كثير الكلام فإنه كلما زاد كلامه تقل قدرته على التفكر، ولذلك نجد عندنا كثير من الروايات تحث على الصمت ومنها: (إذا رأيتم الرجل صموتاً فادنوا منه فإنه يلقَّى الحكمة)، لكن نجد أن الصورة عكس ما هو في المجتمع الآن، فالإنسان الصامت بنظر الناس معقد وغير اجتماعي، قد يكون الشخص لا يتكلم لعيٍّ وعجزٍ عنده لكن لو خير الإنسان العاقل بين أن يكون كثير الكلام أو أن يكون كثير الصمت فينبغي أن يكون كثير الصمت لصناعة الفكرة، نعم هناك موارد كثيرة يكون فيها الكلام خير من السكوت، والسكوت هو مختلف عن الصمت ويحتاج إلى بحث خاص، لكن التفكر والصمت هو صناعة الأفكار وبنائها وعدم شغل الفكر والذهن بلقلقة اللسان، ولذلك ورد في الحديث عن أمير المؤمنين عليه السلام: (لا علم كالتفكير).
ثم يقول الإمام الكاظم عليه السلام: (ولكل شيء مطية ومطية العقل التواضع وكفى بك جهلاً أن تركب ما نهيت عنه)، القعل له إطلاقات مختلفة فعند نقلنا لكلام العلامة الطباطبائي رحمه الله جئنا بعشرين استخدام تقريباً مقابل للعقل، فيقابل العقل أيضاً هو الجهل والجهل سواءً بمعنى عدم العلم النظري أو بمعنى الجهالة السلوكية والتطبيقية كما قال تعالى: ((أن تصيبوا قوماً بجهالةٍ))، فالإمام عليه السلام يقول بأنه يكفي بالإنسان جهلاً أن يركب ما نهي عنه وذلك لأن الناهي إن كان الله سبحانه وتعالى وأولياؤه فلم ينهوك عبثاً أو اعتباطاً وإنما لمصلحتك نُهِيت عن ذلك، فعندما تركب ما نهيت عنه فهذه جهالة ما بعدها جهالة.
ثم يقول عليه السلام: (يا هشام، لو كان في يدك جوزة وقال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس أنها جوزة ما صرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة) فهذه الفقرة في الواقع من الفقرات التي ينبغي أن يبَشَّر بها ويبلغ بها لأن قسم من نظام حياتنا الاجتماعي اليوم قائم على ذلك، مثل التسويق فهو عالم عظيم وتجارة بالمليارات وتأثير في المجتمعات، فالتسويق مختصره هو أن شيئاً قد لا يستحق تلك القيمة لكن يتم إقناع الناس بأنه يسوى شيئاً كثيراً ليتم شراؤه، فهناك أكاديميات وكليات وتخصصات قائمة على هذا الأساس، لذلك قد نجد إنسان يدفع في شيء معين وهو عند العقلاء لا يسوى شيئاً كثيراً، كأن يتم عرض حذاء لعب به أحد الرياضيين المشهورين في نهائيات 1970 ميلادي مثلاً ويتم عرضه بطريقة معينة ضمن أنظمة التسويق ليتم شرائه بربع مليون دولار.
كذلك وسائل التواصل الاجتماعي عندما تقوم بتصوير حياة معينة بأنها هي الحياة المثالية والنموذجية ولكن عندما نرى الحقيقة نجد أن هذا يأتي من الفراغ فنمط هذه الحياة حقيقته بائس ولكن صورته مع التعديلات يتغير فيطمع ابنك وابنتك وأخاك وأختك بأن يقلدوا ذلك النموذج، مع أن هذه كالجوزة لا تساوي تلك القيمة، فالجوزة تباع بالكيلو بينما الجوهرة تباع بالمثقال وبقيمة عالية، فالجوهرة لها قيمة حقيقية بينما الجوزة الواحدة لا تزيد قيمتها عن نصف ريال، لكن يأتي التسويق والإعلام والصحافة وغيرها ليصوروا بأن هذه الجوزة هي جوهرة، وكذلك أيضاً قد تكون عند غيرك أحياناً جوهرة فيقدمها الإعلام بأنها جوزة، وينخدع كثير من الناس بهذا الأمر، فنجدهم ينخدعون في السياسة، المجتمع، الاقتصاد وكذلك في نمط الحياة، فقد نجد إنساناً مؤمن وملتزم يعيش الحياة بحقيقتها وعلى أثر الخضوع لذلك الإعلام الكاذب والتسويق يترك الجوهرة التي كانت لديه ليبحث عن جوزة
وهذا يوضح لنا كلام الإمام عليه السلام: (يا هشام، لو كان في يدك جوزة وقال الناس في يدك لؤلؤة ما كان ينفعك وأنت تعلم أنها جوزة، ولو كان في يدك لؤلؤة وقال الناس أنها جوزة ما صرك وأنت تعلم أنها لؤلؤة)، فلو كان عند الإنسان جوهرة الإيمان والحياة المستقرة والعلاقات الاجتماعية الحسنة وجوهرة الصلاة والمسجد فلا ينبغي أن يتركها لمجرد أن يريه الناس أن حياته تلك جوزة أو فحمة بينما حياتهم هي جوهرة وماسة، فالإنسان العاقل هو الذي لا يتأثر بذلك الكلام.
تعليق