إعـــــــلان

تقليص
لا يوجد إعلان حتى الآن.

تأملات في سورة الأحقاف

تقليص
X
  •  
  • تصفية - فلترة
  • الوقت
  • عرض
إلغاء تحديد الكل
مشاركات جديدة

  • تأملات في سورة الأحقاف

    بسم الله الرحمن الرحيم
    اللهم صل على محمد وآل محمد


    ﴿وَاذكُر أَخا عادٍ إِذ أَنذَرَ قَومَهُ بِالأَحقافِ وَقَد خَلَتِ النُّذُرُ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ أَلّا تَعبُدوا إِلَّا اللَّهَ إِنّي أَخافُ عَلَيكُم عَذابَ يَومٍ عَظيمٍ﴾[الأحقاف: 21].

    الأحقاف هي الرمال المعوجة، أو ما يسمى اليوم الكثبان الهلالية؛ لأنها تتخذ في ترتيبها شكل الهلال.

    غالبا كانت مساكن قوم عاد قريبة من هذه الكثبان، وربما كانوا لا يعدونها خطرا عليهم، وربما كانوا يعدونها تحميهم؛ إذ إن هذه الكثبان تكون مرتفعة وقد يبلغ ارتفاعها عشرات الأمتار، كما أنها تنشأ بسبب رياح ذات اتجاه واحد؛ مما يجعل مساكن عاد في حماية من الرياح التي تأتي من نفسك الاتجاه.

    كيف تغير الأمر ؟
    ﴿فَلَمّا رَأَوهُ عارِضًا مُستَقبِلَ أَودِيَتِهِم قالوا هذا عارِضٌ مُمطِرُنا بَل هُوَ مَا استَعجَلتُم بِهِ ريحٌ فيها عَذابٌ أَليمٌ۝تُدَمِّرُ كُلَّ شَيءٍ بِأَمرِ رَبِّها فَأَصبَحوا لا يُرى إِلّا مَساكِنُهُم كَذلِكَ نَجزِي القَومَ المُجرِمينَ﴾[الأحقاف: 24-25].

    الغيوم تجمع في السماء، ثمة مطر قادم إذن، هذا خير أكيد، سيرتوي الزرع ويزدهر المرعي.

    لكن أحيانا، هذا الذي نأمل ونخطط أن يكون فيه ازدهارنا هو ذاته الذي تأتي نهايتنا منه، ذلك المطر الذي استبشر فيه قوم عاد كان فيه دمارهم وزوالهم، الأرض التي كانت تبدو صلبة تحت أقدامهم غارت وأخذتها معهم.
    كيف؟ من التفسيرات المطروحة أن الفراغات بين جزيئات الرمال في بعض أنواع الرمال تكون أكبر بكثير من أنواع أخرى، وأن هذا يجعل المياه التي تتسرب بينها كافية لتحويل كل شيء إلى كتلة تسحب كل ما فوقها.

    لم يحدث هذا مع قوم عاد فحسب. بل حدث دوما ويحدث دوما، وسيحدث دوما أيضا. حتى على مستوى الأفراد والتجارب الشخصية.

    كثيرا ما نتأمل خيرا كثيرا يأتي من جديد يدخل حياتنا، أو جديدا نمشي له بكامل إرادتنا، شخص جديد في صداقة أو شراكة أو عاطفة أو عمل جديد أو تجربة فكر جديد ، جديد بمعنى أنه ظهر حديثا، أو جديد بمعنى أنه جديد علينا.

    كم أقبلنا على تجارب من هذا النوع ونحن نتحدث عن تغيرنا ۱۸۰ درجة إلى الأفضل طبعا، ولم ننتبه في خضم احتفالنا بالتغيير إلى أننا قد دخلنا مستنقع رمال متحركة، وأننا نغوص شيئا فشيئا فيه، بينما نرفع أصابعنا بإشارة النصر.
    {هذا عارِضٌ مُمطِرُنا} ، ليس قوم عاد وحدهم من قالوها، بل هذا كان شعار المرحلة لشعوب وأقوام كثيرة، استبشرت بالخير والازدهار القادم تحت قيادة فلان أو بأيديولوجية معينة، ثم انتهت الأمور إلى حيث تسر الأعداء.
    حدث هذا كثيرا ويحدث باستمرار.
    …..
    السورة تحدثنا أولا عن عدم السقوط في هذا المستنقع بالأساس، ألا تبني بيتك وأحلامك ومشاريعك على رمال متحركة، حتى لو لك هذه الرمال صلبة في البداية.

    كيف؟
    الإيمان بالطبع، الإيمان كقيم فاعلة ومحركة، الإيمان بالله الخالق واضع القوانين والسنن ومنزل كتب الهداية والإرشاد.
    الإيمان على رأس قائمة أسباب الوقاية من السقوط، وعلى رأس قائمة مكونات حبل الإنقاذ الذي يمكن أن يمتد لأيادينا فيما لوحدث وسقطنا.
    لكن الإيمان يتضمن أيضا ما هو أكثر، ما لا نضعه في حسباننا كإيمان. لكنه في صلبه، وفي صلب موانع السقوط في الرمال المتحركة.
    وفي رأس قائمة الإنقاذ، العائلة .

    ﴿وَوَصَّينَا الإِنسانَ بِوالِدَيهِ إِحسانًا حَمَلَتهُ أُمُّهُ كُرهًا وَوَضَعَتهُ كُرهًا وَحَملُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثونَ شَهرًا حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَربَعينَ سَنَةً قالَ رَبِّ أَوزِعني أَن أَشكُرَ نِعمَتَكَ الَّتي أَنعَمتَ عَلَيَّ وَعَلى والِدَيَّ وَأَن أَعمَلَ صالِحًا تَرضاهُ وَأَصلِح لي في ذُرِّيَّتي إِنّي تُبتُ إِلَيكَ وَإِنّي مِنَ المُسلِمينَ۝أُولئِكَ الَّذينَ نَتَقَبَّلُ عَنهُم أَحسَنَ ما عَمِلوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِم في أَصحابِ الجَنَّةِ وَعدَ الصِّدقِ الَّذي كانوا يوعَدونَ۝وَالَّذي قالَ لِوالِدَيهِ أُفٍّ لَكُما أَتَعِدانِني أَن أُخرَجَ وَقَد خَلَتِ القُرونُ مِن قَبلي وَهُما يَستَغيثانِ اللَّهَ وَيلَكَ آمِن إِنَّ وَعدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقولُ ما هذا إِلّا أَساطيرُ الأَوَّلينَ۝أُولئِكَ الَّذينَ حَقَّ عَلَيهِمُ القَولُ في أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبلِهِم مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ إِنَّهُم كانوا خاسِرينَ﴾[الأحقاف: 15-18].

    تقدم السورة نموذجان، الظروف التي مر بها النموذجان واحدة، ويمر أغلبنا بها، نتلقى من والدينا الرعاية، ثم يأتي وقت نقدمه لهما، ليس الأمر دينا علينا أن نسدده بحرفية، بل نسيج اجتماعي يضمن قوة المجتمع، أمر لا تستطيع قوانين الضمان والرعاية الصحية أن تحققه، ولا بيوت المسنين.
    النموذج الأول أدى ما عليه، النموذج الثاني قرر أن يجرب شعارات «أن يكون نفسه»، أن يخرج المارد ربما، إلخ.
    لكنه دمر حبل النجاة.
    …..

    هل كان قوم عاد أغبياء؟ كيف فات عليهم هذا الأمر؟ هل كان كل من يسير على خطاهم غبيا ليصل إلى تلك النهاية في
    الرمال المتحركة؟
    على العكس.
    ﴿وَلَقَد مَكَّنّاهُم فيما إِن مَكَّنّاكُم فيهِ وَجَعَلنا لَهُم سَمعًا وَأَبصارًا وَأَفئِدَةً فَما أَغنى عَنهُم سَمعُهُم وَلا أَبصارُهُم وَلا أَفئِدَتُهُم مِن شَيءٍ إِذ كانوا يَجحَدونَ بِآياتِ اللَّهِ وَحاقَ بِهِم ما كانوا بِهِ يَستَهزِئونَ﴾[الأحقاف: 26].

    كان لديهم كل أدوات التمكين، وكل آليات العقل، ولكن ربما وثقوا فيها أكثر مما يجب، تصوروا أن لا حدود لإمكاناتهم، وكان ذلك نقطة التحول التي جعلت من تمكينهم انتحاراً.

    لا يتطلب الأمر قدرة خارقة أحيانا لكي ترى ما هو شديد الوضوح، تحتاج فقط أن تكون متوازنا في النظر إلى الأمور، إلى قدراتك وإلى قدرات خالقك وقوانينه وسننه وإرشاداته.
    ﴿وَإِذ صَرَفنا إِلَيكَ نَفَرًا مِنَ الجِنِّ يَستَمِعونَ القُرآنَ فَلَمّا حَضَروهُ قالوا أَنصِتوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوا إِلى قَومِهِم مُنذِرينَ﴾
    [الأحقاف: 29].
    لا نعرف الكثير عن الجن، غير أنهم مخلوقات لها بعد آخر إن جاز التعبير، القرآن نزل لنا بشكل أساسي، لكنهم بقليل من الاستماع، من النظر من بعيد؛ آمنوا به.

    لا تحتاج الكثير لكي تؤمن بما هو واضح وبديهي.

    لكنك إن لم تزل غشاوة الأنا عن بصيرتك؛ فإن الكثير من الذكاء والقدرات لن تجعلك تؤمن.
    ﴿فَاصبِر كَما صَبَرَ أُولُو العَزمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَستَعجِل لَهُم كَأَنَّهُم يَومَ يَرَونَ ما يوعَدونَ لَم يَلبَثوا إِلّا ساعَةً مِن نَهارٍ بَلاغٌ فَهَل يُهلَكُ إِلَّا القَومُ الفاسِقونَ﴾[الأحقاف: 35].

    مهمة إنقاذ الناس من الرمال المتحركة ليست سهلة أبدا.
    تحتاج صبرا وعزيمة بوجه الرياح والرمال المتحركة، وبوجه من يصفق لكل عارض ممطر، بينما على بصيرته غشاوة.

المحتوى السابق تم حفظه تلقائيا. استعادة أو إلغاء.
حفظ-تلقائي
Smile :) Embarrassment :o Big Grin :D Wink ;) Stick Out Tongue :p Mad :mad: Confused :confused: Frown :( Roll Eyes (Sarcastic) :rolleyes: Cool :cool: EEK! :eek:
x
يعمل...
X